علاقة عليّ بن أبي طالب بعمر بن الخطاب

  • تاريخ البدء تاريخ البدء

خالدالطيب

شخصية هامة

كان عليّ -رضي الله عنه- عضوًا بارزًا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هوالمستشار الأول، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يعرف لعليّ فضله، وفقهه،وحكمته، وكان رأيه فيه حسنًا، فقد ثبت قوله فيه: أقضانا عليّ, وقال ابنالجوزي: كان أبو بكر وعمر يشاورانه، وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلةليس لها أبو الحسن, وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعليّ وعبدالله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب وقال: شاممت أصحاب محمد -صلىالله عليه وسلم- فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر: عمر، وعليّ، وعبد الله،وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدتعلمهم انتهى إلى رجلين منهم: إلى علي، وعبد الله, وقال أيضًا: انتهى العلمإلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق. فعالم المدينةعلي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق، عالم المدينة ولميسألهما, فكان عليّ من هؤلاء المقربين، يشدّ من أزر أخيه، ولا يبخل عليهبرأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نصّ، وفيتنظيم أمور الدولة الفتية، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:

أولاً: في الأمور القضائية:
1- امرأة تعتريها نوبات من الجنون: عن أبي ظبيان الجنبي: أن عمر بن الخطاب أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها،فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم علي -رضي الله عنه- فقال: ما هذه؟ قالوا: زنتفأمر عمر برجمها، فانتزعها عليّ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردّكم؟ قالوا: ردنا عليّ، قال: ما فعل هذا عليّ إلاّ لشيء قد علمه،فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال: مالك رَدَدْتَ هؤلاء؟ قال: أما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عنالنائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المُبتلى حتى يعقل؟" قال: بلى، قال عليّ: فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدري، فلم يرجمها, فقد كان عمر لا يعلم أنها مجنونة.
2- مضاعفة الحد لمن شرب الخمر: أخذ عمر برأي علي -رضي الله عنهما- في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر، وذلكلانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام،فأشار عليّ على عمر -رضي الله عنهما- بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود،وعلّل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون،وقد ثبت عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: ما كنت أقيم حدًا على أحد،فيموت، وأجد في نفسي، إلاّ صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيْتُه، وذلك لأنرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسنّه. وأوَّل البيهقي قوله: (لميسنّه) زيادة على الأربعين، أو لم يسنّه بالسياط وقد سنّه بالنعال وأطرافالثياب مقدار أربعين والله أعلم, وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاءالراشدين مقدار الحد في الخمر، على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهمثمانون، لإجماع الصحابة، ومن قال إن الحد أربعون: أبو بكر، والشافعي، وقوللأحمد، وتُحمل الزيادة على ذلك من عمر-رضي الله عنه- على أنها تعزير يجوزفعله إذا رآه الإمام، وهذا هو القول الصحيح للشافعي, وهذا الرأي مال إليهابن تيمية أيضاً وقال:.. فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب، فتكفيالأربعون.
3- لا سلطان لك على ما في بطنها: أُتي عمر -رضي الله عنه- بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمربها عمر تُرجم، فلقيها عليّ فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر بها أميرالمؤمنين أن تُرجم، فردها علي فقال: أأمرت بها أن ترجم؟ قال: نعم، اعترفتعندي بالفجور! قال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ قالعلي: فلعلك انتهرتها, أو أخفتها؟ قال: قد كان ذاك، قال: أو ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أوحبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلدمثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر.
وقد علق ابن تيمية على هذهالقصة: إن هذه القصة إن كانت صحيحة، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنهاحامل، فأخبره عليّ بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لميعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرّفه بعض الناس بحالها، كان هذامن جملة إخباره بأحوال الناس... إلى أن قال عن عمر، يعطي الحقوق، ويقيمالحدود، ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام، وظهر ظهورًا لميكن قبله مثله، وهو دائمًا يقضي، ويفتي ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك، فإذاخفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب فيذلك؟ وكان رده هذا في سياق رده على الروافض.


4- ردوا الجهالات إلى السنة: أُتي عمر بامرأة أنكحت في عدتها، ففرق بينهما، وجعل صداقها في بيت المالوقال: لا أجيز مهرًا ردّ نكاحه، وقال: لا تجتمعان أبدًا، فبلغ ذلك عليًافقال: وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما،فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالاتإلى السنة، ورجع عمر إلى قول عليّ.
5- هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي: قال جعفر بن محمد: أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصاروكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة، فألقت صفارها،وصبت البياض على ثوبها وبين فخذها ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذاالرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله، فسأل عمر النساءفقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهمّ بعقوبة الشاب، فجعل يستغيثويقول: يا أمير المؤمنين تثبّت في أمري، فو الله ما أتيت فاحشة وما هممتبها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى فيأمرهما؟ فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبّعلى الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه، وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجرالمرأة فاعترفت.
ونستخلص من هذه الواقعة بعض الدروس:
(أ) أن وسائل الإثبات في القضاء الإسلامي كانت تشمل الإقرار والشهادة واليمين والنكول.. وتتسع لتشمل الأمارات والفراسة.
(ب) اهتمام عمر بمشاورة كبار الصحابة في النوازل، وعلى الخصوص علي- رضي الله عنهما- الذي كانت منزلته عنده متميزة.
ثانيًا: علي -رضي الله عنه- والتنظيمات المالية والإدارية العمرية:
1- في الأمور المالية:
(أ) نفقات الخليفة: لما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانًا، لا يأكل منبيت المال شيئًا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، ولم يعد يكفيه ما يربحه منتجارته؛ لأنه اشتغل عنها بأمور الرعية، فأرسل إلى أصحاب رسول الله -صلىالله عليه وسلم- فاستشارهم في ذلك فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر، فمايصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمروبن نفيل، وقال عمر لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء، فأخذ عمربذلك، وقد بين عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال اللهبمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف.
(ب) رأي علي في أرض السواد بالعراق:
لما فُتحت أرض السواد بالعراق عنوة، أشار عدد من الصحابة – رضوان اللهعليهم- على عمر بتقسيمها بين الفاتحين، ولكن لسعة الأرض وجودتها، ونظرةعمر البعيدة لمن سيأتي بعد ذلك، لم يطمئن عمر لتقسيمها، فاستشار عليًا فيذلك فكان رأيه موافقًا لرأي الخليفة عمر ألاّ تُقسّم فأخذ برأيه وقال: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلاّ قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر.
(ج) لا جرم لتقسمنه: أُتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين، وفضلت منه فضله، فاستشار فيها الصحابة،فقالوا له: لو تركته لنائبة إن كانت، وفي القوم علي ساكت، فأراد عمر أنيسمع رأي علي في ذلك، فذكّره علي بحديث مال البحرين حين جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه قسمه كله، فقال عمر لعلي: لا جرم لتقسمنه،فقسمه علي, ويبدو أن هذا كان قبل تقسيم الدواوين.

2- علي -رضي الله عنه- والأمور الإدارية:
عندمااحتاج عمر -رضي الله عنه- أن يضع تاريخًا رسميًا ثابتًا لتنظيم أمورالدولة وضبطها، جمع الناس وسألهم: من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي رضيالله عنه: من يوم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترك أرض الشرك،ففعله عمر, وقد كان عمر – رضي الله عنه – يراه من أفضل من يقود الناس فقدورد عنه أنه كان يناجي رجلاً من الأنصار، فقال: من تحدثون أنه يستخلف منبعدي؟ فعد الأنصاري المهاجرين ولم يذكر عليًا، فقال عمر: فأين أنتم منعلي؟ فو الله لو استخلفتموه، لأقامكم على الحق وإن كرهتموه. وقال لابنهعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما – بعد أن طعن: إن ولوها الأجلح سلك بهمالطريق.

3- استخلف عمر عليًا على المدينة مرارًا:
(أ) استخلافه حين خرج عمر إلى ماء صراء فعسكر فيه: وذلك قبيل القادسية، وكان الفرس قد حشدوا للمسلمين، فجمع عمر الناس فاستشارهم فكلهم أشار عليه بالميسر.
(ب) استخلافه عند نزول عمر بالجابية: وذلك حين نزل عمرو بن العاص أجنادين، فكتب إليه أرطبون الروم، والله لاتفتح من فلسطين شيئًا بعد أجنادين، فارجع لا تغر، وإنما صاحب الفتح رجلاسمه على ثلاثة أحرف، فعلم عمرو أنه عمر، فكتب يعلمه أن الفتح مدخر له،فنادى له الناس، واستخلف علي بن أبي طالب.
(ج) استخلاف علي حين حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: وهى آخر حجة حجها بالناس كانت سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان مع أمهاتالمؤمنين أولياؤهن ممن لا يحتجبن منه، وخلف على المدينة علي بن أبي طالب. __________________

 
ثالثًا: استشارة عمر لعلي -رضي الله عنهما- في أمور الجهاد وشؤون الدولة:
كانعلي -رضي الله عنه- المستشار الأول لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وكانعمر يستشيره في الأمور الكبيرة منها والصغيرة، وقد استشاره حين فتحالمسلمون بيت المقدس، وحين فُتحت المدائن، وعندما أراد عمر التوجه إلىنهاوند وقتال الفرس، وحين أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي وضع التقويمالهجري وغير ذلك من الأمور, وكان علي -رضي الله عنه- طيلة حياة عمرمستشارًا ناصحًا لعمر، محبًا له خائفًا عليه، وكان عمر يحب عليًا، وكانتبينهما مودة ومحبة وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبي أعداء الإسلام إلاّ أنيزوّروا التاريخ، ويقصوا بعض الروايات التي تناسب أمزجتهم ومشاربهمليصوروا لنا فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن أن كل واحد منهم كان يتربصبالآخر الدوائر لينقضّ عليه، وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس.
إنمن أبرز ما يلاحظه المتأمل في خلافة عمر تلك الخصوصية في العلاقة، وذلكالتعاون المتميز الصافي، بين عمر وعلي-رضي الله عنهما- فقد كان علي هوالمستشار الأول لعمر في سائر القضايا والمشكلات، وما اقترح على عمر رأيًاإلاّ واتجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وكان علي -رضي الله عنه- يمحضه النصحفي كل شؤونه وأحواله, فمثلاً عندما تجمّع الفرس بنهاوند في جمع عظيم لحربالمسلمين جمع عمر- رضي الله عنه – الناس واستشارهم في المسير إليهم بنفسه،فأشار عليه عامة الناس بذلك، فقام إليه علي – رضي الله عنه- فقال: أمابعد، يا أمير المؤمنين، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلىذراريهم، وإنك إن أشخصت أهل اليمن إلى ذراريهم من يمنهم سارت الحبشة إلىذراريهم، وإنك إن أشخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافهاوأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العوراتوالعيالات، أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة، فليتفرقوا ثلاثفرق: فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسرفرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًاقالوا: هذا أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك، وأما ما ذكرت منمسير القوم، فإن الله هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره،وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر، فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه
.
كانت نصيحة علي نصيحة المحب لعمرالغيور عليه، والضنين ألاّ يذهب، وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العربوهو في مكانه، وحذّره من أنه إذا ذهب، فلسوف ينشأ وراءه من الثغرات ما هوأخطر من العدو الذي سيواجهه، أرأيت لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأعلن أن الخلافة من بعده لعلي، أفكان لعلي أن يرغب عن أمر رسول الله -صلىالله عليه وسلم- هذا، وأن يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخلافة بمثلهذا التعاون المخلص البنّاء؟ بل أفكان للصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم أنيضيعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل أفكان من المتصوّر أن يجمعواوفي مقدمتهم علي -رضوان الله عليه- على ذلك؟ بوسعنا أن نعلم إذن بكلبداهة، أن المسلمين إلى هذا العهد – نهاية عهد عمر – بل إلى نهاية عهد عليكانوا جماعة واحدة، ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخلافة،أو شأن من هو أحق بها
.
إن كثرة مشاورة عمر لعلي- رضي الله عنهما- وغيرهمن الصحابة، لا يعني هذا أنه دونهم في الفقه والعلم، فقد بينت الأحاديثالصحيحة التي تدل على علوّ علمه، واكتمال دينه، ولكن إيمانه وحبه للشورى،وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة، وعدم الاستبداد بالأمر والرأي،وإلا فإن عليًا -رضي الله عنه- كان كثيرًا ما يرجع عن رأيه إلى رأي عمر, فقد جاء عن عائشة- رضي الله عنها- في معرض حديثها عن عمر قولها: وقد كانعلي -رضي الله عنه- يتابع عمر بن الخطاب، فيما يذهب إليه ويراه، مع كثرةاستشارته عليًا، حتى قال علي -رضي الله عنه-: يشاورني عمر في كذا، فرأيتكذا، ورأى هو كذا، فلم أر إلاّ متابعة عمر
.

رابعًا: علي -رضي الله عنه- وأولاده وعلاقتهم بعمر -رضي الله عنهم-:
كان عمر -رضي الله عنه- شديد الإكرام لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيثارهم على أبنائه وأسرته، نذكر من ذلك بعض المواقف
:
1- أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر: جاء فيما رواه الحسين بن علي رضي الله عنه: أن عمر قال لي ذات يوم: أي بنيلو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يومًا وهو خالٍ بمعاوية، وابن عمر بالباب لميؤذن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال: يا بني، لم أرك أتيتنا؟ قلت: جئت وأنتخالٍ بمعاوية، فرأيت ابن عمر رجع، فرجعت، فقال: أنت أحق بالإذن من عبدالله بن عمر. إنما أنت في رؤوسنا ما ترى: الله، ثم أنتم، ووضع يده علىرأسه
.
2- والله ما هنأ لي ما كسوتكم: روىابن سعد عن جعفر بن محمد الباقر، عن أبيه علي بن الحسين، قال: قدم على عمرحلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس،والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له، فخرج الحسن والحسين من بيت أمهمافاطمة -رضي الله عنها- يتخطيان الناس، ليس عليهما من تلك الحلل شيء، وعمرقاطب صار بين عينيه، ثم قال: والله ما هنأ لي ما كسوتكم، قالوا: يا أميرالمؤمنين، كسوت رعيتك فأحسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطيان الناس وليسعليهما من شيء كبرت عنهما وصغرا عنها، ثم كتب إلى والي اليمن أن ابعثبحلتين لحسن وحسين، وعجِّل، فبعث إليه بحلتين فكساهما
.
3- تقديم بني هاشم في العطاء: عن أبي جعفر أنه لما أراد أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع ناسًامن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عبد الرحمن بن عوف رضي اللهعنه: ابدأ بنفسك، فقال: لا والله، بالأقرب من رسول الله -صلى الله عليهوسلم- ومن بني هاشم رهط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفرض للعباس، ثملعلي، حتى والى بين خمس قبائل، حتى انتهى إلى بني عدي بن كعب، فكتب: منشهد بدرًا من بني هاشم، ثم من شهد بدرًا من بني أمية بن عبد شمس، ثمالأقرب فالأقرب، ففرض الأعطيات لهم وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسولالله
.
4- كساني هذا الثوب أخي وخليلي: خرج علي وعليه برد عدني فقال: كساني هذا الثوب أخي وخليلي وصفيي وصديقيأمير المؤمنين عمر. وفي رواية عن أبي السفر قال: رُئِي على علي بن أبيطالب -رضي الله عنه- برد كان يكثر لبسه قال: فقيل: يا أمير المؤمنين، إنكلتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: نعم، إن هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بنالخطاب، رضي الله عنه، ناصح الله فنصحه، ثم بكى
.
5- أقطاع ينبع: أقطع عمر بن الخطاب عليًا ينبع، ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء فحفرفيها عينًا، فبينما هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور منالماء، فأتى عليّ وبشّر فتصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل اللهليوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ليصرف الله تعالى بها وجهه عن النار، ويصرفالنار عن وجهه، وكتب في صدقته: هذا ما أمر به علي بن أبي طالب وقضى فيماله: إني تصدقت بينبع ووادي القرى والأذنية وراعة في سبيل الله ووجهه،أبتغي مرضاة الله، يُنفق منها في كل منفعة في سبيل الله ووجهه، وفي الحربوالسلم والجنود وذوي الرحم القريب والبعيد، لا يُباع ولا يوهب، ولا يورثحيًا أنا أو ميتًا، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، ولا أبتغي إلاّالله عز وجل، فإنه يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين، فذلك الذي قضيتفيها بيني وبين الله عز وجل
.
6- لتقولن يا أبا حسن: اجتمع عند عمر جماعة من قريش فيهم علي فتذكروا الشرف، وعلي ساكت فقال عمر: مالك يا أبا الحسن ساكتًا؟ فكأن عليًا كره الكلام، فقال عمر: لتقولن ياأبا الحسن، فقال علي:

في كلِّ معتركٍ تزيلُ سيوفُنا
فيها الجماجمَ عن فراخِ الهامِ

اللهُ أكرمنا بنصر نبيِّهِ
وبنا أعزَّ شرائعَ الإسلامِ

ويزورُنا جبريلُ في أبياتِنا
بفرائضِ الإسلامِ والأحكامِ



 
حوار بين أمير المؤمنين عمر وعلي حول الرؤيا:قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أعجبمن رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال، فتكون رؤياه كأخذاليد، ويرى الرجل الشيء، فلا تكون رؤياه شيئًا، فقال علي بين أبي طالب: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله يقول: (اللهُيَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُالأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) [الزمر: 42].
خامسًا: زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب:

زوّجعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابنته من فاطمة بنت النبي -صلى الله عليهوسلم- من الفاروق حينما سأله زواجها منه -رضي الله عنه- بما يطلب، وثقةفيه وإقرارًا لفضله ومناقبه، واعترافًا بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهارًا بأنبينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوبالحساد من أعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم, فقد كان عمر يكن لأهل البيتمحبة خاصة لا يكنّها لغيرهم لقرابتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إكرام أهل البيت ورعايةحقوقهم، فمن هذا الباعث خطب عمر أم كلثوم ابنة علي وفاطمة -رضوان اللهعليهم- وتودّد إليه في ذلك قائلاً: فو الله ما على الأرض رجل يرصد من حسنصحبتها ما أرصد، فقال علي: قد فعلت، فأقبل عمر إلى المهاجرين، وهو مسرورقائلاً: رفئوني.. ثم ذكر أن سبب زواجه منها ما سمعه من النبي صلى اللهعليه وسلم: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سببي ونسبي»،فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبب, ولقد أقربهذا الزواج كل أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهمومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم، ولقد أورد الشيخ إحسانإلهي ظهير روايات بخصوص ذلك في كتابه الشيعة والسنة, ولقد ذكر هذا الزواجعلماء أهل السنة في التاريخ، وأجمعت مصادرهم عليه، ومن العلماء الذينذكروا هذا الزواج: الطبري, وابن كثير, والذهبي, وابن الجوزي والديار بكرى, وقد ذُكر هذا الزواج في كتب التراجم، كابن حجر, وابن سعد, وأسد الغابة،وقد قام الأستاذ أبو معاذ الإسماعيلي في كتابه زواج عمر بن الخطاب من أمكلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- حقيقة وليس افتراء، بتتبعمراجع مصادر الشيعة وأهل السنة فيما يتعلق بهذا الزواج، ورد على الشبهاتالتي أُلصقت بهذا الزواج الميمون، وقد ذكرت شيئًا من سيرتها ومواقفها فيحياتها في عهد الفاروق في كتابي (فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بنالخطاب، شخصيته وعصره).
هذا وقد ولدت أم كلثوم بنت علي من عمر -رضيالله عنه- ابنة سُمّيت (رقية) وولدًا سمته زيدًا، وقد روى أصحاب زيد أنزيد بن عمر حضر مشاجرة في قوم من بني عدي بن كعب ليلاً فخرج إليهم زيد بنعمر ليصلحهم فأصابته ضربة شجت رأسه ومات من فوره، وحزنت أمه لقتله، ووقعتمغشيًا عليها من الحزن فماتت من ساعتها، ودفنت أم كلثوم وابنها زيد بن عمرفي وقت واحد، وصلى عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، قدمه الحسن بن علي بنأبي طالب، وصلى خلفه.
سادسًا: يا بنت رسول الله، ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك:

عن أسلم العدوي قال:لما بويع لأبي بكر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان علي والزبير بنالعوام يدخلان على فاطمة فيشاورانها، فبلغ عمر، فدخل على فاطمة فقال: يابنت رسول الله، ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعدأبيك أحب إلينا منك، وكلّمها، فدخل علي والزبير على فاطمة فقالت: انصرفاراشدين، فما رجعا إليها حتى بايعا, وهذا هو الثابت الصحيح والذي مع صحةسنده ينسجم مع روح ذلك الجيل وتزكية الله له. وقد زاد الروافض في هذهالرواية واختلقوا إفكا وبهتانًا وزورًا، وقالوا إن عمر قال: إذا اجتمععندك هؤلاء النفران لأُحرقنَّ عليهم هذا البيت؛ لأنهم أرادوا شق عصاالمسلمين بتأخرهم عن البيعة، ثم خرج عنها، فلم يلبث أن عادوا إليها، فقالتلهم: تعلمون أن عمر جاءني وحلف بالله لئن أنتم عدتم إلى هذا البيت ليحرقنهعليكم، وايم الله، إنه ليصدقن فيما حلف عليه، فانصرفوا عني فلا ترجعواإليّ ففعلوا ذلك، ولم يرجعوا إليها إلاّ بعدما بايعوا. وهذه القصة لم تثبتعن عمر -رضي الله عنه- ودعوى أن عمر -رضي الله عنه- همّ بإحراق بيت فاطمة،من أكاذيب الرافضة، أعداء صحابة رسول الله، وقد أوردها مع أكاذيب أخرىالطبري الطبرسي في كتابه دلائل الإمامة, عن جابر الجعفي، وهو رافضي كذابباتفاق أئمة الحديث كما في الميزان للذهبي، وتهذيب التهذيب, وزعم بعضالروافض أن عمر ضرب فاطمة حتى أسقط ولدها محسنًا وهو في بطنها، وهذه منالأكاذيب الرافضة التي لا أساس لها من الصحة، وما علموا أنهم يطعنون فيعلي -رضي الله عنه- وذلك باتهامه بالجبن والسكوت عن عمر، وهو من أشجعأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل إن بعض كتب الروافض أنكر صحة هذاالهذيان والزور، علمًا بأن محسنًا وُلد في حياة النبي -صلى الله عليهوسلم- كما ثبت ذلك بالرواية الصحيحة.
سابعًا: الخلاف بين العباس وعلي وحكم عمر -رضي الله عنهم- بينهما:
قال مالك بن أوس: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار, إذا رسول عمر بنالخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى دخلت على عمر،فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم،فسلّمت عليه ثم جلست، فقال: يا مالك، إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات،وقد أمرت فيهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، لوأمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبهيرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص،يستأذنونك؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا،ثم قال: هل لك في عليّ وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما فدخلا فسلّما فجلسا،فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان فيما أفاءالله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من مال بني النضير، فقال الرهطعثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر. قالعمر: تيدكم, أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» يريد رسولالله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر علىعليّ، وعباس، فقال: أنشدكما بالله، أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليهوسلم- قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر،إن الله قد خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًاغيره، ثم قرأ: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىرَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَرِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). [الحشر:6]. فكانت هذه خالصة لرسولالله -صلى الله عليه وسلم- و والله ما احتازها دونكم، ولا أستأثر بهاعليكم، قد أعطاكموها، وبثها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ مابقي، فيجعله مال الله، فعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك حياته،أنشدكما بالله، هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صلى الله عليهوسلم- فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله يعلمأنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا وليّأبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى اللهعليه وسلم، وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشدتابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركم واحد، جئتني ياعباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا «يريد عليًا» يريد نصيبامرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أن عليكماعهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صلى الله عليهوسلم- وما عمل أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا،فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على عليّ وعباس فقال: أنشدكم بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟قالا: نعم، قال: فتلتمسان مني غير ذلك، فو الله الذي بإذنه تقوم السماءوالأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ، فإنيأكفيكماها.


 

ثامنًا: ترشيح عمر عليًا للخلافة مع أهل الشورى، وما قاله علي في عمر بعد استشهاده:

1- ترشيح علي مع أهل الشورى: لما طُعن عمر -رضي الله عنه- وظن أنه سيفارق الحياة، وأخذ المسلمون يدخلونعليه، ويقولون له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أجد أحق بهذاالأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط- الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليهوسلم وهو عنهم راضٍ فسمّى عليًا، وعثمان، والزبير وطلحة وسعدًا وعبدالرحمن, ثم دعا خاصتهم، وهم: عبد الرحمن، وعثمان، وعلي فوعظهم. إن عمر -رضي الله عنه- إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأىأن الستة الذين تُوفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ أحقمن غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد أن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيينإليهم خوفًا أن يعين واحدًا منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحانالستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون أحدًامنهم، وهذا اجتهاد إمام عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وهو نموذجواقعي لتطبيق قول الله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ). [الشورى:38] وقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ). [آل عمران: 159]، فكان ما فعله من الشورى مصلحة.
__________________
إنالفاروق -رضي الله عنه- رأى الأمر في الستة متقاربًا، فإنهم وإن كانلبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأىأنه إذا عين واحدًا فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوبًا إليه،فترك التعيين خوفًا من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمرمنهم، فجمع بين المصلحتين، بين تعيينهم إذ لا أحق منهم، وترك تعيين واحدمنهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعلالمصلحة بحسب الإمكان، فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة، ولا يقالإنه بجعله الأمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعةالرافضة؛ لأن الخلاف نوعان: خلاف تضادّ وخلاف تنوّع، وما فعله عمر – رضيالله عنه – من النوع الثاني, وقد أقره على اجتهاده كل الصحابة ولم نسمعأحدًا عارضه، وقد بسطت ما ابتكره عمر من طريقة جديدة في اختيار الخليفة منبعده في كتابي "فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيتهوعصره"، فمن أراد التوسع فليرجع إليه مشكورًا.
2- ما قاله علي في عمر بعد استشهاده:
قال ابن عباس كما هو في صحيح البخاري: وُضع عمر على سريره فتكنفه الناسيدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلاّ رجل آخذ منكبي، إذاعلي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدًا أحب إليّ أن ألقىالله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك،وحسبت أني كنت كثيرًا ما أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ذهبت أناوأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
3- قول علي في عمر:
إن عمر كان رشيد الأمر، وها هو حرصه على عدم مخالفته بعد وفاته. عن عبدخير قال: كنت قريبًا من علي حين جاء أهل نجران قال: قلت: فإن كان رادًاعلى عمر شيئًا فاليوم، قال: فسلموا واصطفوا بين يديه، قال: ثم أدخل بعضهميده في كمه، فأخرج كتابًا، فوضعه في يد علي، قالوا: يا أمير المؤمنين، خطكبيمينك وإملاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليك، قال: فرأيت عليًا وقدجرت الدموع على خده قال: ثم رفع رأسه إليهم فقال: يا أهل نجران، إن هذالآخر كتاب كتبته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: فأعطنا مافيه، قال: سأخبركم عن ذاك؛ إن الذي أخذه عمر لم يأخذه لنفسه، إنما أخذهبجماعة من المسلمين، وكان الذي أخذه منكم خيرًا مما أعطاكم، والله لا أردّشيئًا مما صنعه عمر. إن عمر كان رشيد الأمر, وهذه الحادثة أصل الفقهاءعليها قولهم: لا يرد القاضي اجتهاد قضاء من قبله عن علي, ورُوي عنه أنهقال: اقضوا كما كنتم تقضون حتى تكونوا جماعة، فإني أخشى الاختلاف, وهو قولجمهور الفقهاء, وقد قال علي: ما كنت لأحل عقدة شدّها عمر.
4- إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك:لما فرغ علي من وقعة الجمل، ودخل البصرة، وشيّع أم المؤمنين عائشة لماأرادت الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الاثنين،لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: انزل بالقصر الأبيض،فقال: لا، إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك، فنزل فيالرحبة، وصلّى في الجامع الأعظم ركعتين
.
5- حب أهل البيت لعمر رضي الله عنه:
إن من دلالة محبة أهل البيت الفاروق – رضي الله عنه – تسمية أبنائهمباسمه، حبًا وإعجابًا بشخصيته، وتقديرًا لما أتى به من الأفعال الطيبةوالمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقرارًابالصلات الودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم، والصهر القائمبينه وبينهم؛ فأوّل من سمى ابنه باسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،سمّى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية عمر, وقد جاء في كتاب صاحبالفضول، حتى ذكر أولاد علي بن أبي طالب: وعمر من التغلبية، وهى الصهباءبنت ربيعة من السبي الذي أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، وعمَّرعمر هذا حتى بلغ خمسًا وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث علي رضي الله عنه،وذلك أن جميع إخوانه وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قُتلوا جميعهمقبله مع الحسين رضي الله عنه – يعني أنه لم يقتل معهم – بالطف فورثهم, هذاوتبعه حسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- فسمى أحد أبنائهعمر أيضًا, وكذلك الحسين بن علي سمّى عمر، ومن بعد الحسين ابنه علي الملقببزين العابدين سمّى أحد أبنائه عمر, وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظمسمّى أحد أبنائه عمر, فهؤلاء الأئمة من أهل البيت الذين ساروا على هديالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومعالم منهج أهل السنة والجماعة بسيرتهمالعطرة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنّونه في صدورهم من حبهم وولائهم له بعدوفاته بمدة، وقد جرى هذا الاسم، وكذلك أبو بكر وعثمان في ذرية أهل البيتممن ساروا على مذهب الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا، ونجدأسماء الصحابة وأمهات المؤمنين في البيوت الهاشمية التي التزمت بالكتابوالسنة، فقد سمّوا طلحة، وعبد الرحمن وعائشة وأم سلمة ونحن ندعو الشيعةاليوم إلى الاقتداء بعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة من آل البيت،فيسمّون بعض أبنائهم وبناتهم بأسماء الخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين. نرجو ذلك.
عمر بن الخطاب جعله الله سببًا في ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب:أعطى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – للحسين بن علي -رضي الله عنهم- منغنائم الفرس ابنة يزدجرد ملك الفرس، فولدت له زين العابدين علي بن الحسينالذي لم يبق من أبناء الحسين غيره، وكل ذرية الحسين تناسلوا منه ويُنسبونإليه, فليحذر الذين يسبون عمر بن الخطاب ممن ينتسبون إلى الحسين، فلولاهبعد الله لما كان لهم وجود, كما أن عمر – رضي الله عنه – أعطى أختها لمحمدبن أبي بكر فكان عديلاً للحسين، وأنجبت له القاسم بن محمد بن أبي بكر،فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلى بن الحسين زين العابدين ابني خالة.
7- قول عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب في عمر:عن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين، فقال: امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: فقلت: إنما أسألك أنتتمسح؟ قال: ذاك أعجز لك، أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيرًامني ومن ملء الأرض، فقلت: يا أبا محمد، فإن ناسًا يزعمون أن هذا منكمتقية، قال: فقال لي – ونحن بين القبر والمنبر-: اللهم إن هذا قولي في السروالعلانية، فلا تسمعن عليّ قول أحد بعدي. ثم قال: من هذا الذي يزعم أنعليًا -رضي الله عنه- كان مقهورًا، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأمر ولم ينفذه؟ وكفى بإزراء على عليّ ومنقصة أن يزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأمر ولم ينفذه.


 
الوسوم الوسوم
أبي الخطاب بعمر بن طالب علاقة عليّ
عودة
أعلى