في عملي كعالم نفس سريري، أدركت أن القلق الأكبر الذي يعبّر عنه الأهل هو عدم معرفتهم كيف يؤدّبون أطفالهم على نحو فعّال.
لا مفاجأة هنا.
غالبًا ما يشعر الأهل بالاحباط والتعب لأنهم جرّبوا كل تقنية واستراتيجية متوفّرة لتأديب أولادهم بدون جدوى. لم يتغيّر سلوك طفلهم وأصبحوا هم أنفسهم على وشك الانهيار. فلماذا نفشل؟ وكيف لنا أن نؤدبهم ؟
لمساعدة الأهل على فهم سبب عدم نجاح استراتيجيّاتهم التأديبيّة، غالبًا ما أقوم بتمرين معهم.
أطلب منهم استعمال الكلمة "تأديب" في جملة.
ويقولون دائمًا شيئًا مثل، "كيف أستطيع تأديب طفلي؟" أو إذا كانوا يتوجّهون الى طفلهم، يقولون، "سأفكّر بطريقة لتأديبك."
ألفت أوّلاً انتباههم الى كيفية استخدام الكلمة "تأديب" كفعل: شيء تفعله لشخص آخر.
ثم أطلب منهم أن يحلّلوا المعنى المتضمّن في جملهم – ما الذي يعنونه بالضبط عندما يستعملون الكلمة "تأديب"؟
إذا كانوا صادقين، يقولون شيئًا بالمعنى التالي: "اريد طريقة للسيطرة عليهم" أو "أنا مستاء من أولادي وسيدفعون ثمن ذلك،" أو "أشعر بإحباط شديد لأنني لا أستطيع أن أغيّر طريقة سلوكهم."
فأكشف لهم أن هذا هو السبب الذي يجعل الاستراتيجيّات التأديبية التي يستخدمونها مع أطفالهم ترتدّ عليهم. نقول إننا نريد أن نعلّم أولادنا أسس حسن السلوك وأن نساعدهم على تطوير الانضباط الذاتي. ولكنّنا تبنّينا، بدلاً من ذلك، استراتيجيّات مضادة تمامًا للتعليم وليست سوى طرق ذكية للتلاعب والسيطرة.
ولأنه ليس هناك كائن بشري يرغب في أن يتلاعب به، أحد يتمرّد أطفالنا. فهم إمّا يثورون على ذواتهم فيطلّقون قوّتهم الحقيقية عبر الخنوع والإذعان أو يتمرّدون بطريقة فاعلة أكثر ضدّ أهلهم. مهما يكن من أمر، فإنهم يخلقون شخصيّة زائفة مضادة لطاقة السيطرة عند أهلهم
إذا قلنا أن شخصًا ما يعيش حياة منضبطة، فإننا نعني بذلك شيئٍا مختلفًا تمامًا من قولنا إن الشخص سيتعرّض "لعمل تأديبي." في الواقع، إن عيش حياة منضبطة هو في الحقيقة نقيض العمل التأديبي.
تشير العبارة الأولى الى الانضباط الذاتي – القدرة على تنظيم الذات بدون الحاجة الى شخص آخر يجعلنا نحسن السلوك. بوصلتنا الداخلية هي التي توجّهنا لعيش حياة تتصل فيها أشعّة دولاب حياتنا اليومية بمحورنا، قلب كياننا، الذي هو مصدر جميع رغباتنا الحقيقية.
أمّا العبارة الثانية، "عمل تأديبي" فتشير الى عمل قصاصي يفرضه مصدر خارجي. على أن المعنى الأوّل للتأديب هو تعليم الأدب، أي حسن الأخلاق والسلوك؛ وأدّب هو في المقام الأوّل هذّب وثقّف وربّى وعلّم، ولا شيء من القصاص في كل هذا.
والشخص الذي يتلقّى العلم مختلف كلّيًّا عن الشخص الذي يخضع لعمل "تأديبي". فالأوّل يريد أن يتعلّم. ويبقى الأهل أهم وأفعل معلّمين لأطفالهم.
إذا كنت سأنصّب نفسي معلّمًا لأولادي، فعليّ أوّلاً أن أتعلّم كيف أكون منضبطًا.
هذا مختلف اختلافًا أساسيًّأ عن الإفراط في التركيز على سلوك أولادنا و"تأديبهم"- السيطرة عليهم- باستمرار لجعلهم يتقيّدون بما نفرضه عليهم. يجب أن نركّز بدلاً من ذلك على أنفسنا كأهل، ، راعين للطفل ومعلّمين، فنحرص على أن نكون مثالاً لهم ونولّد في داخلهم رغبة في الاقتياد بحياتنا المستقيمة التي لها هدف ومعنى.
الانضباط الذاتي أمر نتعلّمه بأنفسنا وليس شيئًا يمكن أن يفرضه شخص آخر علينا بشكل فعّال.
عندما، نحن كأهل، نشعّ بالانضباط الذاتي، سينتشر ذلك بشكل أفعل من أي استراتيجيا نفرضها على أطفالنا. نجد صدى ذلك في الطريقة التي نرتّب بها سريرنا كل صباح أو نمرّن جسمنا، في الطعام الذي نأكله، في الحدود التي نضعها والطرق التي نستعملها لتحقيق أهدافنا. وبالتالي فإن مهمّتنا ليست في أن نبحث بكل قوانا عن طبيب ماهر يعطينا تقنيات أو استراتيجيات "لإصلاح" حياة أولادنا والسيطرة عليها. بل إن مهمّتنا الأهمّ هي في جعل حياتنا تتسم بالوضوح، المعنى، الهدف والتوازن.
فهل لدينا الحكمة والشجاعة اللازمتان لترويض أنفسنا غير المنضبطة ونثق بأنه من خلال هذه العملية سيعكس أولادنا روحنا ويحلّقون؟