(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )
هنا تشير الآية الثامنة إلى الصفتين الخامسة والسادسة من صفات المؤمنين ،
حيث تقول: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
قال ابن كثير : أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها،
وإذا عاهدوا أوعاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله :
آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
ما هي الأمانة؟
الأمانة هي أداء الحقوق، والمحافظة عليها،
فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛
يؤدي حق الله في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويرد الودائع
… إلخ.
وهي خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه،
فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات والأرض
والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها،
يقول تعالى:
{إنا عرضنا الأمانه على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً} سورة ( الأحزاب)
الأحزاب: 72
وقد أمرنا الله بأداء الأمانات، فقال تعالى:
{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} سورة النساء: 58.
وهذه الصيغة صيغة قوة وسلطان لم يقل إني آمركم إنما
قال(إن الله يأمركم) يأمركم بألوهيته وعظمته وهذا نحو
إن الرئيس يأمر بكذا فهذا أبلغ وأقوى من قولنا صدر قرار بكذا وكذا
وجعل الرسول الأمانه دليلا على إيمان المرء وحسن خلقه، فقال :
(لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)رواه أحمد
وقال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ). سورة الأنفال: 27.
هنا في هذه الآية الكريمة ينهانا الله أن نخونه…
فما معنى خيانة الله ؟ معناها:
أن نترك أوامره … فأوامر الله أمانة في أعناقنا
وينهانا أيضا أن نخون الرسول …. فما معنى خيانة الرسول ؟
معناها: أن نعلم سنته ولا نتبعها ولا ننشرها بين الناس…
أنواع الأمانات:الأمانة في العبادة:
فمن الأمانه أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض الدين كما ينبغي،
ويحافظ على الصلاة والصيام وبر الوالدين، وغير ذلك من الفروض
التي يجب علينا أن نؤديها بأمانة لله رب العالمين.
قال تعالى : {إنا عرضنا الأمانه على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً} سورة ( الأحزاب)
قال القرطبي في تفسير هذه الآية :الأمانهتعم جميع وظائف الدين.
الأمانة في حفظ الجوارح:
وعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، يجب عليه
أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله -سبحانه-؛
فالعين أمانة يجب عليه أن يغضها عن الحرام،
والأذن أمانة يجب عليه أن يجنِّبَها سماع الحرام، واليد أمانة،
والرجل أمانة…وهكذا.
قال الشاعر ..لا تظلمن إذا ماكنت مقتدراً ***
~ فالظلم آخره يأتيك بالندم …
نامت عيونك والمظلوم منتبه ***
~ يدعو عليك وعيــن الله لم تنم ..
الأمانة في الودائع:
ومن الأمانه حفظ الودائع وأداؤها لأصحابها عندما يطلبونها كما هي،
مثلما فعل الرسول مع المشركين، فقد كانوا يتركون
ودائعهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليحفظها لهم؛
فقد عُرِفَ الرسول بصدقه وأمانته بين أهل مكة،
فكانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين،
وحينما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة، ترك
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليعطي المشركين الودائع والأمانات
التي تركوها عنده.
وفي فتوحات فارس غنم المسلمون غنائم كثيرة وكان من أعجب
ما أخذوا من الغنائم البساط، -بساط كسرى-
وهذا البساط كان كبير الطول والعرض، وكان كسرى
إذا جاء الشتاء يشتاق إلى الربيع، فأمر المهرة والمهندسين والفنيين،
فصنعوا له هذا البساط العظيم،
وجعلوا اليواقيت فيه مثلما تنبت الأزهار
في الربيع ملونة بالألوان المعروفة،
فأخذوا اللآلئ واليواقيت والجواهر ولونوها بلون الأزهار،
وغرسوها في هذا البساط العظيم،
فيجلس كسرى في إيوانه في وسط هذا البساط العجيب،
ولم يكن لدى أحد من ملوك الأرض مثل هذا البساط،
ولكن ماذا يفعل المسلمون؟
لابد أن يبعثوا بكل هذه الغنائم إلى بيت المال ليقسمها
عمر رضي الله عنه،
التعديل الأخير: