عائشة بنت أبي بكر - أم المؤمنين

  • تاريخ البدء تاريخ البدء

رنون

من الاعضاء المؤسسين
عائشة بنت أبي بكر - أم المؤمنين
مقدمة
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق، وهي أم المؤمنين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر نسائه، وأمها أم رومان ابنة عامر الكنانية، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان.
كنيتها أم عبد الله، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة، وعُرِفت بأم المؤمنين، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها.
ولدت رضي الله عنها سنة تسع قبل الهجرة، ومن إشارة بعض المصادر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عنها وعمرها ثماني عشرة سنة يتبين لنا أنها ولدت قبل الهجرة بسبع سنين وليس تسع، قال ابن الأثير في أسد الغابة: ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عمرها ثمان عشرة سنة.
حالها في الجاهلية:
ولدت عائشة رضي الله عنها في الإسلام ولم تدرك الجاهلية، وكانت من المتقدمين في إسلامهم.
إلا أن ابن إسحاق عند سرده أسماء من أسلم قديما من الصحابة رضي الله عنهم قال: ".. وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة".
وقد روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يديننا الدين".
قصة زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم
أولا: مرحلة الخطوبة:
{في بيت الصدق والإيمان ولدت، وفي أحضان والدين كريمين من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تربت، وعلى فضائل الدين العظيم وتعاليمه السمحة نشأت وترعرعت..
هذه هي عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، وحسبها أن تكون ابنة أبي بكر الصديق ليُنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلبه وبيته أعز مكان..
نشأت رضي الله عنها منذ نعومة أظفارها في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وشهدت في طفولتها أشد المراحل التي مرت بالدعوة الإسلامية وما تعرض له المسلمون من أذى واضطهاد.
ولقد كانت عائشة ـ كغيرها من الأطفال ـ كثيرة اللعب والحركة، لها صويحبات تلعب معهن، كما أن لها أرجوحة تلعب عليها..
وقد تمت خطبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت سبع سنين وتزوجها وهي بنت تسع.. ونظرًا لحداثة سنها فقد بقيت تلعب بعد زواجها فترة من الزمن..
روي عنها أنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب بالبنات، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان، فضحك.
كما روي عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله وكنت ألعب بالبنات، وكن جواري يأتينني، فإذا رأين رسول الله عليه الصلاة واللام ينقمعن منه، وكان النبي يسر بهن إل.
ولذا كانت السيدة عائشة تنصح الآباء والأمهات أن يعطوا الأطفال حقهم في اللعب والحركة فتقول: "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو"، فللطفل حاجات نفسية لا يتم إشباعها إلا باللعب واللهو والمرح، وهذا يساعد على النمو السليم المتكامل.
وقد ذكرت لنا رضي الله عنها كيف تمت هذه الخطوبة المباركة، بل إنها تذكر أدق ما فيها من تفاصيل؛ وما ذاك إلا لأنها تمثل لها أجمل وأحلى ذكرياتها التي تحن إليها، كيف لا وهي ذكريات لقائها بزوجها الحبيب الذي أحبته أعظم الحب، وعاشت معه أسعد السنوات، فإذن لتلك الذكريات في قلبها أعظم مكان وأربحه.
فنستمع إليها وهي تروي لنا هذه الخطبة المباركة فتقول: "لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوج؟ قال: ومن؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا؟ قال: مَن البكر ومَن الثيب؟ قالت: أما البكر فعائشة بنت أحب خلق الله إليك، وأما الثيب فسودة بنت زمعة، وقد آمنت بك واتبعتك.
فقال: اذكريهما علي، قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: رسول الله يذكر عائشة، قالت: انتظري فإن أبا بكر آت. فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له فقال لها: قولي لرسول الله فليأت فجاء فملكها".
ثم إنها تعرض لنا رضي الله عنها الخطوة الثانية في هذه الخطبة فتقول: "فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة ومعي صواحبي، فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب، فقلت: هه هه حتى ذهب نفسي، فأدخلتني بيتًا فإذا نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر".
وهكذا نلاحظ رواية عائشة لأدق تفاصيل تلك الخطبة الكريمة، خطبتها لرسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى إنها لتذكر أنها كانت تلعب قبلها على الأرجوحة، بل إنها تذكر أنها قد لهثت وتتابعت أنفاسها بسبب جريها وسرعتها في تلبية نداء أمها، وإننا لنستشف من ذلك عظم مكانة تلك الذكريات عندها وتقديرها البالغ لأمها ـ رغم حداثة سنها ـ وذلك بترك اللعب مع الصويحبات والاستجابة للنداء.
وهذا ما ينبغي أن تربي الأمهات أطفالهن عليه، فللأم مكانة عظيمة واحترام كبير ينبغي أن يربى الطفل وينشأ عليه منذ نعومة أظفاره لتعظم في نفسه مكانة الأم، ولترسخ في ذهنه حقوقها عليه وواجبه تجاهها.
ولكن هل كان ما روته السيدة عائشة هو أول مراحل هذه الخطبة؟ لقد كان هذا ما تعتقده أم المؤمنين رضي الله عنها حتى حدثها رسول الله أن خطبته لها كانت وحيًا من الله تعالى.
فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة: "أُريتك في المنام ثلاث ليال، فجاءني لك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله يُمْضِه".
فلم يتزوج رسول الله بعائشة فور خطبتها؛ ولعل ذلك يرجع إلى صغر سنها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرض أن ينتزع الصبية اللطيفة من ملاهي صباها أو يثقل كاهلها بمسؤوليات الزوج وأعبائه، كما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً بالمصاعب الجمة التي مرت به.
وقد أحب رسول الله عليه الصلاة والسلام خطيبته الصغيرة كثيرًا، فكان يوصي بها أمها أم رومان قائلاً: "يا أم رومان، استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها"، وكان يسعده كثيرًا أن يذهب إليها كلما اشتدت به الخطوب، وينسى همومه في غمرة دعابتها ومرحها.
وقد أحبت السيدة عائشة زيارات رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وأسعدها "ألا يخطئ رسول الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية".
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر مع رفيقه أبي بكر الصديق إلى المدينة وخلفوا وراءهم في مكة آل النبي عليه الصلاة والسلام وآل أبي بكر، ولما استقر عليه الصلاة والسلام بالمدينة المنورة أرسل من يحضر أهله وأهل أبي بكر.
وقد تعرضت الأسرتان في طريق الهجرة لمصاعب كثيرة وأخطار عديدة أنقذتهم منها العناية الربانية، من ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: "قدمنا مهاجرين فسلكنا في ثنية ضعينة، فنفر جمل كنت عليه نفورًا منكرًا، فوالله ما أنسى قول أمي: يا عُريسة، فركب بي رأسه ـ كناية عن استمرار نفوره ـ فسمعت قائلاً يقول: ألقي خطامه، فألقيته فقام يستدير كأنما إنسان قائم تحته".
وقد صبروا رضي الله عنهم وتحملوا مصاعب تلك الهجرة وأخطارها تاركين خلفهم الأهل والوطن ومرابع الصبا مُضحين بذلك كله في سبيل هذا الدين العظيم، مبتغين أجرهم عند الله، وهذا خير ما ينبغي أن يتربى عليه الجيل المؤمن.
فالمسلم الحق مستعد بكل نفس راضية مطمئنة أن يضحي بكل غالب ونفيس في سبيل ما يعتنقه من دين عظيم ومبادئ سامية، غير مبالٍ بما قد تؤدي إليه هذه التضحية من أخطار أو خسائر مادام قلبه عامرًا بهذا الدين العظيم، ونفسه مطمئنة بتعاليم ربه الكريم.
وصلت العروس المهاجرة إلى المدينة المنورة، وهناك اجتمع الحبيبان، وعمت البهجة أرجاء المدينة المنورة وأهلت الفرحة من كل مكان، فالمسلمون مبتهجون لانتصارهم في غزوة بدر الكبرى، واكتملت فرحتهم بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة.
وقد تم هذا الزواج الميمون في شوال سنة اثنتين للهجرة وانتقلت عروسنا إلى بيت النبوة، ولقد كانت هذا النقلة من أجمل ذكريات عائشة وأغلاها، وكون هذه النقلة في شهر شوال فقد أحبت أم المؤمنين هذا الشهر، واستحبت أن يُبنى بنسائها في شهر شوال، فهو عندها شهر الخير والبركات.
وتروي لنا رضي الله عنها استعدادها للزفاف وتجهيز أمها لها فتقول: "كانت أمي تعالجني للسمنة تريد أن تدخلني على رسول الله، فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء للرطب فسمنت كأحسن سمنة".
ثم تصف لنا وليمة العرس فتقول: "والله ما نحرت علي من جزور ولا ذبحت من شاة، ولكن جفنة كان يبعث بها سعد بن عبادة إلى رسول الله يجعلها إذ ذاك بين نسائه، فقد علمت أنه بعث بها".
ولقد كانت أسماء بنت يزيد ممن جهزت عائشة وزفتها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي تحكي لنا عن تقديمه عليه الصلاة والسلام اللبن إلى ضيوفه وإلى عروسه فتقول أسماء رضي الله عنها: "زينت عائشة لرسول الله ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتي بلبن فشرب ثم ناوله عائشة، فاستحيت وخفضت رأسها. قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي، فأخذت وشربت شيئًا، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: أعطي أترابك".
وتُسأل رضي الله عنها عن مهرها فتقول: "كان صداق رسول الله لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا ـ النش نصف أوقية ـ فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله لأزواجه".
ثم إنها رضي الله عنها تصف جهاز حجرتها فتقول: "إنما كان فراش رسول الله الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف".
ولم يكن في حجرة السيدة العروس مصباح تستضيء به، دل على ذلك حديثها: "كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، فسئلت: لماذا لم يكن فيها مصابيح؟ فقالت: لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه".
وبعد فهذا هو وصف العروس المباركة لحفل زواجها ومهرها ومنزلها وجهازها، وبتأملنا لوصفها السابق يتبين لنا بجلاء يسر حفلة زواج رسول الله عليه الصلاة والسلام بعائشة وتواضعها وزهد مهر العروس وقلّته.
مع أن العريس هو نبي الله وخير خلقه وأحبهم إليه، والعروس هي عائشة وأبوها الصديق نسابة قريش وخير مَن وطئت قدمه الثرى بعد الأنبياء، ومع ذلك كله كان التواضع البليغ والبساطة الواضحة هما السمة البارزة على الحفل والمهر، بل وعلى بيت العروسين وجهازهما كذلك.
وهذا على عكس ما يحدث في عصرنا هذا الذي انتشرت فيه المغالاة في المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، والبذخ والإسراف البالغ في تأثيث بيت العروسين وجهازهما، وهذا الأمر لا يساعد على النكاح، بل إنه أثر سلبًا في أفراد المجتمع..
تلك المظاهر الجوفاء أثقلت كاهل الغني فضلاً عن الفقير الذي حاول مجاراة الغني نزولاً على التقاليد فركبه الدَيْن، والدين ذل في النهار وهمّ في الليل، إن كان ما زاد على النفقة المشروعة في النكاح فهو ما لا يقره الشرع.
وقد ظهرت ثمرة هذه المغالاة وهذا السرف، وهي إما عزوف الشباب عن النكاح وإما خروج المرأة من سترها الذي فرضه الله عليها لتستطيع الإسهام في تحقيق أوهام النفوس التي لا تمت إلى مقاصد النكاح بصلة من الصلات فيكون الفساد الكبير.
هكذا اجتمع الحبيبان يبعث بعضهما لبعض مشاعر الحب والمودة، ويبنيان بيت الزوجية السعيد.. وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة السن لكنها كانت متفهمة للحياة المقبلة عليها، مدركة للمهمة الملقاة على عاتقها، فهي ليست زوجة عادية بل زوجة نبي، وعليها أن تساعده على نشر الرسالة السماوية وبناء أسس الدعوة الإسلامية}. ().
وقفة مع هذا الزواج:
والآن صار لزاما على كل باحث أو قارئ في موضوع زواج النبي (عليه الصلاة والسلام ) من السيدة عائشة أن يعرف الأمور الآتية:
أولا:أن كتب السيرة التي قدرت للسيدة عائشة تلك السن الصغيرة عند زواج النبي بها، روت بجانب هذا التقدير أمرا أجمع الرواة على وقوعه ؛ وهو أن السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل خطبتها من رسول الله إلى رجل آخر هو "جبير بن مطعم بن عدي" الذي ظل على دين قومه إلى السنة العاشرة للهجرة.
فمتى خطبها المطعم بن عدي لابنه جبير؟
ليس معقولا أن يكون خطبها وأبو بكر مسلم وآل بيته مسلمون؛ لأن مصاهرة غير المسلمين تمنعها الخصومة الشديدة والصراع العنيف بين المشركين والمسلمين.
فالغالب - بل المحتم - إذن أن تكون هذه الخطبة قبل بعثة الرسول، أي قبل ثلاثة عشر عاما قضاها الرسول في مكة.
فإذا بنى بها الرسول في العام الثاني للهجرة تكون سنها - إذ ذاك - قد جاوزت الرابعة عشرة.
وهذا على فرض أن "المطعم بن عدي" خطبها لابنه في يوم مولدها، وهذا بعيد كل البعد أن خطب البنت في يوم مولدها !!
ثانيا: أن "خولة بنت حكيم" زوج عثمان بن مظعون، التي كانت تحمل هم الرسول وتديم التفكير في شأنه بعد وفاة السيدة خدجة حين ذهبت إلى النبي لتخرجه من شجوه وأحزانه، وتقول له: أفلا تزوجت يا رسول الله لتسلو بعض حزنك وتؤنس وحدتك بعد خديجة؟ وسألها رسول الله: من تريدين يا خولة؟ قالت: "سودة بنت زمعة " أو " عائشة بنت أبي بكر».
والآن يستطيع القارىء أن يفهم: أن خولة حين قدمت عائشة مع سودة لرسول الله كانت تعتقد أن كلتيهما تصلح للزواج من رسول الله، وتسد الفراغ الذي كان يشقى به بعد موت السيدة خديجة. وكانت عائشة بكرا، وسودة ثيبا متقدمة في السن، فبمجرد العرض على رسول الله بهذه الصورة _ عرض زوجتين إحداهما متقدمة في السن وكانت تحت رجل آخر، والثانية كانت بكرا _ مجرد هذا العرض _ يدل على أن خولة بنت حكيم _نفسها _ تشعر بأن كلتيهما صالحة تمامًا، لأن تكون زوجة.
ومعنى ذلك أن عائشة كانت في نمائها ونضوجها، واضحة معالم الأنوثة في نظر خولة على الأقل، وهي العارفة بمآرب الرجال في النساء.
ثالثا: كذلك نجد أن السيدة "أم رومان" والدة عائشة، كان اغتباطها شديدا عندما فسخت خطبة عائشة من "جبير بن المطعم" كما طارت بها الفرحة لما علمت أن رسول الله قبل زواجها، وقالت لأبي بكر: "هذه ابنتك عاثشة قد أذهب الله من طريقها جبيرا وأهل جبير، فادفعها إلى رسول الله، تلق الخير والبركة".
إن الأم حين تطلب لفتاتها الزواج، تكون أعرف الناس بعلامات النضج في ابنتها، وتدرك ثورة الأنوثة في وليدتها، فتبدأ تتشوق إلى يوم ترى فيه ابنتها في زفافها، وفي جلوتها، كعروس إلى زوج تحب أن يكون لابنتها مصدر سعادة، يريها الحياة من نافذة الأسرة، ويدخل بها الدنيا من باب الأمهات.
وقد تكون الفتاة في سن التاسعة أو العاشرة طفلة في عقلها وتفكيرها، ولكن في بدنها امرأة كاملة الأنوثة تحن إلى الرجل. وتتمنى لو يقدر لها أن تتزوج.
كان زواج عائشة _ وهي في سنها المبكره _ زواج كرامة وتكريم لأبي بكر، كما كان يراد به أيضا توثيق الصلات بين تلك الفئة القليلة من المؤمنين بالله وسط غيابة الكفر العمياء}.ا.هـ.
أهم ملامح شخصيتها
الكرم والسخاء والزهد:
أخرج بن سعد من طريق أم درة قالت: أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه؟ فقالت: لو كنت أذكرتني لفعلت.
العلم الغزير:
فقد كان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة من أفقه الناس وأحسن الناس رأيا في العامة
وقال عروة: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك لكفى بها فضلا وعلو مجد فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة
ولولا خوف التطويل لذكرنا قصة الإفك بتمامها وهي أشهر من أن تخفى
وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا روى عنها عمر بن الخطاب قال: أدنوا الخيل وانتضلوا وانتعلوا وإياكم وأخلاق الأعاجم وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة تدخل الحمام إلا بمئزر إلا من سقم فإن عائشة حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على فراشي: " أيما امرأة مؤمنة وضعت خمارها على غير بيتها هتكت الحجاب بينها وبين ربها عز وجل.
وذكر ابن عبد البر عن عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ قال: وما روايتي من رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.
وفي مكانتها العلمية:
{لم تكن مكانتها العلمية وتفوقها العلمي أرفع وأسمى من عامة النساء فحسب، بل لا نحسبها قصرت عن شأو واحد من معاصريها بين الرجال والنساء على السواء في سعة الفهم وقدرة التحصيل والذكاء المتوقد والبديهة الواعية، باستثناء عدد من كبار الصحابة فقط.
ولا يقصر علمها على وعي الكلمات والعبارات، قال أبوموسى الأشعري رضي الله عنه: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلاوجدنا عندها منه علما.
وقال عطاء بن أبي رباح والذي قد نال شرف التتلمذ على يد عديد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة".
وقال التابعي الجليل أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف: "ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في رأي إن احتيج إليه، ولا أعلم بآية فيما نزلت ولافريضة من عائشة".
وذات مرة قال معاوية: يا زياد أي الناس أعلم؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أعزم عليك، قال: "أما إذا عزمت علي فعائشة".
وقال عروة بن الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين.
وفي رواية أخرى: "ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحرام ولا بحلال ولابفقه ولا بشعر ولا بطب ولا بحديث العرب ولا نسب من عائشة".
لقد كان غيها من أمهات المؤمنين كذلك يقمن بواجب حفظ السنة وإشاعتها وتبليغها إلا أن المكانة التي وصلت إليها عائشة رضي الله عنها لم يصل إليها أحد غيرها، يقول محمود بن لبيد: "كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحفظن من حديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، ولا مثلا لعائشة وأم سلمة".
وقال محمد بن شهاب الزهري: "لو جمع علم الناس كلهم ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة أوسعهم علما"}.ا.هـ.
تلك العظيمة التي أثارت بذكائها وغزارة علمها وفقهها وسمو أخلاقها إعجاب السلف والخلف، فعلموا يقينًا لماذا تبوأت تلك المكانة الكبيرة عند رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ذات مكانة خاصة:
‏أخرج البخاري في صحيحه عن ‏أبي موسى الأشعري ‏رضي الله عنه أنه ‏قال: ‏قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ‏مريم بنت عمران ‏وآسية امرأة فرعون، ‏وفضل ‏عائشة ‏على النساء كفضل ‏الثريد ‏على سائر الطعام.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ‏عن ‏عائشة ‏أنها قالت: إن الناس كانوا ‏‏يتحرون ‏بهداياهم يوم ‏عائشة ‏يبتغون ‏بذلك مرضاة رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البخاري عن ‏هشام ‏عن ‏أبيه ‏قال: ‏كان الناس يتحرون بهداياهم يوم ‏عائشة، ‏قالت‏ ‏عائشة: ‏فاجتمع صواحبي إلى ‏أم سلمة ‏فقلن: يا ‏أم سلمة،‏ ‏والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم ‏عائشة، ‏وإنا نريد الخير كما تريده ‏عائشة، ‏فمري رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك ‏أم سلمة ‏للنبي ‏صلى الله عليه وسلم، ‏قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: ‏يا ‏أم سلمة، ‏لا تؤذيني في ‏عائشة، ‏فإنه - والله - ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ‏أبي سلمة أنه قال:‏ ‏إن ‏عائشة ‏رضي الله عنها ‏قالت: ‏قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏يوما: ‏يا ‏عائش، ‏هذا ‏جبريل ‏يقرئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى - تريد رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البخاري ‏عن ‏هشام ‏عن ‏أبيه ‏عن ‏عائشة ‏رضي الله عنها ‏ ‏أنها استعارت من ‏أسماء ‏قلادة فهلكت، ‏فأرسل رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ناسا من أصحابه ‏في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏شكوا ذلك إليه، فنزلت ‏آية التيمم، ‏فقال ‏أسيد بن حضير: ‏جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة.
وروى مسلم ‏عن ‏هشام أيضا‏ ‏عن ‏أبيه ‏عن ‏عائشة أنها‏ ‏قالت:‏ ‏إن كان رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ليتفقد يقول: ‏أين أنا اليوم أين أنا غدا استبطاء ليوم ‏عائشة، ‏قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين ‏سحري ‏ونحري. وفي رواية البخاري: ‏فلما كان يومي سكن.
وعن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها.
وأخرج الترمذي عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة رضي الله عنها عند عمار بن ياسر، فقال: اعزب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
تروي هي عن نفسها فتقول رضي الله عنها كما ذكر ابن حجر في الإصابة: أعطيت خلالا ما أعطيتها امرأة: ملكني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع، وأتاه الملك بصورتي في كفه لينظر إليها، وبنى بي لتسع، ورأيت جبرائيل، وكنت أحب نسائه إليه، ومرضته فقبض ولم يشهده غيري.
وذكر ابن عبد البر عن أبي عمر أنه قال: لم ينكح صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكنية فقال لها: اكتنى بابنك عبد الله بن الوزبير - يعني ابن أختها. وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول: حدثتني الصادقة ابنة الصديق، البريئة المبرأة بكذا وكذا، ذكره الشعبي عن مسروق.
بعض المواقف من حياتها
مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ذكر ابن سعد في طبقاته عن عباد بن حمزة أن عائشة قالت: يا نبي الله، ألا تكنيني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتني بابنك عبد الله بن الزبير، فكانت تكنى بأم عبد الله.
وذكر أيضا عن مسروق قال: قالت لي عائشة: لقد رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه على فرس ورسول الله يناجيه، فلما دخل قلت: يا رسول الله من هذا الذي رأيتك تناجيه؟ قال: وهل رأيته؟ قلت: نعم، قال: فبمن شبهته؟ قلت: بدحية الكلبي، قال: لقد رأيت خيرا كثيرا، ذاك جبريل. قالت: فما لبثت إلا يسيرا حتى قال: يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام، قلت: وعليه السلام، جزاه الله من دخيل خيرا.
وكذلك ذكر عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: أتاني نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني سأعرض عليك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي به حتى تشاوري أبويك، قلت: وما هذا الأمر؟ قالت: فتلا علي" (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها).. إلى قوله: (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
قالت عائشة: في أي ذلك تأمرني أن أشاور أبوي؟ بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه وقال: سأعرض على صواحبك ما عرضت عليك، قالت: فلا تخبرهن بالذي اخترت، فلم يفعل كان يقول لهن كما قال لعائشة ثم يقول: قد اختارت عائشة الله ورسوله والدار الآخرة، قالت عائشة: فقد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نر ذلك طلاقا.
وأخرج أيضا عن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا بن أختي، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخفى علي حين تغضبين ولا حين ترضين. فقلت: بم تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم. فقلت: صدقت يا رسول الله.
ولقد كان من أهم مواقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان بعد حادثة الإفك الشهيرة، وذلك في سنة ست في غزوة بني المصطلق، وهذه تفاصيلها:
حادثة الإفك:
{لم يعرف النوم لها سبيلاً منذ علمت الخبر··· ليلتان كاملتان لم تكف عن البكاء ولا يرقأ لها دمع حتى كاد البكاء أن يفتت كبدها··· شهراً كاملاً وهي مريضة جليسة الفراش بعد أن عادت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وهي لا تعلم ماذا يدور حولها، وماذا يقول الناس عنها، وماذا في قراراة نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاهها·
علمت من أم مسطح فكانت الفجيعة، وأي فجيعة من أن يتهم إنسان بريء بتهمة لم يقترفها وليس هناك أي دليل على براءته، ولا يجد أحداً يدافع عنه؟! بل نظرات الاتهام تبدو من أعين من حوله وعلامات الشك تبدو من أحب الناس إلى قلبه!
وما أفجع أن تتهم المرأة الطاهرة العفيفة الشريفة في أغلى ما تملك؟ ومن هي؟ إنها الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثيرة قلبه، والمدللة لديه، وابنة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، أول المؤمنين إسلاماً والخليفة الأول للمسلمين···!!
أمر لا تستطيع مفردات اللغة وصف صعوبته على النفس، لذا آثرت الصمت فالصمت في حال كتلك أبلغ من أي كلام تدافع به عن نفسها، محنة ما أشدها، وهي محنة قريبة إلى حد بعيد بتلك التي عاشتها السيدة مريم عليها السلام، لكن الله تعالى في الحالين أنزل تبرئتهما من عنده.
فما المحنة هذه التي ألمت بأطهر النساء!! وما التهمة التي هي منها براء؟!!
لقد كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أو غزا غزوة أن يقرع بين نسائه، فجاءت القرعة هذه المرة على السيدة عائشة رضي الله عنها، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق.
كانت السيدة عائشة خفيفة الجسم وكانت تجلس في هودجها، وكان القوم إذا أرادوا الإقامة بمكان ما أنزلوا الهودج من على البعير، وإذا أرادوا الانتقال حملوا الهودج ووضعوه على ظهر البعير ثم ينطلقون به.
وخرجت السيدة عائشة رضي الله عنها ذات مرة من هودجها لقضاء بعض حاجتها، وكان في عنقها عقد، فانسل العقد من عنقها دون أن تشعر، فلما اقتربت من مكان الناس أحست أن العقد ليس في عنقها، فرجعت إلى المكان الذي كانت فيه لتبحث عن العقد ووجدته، فلما عادت مرة أخرى وجدت الناس قد انطلقوا وتركوا المكان وكانوا قد ظنوا أن السيدة عائشة داخل هودجها، فاحتملوا الهودج على ظهر البعير، ولخفة السيدة عائشة وقلة جسمها ظنوا أنها بالهودج، ولم يلحظوا تغييراً في وزن الهودج.
فلما رأت ذلك تلففت بجلبابها ثم أضجعت في مكانها وقالت: لو افتقدوني وهم في الطريق سيعودون إلى هذا المكان، فإذا بأحد الصحابة وهو صفوان بن المعطل السلمي - وكان قد تخلف عن القوم لبعض حاجته ـ يرى سواد إنسان من بعيد، فتقدم وأقبل عليه، فلما اقترب منها علم أنها السيدة عائشة، فقال: {إنا لله وإنا إليه راجعون}، والسيدة عائشة متلففة في ثيابها ثم قال لها: ما خلفك يرحمك الله؟! فما كلمته، ثم نزل من على بعيره وقربه إليها، وقال لها اركبي، وتأخر حتى ركبت، ثم أخذ برأس البعير وانطلق سريعاً حتى يدرك الناس.
فلما رأى الناس ذلك تكلم عدد منهم وقالوا كلاماً لا يليق بأم المؤمنين رضي الله عنها، وبهذا الصحابي الجليل، حتى وصل كلامهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر الأمر بين الناس وكان على رأس المتكلمين بهذا الإفك واتهام السيدة عائشة بما هي منه براء: عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين.
كانت السيدة عائشة في ذلك الوقت لا تعلم بشيء مما يقوله الناس؛ لأنها ظلت مريضة نحو شهر لا تغادر فراشها بعد أن رجعت، لكنها لاحظت تغييراً في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقد كانت إذا اشتكت من وجع قبل ذلك لا يكف عن ملاطفتها والسؤال عنها، لكنه هذه المرة كان يدخل عليها وفي نفسه شيء.
تقول السيدة عائشة: "كان إذا دخل عليَّ وعندي أمي تمرضني قال: كيف تيكم؟ (إشارة إلى السيدة عائشة دون أن يوجه لها كلاماً) لا يزيد على ذلك، حتى وجدت في نفسي ـ حزنت ـ فقلت يا رسول الله ـ حين رأيت من جفائه لي ـ لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني؟ قال: لا عليك، فانتقلت إلى أمي ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة".
ظلت السيدة عائشة رضي الله عنها طوال هذه الفترة لا تعلم شيئاً عما يقوله الناس عنها، ولا تعلم أن تغير النبي صلى الله عليه وسلم تجاهها بسبب هذا الموقف، حتى خرجت ذات ليلة لقضاء حاجتها وكانت معها أم مسطح، فبينما هي تمشي معها إذا عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقالت لها عائشة رضي الله عنها لماذا تدعين عليه؟! يكفي أنه رجل من المهاجرين وقد شهد بدراً، قالت لها: أو ما بلغك الخبر يا بنة أبي بكر؟ قالت: وما الخبر؟ فأخبرتها بالذي كان وما قاله أهل الإفك.
وكان مسطح هذا من الذين أشاعوا الخبر بين الناس وأساؤوا إلى السيدة عائشة.
تقول السيدة عائشة: "فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي، وقلت لأمي: يغفر الله لك! تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي شيئاً؟! قالت: أي بنية، خفضي عليك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها".
ولما شاع الأمر بين الناس قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس، ما بال رجال يؤذونني في أهلي، يقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت منهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً، وما يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي".
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما يستشيرهما، فأما أسامة فأثنى على السيدة عائشة خيراً، وقال له: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم عنهم إلا خيراً، وهذا الكذب والباطل، وأما علي فقال: يا رسول الله، إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها تصدقك.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجارية وسألها فقالت: والله ما أعلم إلا خيراً، وما كنت أعيب على عائشة إلا أني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله.

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيد عائشة وهي في بيت أبيها وعندها امرأة من الأنصار، وكانت تبكي لبكاء السيدة عائشة، فجلس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عائشة، إنه كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله، فإن كنت قد قارفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
تقول السيدة عائشة::فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك حتى قلص دمعي حتى ما أحس منه شيئاً ينزل، وانتظرت أبواي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما، وأيم الله، لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأناً من أن ينزل الله فيَّ قرآناً يقرأ في المساجد ويصلى به، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئاً يكذب به الله عني لما يعلم الله من براءتي، أو يخبر خبراً، فأما قرآن ينزل فيَّ فوالله لنفسي أحقر عندي من ذلك، فلما لم أر أبواي يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالا: والله ما ندري ما نجيبه، ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام، ثم بكيت وقلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني، ثم التمستُ اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
ثم نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند عائشة في بيت أبويها ثم سُرِّي عنه، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك، فقال أبواها: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي.
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله تعالى من تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولَّى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون· ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم· إذا تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم· ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم· يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين· ويبيِّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم· إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) النور:11 ـ 19·
ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بمن طعنوا في شرف السيدة عائشة وأقام عليهم حد القذف، كان منهم مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانت حمنة هذه أختاً لزينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
تقول السيدة عائشة: "ولم تكن من نساء النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تناصيني في المنزلة عنده مثل زينب بنت جحش، فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيراً، وأما حمنة بنت جحش فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها، فشقيت بذلك".
فلما حدث ذلك قال أبوبكر رضي الله عنه ـ وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، ولا أنفعه بنفع أبداً بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى في ذلك: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) النور:22
فقال أبوبكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، وأعاد نفقته على مسطح.
وهكذا انقشعت هذه السحابة السوداء التي ألمت ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخيرة نسائه وأحبهم إلى قلبه، وبرأ الله تعالى ساحة السيدة عائشة من فوق سبع سموات، بعد أن عانت رضي الله عنها، ما عانت جراء هذه التهمة الشنيعة، لكن الله تعالى ناصر أوليائه ولو بعد حين}.ا.هـ.
(، والقصة في صحيحي البخاري ومسلم).
ذكر ابن عبد البر عن أبي عمرأنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذين رموا عائشة بالإفك حين نزل القرآن ببراءتها، فجلدوا الحد ثمانين، فيما ذكر جماعة من أهل السير والعلم بالخبر، وقال قوم: إن حسان بن ثابت لم يجلد معهم ولا يصح عنه أنه خاض في الإفك والقذف.
وقد روي أن حسان بن ثابت استأذن على عائشة بعدما كف بصره فأذنت له، فدخل عليها فأكرمته، فلما خرج من عندها قيل لها: أهذا من القوم؟ قالت أليس يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
هذا البيت يغفر له كل ذنب.


يتبع
 
بعض المواقف من حياتها مع الصحابة
كان من أهم المواقف في حياتها رضي الله عنها مع الصحابة ما جاء في أحداث موقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: طلحة والزبير رضي الله عنهما، ونحو عشرين ألفا من المسلمين، وتفصيل ذلك وارد في موضعه.
وقد أخرج ابن عبد البر عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعد ما كادت؟" وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن عبد البر أيضا عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه، يعني ابن الزبير، قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت.
بعض المواقف من حياتها مع التابعين:
أخرج ابن سعد عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: دخل بن أبي عتيق على عائشة وهي ثقيلة فقال: يا أمة، كيف تجدينك جعلت فداك؟ قالت: هو والله الموت، قال: فلا إذا، فقالت: لا تدع هذا على حال، تعني المزاح.
وأخرج المزي عن عبد الله بن كثير بن جعفر قال: اقتتل غلمان عبد الله بن عباس وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودج على بغله فلقيها بن أبي عتيق فقال: أي أمي، جعلنى الله فداك أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان بن عباس اقتتلوا فركبت لأصلح بينهم. فقال: يعتق ما تملك إن لم ترجعي، قالت: يا بني، ما الذي حملك على هذا؟ قال: ما انقضي عنا يوم الجمل حتى تريدي أن تأتينا بيوم البغلة!
أثرها في الآخرين ( الدعوة - التربية ):
من أبلغ أثرها في الآخرين أنها رضي الله عنها روى عنها مائتان وتسعة وتسعون من الصحابة والتابعين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
من الحقائق التاريخية الثابته أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتشروا في مختلف أرجاء العالم وشتى البلدان بعد النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بواجب التعليم والدعوة والإرشاد، وكان بلد الله الحرام والطائف والبحرين واليمن والشام ومصر والكوفة والبصرة وغيرها من المدن الكبار مقرا لهؤلاء الطائفة المباركة من الصحابة.
وانتقلت دار الخلافة الإسلامية بعد مضي سبع وعشرين سنة من المدينة المنورة إلى الكوفة، ثم إلى دمشق إلا أن هذه الحوادث وانتقال دار الخلافة من مكان إلى مكان لم يزلزل تلك الهيبة العلمية والمعنوية والروحية التي قد ترسخت في قلوب الناس تجاه المدينة المنورة، وكانت المدينة المنورة حينذاك محتضنة عدة مدارس علمية ودينية يشرف عليها كل من أبي هريرة وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم.
إلا أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هذه المدرسة مثابة للناس يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين رضي الله عنها فالذين كانوا من محارمها وأقربائها من الرجال والنساء ضمتهم إليها وربتهم في حجرها وعلمتهم، أما الآخرون فيدخلون وعليها الحجاب ويجلسون بين يديها من وراء حجاب في المسجد النبوي.
كان أناس يستفتونها ويسألونها عن مختلف القضايا وهي تجيبهم فينالون بركة تلقي السنة النبوية الشريفة غضة ندية من فم أم المؤمنين السيدة التي كانت ألصق الناس بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه، وربما كانت هي التي تثير سؤالا ثم تبدأ في الإجابة عليه، ويستمع الناس لها بآذان صاغية وقلوب واعية.
كما أنها كانت تولى عناية فائقة واهتماما بالغا بتصحيح لغة تلايذها وتعويدهم على النطق الصحيح مع مراعاة القواعد اللغوية.
قال ابن أبي عتيق: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة رضي الله عنها حديثا، وكان القاسم رجلا لحانة وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: "مالك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ أما إني قد علمت من أين أُتيت؟ هذا أدبته أمه وأنت أدبتك أمك"، وكانت أم القاسم أمَة.
كما أنها كانت تقوم بتربية وحضانة عدد من اليتامى والمساكين غير هؤلاء التلامذة، وما كانت تضن على أحدمنهم بشيء من العلم، أما غير المحارم فكانت تجتجب عنهم.
والذين لم تسنح لهم فرص الدخول على أم المؤمنين لكونهم من غير المحارم كانوا يتأسفون ويحزنون على عدم تمكنهم من الاستفادة الخاصة، يقول قبيصة: "كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة".
وقد دخل الإمام إبراهيم النخعي (إمام أهل العراق) على عائشة رضي الله عنها في صباه، فكان أقرانه يحسدونه على ذلك، عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي: "أنه كان يدخل على عائشة، قال: قلت: وكيف كان يدخل عليها؟ قال: كان يخرج مع خاله الأسود، قال: وكان بينه وبين عائشة إخاء وود".
وعندما قال لها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: "سل ولا تستحي فإنما أنا أمك".
والواقع أنها كانت تربي تلامذتها مثل الأم، وتتجلى لنا هذه الصفة في تعليم وتربية عروة والقاسم وأبي سلمة ومسروق وعمرة وصفية رضي الله عنهم، وكانت تتكفلهم وتنفق علهم من مالها الخاص.
وكان بعض أقاربها يحسد بعض تلامذتها لما يرون من معاملتها الخاصة معهم، وهذا عبد الله بن الزبير الذي كان من أحب الناس إلى عائشة رضي الله عنها وابن أختها كان يقول للأسود بن يزيد: " أخبرني بما كانت تفضي إليك أم المؤمنين".
وكان تلاميذها أيضا يوقرونها ويجلونها، وهذه عمرة - تلميذتها الخاصة - كانت أنصارية لكنها تنادي أم المؤمنين بالخالة، وقد تبنت عائشة رضي الله عنها مسروق بن الأجدع التابعي الجليل، فكان إذا حدث عنها يقول: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة".
هذا وقد تخرج من مدرسة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عدد كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم في طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها، وحسب الإحصائية التي قمت بها أنها بلغت مائتي رواية، سواء رواها عنها الصحابي أو التابعي، الحر أو العبد، القريب أو البعيد، وقد أفرد الإمام أبوداود الطيالسي رحمه الله (ت 204 هـ) مرويات تلامذتها على حدة في مسنده، ولكنه مختصر جدا، فلم يحتو على عدد كبير من الأحاديث، وعد الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى تلامذتها وذكر أخبارهم، كما أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قام بإحصاء الرواة عنها من أقاربها ومواليها والصحابة والتابعين في كتابه تهذيب التهذيب.
الإفتاء:
قضت السيدة عائشة رضي الله عنها بقية عمرها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين، وقدوة يقتدي بها في سائر المجالات والشؤون، لكن من حسن حظنا أن خزانة تراثنا الإسلامي غنية بتلك الشهادات المسجلة القاطعة والحاسمة التي تؤكد لنا وتجعلنا نقطع بالقول: إن عائشة رضي الله عنها كانت مرجع الصحابة في كل شيء، وما أشكل عليهم شيء من الحديث أو الفقه إلا وجدوا عندها منه علما، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.
وقد عدها ابن القيم في المكثرين من الفتيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"وكانو بين مكثر منها ومقل ومتوسط" والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. قال أبومحمد بن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.
عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين:
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.
يقول القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة:
"كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت يرحمها الله".
وحتى عمر الفاروق رضي الله عنه الذي كان مجتهد الإسلام والدين لم يستغن عن هذه المشكاة النبوية.
وكما هو معروف أن كل صحابي لم يكن مسموحا له بالافتاء في عهد عمر رضي الله عنه، بل كان ذلك الأمر إلى البعض من خاصة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين كانوا يفتون، وهذا يدلنا على مدى اعتماد عمر رضي الله عنه على عائشة أم المؤمنين والاعتراف بفضلها ومكانتها العلمية وسعة اطلاعها ومعرفتها}..هـ.
بعض الأحاديث التي نقلتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روت رضي الله عنها عن عشرة من صحابته صلى الله عليها وسلم، وهم:
والدها الصديق أبي بكر، وعمر بن الخطاب، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسيد بن حضير، وجدامة بنت وهب، والحارث بن هشام بن المغيرة، وحمزةبن عمرو بن عويمر، وحمنة بنت جحش، ورملة بنت أبي سفيان، وسعد بن مالك بن سنان.
وهذه بعض الأحاديث التي روتها:
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

وأخرج أيضا عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا.
بعض كلماتها:
أخرج ابن سعد عن عائشة أنها قالت حين حضرتها الوفاة: يا ليتني لم أخلق، يا ليتني كنت شجرة أسبح وأقضي ما علي.
موقف الوفاة

ذكر السيد سليمان الندوي في ذلك فقال: إن نهاية إمارة معاوية رضي الله عنه كانت آخر أيام عائشة رضي الله عنها، وكانت قد بلغت من العمر سبعا وستين سنة، ومرضت في شهر رمضان المبارك سنة ثمان وخمسين من الهجرة، فإذا سئلت كيف أصبحت قالت: صالحة الحمد لله، كل من يعودها يبشرها فترد عليه قائلة: يا ليتني كنت حجرا، يا ليتني كنت مدرة.
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان حاجب عائشة أنه جاء يستأذن على عائشة قال: فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقلت: هذا عبد الله بن عباس يستأذن عليك، فأكب عليها ابن أخيها، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهي تموت، فقالت: دعني من ابن عباس، فإنه لا حاجة لي به ولا بتزكيته، فقال: يا أمتاه، إن ابن عباس من صالحي بنيك يسّلم عليك ويودعك، قالت: فأذنْ له إن شئت فأدخلته.
فلما أن سلم وجلس قال: أبشري، قالت: بما؟ قال: ما بينك وبين أن تلقي محمدا صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء رسول الله إلى رسول الله، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله ليطلبها حين يصبح في المنزل، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله أن تيمموا صعيدا طيبا، فكان ذلك من سببك، وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة فأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل والنهار. فقالت: دعني منك يابن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا.
وجاء في رواية الطيالسي: سمعت أم سلمة الصرخة على عائشة فأرسلت جاريتها: انظري ماذا صنعت؟ فجاءت فقالت: قد قضت، فقالت: يرحمها الله، والذي نفسي بيده لقد كانت أحب الناس كلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه والي المدينة بالنيابة فصلى على عائشة رضي الله عنها.
يقول مسروق (التابعي الجليل): لولا بعض الأمر لأقمت المناحة على أم المؤمنين.
سئل رجل من أهل المدينة: كيف كان وجد الناس على عائشة؟ فقال: كان فيهم وكان، قال: أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه.
متى توفيت؟
أخرج ابن عبد البر أن عائشة رضي الله عنها توفيت سنة سبع وخمسين، وقال خليفة بن خياط: وقد قيل إنها توفيت سنة ثمان وخمسين، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، أمرت أن تدفن ليلا، فدفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله ابن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
أين دفنت؟
دفنت رضي الله عنها بالبقيع.
ـــــــــــــــــ
مراجع البحث:
- أسد الغابة. - الإصابة.
- صحيح البخاري. - صحيح مسلم.
- مسند الإمام أحمد. - تهذيب الكمال.
- سنن الترمذي. - طبقات ابن سعد
.
 
الوسوم الوسوم
أبي أم المؤمنين بكر بنت عائشة
عودة
أعلى