املي بالله
نائبة المدير العام
حتى ننتفع بالتراويح
حتى ننتفع بالتراويح
د. عمر بن عبد الله المقبل
إذا ذُكِرَ رمضان ذُكرتْ التراويح، تلك السُنَّة التي توارثتها الأمةُ عن نبيها صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ، والتي حصل بسببها خيرٌ عظيم.
إنها لمشاهد تبعث على البهجة، حين ترى تلك الجموع تنقاد طواعيةً إلى بيوت الله، من مختلف فئات المجتمع، ومنهم أولئك الشبابُ الذين قد لا تبدو عليهم مظاهرُ الاستقامة الظاهرة.
إن التراويح ليست مجرد تظاهرة دينية رمضانية، بل هي انتصابٌ للأقدام بين يدي ملك الملوك قُرابة الساعة، والمصلي فيها يستمعُ لخير ما نزل من السماء، كلامِ الملك العظيم، الذي ما صلحت القلوبُ بمثل ما صلحت به.
إن أحدنا لو كثرت مجالسته للملوك، أو أهل الثراء لظهر أثرُ ذلك عليه وعلى كلامه ولباسه، فكيف بمن يجلس على هذه المائدة الربانية ثلاثين ليلة! وتزداد كثافةً في عشرها الأخيرة، هذه المائدة التي تتنوع فيها المواعظُ والأحكامُ، وآيات تتحدث عن أشرف علومِ هذا القرآن، وهو الكلام عن الله تعالى وعن صفاته جل جلاله!
وإن من النُّصح أن نتواصى فيما بيننا، للبحث عن أفضل السُّبُل للانتفاع بهذه المائدة الربانية "التراويح"، ولعلي أشير إلى أهمها، ومن ذلك:
أولها: ينبغي أن لا يغيب عنا ـ ونحن نمشي إلى التراويح ـ أن المقصودَ الأعظم من العبادات كلِّها هو تعبيدُ هذا القلب لله جل وعلا، وتذليله ليصل إلى الغاية الكبرى التي خُلق من أجلها الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، ومن هذه العبادات: صلاة التراويح، فمتى استحضر المصلي هذه الغاية ـ وهو ذاهب للصلاة ـ فسيكون لها أثرٌ بالغ على صلاته، والتلذذ بسماع كلام الملك الرحمن.
ثانيها: حينما تُيمم وجهَك شطر بيتٍ من بيوت الله؛ فسل ربك أن يجعل هذه الصلاة سببًا في صلاح قلبك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله, وعلى العبد أن يسأل ربَّه بإلحاح أن يصلح الله هذا القلب، فإن صلاحه ليس بمجرد حسن صوت القارئ، ولا بجودة المكان، ولكنه توفيقٌ من الله لمن صدَقَ معه، وانطرح بين يديه.
تأمل هذه الآية التي خوطب بها الأسرى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الأنفال: 70]، وتدبر هذه الشهادة من العليم الخبير، التي تدل على أثَرِ صدق القلب فيما ينزله الرب تعالى عليه من بركات: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[الفتح: 18].
ثالثاً: أن يستشعر عظمةَ شعيرة الصلاة، فهي خيرُ أعمالنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة»([1])، وصلاة التراويح من جملة هذه الصلوات، والله تعالى يبين لنا أن تعظيم شعائره برهانٌ على تقوى القلب: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾[الحج: 32].
رابعاً: أن يعيش هيبةَ الموقف بين يدي الله تبارك وتعالى، وأنه واقف بين يدي مَنْ سعادتُه وصلاحُ حاله في الدنيا والآخرة بيده.
إن استشعارَ هذا الموقف وحده كافٍ في أن يخفّف عليه ما قد يجده من طولٍ في صلاته، بل ستتحول هذه المشقة إلى لذة.
خامساً: تفقدْ قلبَك بعد الصلاة، وانظر: ما الذي أحدَثَه فيه هذا القرآن؟ فإن لم تجد الأثر فعدْ على نفسك بالمحاسبة؛ إذ الرب شكور، لا يمكن أن يعملُ العبدُ عملاً إلا ويثيبه عليه، هنا سيكون للتراويح أثرُها الواضح في حياة مصليها، ليس في رمضان فحسب، بل في العمر كلّه.
فإن قَصُرت النفسُ عن تحقيق ما سبق كله، فإن شعورها بالتقصير في حق الله، وضعفِ الأثرِ من ممارسة تلك العبادات، هو بداية الطريق نحو التصحيح، واستثمارِ مواسم الطاعة، في تحقيق أجلِّ مقاصد نزول الكتب، وإرسال الرسل، وهو: إصلاح القلوب، وتعبيدها لرب العالمين.
_______________
([1]) ابن ماجه ح(277) ، ومسند أحمد ح(22378) وسنده صحيح.
حتى ننتفع بالتراويح
د. عمر بن عبد الله المقبل
إذا ذُكِرَ رمضان ذُكرتْ التراويح، تلك السُنَّة التي توارثتها الأمةُ عن نبيها صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ، والتي حصل بسببها خيرٌ عظيم.
إنها لمشاهد تبعث على البهجة، حين ترى تلك الجموع تنقاد طواعيةً إلى بيوت الله، من مختلف فئات المجتمع، ومنهم أولئك الشبابُ الذين قد لا تبدو عليهم مظاهرُ الاستقامة الظاهرة.
إن التراويح ليست مجرد تظاهرة دينية رمضانية، بل هي انتصابٌ للأقدام بين يدي ملك الملوك قُرابة الساعة، والمصلي فيها يستمعُ لخير ما نزل من السماء، كلامِ الملك العظيم، الذي ما صلحت القلوبُ بمثل ما صلحت به.
إن أحدنا لو كثرت مجالسته للملوك، أو أهل الثراء لظهر أثرُ ذلك عليه وعلى كلامه ولباسه، فكيف بمن يجلس على هذه المائدة الربانية ثلاثين ليلة! وتزداد كثافةً في عشرها الأخيرة، هذه المائدة التي تتنوع فيها المواعظُ والأحكامُ، وآيات تتحدث عن أشرف علومِ هذا القرآن، وهو الكلام عن الله تعالى وعن صفاته جل جلاله!
وإن من النُّصح أن نتواصى فيما بيننا، للبحث عن أفضل السُّبُل للانتفاع بهذه المائدة الربانية "التراويح"، ولعلي أشير إلى أهمها، ومن ذلك:
أولها: ينبغي أن لا يغيب عنا ـ ونحن نمشي إلى التراويح ـ أن المقصودَ الأعظم من العبادات كلِّها هو تعبيدُ هذا القلب لله جل وعلا، وتذليله ليصل إلى الغاية الكبرى التي خُلق من أجلها الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، ومن هذه العبادات: صلاة التراويح، فمتى استحضر المصلي هذه الغاية ـ وهو ذاهب للصلاة ـ فسيكون لها أثرٌ بالغ على صلاته، والتلذذ بسماع كلام الملك الرحمن.
ثانيها: حينما تُيمم وجهَك شطر بيتٍ من بيوت الله؛ فسل ربك أن يجعل هذه الصلاة سببًا في صلاح قلبك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله, وعلى العبد أن يسأل ربَّه بإلحاح أن يصلح الله هذا القلب، فإن صلاحه ليس بمجرد حسن صوت القارئ، ولا بجودة المكان، ولكنه توفيقٌ من الله لمن صدَقَ معه، وانطرح بين يديه.
تأمل هذه الآية التي خوطب بها الأسرى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الأنفال: 70]، وتدبر هذه الشهادة من العليم الخبير، التي تدل على أثَرِ صدق القلب فيما ينزله الرب تعالى عليه من بركات: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[الفتح: 18].
ثالثاً: أن يستشعر عظمةَ شعيرة الصلاة، فهي خيرُ أعمالنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة»([1])، وصلاة التراويح من جملة هذه الصلوات، والله تعالى يبين لنا أن تعظيم شعائره برهانٌ على تقوى القلب: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾[الحج: 32].
رابعاً: أن يعيش هيبةَ الموقف بين يدي الله تبارك وتعالى، وأنه واقف بين يدي مَنْ سعادتُه وصلاحُ حاله في الدنيا والآخرة بيده.
إن استشعارَ هذا الموقف وحده كافٍ في أن يخفّف عليه ما قد يجده من طولٍ في صلاته، بل ستتحول هذه المشقة إلى لذة.
خامساً: تفقدْ قلبَك بعد الصلاة، وانظر: ما الذي أحدَثَه فيه هذا القرآن؟ فإن لم تجد الأثر فعدْ على نفسك بالمحاسبة؛ إذ الرب شكور، لا يمكن أن يعملُ العبدُ عملاً إلا ويثيبه عليه، هنا سيكون للتراويح أثرُها الواضح في حياة مصليها، ليس في رمضان فحسب، بل في العمر كلّه.
فإن قَصُرت النفسُ عن تحقيق ما سبق كله، فإن شعورها بالتقصير في حق الله، وضعفِ الأثرِ من ممارسة تلك العبادات، هو بداية الطريق نحو التصحيح، واستثمارِ مواسم الطاعة، في تحقيق أجلِّ مقاصد نزول الكتب، وإرسال الرسل، وهو: إصلاح القلوب، وتعبيدها لرب العالمين.
_______________
([1]) ابن ماجه ح(277) ، ومسند أحمد ح(22378) وسنده صحيح.