أحكام الأضحية

  • تاريخ البدء تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
إن نِعَم الله - عز وجل - على عباده كثيرةٌ لا تُعَدُّ ولا تحصى، ومن نعمه - سبحانه وتعالى - أنْ جعل لعباده مواسمَ يستكثرون فيها من العمل الصالح؛ لأن عمْر الإنسان المسلم قصيرٌ ومحدود؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعمارُ أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلُّهم من يجوز ذلك))[1].

ولما كان في علم الله الأزلي ضعفُ عباده، واقترافهم للذنوب؛ جعل لهم مناسباتٍ ومواسمَ تُضاعَف فيها الأجور، وتكثر حسناتُهم، وتُكفَّر عنهم سيئاتُهم، ومن هذه المواسم موسمُ عيد الأضحى، والذي يكون في العشر من ذي الحجة.

وهذه المادة ما هي إلا لتذكير إخوتي المؤمنين بأحكام هذه السُّنة، وإخراج بعضهم من ذبيحة العادة إلى نُسك العبادة.

نسأل الله أن يوفقنا لاغتنام مواسم الخير والبركات، وأن يعيننا على طاعته، وحسن عبادته.

تعريف الأضحية:
التعريف اللغوي: ذكر الخليل الفراهيدي في كتابه "العين": "الأضحية، الجميع: الضحايا والأضاحي، وهي الشاة يُضحَّى بها يوم الأضحى بمنًى وغيره، والعرب تؤنِّث الأضحى، وليلة إضحيانة، ويوم إضحيان: مضيء لا غيم فيه"[2].

يقال: ضحى بالشاة ونحوها: ذبحها في الضحى من أيام عيد الأضحى.

التعريف الشرعي:
أما الأضحية في الإصلاح - وقد ردُّوها إلى المعنى اللُّغوي - فقال فيها الدكتور سعدي أبو حبيب: "ذبح حيوان مخصوص، بنية القربة إلى الله - تعالى - في وقت مخصوص"[3].

وعرفها أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي: "هي ما يذبح من النَّعم؛ تقرُّبًا إلى الله - تعالى - من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق... سميت بأول زمان فعلِها، وهو الضحى"[4].

عماد التعريف:
فعماد التعريف في الأضحية - من خلال التعريفين السابقين على توافقهما -: اسم لما يُنحَر أو يُذبَح من الإبل، والبقر، والغنم يوم النحر وأيام التشريق، على كيفية مخصوصة؛ تقربًا لله - سبحانه وتعالى.

حكم الأضحية:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحر، من فعَلَه فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبلُ، فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النسك في شيء))[5].

فقد ترجم الإمام لهذا الحديث - في صحيحه - بقوله: "باب: سنة الأضحية، قال ابن عمر: هي سنة ومعروف"، فكأنه أشار إلى مخالفة من قال بوجوبها.

فالأضحية لا خلاف في كونها من شرائع الدِّين، وهي عند الشافعية والجمهور سُنة مؤكَّدة على الكفاية، وعن أبي حنيفة تجب على المقيم الموسر، وعن مالك مثلُه في رواية، لكن لم يقيد بالمقيم، ونقل عن الأوزاعي والليث مثله، وخالف أبو يوسف من الحنفيَّة، وأشهبُ من المالكية، فوافقا الجمهور، وروي عن الإمام أحمد كراهيةُ تركِها مع القدرة، وعنه أيضًا أنها واجبة، وعن محمد بن الحسن: هي سنة غير مرخص في تركها[6].

وحُجة من ذهب إلى الوجوب قولُه - تعالى -: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]؛ أي: انحر الأضحية؛ فالأمر يقتدي الوجوب[7].

وفصل الخطاب أن حكم الأضحية واجبٌ على ذي السَّعة؛ لقوله - عليه السلام -: ((من كان له سعةٌ ولم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلاَّنا))[8].

ما يستحب من الأضاحي:
كان من هدْيه - صلى الله عليه وسلم - اختيارُ الأضحية، واستحسانها، وسلامتها من العيوب، ونهى أن يضحَّى بمقطوعة الأُذن، ومكسورة القرن - النصف فما فوق -[9] وأمر أن تستشرف، وينظر إلى سلامة العين والأذن، وألاَّ يضحى بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء[10].

والمقابلة: هي التي قُطع مقدم أذنها، والمدابرة: التي قطع مؤخر أذنها، والشرقاء: التي شقت أذنها، والخرقاء: التي خرقت أذنها.

كما لا تجزئ ما قال في شأنها - عليه السلام -: ((لا يضحَّى بالعرجاء بيِّن ظَلْعُها، ولا بالعوراء بين عَوَرها، ولا بالمريضة بين مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقي - أي: الهزيلة))[11].

وأفضلها ما كان يضرب لونُه إلى بياض غير ناصع؛ لما أخرجه الإمام أحمد من طريق أبي هريرة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دم عفراء أحبُّ إليَّ من دم سوداوين))[12]، ولما ثبت عنه - عليه السلام -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبشٍ أقرن يطأ في سوادٍ، وينظر في سوادٍ، ويبرك في سوادٍ، فأُتي به فضحَّى به"[13].

وقت الذبح ومكانه:
تجزئ أضحية العيد بعد الصلاة؛ لما رواه البراء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فلا يذبح حتى ينصرف))[14].

ويمتدُّ وقت الذبح من أول يوم النحر إلى آخر يوم التشريق - وهو مغيب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق - لما ثبت عنه - عليه السلام - فيما أخرجه الإمام أحمد، من طريق جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: ((كل أيام التشريق ذبحٌ))[15].

وكان من هدْيه - صلى الله عليه وسلم - أن يضحي بالمصلَّى، ذكره أبو داود عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من المنبر، وأتى بكبش فذبحه بيده، وقال: ((بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضحِّ من أمتي))[16].

الاشتراك في الأضحية:
تجوز المشاركة في الأضحية؛ لما ثبت عنه - عليه السلام - فيما رواه الإمام مسلم عن جابر أنه قال: "نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنةَ عن سبعةٍ، والبقرةَ عن سبعةٍ))[17].

وكان من هدْيه - صلى الله عليه وسلم - أن الشاة تجزئ عن الرَّجل وأهل بيته، ولو كثُر عددهم، ويشتركون في أجرها[18].

والأضحية قربة من الأحياء، ولا يُشرَع أداؤها عن الأموات.

قسمتها المستحبة:
ويستحب أن تقسم ثلاثًا: يأكل أهل البيت ثلثًا، ويتصدَّقون بثلث، ويهدون ثلثًا؛ لقوله - عليه السلام -: ((كُلُوا، وادَّخروا، وتصدَّقوا))[19].

أجر جازرها:
ولا يعطى الجازر أجرَ عمله من الأضحية، أما من المال، فلا بأس؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: "أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها، وألاَّ أعطي الجازر منها"، قال: ((ونحن نعطيه من عندنا))[20].

ذبيحة المرأة:
عن ابن كعب بن مالك عن أبيه: "أن امرأةً ذبحت شاةً بحجرٍ، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمر بأكلها"[21].

وفي "الفتح": "هذا الحديث كأنه يشير إلى الرد على من منع ذلك، وقد نقل محمد بن عبدالحكم عن مالك كراهتَه، وعن بعض المالكية جوازه، وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية، وعند سعيد بن منصور بسندٍ صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي: لا بأس إذا أطاق الذبيحة، وحفظ التسمية، وهو قول الجمهور"[22].

أخذ الدَّيْن - السلف - من أجل الأضحية:
من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله لم يكلِّفنا ما ليس لنا طاقة به، وما دام أن الأضحية حكمُها الاستحباب؛ فالواجب عدم الاستدانة لشرائها، أما إن كان له وفاء، فاستدان ما يضحي به، فحسن، ولا يفرض عليه فعلُ ذلك.

أما أخْذ الدَّين بالفوائد - الرِّبا - لذلك، فحرام بالنصوص النقلية من قرآن، وسنة، وإجماع العلماء:
قال - عز وجل -: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
قال - عليه السلام -: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ رواه الإمام البخاري.

ومن ناحية المعقول:
لا يبنى الحلال على الحرام مطلقًا؛ إذ لا يؤتى بسُنة (الأضحية) مبنيةً على محرَّم (الربا)، فتصير محرَّمة لغيرها، شأنها في ذلك شأن الصلاة في الأرض المغصوبة
 
بارك الله فيكم ونفع بكم

عبدالله سعد اللحيدان
مؤلّف : سلسلة ( موسوعة ) العدل والظلم ، والعدل والظلم في ميزان الإسلام . والتي سوف يسمح للجميع بنشرها وتوزيعها ، ويتمّ توزيعها مجّانا ، إن شاء الله تعالى .
 
الوسوم الوسوم
أحكام الأضحية
عودة
أعلى