تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة هذه المسألة فهما راسخاً ، والله المستعان(1).
الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء، وإما أولياء وإما ملائكة ، أو يدعون أشجاراً ، أو أحجاراً مطيعة لله ليست عاصية ، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا ًمن أفسق الناس ، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك(2).
(1) قوله: "تبين له الفرق . . . إلخ" هذا جواب قوله: "فمن فهم هذه المسألة . . . إلخ" أي تبين له الفرق ،بين له الفرق ، بين مشركي زمانه رحمه الله والمشركين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن شرك الأولين أخف من شرك أهل زمانه ، ولكن أين من يفهم قلبه ذلك ، أكثر الناس في غفلة عن هذا وأكثر الناس يلبس عليهم الحق بالباطل فيظنون الباطل حقاً كما يظنون الحق باطلاً.
(2) قوله: "الأمر الثاني" أي في بيان أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زمانه رحمه الله أن المشركين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، يدعون أناساً مقربين من أولياء الله عز وجل أو يدعون أحجاراً أو أشجاراً مطيعة لله ذليلة له، أما
والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به. إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أصح عقولاً ، وأخف شركاً من هؤلاء، فأعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم ، فأصغ سمعك لجوابها وهي:
أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم ، وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً ، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ونصدق القرآن ، ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ (1). . . . . . . . . . . . . . . .
هؤلاء أعني المشركين في زمانه فإنهم يدعون من يحكون عنهم الفجور والزنا والسرقة وغير ذلك من معاصي الله عز وجل ومعلوم أن من يعتقد في الصالح ، أو الجهاد الذي لا يعصي الله تعالى أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه ويشهد به وهذا ظاهر.
(1) في هذه الجملة يبين رحمه الله الله شبهة من أعظم شبههم ويجيب عنها فيقول : إذا تحققت أن المشركين في عهده عليه
فالجواب:-أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في شيء وكذبه في شيء ، أنه كافر لم يدخل في الإسلام ، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن بعضه كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة ، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاء ، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم ، أو أقر بهذا كله وجحد الحج ، ولما لم ينقذ أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، للحج أنزل الله في حقهم )ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين( (1) {سورة آل عمران، الآية: 97} .
الصلاة والسلام أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء فأعلم أنهم يوردون شبهة حيث يقولون إن المشركين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن ، ونؤمن بالبعث ، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ، ونصوم رمضان فكيف تجعلوننا مثلهم ، وهذه شبهة عظيمة .
(1) يقول رحمه الله : إنهم إذا قالوا هذا ، يعني أنهم يشهدون أن لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . . . إلخ ، يعني فكيف يكونون كفاراً؟ .
إن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب به ، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقول الله تعالى )إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً( {سورة النساء الآيتان : 150،151} وقوله تعالى في بني إسرائيل )أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون( {سورة البقرة ، الآية 85}. ثم ضرب المؤلف لذلك أمثلة:
المثال الأول: الصلاة فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر.
قوله : "أو أقر بالتوحيد . . . .إلخ" هذا هو المثال الثاني وهو من أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافراً.