من الآداب المختصة بالمعلم:
1 - الحرص على نشر العلم بجميع الوسائل، وأن يبذله لمن طلبه بطلاقة وانشراح صدر، مغتبطاً بنعمة الله عليه بالعلم والنور، وتيسير من يرث علمه عنه، وليحذر كل الحذر من كتمان العلم في حال يحتاج الناس فيها إلى بيانه، أو يسأله عنه مسترشد، ففي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "من سئل عن علم علمه، ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار"[94][94] . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
2 - الصبر على أذى المتعلمين وسوء معاملتهم له؛ لينال بذلك أجر الصابرين، ويعوّدهم على الصبر واحتمال الأذى من الناس، لكن مع ملاحظتهم بالتوجيه والإرشاد والتنبيه بحكمة على ما أساؤوا به؛ لئلا تضيع هيبته من نفوسهم، فيضيع مجهوده في تعليمهم.
3 - أن يمثل أمام الطلبة بما ينبغي أن يكون عليه من دين وخلق، فإن المعلم أكبر قدوة لتلميذه، وهو المرآة التي ينعكس عليها دين المعلم وأخلاقه.
4 - أن يسلك أقرب الطرق في إيصال العلم إلى تلاميذه، ومنع ما يحول دون ذلك، فيعتني ببيان العبارة وإيضاح الدلالة، وغرس المحبة في قلوبهم؛ ليتمكن من قيادتهم، وإصغائهم لكلامه، واستجابتهم لتوجيهه.
ومن الآداب المختصة بالمتعلم:
1 - بذل الجهد في إدراك العلم، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك جميع الطرق الموصلة إلى العلم. وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"[95][95] . رواه مسلم.
2 - البدء بالأهم فالأهم فيما يحتاج إليه من العلم في أمور دينه ودنياه، فإن ذلك من الحكمة {و َمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269 .
3 - التواضع في طلب العلم بحيث لا يستكبر عن تحصيل الفائدة من أي شخص كان، فإن التواضع للعلم رفعة، والذل في طلبه عز، وكم من شخص أقل منك في العلم من حيث الجملة، وعنده علم في مسألة ليس عندك منها علم.
4 - توقير المعلم واحترامه بما يليق به، فإن المعلم الناصح بمنزلة الأب، يغذي النفس، والقلب بالعلم، والإيمان، فمن حقه أن يوقره المتعلم، ويحترمه بما يليق من غير غلو ولا تقصير، ويسأله سؤال المستلهم المسترشد لا سؤال المتحدي أو المستكبر، وليتحمل من معلمه ما قد يحصل من جفاء وغلظة وانتهار. لأنه ربما يكون متأثراً بأسباب خارجية، فلا يتحمل من المتعلم ما يتحمله منه في حال الصفاء، والسكون.
5 - الحرص على المذاكرة والضبط وحفظ ما تعلمه في صدره أو كتابه؛ فإن الإنسان عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على ذلك نسي ما تعلمه وضاع منه وقد قيل:
العلم صيد والكتابة قيده
قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتتركها بين الخلائق طالقة
وليعتن بحفظ كتبه من الضياع وصيانتها من الآفات، فإنها ذخره في حياته، ومرجعه عند حاجته.
وإلى هنا انتهى القسم الثاني من كتاب (مصطلح الحديث) ويحتوي على مقرر السنة الثانية الثانوية في المعاهد العلمية.
وبه تم الكتاب على يد مؤلفه: محمد بن صالح العثيمين في يوم الخميس الموافق للسادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1396هـ ست وتسعين وثلاثمائة وألف.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1][1] رواه البخاري (7405) كتاب التوحيد، 15- باب قول الله تعالى : (ويحذركم الله نفسه) (آل عمران: 28). ومسلم (2675) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 1- باب الحث على ذكر الله تعالى.
[2][2] يستثنى من ذلك ما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بالوحي كالإخبار عن المغيبات في المستقبل، وكما في حديث يعلى بن أمية في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن أحرم بالعمرة وهو متضمخ بطيب ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه الوحي بذلك ، فمثل هذا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً لا معنى (المؤلف).
[3][3] انظر: البخاري (1291) كتاب الجنائز ، 34- باب ما يكره من النياحة على الميت... عن المغيرة. وهو في البخاري أيضا (110) كتاب العلم ، 38- باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. ومسلم (3) المقدمة، 2- باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقارن مع كلام الحافظ في << فتح الباري>> (1/203- فما بعد).
[4][4] رواه البخاري (10) كتاب الإيمان، 4- باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ومسلم (40) كتاب الإيمان ، 41- باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.. من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص . ورواه البخاري (11) كتاب الإيمان، 5- باب أي الإسلام أفضل. ومسلم (42) كتاب الإيمان ، 14- باب تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل .. من حديث أبي موسى الأشعري. ورواه مسلم (41) كتاب الإيمان، 14- باب بيان تفاضل الإسلام وأيو أموره أفضل .. من حديث جابر.
[5][5] رواه البخاري 0159 كتاب الإيمان، 8- باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. ومسلم (44) كتاب الإيمان ، 116- باب وجوب محبة رسول اله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة.
[6][6] رواه البخاري (1) كتاب بدء الوحي، 1- باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلم (1907) كتاب الإمارة ، 45- باب قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال.
[7][7] رواه البخاري (71) كتاب العلم، 13- باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. ومسلم (1037) كتاب الزكاة، 33- باب النهي عن المسألة.
[8][8] رواه أحمد (2/171/6593) و(2/216/7025). والبيهقي في كتاب البيوع، باب بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه بعضه ببعض نسيئة. ومتابعة عمرو بن شعيب عند البيهقي (5/288) الكتاب والباب ذاتهما. وانظر تخريج الشيخ أحمد شاكر على " المسند" (6593). و"سنن أبي داود" (3357) كتاب البيوع، 16- باب الرخصة في ذلك (بيع الحيوان نسيئة).
[9][9] رواه الترمذي (3) كتاب الطهارة، 3- باب ما جاء في أن مفتاح الصلاة الطهور وقال: هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسن ... وعبدالله بن محمد بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وأبو داود (61) كتاب الطهارة، 31- باب فرض الوضوء. وابن ماجه (275) كتاب الطهارة وسننها، 3- باب مفتاح الصلاة الطهور.. وأحمد (1/123).
[10][10] " علوم الحديث" (المقدمة) (ص37)، مع "التقييد والإيضاح".
[11][11] رواه الترمذي (3386) كتاب الدعوات، 11- باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء. وقال: صحيح غريب. وحديث ابن عباس، رواه أبو داود (1485) كتاب الوتر، 23- باب الدعاء. وكلام الحافظ في "بلوغ المرام" موجود برقم (1581،1582) باب الذكر والدعاء.