×كيفية التوبة؟هل تريد أن تتوب ولكن لا تستطيع إليك الأسباب المعينة على التوبة بإذن الله
أخي الفاضل أختي الفاضلة:
[font="]كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع الى خالقها، تريد الأوبة الى [font="]فاطرها، لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات،[/font][font="]واقتراف صنوف المحرمات... ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين [/font][font="]تبدأ؟[/font][/font]
×[font="]وفصل الخطاب في هذه المسألة[font="] أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب [/font][font="]التي تأخذ بيده إليه وتعينه عليه ، فإن الله تعالى إذا قَدَّر شيئاً هيأ له الأسباب ،وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك [/font][font="]على التوبة وتساعدك عليها[/font]: [/font]
[font="]أولاً : أصدق النية وأخلص التوبة: [/font]
[font="]فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب [font="]التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده[/font][font="] عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من [/font][font="]السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه[/font][font="] السلام[/font]][font="]كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[/font][font="] يوسف:24][/font][/font]
[font="](حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال : إن تصدق الله يصدقك . [/font][/font]
[font="]
[*] [font="]قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: [/font][/font]
[font="]( إن تصدق اللّه يصدقك ) قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال : ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : أهو هو؟ قالوا : نعم صدق اللّه فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللّهم هذا عبدك خرج مجاهداً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولاً فاختصره المؤلف . [/font]
[font="]ثانياً : حاسب نفسك:[/font]
[font="]فإن محاسبة النفس تدفع الى المبادرة الى الخير،[font="]وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد [/font][font="]يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد[/font][font="] وقوعها[/font][font="] ، [/font][font="]ومحاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين[/font][font="] ، فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه ، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم ، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى،داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك،توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها قادته إلى القبائح ، ودعته إلى الرذائل،وخاضت به المكاره،تطلعاتها غريبة،وغوائلها عجيبة،ونزعاتها مخيفة، وشرورها كثيرة، فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوىً من جحيم قال تعالى: (فَأَمّا مَن طَغَىَ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا * فَإِنّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىَ * وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَىَ * فَإِنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَىَ ) [النازعات 37: 41][/font][/font]
×[font="]فوائد محاسبة النفس :[/font]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[font="]ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي :é[/font]
[font="](1) الاطلاع على عيوب نفسه :[font="] ومن لم يطلع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالتها ،والمرء حين يطّلع على عيوب نفسه يكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال أبو الدرداء:[/font][font="] " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتاً " .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة[/font][font="] ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)[/font][font="]! ، [/font][/font]
[font="]
[*][font="] وقال محمد بن واسع : لو كان للذنوب ريحٌ ما قدر أحد أن يجلس إلىّ . [/font][/font]
[font="]مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة [font="]. [/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال يونس بن عبيد: [/font][font="]" إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسى منها واحدة " .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] دخل حمّاد بن سلمة على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال:[/font][font="] ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أبا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك)[/font][font="].[/font][/font]
[font="]
[*][font="] وقال جعفر بن زيد:[/font][font="] ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت![/font][/font]
[font="][[font="]*][/font][font="] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه [/font][font="]: (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.[/font][/font]
[font="](2) مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.[/font]
[font="](3) ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.[/font]
[font="](4) أن يخاف الله عز وجل .[/font]
[font="](5) ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ ق : 16] [/font]
[font="]وقال تعالى: (وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [ البقرة : 235][/font]
[font="]وما أردى الكفار[font="]في لجج العمى إلا ظنهم أنهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما[/font][font="]يهوون بلا حسيب، قال سبحانه عنهم[/font]:][font="]إِنَّهُم كَانُواْ لا يَرجُونَ حِسَاباً[/font][[font="]النبأ:27][/font][/font]
[font="](6) ومن فوائد المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، قال تعالى: (لّيَسْأَلَ الصّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) [ الأحزاب : 8] [/font]
[font="]وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! قال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ الْمُرْسَلِينَ) [ الأعراف : 6] وحتى الرسل يُسألون..!!![/font]
[font="](7) [font="]ومن فوائد المحاسبة أن يعرف حق الله تعالى عليه، فإن ذلك يورثه مقت نفسه ، والإزراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل ، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدى ربه ، واليأس من نفسه ، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته ، فإن من حقه أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر . [/font][/font]
[font="]ثالثاً : ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها:[/font]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
[font="]قل لها: يا نفس توبي قبل أن[font="]تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن[/font][font="]الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين[/font][font="]أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل[/font][font="]يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك،[/font][font="]وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها[/font][font="]حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب[/font]. [/font]
[font="]رابعاً : اعزل نفسك عن مواطن المعصية: [/font]
[font="]فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه [font="]مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين إنسانا قال له[/font][font="] العالم[/font]:[/font][font="]لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء[/font]
[font="]( حديث [font="]أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي [/font][font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال :[/font][font="] كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال لا ، فقتله فَكَمَّل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم مَلَك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة .[/font][/font]
[font="]خامساً :[font="]ابتعد عن رفقة السوء: [/font][/font]
[font="]فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك[font="] وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً،[/font][font="]وتسوقهم سوقاً.. [/font][/font]
[font="]وتذكر قوله تعالى: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 27][/font]
[font="][[font="]*][/font][font="]قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره :[/font][/font]
[font="]وقوله: { َاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (4) وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا } [/font]
[font="]أي: يُريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة { أَنْ تَمِيلُوا } يعني: عن الحق إلى الباطل { مَيْلا عَظِيمًا.[font="]أهـ[/font][/font]
[font="]فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر[font="]الطريق الذي كنت تمر منه..لأن الطباع سَرَّاقة والمرء على دين خليله[/font][font="] بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :[/font][/font]
[font="]حديث أبي هريرة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم[/font][font="] قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل . *[/font][/font]
[font="]( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال : لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي . [/font][/font]
[font="]سادساً :[font="]تدبّر عواقب الذنوب: [/font][/font]
[font="]فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة[font="]العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك الى ترك الذنوب [/font][font="]بداية، والتوبة الى الله إن كان اقترف شيئاً منها[/font]. [/font]
[font="]سابعاً :[font="]تذكير النفس بالجنة والنار: [/font][/font]
[font="]ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه. [/font]
[font="]ثامناً : أَشْغِلْ نفسك بما ينفعها وجنّبها الوحدة والفراغ: [/font]
[font="]فإن النفس إن لم [font="]تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي الى الانحراف والشذوذ والإدمان،[/font][font="]ويقود الى رفقة السوء، [/font][font="]وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من [/font][font="]سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفع[/font][font="]ك بما فيه من [/font][font="]غرر الفوائد ، ودرر الفرائد[/font][font="] . [/font][/font]
[font="]( حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري )[font="]أن النبي [/font][font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال :[/font][font="]نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس [/font][font="]: الصحة و الفراغ . [/font][/font]
[font="]*( نعمتان ) تثنية نعمة ، وهي الحالة الحسنة ، أو النفع المفعول على وجه الإحسان للغير . وزاد في رواية " من نعم اللّه " [/font]
[font="]( مغبون فيهما ) بالسكون والتحريك قال الجوهري : في البيع بالسكون وفي الراوي بالتحريك ، فيصح كل في الخبر . إذ من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن ولم يحمد رأيه [/font]
[font="]( كثير من الناس : الصحة والفراغ )[font="] من الشواغل الدنيوية المانعة للعبد عن الاشتغال بالأمور الآخروية ، فلا ينافي الحديث المار : إن اللّه يحب العبد المحترف ، لأنه في حرفة لا تمنع القيام بالطاعات . شبه المكلف بالتاجر ، والصحة والفراغ برأس المال لكونهما من أسباب الأرباح ومقدمات النجاح فمن عامل اللّه بامتثال أوامره ربح ، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله . والفراغ نعمة غبن فيها كثير من الناس . ونبه بكثير على أن الموفق لذلك قليل . وقال حكيم : الدنيا بحذافيرها في الأمن والسلامة . وفي منشور الحكم : من الفراغ تكون الصبوة ، ومن أمضى يومه في حق قضاه ، أو فرض أدَّاه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عتق يومه وظلم نفسه . قال : لقد هاج الفراغ عليك شغلا * وأسباب البلاء من الفراغ . أهـ[/font][/font]
[font="]وقد حثنا النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]على الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى[/font][font="] وحذرنا من[/font][font="] الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها : ومن ذلك ما يلي :[/font][/font]
[font="](حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم[/font][font="] قال[/font][font="]:[/font][font="] إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك[/font][font="].[/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال الإمام المنذري رحمه الله تعالى في الترغيب والترهيب :[/font][/font]
[font="]يا بن آدم تفرغ لعبادتي[font="]: أي فرغ قلبك وأقبل علي وحدي، فتكون في كل أحوالك ناظراً إلى ربك سبحانه، مراقباً له، خائفاً منه، تعمل ما يرضيه سبحانه وتعالى، فهذا هو التفرغ لعبادة رب العالمين، فإذا فعلت هذا فالنتيجة هي ما جاء في الحديث حيث قال: [/font][font="]أملأ صدرك [/font][font="]غنى وأسد فقرك[/font][font="].[/font][font="]فإذا امتلأ القلب غنى فلا يحتاج الإنسان إلى شيء بعد ذلك؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فالإنسان إذا كان مفلساً لا شيء معه وقلبه غني فإنه سيشعر أنه ملك، وأنه أفضل من جميع من معه مال؛ لأن من معه مال يحتاج إلى أن يحرس ماله، أما هذا فلا يحتاج أن يحرس شيئاً؛ لأن القلب ممتلئ غنى، أما إذا ملأ الله قلب الإنسان فقراً وحاجة، فإنه سيشعر أنه فقير ولو كان من أغنى الناس؛ لأنه يحس أن ماله سينفد، وأن هناك أمراضاً يمكن أن تصيبه، فيظل يكنز ويكنز ولا يشبع أبداً. إذاً: الغنى هو غنى القلب والفقر هو فقر القلب، وربنا يعدك أنك إذا تفرغت للعبادة وأحسنت فيها فإنه سوف يملأ قلبك غنى، ولم ينته الأمر عند غنى القلب فقط، بل وفوق ذلك قال:[/font][font="]أملأ صدرك غنى وأسد فقرك[/font][font="].[/font][font="] أي: سأملأ القلب واليدين[/font][font="].[/font][/font]
[font="]وإلا تفعل ملأت يديك شغلا[font="]:[/font][font="]فالإنسان الذي يتباعد عن الله فيسمع المؤذن يؤذن فيقول: أنا لست فارغاً، بل ورائي شغل.. أريد أن آكل.. أو أريد أن أشرب، كيف أترك العمل وأنا محتاج إليه؟ فمثل هذا سوف يظل محروماً طول حياته[/font][font="].[/font][/font]
[font="]ولم أسد فقرك[font="]:[/font][font="] أي ستحس أنك فقير دائماً مهما كان معك من أموال كثيرة،[/font][/font]
[font="]سبحان الله! البعيد عن طاعة الله سبحانه وتعالى يحدث له عكس ما يحدث للمتفرغ لطاعة الله سبحانه، فتجده كثير العمل، يشتغل هنا وهناك، وفي النهاية لا يجد معه شيئاً من الأموال؛ لأن الله يبتليه بالأمراض وبالإنفاق على العمال وغير ذلك، فلا يبقى معه شيء؛ لأنه ابتعد عن الله تبارك وتعالى[font="].[/font][/font]
[font="]تاسعاً :خالف هواك:[/font]
[font="]فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: [font="]أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[/font][font="][الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه ، والهوى شر إلةٍ عُبِدَ في الأرض . [/font][/font]
[font="]عاشراً : وهناك أسباب أخرى تعينك على التوبة غير ما ذُكر[font="]منها: الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر[/font][font="]الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، الى غير ذلك[/font][font="]من الأمور التي تعينك على التوبة[/font]. [/font]
أخي الفاضل أختي الفاضلة:
[font="]كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع الى خالقها، تريد الأوبة الى [font="]فاطرها، لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات،[/font][font="]واقتراف صنوف المحرمات... ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين [/font][font="]تبدأ؟[/font][/font]
×[font="]وفصل الخطاب في هذه المسألة[font="] أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب [/font][font="]التي تأخذ بيده إليه وتعينه عليه ، فإن الله تعالى إذا قَدَّر شيئاً هيأ له الأسباب ،وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك [/font][font="]على التوبة وتساعدك عليها[/font]: [/font]
[font="]أولاً : أصدق النية وأخلص التوبة: [/font]
[font="]فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب [font="]التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده[/font][font="] عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من [/font][font="]السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه[/font][font="] السلام[/font]][font="]كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[/font][font="] يوسف:24][/font][/font]
[font="](حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال : إن تصدق الله يصدقك . [/font][/font]
[font="]
[*] [font="]قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: [/font][/font]
[font="]( إن تصدق اللّه يصدقك ) قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال : ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : أهو هو؟ قالوا : نعم صدق اللّه فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللّهم هذا عبدك خرج مجاهداً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولاً فاختصره المؤلف . [/font]
[font="]ثانياً : حاسب نفسك:[/font]
[font="]فإن محاسبة النفس تدفع الى المبادرة الى الخير،[font="]وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد [/font][font="]يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد[/font][font="] وقوعها[/font][font="] ، [/font][font="]ومحاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين[/font][font="] ، فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه ، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم ، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى،داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك،توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها قادته إلى القبائح ، ودعته إلى الرذائل،وخاضت به المكاره،تطلعاتها غريبة،وغوائلها عجيبة،ونزعاتها مخيفة، وشرورها كثيرة، فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوىً من جحيم قال تعالى: (فَأَمّا مَن طَغَىَ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا * فَإِنّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىَ * وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَىَ * فَإِنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَىَ ) [النازعات 37: 41][/font][/font]
×[font="]فوائد محاسبة النفس :[/font]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[font="]ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي :é[/font]
[font="](1) الاطلاع على عيوب نفسه :[font="] ومن لم يطلع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالتها ،والمرء حين يطّلع على عيوب نفسه يكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال أبو الدرداء:[/font][font="] " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتاً " .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة[/font][font="] ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)[/font][font="]! ، [/font][/font]
[font="]
[*][font="] وقال محمد بن واسع : لو كان للذنوب ريحٌ ما قدر أحد أن يجلس إلىّ . [/font][/font]
[font="]مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة [font="]. [/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال يونس بن عبيد: [/font][font="]" إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسى منها واحدة " .[/font][/font]
[font="]
[*][font="] دخل حمّاد بن سلمة على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال:[/font][font="] ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أبا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك)[/font][font="].[/font][/font]
[font="]
[*][font="] وقال جعفر بن زيد:[/font][font="] ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت![/font][/font]
[font="][[font="]*][/font][font="] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه [/font][font="]: (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.[/font][/font]
[font="](2) مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.[/font]
[font="](3) ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.[/font]
[font="](4) أن يخاف الله عز وجل .[/font]
[font="](5) ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ ق : 16] [/font]
[font="]وقال تعالى: (وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [ البقرة : 235][/font]
[font="]وما أردى الكفار[font="]في لجج العمى إلا ظنهم أنهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما[/font][font="]يهوون بلا حسيب، قال سبحانه عنهم[/font]:][font="]إِنَّهُم كَانُواْ لا يَرجُونَ حِسَاباً[/font][[font="]النبأ:27][/font][/font]
[font="](6) ومن فوائد المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، قال تعالى: (لّيَسْأَلَ الصّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) [ الأحزاب : 8] [/font]
[font="]وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! قال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ الْمُرْسَلِينَ) [ الأعراف : 6] وحتى الرسل يُسألون..!!![/font]
[font="](7) [font="]ومن فوائد المحاسبة أن يعرف حق الله تعالى عليه، فإن ذلك يورثه مقت نفسه ، والإزراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل ، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدى ربه ، واليأس من نفسه ، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته ، فإن من حقه أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر . [/font][/font]
[font="]ثالثاً : ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها:[/font]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
[font="]قل لها: يا نفس توبي قبل أن[font="]تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن[/font][font="]الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين[/font][font="]أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل[/font][font="]يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك،[/font][font="]وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها[/font][font="]حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب[/font]. [/font]
[font="]رابعاً : اعزل نفسك عن مواطن المعصية: [/font]
[font="]فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه [font="]مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين إنسانا قال له[/font][font="] العالم[/font]:[/font][font="]لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء[/font]
[font="]( حديث [font="]أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي [/font][font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال :[/font][font="] كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال لا ، فقتله فَكَمَّل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم مَلَك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة .[/font][/font]
[font="]خامساً :[font="]ابتعد عن رفقة السوء: [/font][/font]
[font="]فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك[font="] وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً،[/font][font="]وتسوقهم سوقاً.. [/font][/font]
[font="]وتذكر قوله تعالى: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 27][/font]
[font="][[font="]*][/font][font="]قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره :[/font][/font]
[font="]وقوله: { َاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (4) وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا } [/font]
[font="]أي: يُريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة { أَنْ تَمِيلُوا } يعني: عن الحق إلى الباطل { مَيْلا عَظِيمًا.[font="]أهـ[/font][/font]
[font="]فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر[font="]الطريق الذي كنت تمر منه..لأن الطباع سَرَّاقة والمرء على دين خليله[/font][font="] بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :[/font][/font]
[font="]حديث أبي هريرة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم[/font][font="] قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل . *[/font][/font]
[font="]( حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال : لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي . [/font][/font]
[font="]سادساً :[font="]تدبّر عواقب الذنوب: [/font][/font]
[font="]فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة[font="]العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك الى ترك الذنوب [/font][font="]بداية، والتوبة الى الله إن كان اقترف شيئاً منها[/font]. [/font]
[font="]سابعاً :[font="]تذكير النفس بالجنة والنار: [/font][/font]
[font="]ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه. [/font]
[font="]ثامناً : أَشْغِلْ نفسك بما ينفعها وجنّبها الوحدة والفراغ: [/font]
[font="]فإن النفس إن لم [font="]تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي الى الانحراف والشذوذ والإدمان،[/font][font="]ويقود الى رفقة السوء، [/font][font="]وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من [/font][font="]سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفع[/font][font="]ك بما فيه من [/font][font="]غرر الفوائد ، ودرر الفرائد[/font][font="] . [/font][/font]
[font="]( حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري )[font="]أن النبي [/font][font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]قال :[/font][font="]نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس [/font][font="]: الصحة و الفراغ . [/font][/font]
[font="]*( نعمتان ) تثنية نعمة ، وهي الحالة الحسنة ، أو النفع المفعول على وجه الإحسان للغير . وزاد في رواية " من نعم اللّه " [/font]
[font="]( مغبون فيهما ) بالسكون والتحريك قال الجوهري : في البيع بالسكون وفي الراوي بالتحريك ، فيصح كل في الخبر . إذ من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن ولم يحمد رأيه [/font]
[font="]( كثير من الناس : الصحة والفراغ )[font="] من الشواغل الدنيوية المانعة للعبد عن الاشتغال بالأمور الآخروية ، فلا ينافي الحديث المار : إن اللّه يحب العبد المحترف ، لأنه في حرفة لا تمنع القيام بالطاعات . شبه المكلف بالتاجر ، والصحة والفراغ برأس المال لكونهما من أسباب الأرباح ومقدمات النجاح فمن عامل اللّه بامتثال أوامره ربح ، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله . والفراغ نعمة غبن فيها كثير من الناس . ونبه بكثير على أن الموفق لذلك قليل . وقال حكيم : الدنيا بحذافيرها في الأمن والسلامة . وفي منشور الحكم : من الفراغ تكون الصبوة ، ومن أمضى يومه في حق قضاه ، أو فرض أدَّاه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عتق يومه وظلم نفسه . قال : لقد هاج الفراغ عليك شغلا * وأسباب البلاء من الفراغ . أهـ[/font][/font]
[font="]وقد حثنا النبي [font="]صلى الله عله وسلم [/font][font="]على الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى[/font][font="] وحذرنا من[/font][font="] الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها : ومن ذلك ما يلي :[/font][/font]
[font="](حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي [font="]صلى الله عله وسلم[/font][font="] قال[/font][font="]:[/font][font="] إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك[/font][font="].[/font][/font]
[font="]
[*][font="] قال الإمام المنذري رحمه الله تعالى في الترغيب والترهيب :[/font][/font]
[font="]يا بن آدم تفرغ لعبادتي[font="]: أي فرغ قلبك وأقبل علي وحدي، فتكون في كل أحوالك ناظراً إلى ربك سبحانه، مراقباً له، خائفاً منه، تعمل ما يرضيه سبحانه وتعالى، فهذا هو التفرغ لعبادة رب العالمين، فإذا فعلت هذا فالنتيجة هي ما جاء في الحديث حيث قال: [/font][font="]أملأ صدرك [/font][font="]غنى وأسد فقرك[/font][font="].[/font][font="]فإذا امتلأ القلب غنى فلا يحتاج الإنسان إلى شيء بعد ذلك؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فالإنسان إذا كان مفلساً لا شيء معه وقلبه غني فإنه سيشعر أنه ملك، وأنه أفضل من جميع من معه مال؛ لأن من معه مال يحتاج إلى أن يحرس ماله، أما هذا فلا يحتاج أن يحرس شيئاً؛ لأن القلب ممتلئ غنى، أما إذا ملأ الله قلب الإنسان فقراً وحاجة، فإنه سيشعر أنه فقير ولو كان من أغنى الناس؛ لأنه يحس أن ماله سينفد، وأن هناك أمراضاً يمكن أن تصيبه، فيظل يكنز ويكنز ولا يشبع أبداً. إذاً: الغنى هو غنى القلب والفقر هو فقر القلب، وربنا يعدك أنك إذا تفرغت للعبادة وأحسنت فيها فإنه سوف يملأ قلبك غنى، ولم ينته الأمر عند غنى القلب فقط، بل وفوق ذلك قال:[/font][font="]أملأ صدرك غنى وأسد فقرك[/font][font="].[/font][font="] أي: سأملأ القلب واليدين[/font][font="].[/font][/font]
[font="]وإلا تفعل ملأت يديك شغلا[font="]:[/font][font="]فالإنسان الذي يتباعد عن الله فيسمع المؤذن يؤذن فيقول: أنا لست فارغاً، بل ورائي شغل.. أريد أن آكل.. أو أريد أن أشرب، كيف أترك العمل وأنا محتاج إليه؟ فمثل هذا سوف يظل محروماً طول حياته[/font][font="].[/font][/font]
[font="]ولم أسد فقرك[font="]:[/font][font="] أي ستحس أنك فقير دائماً مهما كان معك من أموال كثيرة،[/font][/font]
[font="]سبحان الله! البعيد عن طاعة الله سبحانه وتعالى يحدث له عكس ما يحدث للمتفرغ لطاعة الله سبحانه، فتجده كثير العمل، يشتغل هنا وهناك، وفي النهاية لا يجد معه شيئاً من الأموال؛ لأن الله يبتليه بالأمراض وبالإنفاق على العمال وغير ذلك، فلا يبقى معه شيء؛ لأنه ابتعد عن الله تبارك وتعالى[font="].[/font][/font]
[font="]تاسعاً :خالف هواك:[/font]
[font="]فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: [font="]أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[/font][font="][الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه ، والهوى شر إلةٍ عُبِدَ في الأرض . [/font][/font]
[font="]عاشراً : وهناك أسباب أخرى تعينك على التوبة غير ما ذُكر[font="]منها: الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر[/font][font="]الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، الى غير ذلك[/font][font="]من الأمور التي تعينك على التوبة[/font]. [/font]
__________________