معاهدات السلام وأسباب عقد الاإتفاقيات

معاهدات السلام وأسباب عقد الاإتفاقيات

معاهدة سلام في القانون الدولي هي اتفاقية بين دولتين مستقلتين أو أكثر، تكون في العادة وثيقة مكتوبة، وأحيانا تكون شفهية لكن بموافقة ممثلي كلا الدول، عادة تبدأ المعاهدة الدولية أولا من خلال الديبلوماسيين المعتمديين الذين يكونوا في اتصال مستمر مع حكوماتهم إذا كان اتفاق على نص المعاهدة.
أسباب عقد الاإتفاقيات
لا تنتهي الحرب war أو ما أصبح يعرف بالنزاعات المسلحة الدولية international armed conflicts إلا بإبرام معاهدة سلام treaty of peace بين أطراف النزاع أما وقف إطلاق النار cease-fire أو الهدنة truce فهي تدابير مؤقتة توقف القتال مؤقتاً في الحالة الأولى أو نهائياً في الحالة الثانية دون أن تنهي النزاع المسلح من الناحية القانونية، وعلى هذا فمعاهدة السلام أو الصلح هي اتفاقية دولية تبرمها دولتان أو أكثر بقصد إنهاء حالة الحرب أو النزاع المسلح بكل مضامينها القانونية لإحلال حالة السلام بكل مضامينها القانونية. فالقانون الدولي يعرف وينظم حالتين في العلاقات الدولية حالة السلام وحالة الحرب، وفيهما يبرز الحياد الدائم أو الحياد المؤقت بحسب الحال. أما ما يعرف بحالة الحياد الإيجابي أو ما أصبح يسمى عدم الانحياز[ر] فهي حالة سياسية لا قانونية تعني انتهاج الدولة سياسة تنبع من مصالحها القومية وحسب دون تحيّز لأحد المعسكرات الدولية أو الأحلاف بشكل دائم.

وتتناول معاهدة السلام أو الصلح عادة جميع المسائل التي يهتم أطراف الحرب بتسويتها وتحديدها حسماً لكل نزاع بشأنها في المستقبل. فهي تتناول أولاً المسائل التي كانت سبباً في نشوب القتال، وتتناول كذلك موضوع التعويضات الواجبة عن الأضرار المتسببة من هذا القتال. كما تتناول تنظيم العلاقات السلمية بينهما. وقد تتناول معاهدة الصلح كذلك تعديلات وتسويات إقليمية وسياسية وأعباء اقتصادية يمليها ويفرضها عادة الغالب على المغلوب إلى غير ذلك من الأمور التي يتعين تسويتها والفصل فيها قبل العودة إلى العلاقات السلمية بين الطرفين وتطبيع هذه العلاقات لاحقاً.

تاريخ
وفي التاريخ أمثلة متتالية على حالات فرض المنتصر مطالبه على المهزوم. فمعاهدة السلام التي أنهت الحرب البونية[ر] الأولى مثلاً (264-241ق.م) فرضت على القرطاجيين دفع مبلغ من المال لروما خلال عشر سنين كتعويض لنفقات الحرب.

Tablet of one of the earliest recorded treaties in history, Treaty of Kadesh, at the Istanbul Archaeology Museum.
وكان هذا الشرط المُهين في نظر الرومان أحد أسباب اندلاع الحرب البونية الثانية. وفي معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى فرض الحلفاء شروطاً فيها إهانة لألمانيا تتمثل في انتزاع الألزاس واللورين ومصادرة الأسطول الألماني لصالح الحلفاء وتحميل ألمانيا وحدها ديون ونفقات الحرب الأولى وغير ذلك من الواجبات. كل ذلك كان من الأسباب التي حملت أدولف هتلر[ر] فيما بعد على نقض هذه المعاهدة وشن الحرب العالمية الثانية التي ذاق منها العالم الأمريّن. ويسلم المؤرخون الفرنسيون الآن بخطأ فرض شريعة المنتصر على ألمانيا ويرون أنه لو عامل الحلفاء ألمانيا معاملة الخصم الشريف عام 1919 بدلاً من معاملة المنهزم المهان لما تمكن هتلر من حقن الألمان بالكراهية ضد فرنسا وشحن نفوس الناس بالحقد والرغبة في الانتقام من أجل غسل عار اتفاقية فرساي عام 1919. لقد أدرك الفرنسيون بعد أن وقعت واقعة الحرب العالمية الثانية بأن جورج كليمنصو[ر] رئيس وزراء فرنسا إبان فرض معاهدة فرساي لم يكن البطل بلا منازع وإنما وضع في الميزان بسبب موقفه المتشدد وإصراره على إهانة ألمانيا في أثناء مفاوضات صلح فرساي.


مثل هذه الأمثلة على معاهدة السلام غير المتكافئة كانت في ذهن واضعي اتفاقية ڤيينا لعام 1969 التي تعرف بمعاهدة المعاهدات Treaty of Treaties، والتي تُعدّ القانون الدولي الجديد للمعاهدات حين عدّوا المعاهدات التي تعقد تحت الإكراه، ومثالها الحي معاهدات السلام غير المتكافئة، باطلة، فرجحوا بذلك هذا الرأي الفقهي على الرأي الآخر الذي كان يعدّها صحيحة بحجة ضمان استقرار العلاقات الدولية، ورجح عندهم القول إن «الإبقاء على الأوضاع الظالمة الناشئة عن معاهدات مبرمة تحت ضغط الإكراه لا يؤدي إلى استقرار العلاقات الدولية بل على العكس يعتبر سبباً لتوتر هذه العلاقات وعدم استقرارها، لأن الدول سوف تسعى دائماً إلى استعادة حقها إن عاجلاً أو آجلاً عن طريق إبطال هذا النوع من المعاهدات» وعلى هذا جاءت المادة (52) من قانون المعاهدات الجديد تنص على أن «تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد أو استخدام القوة بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة».


العصر الحديث
ولكن العالم ما زال يشهد معاهدات سلام يبدو الظلم فيها بيناً لجهة فرض الأقوى حجته على الأضعف. ومن ذلك مثلاً معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية الموقعة في واشنطن بتاريخ 26/3/1979 التي أبرمت وسيناء بأكملها تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومصر في حالة أضعف من حالة الخصم الصهيوني، فجاءت في بعض موادها مجحفة لمصر كالنص في المعاهدة على ما يسمى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل حتى قبل إتمام الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية المحتلة كافة (المقدمة والمواد 1 و2 و3 و4 و5 و6)، وهو انسحاب جعلته المعاهدة مشروطاً لدرجة تنتقص من السيادة المصرية على شبه جزيرة سيناء (الملحق 1 و2 من المعاهدة)، كما جعلت المعاهدة الالتزامات الناجمة عنها تفوق التزامات مصر بموجب أي معاهدة أخرى (اتفاقية الدفاع العربي المشترك خاصة) عدا ميثاق الأمم المتحدة (م 6)، وهذا ما دفع بعض الفقهاء المصريين لاعتبار معاهدة الصلح هذه باطلة بطلاناً مطلقاً لأنها عقدت في ظل إكراه الإرادة المصرية بما جعل هذه الإرادة مشوبة بعيب الرضا اللازم لصحة انعقاد المعاهدة بموجب قانون المعاهدات. وذات الشيء يمكن أن يقال في معاهدة الصلح الموقعة بين الأردن وإسرائيل في وادي عربة في 24/9/1994، وكذلك في اتفاقية السلام اللبنانية الإسرائيلية لعام 1983 التي لم تشهد النور بسبب إسقاط الشعب اللبناني لها. ومهما يكن من أمر بطلان معاهدات السلام من هذا النوع لما تقدم من أسباب فإن هذه المعاهدات عادة ترتب عدداً من النتائج القانونية. فهي إضافة إلى ما قد يتفق عليه أطرافها بصورة خاصة تؤدي إلى إنهاء حالة الحرب بما لها من آثار أهمها:

1- تتوقف جميع الأعمال الحربية بين الفرقاء المتحاربة، وكل عمل من أعمال الحرب تقوم به قوات أي من الفرقاء بعد انتهاء حالة الحرب يُعدّ عملاً غير مشروع تترتب عليه مساءلة دولية.

2- ويكتسب أسرى الحرب من الفرقاء المتحاربة حقهم في الحرية، ويجب على الدولة التي تحتفظ بهم إطلاق سراحهم في أقرب وقت.

3- ينتهي احتلال الفرقاء المتحاربة لأقاليم الفرقاء الأخرى، ويتعين على المحتل سحب قواته من إقليم غيره مالم يتقرر في معاهدة الصلح استمرار هذا الاحتلال بصفة كلية أو جزئية لوقت معين كضمان لتنفيذ بعض الشروط الواردة في هذه المعاهدة. وقد تضمنت معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية مثل هذه الشروط بنصها على انسحابات جزئية لإسرائيل من سيناء انتهت عام 1982 بعد حلول قوات متعددة الجنسيات في شريحة معينة من سيناء، وخفض عدد القوات المصرية وتحديد عتادها في قطاعات معينة، وتحديد عدد هذه القوات وعدّتها كماً وكيفاً في ما تبقى من سيناء (الملحق رقم 1 والخارطة الملحقة به).

4- تستبقي كل من الدول المتحاربة ما وضعت يدها عليه بالطرق المشروعة من أموال العدو في أثناء الحرب مالم يتفق في معاهدة الصلح على خلاف ذلك. أما مايكون قد حصل الاستيلاء عليه دون حق إخلالاً بقواعد النزاعات المسلحة فيجب رده أو التعويض عنه.

5- تعود المعاهدات العامة التي عطلت الحرب نفاذها تعطيلاً مؤقتاً بين الفرقاء المتحاربة إلى النفاذ مالم يُنص على غير ذلك في معاهدة الصلح. أما المعاهدات الخاصة السابق إبرامها بين الفرقاء فإن الحرب تنهيها (مثال ذلك معاهدات الصداقة وحسن الجوار...)، ولا يعود منها للنفاذ بعد انتهاء الحرب إلا ما ينص عليه في معاهدة الصلح.

6- تعود الحالة القانونية للسلم إلى ما كانت عليه قبل الحرب سواء بين الدول المتحاربة أو بينها وبين الدول المحايدة حياداً مؤقتاً خلالها. وترتفع عن هذه الأخيرة القيود التي كانت تفرضها واجبات الحياد. أما الدول المحايدة حياداً دائماً فتبقى على حيادها في السلم والحرب معاً (مثال ذلك سويسرا والنمسا والفاتيكان ولاووس) ومن ثم لا أثر للحرب أو انتهائها بمعاهدة سلام بين المتحاربين عليها لجهة حقوقها والتزاماتها تجاه الدول الأخرى كافة.
 
عودة
أعلى