كورونا أين أنت ياأمي

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
يوم كنت أركض خلف خطوات أمّّي ممسكاً بعباءتها خوف الضّياع سألْتها أن تشتري لي قطعة حلوى، توقفت ، نظرت إليّ وابتسمت آسفة، وهي تقلب جيبها الفارغ، قبضت بكفّها على يدي الصّغيرة، ومضت بي في أزقّة بلا حلوى.
راحت تحدّثني عن جارنا العجوز، بيته بلا لقمة خبز، وهو مريض، وأولاده مهاجرون، توقّفت ، جذبتني إلى حضنها الدّافئ: عندما ستصبح كبيرا، ستملك مالاً كثيراً، ويمتلئ بيتك بالطّعام، وستشتري الحلوى الذي تريد، وستنعم بحياة أفضل منّا
- أين أنت يا أمّي؟ سؤال أدهش الجموع المتراصّة حول الكوّة التي يُباع فيها الخبز، ويتدافع البؤساء للحصول على كيس يضمّ بضعة أرغفة لم تنضج، ولم يتق الله صانعها.
- أين أنت يا أمّي؟ كادت الجموع تدوسه بأقدام الوجع، والرّكض خلف لقمة العيش قبل حظر التّجوال في زمن وباؤه قاتل، وفقره قاتل، وجوعه قاتل.
تقدّم الشّباب من العجوز الذي سقط على الأرض باكياً يصرخ:
- أين أنت يا أمّي؟
امتلأت عيون الشّيوخ من النّساء والرّجال بدموع القهر: اهدأ يا عمّ.
- صرخ محتجاً: أمي خدعتني جعلتني أحلم بالخبز، وأحلم بالبيت، وأحلم بالتّلذّذ بقطعة حلوى. أمّي لم تقل لي أنني سأحسد جارها على سعادته، سعل بشدّة جعلت الناس يصرخون به، يتدافع بعضهم هاربين: إّنه مصاب بالكورونا، بينما توجّه آخرون نحو الكوّة يأخذون نصيبهم من الخبز.
 
زمن الكورونا
(2)جولة المساء
رغم توسّلات أمّه رفض الدّخول متشبّثاً بكرسيّه المتحرّك على باب الدّار؛ يلاحقُ بنظراتِه الشّاخصة أشباه البشر مهرولين إلى جحور تشبه المنازل.
يلوّح بيمناه لهذا الجار، ويوزّع ابتساماته على العجائز من الجارات، ويردّ التّحيّة على الولدان الذين ألفوا جلسته في الغدوّ، وفي الرّواح.
صوت نحيب متقطّع، وكلمات غير مفهومة جعلته يلتفت بكرسيّه لتقع عيناه على أحد الصّبية يجلس على حجر… يشتم…يبكي، وزفراته المتأوّهة توجع الفؤاد.
أدار العجلات نحوه، ومسح برفق على رأسه المستندة على جحره يخبّئ فيه كيس الخبز، انتفض الصّبيّ صارخاً:
- الخبز لنا.
- لا تخفْ يا محمّدُ. أكيد؛ هو لكم.
- ضربني ذلك الشّاب الطويل، يريد أخذ الكيس منّي، انظر.
حوقل صاحب الكرسيّ، وهو يرى أصابع الظّلم مرسومة على الخدّ البريء.
- وتلك المرأة سحبت الكيس من يدي، وهي ترجوني: أولادي جائعون.
ضحك قعيد الكرسيّ متأوّهاً: الكلّ يسعى لسرقة كيس خبزك يا مسكين!
- وتلك الصّبيّة الملوّنة غمزت لي بعينها، وهي تتمايل تريد الكيس.
اِهدأ يا محمد
- كيف أهدأ يا عمّ؟ نادى البائع باسم أبي الذي لا نعرف أين اختفى، و لا مَن أخفاه في تلك الحرب اللّعينة، دخلت بين الحشود ، وتحمّلت الدّفع والضرب والشّتيمة، دفعت المال، وأخذت الخبز، لم أسرق أحداً، وتطايرت دموع القهر لتغسل عيوناً عسلية ترنو لعالم بلا ظلم.
- أنت صغير يا محمّد، ألا تخشى الكورونا؟
ضحك الصبيّ وهو يدعك بكفّه المتّسخة دموع عينيه، ويمسح بكمّ قميصه الممزّق أنفه:
- لا، الكلّ يُزاحم، يسعل، ويعطس، ويُدافع للوصول إلى لقمته. وكورونا لن تأتي إليّ، وعدت أمّي أنّ أكبر، وأعمل لأريحها؛ أصابعها المشقّقة تسيل منها الدّماء، تبكي يا عمّ، وتتابع العمل، أتأخذني كورونا، وأتركها؟ … لا…
- إنّها تصيب الكبار، ألا تسمع الأخبار؟
- لا نملك تلفازاً ولا جوّالا، وانتفض واقفاً، وعلا صوته محتجّاً: جدّتي لن تُصاب بكورونا، من سيأخذها إلى المشفى؟ نحن لا نملك المال، ألا تعرف؟ ومن سيعتني بإخوتي، وأمّي في ورشة الأحذية؟
وقفز الصبيّ كالملسوع مهدّداً، ولوّح بيمناه ويسراه تتشبّث بكيس الخبز: وأمّي؟ لا… لا … سأقتل كورونا إن اقتربت من أمّي.
- هزّ الشّابّ رأسه: الله كريم يخلّص النّاس منها.
وحين هدأ الفتى، تنبّه أنّ الكون يتّشح بالسّواد: لقد تأخّرت، سيقلق أهل البيت عليّ. هل تريد رغيف خبز؟
- لا، أنا مرتاح، يأتيني رغيف الخبز إلى حضني.
طأطأ الصّبيّ رأسه: الله يشفيك يا عمّ، لماذا لا تشتري أطرافاً صناعيّة، كتبوا عنها في كتاب العلوم؟
- هزّ الشّابُّ رأسه أسفاً: ربّما يشتريها أحدهم لي. كورونا يا صاحبي أرحم من الحرب لأنّها تقتل مرّة واحدة، وكفى، لا تترك الضّحيّة عاجزاً محتاجا.
- هيّا بنا، وضع الصبيّ كيس الخبز في حضن الشّاب، وراح يدور به في أزقّة تُخيف كورونا، وكلّ منهم يدندن أغنية تنتظر الصّباح.
 
- زمن الكورونا
- (3) إنّنا البشر
- (1)
- وما نحنُ إلا بشر
- لأنّنا امتطيْنا مراكبَ الخطر
- و توجّعْنا بحرمانٍ… وآهٍ…وقهر
- وتمايلنا طرباً في ليالي السّهر
- وحلمْنا تحتَ ضوءِ القمر
- وسرْنا نعانقُ الغدَ رغمَ البارودِ… ورائحة الدّمار
- وتلهفْنا لولادةِ صباحٍ بشّرَ به السّحر
- وتاقَتْ أرواحُنا للفجرِ يزيّنُه ضوءُ الزّهر
- ويلعبُ فوقَ الشهبِ الصّغار
- فإنّنا مازلْنا نصرُّ على أن نحيا
ونحيا… ونحيا
(2)
- إنّما نحنُ بشر
- لأنّنا فرحْنا بحكاياتِ الحبِّ يرويها
للأرضِ المطر
- وتفيّأنا ظلالَ الشّجر
- وتنعّمنا حيناً
وحُرمنا الكثيرَ من الثّمر
ولثمَت شفاهُنا التّرابَ الطهور
ولم تهزمنا انفلونزا الخنازير، ولا انفلونزا الطّيور
فإنّنا نصرُّ على أن نحيا
ونحيا… ونحيا
- (3)
- لسنا إلا بشرا
- ولأنَّ الحياةَ رحلةُ سفر
- لن يُوجعَها الدّمعُ انهمر
- ولا القلبُ انشطر
- ولا نيرانُ الحقدِ أشعلت القلوبِ
بصغير الشّرر
- كبرْنا على المصائب… وهزمْنا الخوف
- وخاب أن يقتلنا صغيرُ الحجر
- نحنُ أولادُ السرورِ رغمَ قهرِ اللّيالي
- كسرْنا أنيابَ الظلمةِ بالصبر… والصّبر
وعلينا أن نحيا
ونحيا… ونحيا
فبؤساً لأعداءِ البشر
وبُعداً لفيروسٍ في منتهى الصّغر
أقلق راحة بشرٍ
وذكّرهم بأنّهم ما هم إلا بشرٌ… بشر
 
زمن الكورونا

(4) سلْ… ولا تسلْ
- سلْ قاطعَ الأعناقِ: كم أتقنَ فنونا؟!
- سلْ تاجرَ السّلاح: كم سلبَ أرواحاً ورياحينا؟!
- سلْ قاطعَ الأرحامِ: كم أحزنَ شرايينا؟!
- سلْ مُبغِضَ الإنسانِ: كم أوجعَ المحبّبينا؟!
- سلْ قاطعَ الأرزاقِ: كمْ أبكى المحرومينا؟!
- سلْ سالبَ الحرّيّات: كم استعدى المساجينا؟!
- سلْ سارقَ الأقوات: كم ذرف الدّموع المساكينا؟!
- سلْ خازنَ الخيرات: كم لاحقتْه لعناتُ الجائعينا؟!
- سلْ طامعاً برزق غيره: كم أُتخِم، وجاعت له البطونا؟!
- سلْ قارئاً للكتاب: كم تجاهلَ عن ربّ البريّة القوانينا؟!
- لا تسلْ… بل تأمّل:
رحمة… قوّة…جبروت ربّ العالمينا
- وقلْ: كم أنت صغيرٌ… تافهٌ…
ضعيفٌ… أيّها الإنسانُ
أمام فيروس دقيق… أسميْتَه كورونا‼!
 
زمن الكورونا
(5) أنت! يا أنت !
…..(1)…..
- وأنت تبني قصرَكَ بكفِّ المحروم
كثرٌ…ساكنو الأكواخِ… فتأمّل.
- وأنتَ تجني ثمرَكَ بيدِ المعذّبِ
جمهرةٌ…مشرّدو الخيامِ…فلا تتبخترْ.
- وأنتَ تصوّرُ أطباقَ الطّعامِ بشرَهِ النّهمِ
محرومون… جائعو السّقامِ… فلا تتكبّر.
- وأنتَ تحصي تلالَ النقودِ على ضوءِ شاشةٍ
ملايين… فقراءُ العالمِ… فتصوّر.
- وأنتَ تتمدّدُ على السّريرِ باسترخاء المدلّل
مذعورون… مرضى الكورونا… فتذكّر.
…. (2)….
- وأنتَ تفتحُ على لقمةِ غيرِكَ عيناً زجاجيّة
باهرةٌ… أرزاقُكَ… فتنعّم.
- وأنتَ تدقّ على الأرضِ نعالَكَ الجلديّة
عظامٌ… قدمُك… فلا تتهوّرْ.
- وأنتَ تجرّ على الدّروبِ عافيةً لحظيّة
سقيمةٌ …روحُك… فلا تتجبّرْ.
- وأنتَ تمضي في الدّروبِ منتشياً هنيّا
قصيرةٌ… حياتُكَ… فتمهّلْ.
- وأنتَ ترفعُ في وجهِ البريء سلاحاً شقيّا
كورونا … بالمرصاد…فتدبّرْ.
…..(3)….
- وأنتَ تسدّدُ في ظهرِ الموجوعِ سهام الكلامِ
حشودٌ… حرابُ الملامِ… فلا تتعجّل.
- وأنتَ تسلّطُ على القلوبِ الحزينة لسانَ البهتانِ
كثيرةٌ…ألسنةُ الشّهودِ…فتخيّلْ.
- وأنتَ تتشدّقُ على الجفونِ الكليلة بسيّء الاتّهام
واضحةٌ …براءةُ الخصمِ… فلا تجهلْ.
- وأنتَ توزّعُ مزاجَكَ أرزاقاً للعبادِ
شقيّةٌ… أحكامُك… فتذكّرْ.
- وأنتَ تحرقُ الكونَ بلهيبِ النّظر
كورونا… قدْ يزورك…ويحينُ السّفر.
 
زمن الكورونا
(6) معقّمات
وقفت جانباً بحيث يراها البائع دون أن تضطرّ لمزاحمة حشود المساء، واقتربت منها طفلة صغيرة وهي تردّد نشيداً مدرسياً؛ ناداها البائع: اطلبي يا حاجة، فناولته ورقة الطلبات ، ودفعت الطفلة بلطف إلى الأمام.
ارتفع صوت الطفلة: يا عمّي، أريد البطاطا، وبيضتين، وملحا.
امتدت يد البائع نحو المرأة بطلباتها، وناول الصبيّ الكيس للطفلة، والبائع يحسب: هاتي مبلغ الألف، أعطته ما في يدها مستغربة:
- ألم يتبق لي ثمن قطعة شوكولا؟
تبسّم البائع برفق، وناولها قطعة سكاكر: هذه لك، سيري مع خالتك الحاجة، حتى لا يزعجك الأولاد.
قلبت شفتيها، وحبست دمعتها شاكرة، ومضت تدندن بوجع: لا لحم، لا موز، ولا شوكولا. تابعت المرأة خطواتها المتمهّلة، وشكواها المتوجّعة.
: أين تقيمين يا صغيرة؟
- أشارت إلى البعيد:في ذلك البيت عند جدي.
- أين أبوك؟
- ضحكت الطفلة باستغراب: سرقته امرأة شقراء في بلد السفور التي ذهبنا إليها بسبب الحرب، فطردنا مع أمّي التي كانت تبكي من البرد، ومن مرض أختي، ومن الشرطي الذي ضربها، ومن السّائق الذي صرخ بها، أوووف، وعدنا لبيت جدّتي.
- وأمّك ماذا تعمل؟
- تنهّدت الطفلة بحرقة: تخرج باكراً، وتعود متعبة في المساء في ورشة خياطة، لكنها تعود مبكرة هذه الأيام ، ونحن لا نذهب إلى المدرسة، بل نلعب مع الأولاد في الشّارع.
- والكورونا، ربما يصلكم؟
- نظرت إليها، والدّمع ما زال يتشبّث بأهدابها: البائع قال لي هذه الشوكولا ليست لكم.
- تبسّمت المرأة: هي فيروسات.
- هل تقصدين نحن؟ دائماً المعلّمة في الصّف تقول لنا: أنتم بيئة، أنتم فيروسات، وتتابع تأمّل وجهها على مرآة جوّالها الكبير.
- لا يا صغيرة، أنتم أحلى ما في الكون، الكورونا فيروس يسبّب المرض، ويحتاج الإنسان إلى تعقيم أغراضه، ويديه.
- أمّي قالت لنا: نحن معقمون، خراف المقبرة ترعى حولنا، وحاويات القمامة قريبة منّا.
- ماذا يفعل إخوتك؟
- تقصدين أخواتي؟ إنّهن أصغر منّي.
- وسأقول لك: جدّي يبكي لأنّه يتعب من حمل الأكياس، ويقول: أنتن ضلعٌ قاصر، وجدّتي تقول عن أبي: إنّه نذل، وتشتمنا، ثمّ تصنع لنا الطّعام،ّ ورنّت ضحكتها البريئة تتحدّى موعد حظر فرضه كورونا، ويضيء عتمة حلّت على الكون لتستر آهات المعدمين.
لوّحت بيدها للمرأة، وتابعت سيرها تدندن نشيدها المدرسيّ.
 
زمن الكورونا
(7) حلويات
دخلت المحلّ بخطواتٍ وجلةٍ صغيرةً تجرُّ بِيسراها طفلاً صغيراً، تفتّش عن عين تراها، ولسانٍ يسألُها، فالوجوهُ تختفي وراءَ كماماتٍ خضراءَ وزرقاءَ، وأمّها لم تشتر لها واحدةً تلعبُ بها.
عيناها الذّاهلتان بأضواءِ المحلّ الكبير، وأنواع الحلوى تدوران بسرعة جذبَتْ انتباه أحدِ العمّالِ الذين انتهوا من عملهم:
- ماذا تريدين يا صغيرة؟
فتحَتْ أصابعَها، وناولَتْهُ قطعةَ نقدٍ ورقيّة تستجيرُ من قبضةِ يدها. ضحكت صبيّة أنيقةٌ للشّابّ أمين الصّندوق: هذه النّقود بؤرةٌ لكورونا، انتبه لنفسك، وردّت رفيقتها: تحتاج للتعقيم.
لم تفهم الصّغيرة الكلام رغم إدراكها أنّ فيه إهانةً لها، وتابعت حديثها:
- يا عمّ أريد ثلاث قطع من حلوى ( الشعيبيّات)
- نظر إلى المبلغ متلطّفاً: لا يوجد هذا النوع عندنا.
- التفتَت، وأشارت بإصبعها: انظر، إنّها هناك.
حاول ألا يجرحها: هذه لأصحابها، و لا أستطيع بيعك منها.
- قلّبَتْ شفتيها متأوّهةً: إنّها لذيذة، أطعمتنا منها الجارة عندما ماتَ أبوها، والبارحة ماتت جارتنا، ولم يطعمنا أحدٌ منها، قالوا: إنّها ممنوعة في زمن كورونا.
- ابتلع آهته: ما أجمل أن يكون المرء صغيراً! كيف سأقنعك يا صغيرة أنّ أجرة يومي لن تشتري لك حلواك.
- أين أبوك؟ قولي له أن يأتي ويشتري.
- أبي شهيد مرتاحٌ في الجنّة، ويأكلُ كما يريدُ، ولم يرسْل لنا (الشعيبيات)
- ما رأيك بنوع آخر من الحلوى؟ وجهد أن تكون عبارته مغرية: إنّها لذيذة.
وأشار لزميله أن يضع لها بما تملك قطعاً من حلوى صغيرة، هزّ عامل البيع رأسه، وتنهّد متوجّعاً: ليت الحلوى للأطفال تكون بلا مال: تفضّلي. بسطت يدها لتأخذها، وهي تداري دمعة حسرة على حلم أرادت شراءه بالمال ، لكنّها لا تملك ما يكفيه.
مدّ عاملٌ آخر قطعة حلوى ضيافةً كعادة أصحاب المحلّ، فأطعمتها لأخيها، ناولها أخرى، وقبل أن تضعها في فمها:
- يا عمّ أريد واحدةً لأمّي الواقفة على الرّصيفِ بانتظاري.
حوقل العامل المنهك وهو يرقب المرأة دفعت ابنتها لتواجهَ حرج أيّام الكورونا، بعد أن أُتخمت حرج أيّام الحرب.
- وقبل أن تغادر تأمّلت العامل بابتسامة رقيقة: إذا انتهى زمن الكورونا هل تبيعني حلوى( الشعيبيّات)؟
- الله كريم، والتفت إلى زميله: آخر الأسبوع سأشتري لأولادي( الشعيبيات)، وغادر المحلّ، وألقى الكمامة على الرّصيف ساخراً: نريد كمّامات تحفظ ما سيتبقّى من كرامتنا… عقولنا… صحّتنا… بعد انتهاء كورونا.
 
زمن كورونا
(8) الرّيح
- الرّيحُ تزأرُ، فتخيفُ القلوبَ الكليلة
وتوجعُ بالرّعبِ الأرواحَ العليلة
وتثكلُ الأشجارَ الكثيرة
وتنوح الزهرات الملوّنة على أرضٍ كسيرة
- كورونا يتنزّه بحثاً عن ضحيّة
**********************
- الرّيحُ تعدو… تهدأ…. وتعدو من جديد
وتداعبُ بجبروتها خيمَ التّشريد
ويتشبّثُ الصّغارُ بعيدانٍ من خشبٍ
وبقضبانٍ من حديد
- تتوجّعُ الأمُّ، تدعو الله: ألا يحقّق للرّيح ما تريد
- كورونا لا يسألُ الضّحيّة عن الهويّة
*********************
- الرّيح تعوي، والذّعرُ أغنيتهُ شجيّة
وأطفالُ الخيمِ يلتفون بأغطيةِ المعونةِ الدّوليّة
باردةٌ… بائسةٌ.. ألوانُها رماديّة
تصايحت النسوةُ تطلبُ الأيدي القويّة
علّها تواجهُ الرّياحَ العتيّة
- وكورونا لا يرأف بجبّارٍ ولا ضحيّة.
*********************
- الرّيح تزمجرُ، والبناتُ تلاحقُ الزّهراتِ النّدية
ويتراكضُ الفتيةُ خلفَ حبال الغسيلِ الشقيّة
و لا يجدُ الشّيوخُ في العيونِ دمعةً سخيّة
وكورونا لا يحارُ في اختيار ضحيّة
****************
الرّيحُ تعوي، وتصفع الوجوه
والعجوز يحصي في ذاكرة الوجع
مأساةً بعدَ مأساةٍ تفجع
فقرٌ… جوعٌ…تعب
في الرّوحِ، في العظامِ انسكب
ثلجٌ…سيول…برَد
حريقٌ لمن تبقّى…هدّد وتوعّد
وكورونا يحصد عدداً من البشر بعدَ عدد
*****************
ويقرع الجنين بطنَ أمّه.. قادمٌ والحياةُ تزهر
قادمٌ … والكونُ ينير
يمسكُ الشّابُ بيدِ الصبيّة
ويرمي الطفلُ كرةَ القماشِ لجارته، ويضحكان سويّا
تباً لكورونا… سحقاً لمن بالحربِ أوجعونا
 
الوسوم
أنت أين كورونا ياأمي
عودة
أعلى