[FONT="]صلة الرحم
تحث السنةُ على التواصل والتآلف ويَحرُم التقاطعُ والتهاجرُ، أو ما يجرُ إليه بين المسلمين، ولذلك أمرَ اللهُ بصلةِ الرحم وحذر من قطعها وأمر بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ورغب فيها، وأخبر أنها سببٌ لطول العمرِ وسعةِ الرزق.
إن صلة الرحم هي اللبنةُ الأولى في تماسكِ البناء الإسلامي، فالإسلام ينهى عن التقاطع والتدابر ويأمر بالتواصل والتراحم فإذا فقد هذا التواصل والتراحم كان ذلك بداية لضعف المجتمع وهزيمته، ولذلك حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على صلة الرحم وبين النبي صلى الله عليه وسلم الجزاءَ العظيمَ الذي ينتظرُ واصلَ الرحم، وهو دخول الجنة للواصل رَحِمَهُ إذا قرنَهُ بسائرِ العبادات، وفي ذلك دافعٌ عظيم على صلة الرحم والمداومة عليها .
ومما يدل على مكانةِ صلة الرحم في الإسلام أن الله – سبحانه - بدأ بها في الحقوق، فقال تعالى : [ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]
[ الروم : 38] .
ومن الأحاديث النبوية الكريمة التي تحض المسلمين على صلة الرحم نسوق ما يلي:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)
2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: ( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ)
3- وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلنِي الجنَّةَ، فَقَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ؟ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (أَرَبٌ مَالُهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذَرْهَا أَيِ : النَّاقَةَ)
4- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)
5- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: (إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ؛ فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ)
كيفية تحفيز الهمة في صلة الرحم
- إن وصف الرحم بأنها معلقة بالعرش تنادي : من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يعد تحفيزاً قويّاً على مسارعة المؤمن إلى صلة رحمه، والبعد عن قطيعتها؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
- ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين صلة العبد لرحمه، وصلة الله سبحانه له، هو رفع لمكانة الجزاء في مقابل العمل، وهو حافز قوي للمؤمنين في اتجاه التواصل مع أرحامهم؛ لأن ثمن ذلك أن يصله والمؤمن يسعى دائمًا إلى صلة الله إياه وغفرانه والرضا عنه .
- كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين صلة الرحم، وبين شيء أثير للنفوس، وهو بسط الرزق في الدنيا وهذا يعد تحفيزاً أيضاً لصلة المرء رحمه .
بعض الفوائد لصلة الرحم التي تحفز همة المسلم
- وجوب صلة الرحم، والتحذير من عقوبة قطعها.
- أن الواصل حقيقة ليس الذي يرد الصلة بل الذي يصل من قطعه.
- أن صلة الرحم سبب لزيادة الرزق وطول العمر.
- عدم جواز الرد على الإساءة أو التقصير في الواجبات بالمثل.
- تجعل المسلم من أهل محبة الله عز وجل ما دام يواظب على صلة الرحم ويحبها ويألفها .
وإذا كانت صلة الرحم تحمل هذه المكانة العظيمة بمفهومها الواسع الذي يشمل الأقرباء والجيران والأخوة والأصدقاء، فإن هناك صلة تشغل مكانة أسمى ودرجة أعلى وهي صلة الوالدين وبرهما فهما أولى الخلق بالبر وأعظم باب من أبواب الخير وهذا ما نتناوله فيما يلي من جانب تحفيز الهمة إلى بر الوالدين .
( بر الوالدين )
بر الوالدين أفضل الأعمال وأقرب الأعمال إلى الجنة وأحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ورتبه بـ (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا) قال: قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال:
(الجهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ)
إن بر الوالدين يرضي الرب عز وجل فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الوَالِدِ)
ولقد خص الله تعالى حالة الكبر للوالدين بمزيد من الأمر بالإحسان والبر واللطف والشفقة والرحمة؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر فألزم سبحانه وتعالى في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلًّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ ولهذا خص هذه الحالة بالذكر وأيضاً فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على أبويه، وتنتفخ لهما أوداجه ويستطيل عليهما لقلة دينه وضعف بصيرته وأقل المكروه ما يظهر بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أمر الله تعالى أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة وهو السالم عن كل عيب.
وإذا كان بر الوالدين فرضاً فإنه يتفاوت في الأحقية، فالأم عانت صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية فهذه ثلاث منازل تمتاز بها الأم.
ومن الأحاديث التي جاءت مرغبة في بر الوالدين، ومحفزة على الالتزام به:
1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوِ احْفَظْهُ)
2- وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ ! أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟) قَالَ: نَعَمْ قَالَ: (فَالْزَمْهَا؛ فِإِنَّ الجنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رَغِمَ أنْفُهُ، ثم رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قيــل: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ: أحَدَهُمَا, أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخِلِ الـجنَّةَ)
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقَهُ)
5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ أبرَّ البرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ)
كيفية تحفيز الهمة في بر الوالدين
- تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الوالد بأنه أوسط أبواب الجنة، يعد دافعًا قويًّا لبر الوالدين فمن من المؤمنين لا يرغب في دخول الجنة كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الوالد بأنه أوسط أبواب الجنة وفي ذلك حافز قوي كأن بر الوالدين هو الباب الذي يدخل منه المؤمن الجنة
- في حديث آخر عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة – رضي الله عنه - جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؛ فقال: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الجنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
وهذا حافز للتواضع مع الوالدين، وخفض الجناح لهما كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لك: الزم رجلي والدتك، وكن ذليلًا لديها وذلك من عظم حقها عليك .
حث النبي صلى الله عليه وسلم على مداومة البر وأن البر لا ينقطع بموت الأب والأم بل من برهما أن يصل أهل ودهما وفي ذلك دافع قوي للملازمة للبر والدوام عليه، فهو ليس في وقت دون وقت ولكن في كل الأوقات ويستمر أيضًا بعد وفاتهما .
وإذا كان ما تناولناه من صلة الرحم وبر الوالدين يشيع المحبة بين المجتمع المسلم بالإضافة إلى المكانة العظيمة التي أعدها الله لمن يقوم بهما فإن هناك خلقاً آخر أمرنا به ديننا وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سبيل إلى المحبة بين المسلمين ألا وهو إفشاء السلام ، وهو ما نتناوله فيما يلي لإبراز أهمية هذا الخلق العظيم وتحفيز الهمة إليه.
[/FONT]
تحث السنةُ على التواصل والتآلف ويَحرُم التقاطعُ والتهاجرُ، أو ما يجرُ إليه بين المسلمين، ولذلك أمرَ اللهُ بصلةِ الرحم وحذر من قطعها وأمر بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ورغب فيها، وأخبر أنها سببٌ لطول العمرِ وسعةِ الرزق.
إن صلة الرحم هي اللبنةُ الأولى في تماسكِ البناء الإسلامي، فالإسلام ينهى عن التقاطع والتدابر ويأمر بالتواصل والتراحم فإذا فقد هذا التواصل والتراحم كان ذلك بداية لضعف المجتمع وهزيمته، ولذلك حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على صلة الرحم وبين النبي صلى الله عليه وسلم الجزاءَ العظيمَ الذي ينتظرُ واصلَ الرحم، وهو دخول الجنة للواصل رَحِمَهُ إذا قرنَهُ بسائرِ العبادات، وفي ذلك دافعٌ عظيم على صلة الرحم والمداومة عليها .
ومما يدل على مكانةِ صلة الرحم في الإسلام أن الله – سبحانه - بدأ بها في الحقوق، فقال تعالى : [ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]
[ الروم : 38] .
ومن الأحاديث النبوية الكريمة التي تحض المسلمين على صلة الرحم نسوق ما يلي:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)
2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: ( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ)
3- وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلنِي الجنَّةَ، فَقَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ؟ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (أَرَبٌ مَالُهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذَرْهَا أَيِ : النَّاقَةَ)
4- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)
5- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: (إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ؛ فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ)
كيفية تحفيز الهمة في صلة الرحم
- إن وصف الرحم بأنها معلقة بالعرش تنادي : من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يعد تحفيزاً قويّاً على مسارعة المؤمن إلى صلة رحمه، والبعد عن قطيعتها؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
- ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين صلة العبد لرحمه، وصلة الله سبحانه له، هو رفع لمكانة الجزاء في مقابل العمل، وهو حافز قوي للمؤمنين في اتجاه التواصل مع أرحامهم؛ لأن ثمن ذلك أن يصله والمؤمن يسعى دائمًا إلى صلة الله إياه وغفرانه والرضا عنه .
- كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين صلة الرحم، وبين شيء أثير للنفوس، وهو بسط الرزق في الدنيا وهذا يعد تحفيزاً أيضاً لصلة المرء رحمه .
بعض الفوائد لصلة الرحم التي تحفز همة المسلم
- وجوب صلة الرحم، والتحذير من عقوبة قطعها.
- أن الواصل حقيقة ليس الذي يرد الصلة بل الذي يصل من قطعه.
- أن صلة الرحم سبب لزيادة الرزق وطول العمر.
- عدم جواز الرد على الإساءة أو التقصير في الواجبات بالمثل.
- تجعل المسلم من أهل محبة الله عز وجل ما دام يواظب على صلة الرحم ويحبها ويألفها .
وإذا كانت صلة الرحم تحمل هذه المكانة العظيمة بمفهومها الواسع الذي يشمل الأقرباء والجيران والأخوة والأصدقاء، فإن هناك صلة تشغل مكانة أسمى ودرجة أعلى وهي صلة الوالدين وبرهما فهما أولى الخلق بالبر وأعظم باب من أبواب الخير وهذا ما نتناوله فيما يلي من جانب تحفيز الهمة إلى بر الوالدين .
( بر الوالدين )
بر الوالدين أفضل الأعمال وأقرب الأعمال إلى الجنة وأحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ورتبه بـ (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا) قال: قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال:
(الجهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ)
إن بر الوالدين يرضي الرب عز وجل فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الوَالِدِ)
ولقد خص الله تعالى حالة الكبر للوالدين بمزيد من الأمر بالإحسان والبر واللطف والشفقة والرحمة؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر فألزم سبحانه وتعالى في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلًّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ ولهذا خص هذه الحالة بالذكر وأيضاً فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على أبويه، وتنتفخ لهما أوداجه ويستطيل عليهما لقلة دينه وضعف بصيرته وأقل المكروه ما يظهر بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أمر الله تعالى أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة وهو السالم عن كل عيب.
وإذا كان بر الوالدين فرضاً فإنه يتفاوت في الأحقية، فالأم عانت صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية فهذه ثلاث منازل تمتاز بها الأم.
ومن الأحاديث التي جاءت مرغبة في بر الوالدين، ومحفزة على الالتزام به:
1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوِ احْفَظْهُ)
2- وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ ! أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟) قَالَ: نَعَمْ قَالَ: (فَالْزَمْهَا؛ فِإِنَّ الجنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رَغِمَ أنْفُهُ، ثم رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قيــل: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ: أحَدَهُمَا, أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخِلِ الـجنَّةَ)
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقَهُ)
5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ أبرَّ البرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ)
كيفية تحفيز الهمة في بر الوالدين
- تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الوالد بأنه أوسط أبواب الجنة، يعد دافعًا قويًّا لبر الوالدين فمن من المؤمنين لا يرغب في دخول الجنة كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الوالد بأنه أوسط أبواب الجنة وفي ذلك حافز قوي كأن بر الوالدين هو الباب الذي يدخل منه المؤمن الجنة
- في حديث آخر عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة – رضي الله عنه - جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؛ فقال: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الجنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
وهذا حافز للتواضع مع الوالدين، وخفض الجناح لهما كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لك: الزم رجلي والدتك، وكن ذليلًا لديها وذلك من عظم حقها عليك .
حث النبي صلى الله عليه وسلم على مداومة البر وأن البر لا ينقطع بموت الأب والأم بل من برهما أن يصل أهل ودهما وفي ذلك دافع قوي للملازمة للبر والدوام عليه، فهو ليس في وقت دون وقت ولكن في كل الأوقات ويستمر أيضًا بعد وفاتهما .
وإذا كان ما تناولناه من صلة الرحم وبر الوالدين يشيع المحبة بين المجتمع المسلم بالإضافة إلى المكانة العظيمة التي أعدها الله لمن يقوم بهما فإن هناك خلقاً آخر أمرنا به ديننا وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سبيل إلى المحبة بين المسلمين ألا وهو إفشاء السلام ، وهو ما نتناوله فيما يلي لإبراز أهمية هذا الخلق العظيم وتحفيز الهمة إليه.
[/FONT]