الدعاء والتوكل

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
[FONT=&quot]الدعاء والتوكل:[/FONT]
[FONT=&quot]التوكل لغة: هو إظهار العجز والاعتماد علي الغير… أما معناه الاصطلاحي فقد عُرف بأنه أن يغلب علي الإنسان اليقين حتى يفتر سعيه في جلب المنافع ودفع المضار من قبل الأسباب ولكن يمشي علي ما سنه الله تعالي في عباده من الإكساب من غير اعتماد عليها.[/FONT]
[FONT=&quot]وطريق تحقيقه: هو ملازمة خمسة أذكار، هى ما يلى: [/FONT]
[FONT=&quot]أحدهما: أن يلحظ العبد أن الله تعالى عالم بحاله من جوع ونحوه ولو كان تحت سبع أراضين في أقصى الدنيا.[/FONT]
[FONT=&quot]ثانيهما: اعتقاده كمال قدرته تعالي. [/FONT]
[FONT=&quot]ثالثهما: أن يلحظ أن الله تعالي منزه عن السهو النسيان. [/FONT]
[FONT=&quot]رابعهما: أن يلحظ أن الله تعالي خزائنه لا تنقص أبدا، وأنه الكريم الجواد الذي لا ينسى.[/FONT]
[FONT=&quot]روي الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الذين يدخلون الجنة بغير حساب قيل له من هم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم :" هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يطيرون، ولا يكتوون، وعلي ربهم يتوكلون". البخارى رقم (5420) ومسلم رقم (371)[/FONT]
[FONT=&quot]ولهذا فأن التوكل من لوازم كمال الإيمان؛ لأنه الاعتماد علي الخالق دون رؤية الخلائق، فمن توكل عليه كفاه، ومن انقطع إليه أواه...[/FONT]
[FONT=&quot]يقول الإمام الغزالي في الإحياء : قد يظن أن معني التوكل ترك الكسب باليدين، وترك التدبير بالقلب والسقوط علي الأرض كالخرقة الملقاة، وكاللحم علي الوضم، وهذا ظن الجهال، فإن ذلك حرام في الشرع والشرع قد أثنى علي المتوكلين فكيف ينال مقامات الدين بمحظورات الدين بل إنما يظهر تأثير التوكل فى حركية العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده.[/FONT]
[FONT=&quot]وسعي العبد باختياره إما أن يكون لجلب نافع لا هو موجود عنده كالادخار، أو لدفع ضار لم ينزل به كدفع الصائل والسارق والسباع، أو لإزالة ضار قد نزل به كالتداوي من المرض فمقصود حركات العبد لا يبعد عن هذه الحالات الأربع التي هي:[/FONT]
[FONT=&quot]1-جلب النافع. [/FONT]
[FONT=&quot]2-أو حفظه.[/FONT]
[FONT=&quot]3-أو دفع الضار.[/FONT]
[FONT=&quot]4-أو معالجته.[/FONT]
[FONT=&quot]وفي الصحيح عنه أنه قيل له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت ما يكدح الناس فيه اليوم ويعملون أمراً قضي عليهم ومضي، أم فيما يتسقبلون عما آتاهم فيه الحجة؟ فقال: "بل شئ قضي عليهم ومضي فيهم".. قالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل علي كتابنا؟ [/FONT]
[FONT=&quot]قال: "لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له". البخارى رقم (4666) ومسلم رقم (2647). [/FONT]
[FONT=&quot]وبالرغم من مكانة الدعاء في القران السنة وعند الصالحين وبيان مفهومه الحقيقي، وإنه لا تناقض بينه وبين التوكل والتفويض والتسليم نري بعض الناس يخطئ في فهمه للتوكل فيظنه أنه أمر مقتض لترك العمل ومنه الدعاء، وداع من الدواعي الدافعة لعدم الأخذ بالأسباب، وعليه فهو يعطل كل مدركاته الحسية والعقلية ويسكن سكون الجماد؛ لأن كل شئ من الله وإلى الله، وكل دافع في الحياة إنما هو بقضاء الله تعالي وقدره، فلم يبذل الجهد، ولم يحرك الجوارح، يظن هذا الصنف من الناس أنهم بذلك الاعتقاد الخاطئ قد وصلوا إلى الكمال المطلق بهذه الفلسفة المريضة … وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم.. متناقضون فإن طرد مذهبهم يوجب جميع تعطيل الأسباب لأحدهم: [/FONT]
[FONT=&quot]*إن كان الشبع والري قدرا لك فلابد من وقوعهما، أكلت أو لم تأكل، وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل.[/FONT]
[FONT=&quot]*إن كان الولد قد قدر لك فلابد منه، وطئت الزوجة أو لم تطأ، وإن لم يقدر ذلك لم يكن، فلا حاجة إلى التزوج والتسري وهلم جرا.[/FONT]
[FONT=&quot]فهل يقول هذا عاقل أو آدمى؟.. بل بهذا التفكير والسلوك يصبح الإنسان أحط مرتبة من الحيوان، إذ غريزة الحيوان تدفعه إلى الحركة والسعي وتناول الطعام والشراب والتوجه إلى ما ينفعه، والبعد عما يضره، أي أن الحيوان البهيم مفطور علي مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته. [/FONT]
[FONT=&quot]ولو كان التوكل ـ كما فهمه هذا اللفيف من الناس ـ كسلاً ودعةً وتواكلاً وتركاً للعمل، لما أمر الله به أنبياءه، ولما حثهم علي الالتزام به، ولما مدح الله المتصفين به من عباده، وأثني عليهم، وكيف يكون الأمر كذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا قال العبد باسم الله توكلت علي الله ولا قوة إلا بالله قال الحق سبحانه وتعالي:" هديت وكفيت" . سنن أبى داود رقم (5095) وصححه الألبانى.[/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالي: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)[/FONT]
[FONT=&quot]جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال متسائلا يا رسول الله: أرسل ناقتي وأتوكل". صحيح ابن حبان رقم (731)، وهو حديث حسن . وفى رواية الترمذي رقم (2517) وحسنه الألبانى: "أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل" ويرسل أي ناقته أي يتركها حرة الحركة بدون قيد. بخلاف يعقلها أي يقيدها.[/FONT]
[FONT=&quot]وفي هذا الحديث النبوي توجيه حسن نحو الحرص على ما فيه الخير لنا، وأن نأخذ بالأسباب المشروعة لتحصيل الطلب، ولا نعجز ونكتفي بالدعاء يقول عمر رضي الله عنه:" لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، وهو يقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة". ذكره الأبشيهى فى كتابه المستطرف فى كل فن مستظرف (2/126). [/FONT]

[FONT=&quot]ويقول ابن الجوزي: لا يكن بينك وبين النهر شبر من الأرض.. فلا ترفع الماء وتقوم تصلي صلاة الاستسقاء. [/FONT]
[FONT=&quot]وجزي الله خيراً القائل: [/FONT]
[FONT=&quot]توكل علي الله في الأمر كله[/FONT]
[FONT=&quot] ** ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب [/FONT]

[FONT=&quot]آلم تر أن الله قال لمريم[/FONT]
[FONT=&quot] ** إليك فهزي الجزع يساقط الرطب [/FONT]

[FONT=&quot]ولو شاء أحنى الجزع من غيره هزه[/FONT]
[FONT=&quot] ** إليها، ولكن كل شئ له سبب[/FONT]

[FONT=&quot]وقد كان حب الله أولى برزقها[/FONT]
[FONT=&quot] ** كما كان حب الخلق أدعي إلى النصب[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]كان الله يرزقها فى المحراب بغير نصب لفراغ قلبها له، فلما تعلق قلبها بولدها ردها إلى العادة في التعلق بالأسباب. [/FONT]
[FONT=&quot]فالتوكل لا يقف حجر عثرة أمام أهدافنا، ولا يعطل ملكاتنا، ولا يرفع التكاليف المنوطة بنا خصوصاً إذا فهمنا ووعينا قول الله تعالي: " (فاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود: 123) فكلا من العبادة والتوكل اعتماد علي الله بعد الأخذ بالأسباب، وقد أمر الله تعالي بهما، والمتوكل علي الله حقيقة هو المعتمد عليه وهو الذي يعمل في ظل رعايته، وفي طريق هدايته، وسبيل توفيقه.[/FONT]
[FONT=&quot]والتوكل حقيقة هو القوة الدافعة للهمم، الباعثة للعزائم المجددة للأنشطة المرشدة للخير، المؤدية للظفر والنجاح.[/FONT]
[FONT=&quot]أما التواكل فلم يرد لفظه ولا مرادفه، ولا مشتق من مشتقاته في القرآن الكريم إذ هو ترك العمل وعدم الآخذ بالأسباب وهذا لا يليق بابن آدم الذي خلقه الله علي صورته، واستخلفه في ملكه وكرمه علي سائر خلقه بأن أصبح كل ما عداه مذللا مسخراً له. [/FONT]
[FONT=&quot]والتواكل هو العجز بعينه، والسلبية المقيتة المنتزعة للإيمان من القلوب المتمردة علي أوامر الله، والصارفة للإنسان عن كل نافع، والنافية له عن كل تقدم مشروع..[/FONT]

[FONT=&quot]ورد في الأثر أن الله أوحى إلى داود عليه السلام: " يا داود من دعاني أجبته، ومن استغاثنى أغثته،ومن استنصرني نصرته، ومن توكل عليه كفيته .. " أليس الله بكاف عبده". ذكره الأبشيهى فى المستطرف (1/148).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال لقمان لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وشراعها التوكل علي الله لعلك تنجو وما أظنك ناجياً. أخرجه الإمام أحمد فى الزهد (1/104).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال داود لابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام: [/FONT]
[FONT=&quot]" يا بني إنما يستدل علي تقوي الرجل بثلاث: [/FONT]
[FONT=&quot]-حسن التوكل فيما لم ينل. [/FONT]
[FONT=&quot]-وحسن الرضا فيما قد نال.[/FONT]
[FONT=&quot]-وحسن الصبر فيما قد فات. ذكره الغزالى فى الإحياء (4/73).[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل ليحيي بن معاذ: متي يكون الرجل معتصما بالله؟ قال: "إذا قطع قلبه عن كل علاقة موجودة أو مفقودة ورضي بالله وكيلا".[/FONT]
[FONT=&quot]وحكي عن جماعة دخلوا علي الجنيد رحمه الله.. فقالوا له: نطلب أرزاقنا قال: إن علمتم أين هي فاطلبوها؟! فقالوا: نسأل الله ذلك ؟ فقال: إن علمتم أنه ينساكم فذكروه!!، فقالوا: ندخل بيوتنا ونتوكل علي الله، فقال: التجربة مع الله شك خطر، قالوا: فما الحيلة؟ قال : ترك الحيلة: [/FONT]
[FONT=&quot]دع الاعتراض فما الأمر لك[/FONT]
[FONT=&quot] ** ولا الحكم في حركات الفلك[/FONT]

[FONT=&quot]ولا تسألنَّ الله عن فعله[/FONT]
[FONT=&quot] ** فمن خاض لجة البحر هلك[/FONT]

[FONT=&quot]وروي أن حاتما الأصم كان تلميذا لشقيق البلخي رحمهما الله فقال له يوماً: منذكم صحبتني؟ قال: منذ ثلاث وثلاثين سنة. [/FONT]
[FONT=&quot]قال : فما تعلمت مني في هذه المدة؟ قال: ثمان مسائل.[/FONT]

[FONT=&quot]قال: شقيق: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثمانى مسائل ، فما هي؟[/FONT]
[FONT=&quot]فذكر واحدة بعد الأخرى حتى قال الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فوجدتهم يتوكل بعضهم علي بعض ويتوكل هذا علي تجاراته، وهذا علي صنعته، وهذا علي صحة بدنه، وكل مخلوق يتوكل علي مخلوق فرجعت إلى قول الله عز وجل: "ومن يتوكل الله حسبه" وتوكلت علي الله.. فقال شقيق: وفقك الله يا حاتم فلقد جمعت الأمور كلها . ذكره الغزالى فى الغحياء (1/65).[/FONT]
[FONT=&quot]ذم التواكل وترك الأسباب : [/FONT]
[FONT=&quot]وههنا سؤال مشهور وهو : هل المدعو به إن كان قد قدر، لم يكن بد من وقوعه، دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر ـ يقع ، سواء سأله العبد أو لم يسأله؟ [/FONT]
[FONT=&quot]فظنت طائفة صحة هذا السؤال ، فتركت الدعاء ، وقالت: لا فائدة فيه. وقال آخرون: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعى، من غير أن يكون له تأثير فى المطلوب بوجه ما ولا فرق عند هؤلاء بين الدعاء وبين الإمساك عنه بالقلب واللسان فى التأثير فى حصول المطلوب وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت، ولا فرق. [/FONT]
[FONT=&quot]وقال طائفة أخرى أكيس من هؤلاء : بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه وتعالى أمارة على قضاء الحاجة، فمتى وفق الله العبد للدعاء، كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد انقضت، وهذا كما إذا رأيت غيماً أسوداً بارداً فى زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر. [/FONT]
[FONT=&quot]قالوا: هكذا حكم الطاعات مع الثواب والكفر والمعاصى مع العقاب، هى أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب، لا أنها أسباب له. وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل ليس شئ من ذلك سبباً ألبتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه، إلا مجرد الاقتران العادى، لا التأثير السلبى، وخالفوا بذلك الحس والعقل، والشرع والفطرة، وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء. [/FONT]
[FONT=&quot]والصواب: أن ههنا قسماً ثالثاً، غير ما ذكره السائل، وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر سببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور. [/FONT]
[FONT=&quot]وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال : لا فائدة فى الدعاء. كما لا يقال: لا فائدة فى الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شئ من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ فى حصول الذى يذكرون به فى هذه الدار، وهو لسان الصدق الذى سأله إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال سبحانه: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) (مريم:50) ، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:4) فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم فإنه بعيد عن ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم. [/FONT]
 
الوسوم
الدعاء والتوكل
عودة
أعلى