نسمات الجنة
الاعضاء
السؤال:
ما حكم من ينسب إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه صفات تخرجه عن الطبيعة البشرية كأن يقول: إنه خلق من نور الله، وأنه نور عرش الله، وأن قدميه لا يظهر لها أثر إذا وطئت الأرض الرملية. وأنه ليس له ظل. مستدلاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب: 45، 46]، فما حكم ذلك القائل؟ ومعنى هذا الآية؟
الجواب:
لقد كان الغلو في تعظيم المخلوقين من الأنبياء والصالحين هو أصل ما وقع في العالم من الشرك وعبادة الأوثان. فقد خرج هذا الغلو بكثير من الناس إلى اعتقاد أن هؤلاء ليسوا بشرًا كسائر الناس، ولكنهم يتميزون بطبيعة الإلهية، فتراهم ينسبون إليهم القدرة على فعل الخوارق والمعجزات والكشف عن الغيبيات والأمور المستقبلة والتأثير في العالم الأرضي بقوة ذاتية موجودة فيهم، فيحضرون الغائب، وينزلون الأمطار، ويجرون على من يغضبون عليه المصائب والويلات.
ولهذا حرص الإسلام، وهو دين التوحيد الخالص من شوائب الشر والوثنية، أن يؤكد في كل مناسبة أن الأمر كله لله، وأن ليس لمخلوق مهما كان قربه ومنزلته، شركة في خلق شيء ولا في تدبير أمر، وأن كل من سواه مربوب محدث وعاجز فقير، لا يملك لنفسه فضلاً عن عابديه نفعًا ولا ضرًا، لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه مما شاء أن يطلع عليه رسله وأنبياءه.
وقد جاء القرآن الكريم يؤكد بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وورد ذلك في صورة الأمر له أن يقول ذلك،حتى يكون شهادة منه على نفسه وحجة على كل من يغلو فيه،مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[الأنعام: 50].
وقوله في سورة الأعراف: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188].
وقوله من سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[الكهف: 110]؛ ومثل هذا في القرآن كثير.
ولقد جاءت السنة المطهرة بما يوافق الكتاب الكريم في النهي عن الغلو، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ وإنما أنا عبد؛ فقولوا: عبد الله ورسوله))[1].
وقال صلى الله عليه وسلم ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته فأقضي له على ما أسمع))[2].
وبناء على ذلك: يكون من خرج على النص الثابت بصريح الآيات وصحيح السنة فنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصفات التي تخرجه من دائرة البشرية يكون مرتدًا والعياذ بالله.
على أن هؤلاء يكذبون عليه أشنع الكذب، ويختلقون له من الصفات ما لا أصل له في كتاب ولا سنة صحيحة؛ فلم يرد عنه أنه أخبر عن نفسه بأنه خلق من نور الله، ولا أنه أول المخلوقات، ولا أنه نور عرش الله، إلى غير ذلك مما يضاهي به غلاة هذه الأمة قول الذين كفروا من قبل. وكل ما نسب إليه عليه الصلاة والسلام من ذلك فهو باطل مفترى.
وفيما ورد من خصائصه وصفاته في الكتاب والسنة ما يكفي لبيان علو درجته، وأنه من الله عز وجل _ بالمنزلة التي يقصر عن بلوغها كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، كهذه الآية يستدل بها هؤلاء الغلاة من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً0 وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}[الأحزاب:46].
فإن منصب الشهادة على الناس كلهم لا يناله إلا من بلغ غاية الكمال في تحقيق المشهود به، فيكون خير الناس وأكملهم، وهو المبشر لكل من أطاعه واتبعه، والنذير لكل من عصاه وخالفه، والداعي إلى الله على هدى وبصيرة، وهو السراج المنير الذي يخرج الناس من ظلمات الشكوك إلى النور، والريب والكفران إلى نور العلم واليقين والعرفان.
وأما اعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم ليس له ظل، وما شابهه فهو مبني على اعتقاد أنه ليس بشرًا فهو كذب على كذب.
والحاصل أنه لا يجوز لأحد أن يصفه صلى الله عليه وسلم بغير ما وصفه الله به، وكل ما وراء ذلك هو هراء صوفية ولوثات وثنية.
*****
[1] رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء (3445).
[2] رواه البخاري في صحيحه في كتاب الشهادات رقم (2680)، ومسلم في صحيحه في كتاب الأقضية رقم (4).
ما حكم من ينسب إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه صفات تخرجه عن الطبيعة البشرية كأن يقول: إنه خلق من نور الله، وأنه نور عرش الله، وأن قدميه لا يظهر لها أثر إذا وطئت الأرض الرملية. وأنه ليس له ظل. مستدلاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب: 45، 46]، فما حكم ذلك القائل؟ ومعنى هذا الآية؟
الجواب:
لقد كان الغلو في تعظيم المخلوقين من الأنبياء والصالحين هو أصل ما وقع في العالم من الشرك وعبادة الأوثان. فقد خرج هذا الغلو بكثير من الناس إلى اعتقاد أن هؤلاء ليسوا بشرًا كسائر الناس، ولكنهم يتميزون بطبيعة الإلهية، فتراهم ينسبون إليهم القدرة على فعل الخوارق والمعجزات والكشف عن الغيبيات والأمور المستقبلة والتأثير في العالم الأرضي بقوة ذاتية موجودة فيهم، فيحضرون الغائب، وينزلون الأمطار، ويجرون على من يغضبون عليه المصائب والويلات.
ولهذا حرص الإسلام، وهو دين التوحيد الخالص من شوائب الشر والوثنية، أن يؤكد في كل مناسبة أن الأمر كله لله، وأن ليس لمخلوق مهما كان قربه ومنزلته، شركة في خلق شيء ولا في تدبير أمر، وأن كل من سواه مربوب محدث وعاجز فقير، لا يملك لنفسه فضلاً عن عابديه نفعًا ولا ضرًا، لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه مما شاء أن يطلع عليه رسله وأنبياءه.
وقد جاء القرآن الكريم يؤكد بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وورد ذلك في صورة الأمر له أن يقول ذلك،حتى يكون شهادة منه على نفسه وحجة على كل من يغلو فيه،مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[الأنعام: 50].
وقوله في سورة الأعراف: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188].
وقوله من سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[الكهف: 110]؛ ومثل هذا في القرآن كثير.
ولقد جاءت السنة المطهرة بما يوافق الكتاب الكريم في النهي عن الغلو، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ وإنما أنا عبد؛ فقولوا: عبد الله ورسوله))[1].
وقال صلى الله عليه وسلم ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته فأقضي له على ما أسمع))[2].
وبناء على ذلك: يكون من خرج على النص الثابت بصريح الآيات وصحيح السنة فنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصفات التي تخرجه من دائرة البشرية يكون مرتدًا والعياذ بالله.
على أن هؤلاء يكذبون عليه أشنع الكذب، ويختلقون له من الصفات ما لا أصل له في كتاب ولا سنة صحيحة؛ فلم يرد عنه أنه أخبر عن نفسه بأنه خلق من نور الله، ولا أنه أول المخلوقات، ولا أنه نور عرش الله، إلى غير ذلك مما يضاهي به غلاة هذه الأمة قول الذين كفروا من قبل. وكل ما نسب إليه عليه الصلاة والسلام من ذلك فهو باطل مفترى.
وفيما ورد من خصائصه وصفاته في الكتاب والسنة ما يكفي لبيان علو درجته، وأنه من الله عز وجل _ بالمنزلة التي يقصر عن بلوغها كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، كهذه الآية يستدل بها هؤلاء الغلاة من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً0 وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}[الأحزاب:46].
فإن منصب الشهادة على الناس كلهم لا يناله إلا من بلغ غاية الكمال في تحقيق المشهود به، فيكون خير الناس وأكملهم، وهو المبشر لكل من أطاعه واتبعه، والنذير لكل من عصاه وخالفه، والداعي إلى الله على هدى وبصيرة، وهو السراج المنير الذي يخرج الناس من ظلمات الشكوك إلى النور، والريب والكفران إلى نور العلم واليقين والعرفان.
وأما اعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم ليس له ظل، وما شابهه فهو مبني على اعتقاد أنه ليس بشرًا فهو كذب على كذب.
والحاصل أنه لا يجوز لأحد أن يصفه صلى الله عليه وسلم بغير ما وصفه الله به، وكل ما وراء ذلك هو هراء صوفية ولوثات وثنية.
*****
[1] رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء (3445).
[2] رواه البخاري في صحيحه في كتاب الشهادات رقم (2680)، ومسلم في صحيحه في كتاب الأقضية رقم (4).