طيور وطن
تنبّهَت لصوت فيروز يستجدي( وينك رايح يا شادي؟)، خنقتها عبرات القهر على بلد غادره الشّوادي ليتبعثروا على متن السّراب، و يتركوا الوطن يعصف به الحنين، و توجعه الحسرة بعد أن خسر زينة الشّباب بين مزروع في أحضان التّراب، و مهاجر ضيّعه الغياب.
ألقت برأسها على كتف صاحبتها، أسندتا الجسدين المنهكين على جدار ظلّ متماسكاً رغم قذائف الحرب، و مسحت دمعاً يأبى أن يجفّ، ربتت المرأة على كتف جارتها:
- هل ذكّرتك الأغنية بابنك أم برفاقه؟ اهدئي، ماذا يمكن أن نقول؟
- تأوّهت متوجّعة نقول:
- تعازينا يا فيروز في شادي لبنان ابتلعته حرب طُويت صفحتها. هل عندك أغنية عن شادي سورية؟
- لا... لا أظنّها تملك أغنية بعد أن نالت منها سنوات العمر.
- وأنا موقنة بعجزها وعليها أن تعذرني، (شوادينا) تبعثروا، و مزّقتهم رياح القدر، و تعجز الرّوايات عن حكاية جرحهم فكيف لأغنية عابرة أن تشجو بمآلهم؟
- من أين نبدأ؟
- من شادي الصّغير أحرقته دموع الحزن على أمّه ذُبِحتْ أمام عينيه، وأبوه اقتيد إلى المجهول وهو لا يعي ما يحصل حوله.
- أنسيت شادي الفتى؟
- يا حسرة قلبي عليه! شادي الفتى حمل السّلاح ثمناً لخبز أسرته، ثمناً لهواء بلده يتنشّقه رغم روائح الموت، احتمى ببندقيّة باعها تاجر لا يجيد إلا لغة الحساب في البنوك، و ينسى همس أرواح تأمل بالحياة، حملها رفيقة بؤس لا يدري على من يُطلق حممها، و لا يعرف رصاصة مَن قد تخترق جسده البريء!
- وماذا نقول عن شادي الشّاب؟
- نترك للراوي أن يقول: شادي الشّاب مخضّبٌ بدمائه الطّاهرة دفع الرّوح ثمناً لانتمائه إلى تراب الوطن، ، غسلته دموع الأمّ، و كفّنته آهات الصّبايا تاركاً جرح الفراق لا يندمل في قلوب اكتوت بنار حرب يديرها الغرباء على الأرض المقدّسة.
- لم لا تذكرين ابنك و رفاقه المهجرين؟
- المهاجر شادي أعجزه فهم ما يجري، و قرّر أن يمارس حبّ الوطن بالابتعاد عنه علّه لا يكون وقوداً في حرب لم يعد أحد يذكر كيف بدأت، و لا قارئة فنجان تتكهن، و لا فلكيّ يحمل بين ثنايا كلماته بشرى بالخلاص بعدما سئم النّاس كلام كلّ من يجيد اللّعب بالألفاظ.
- و آهٍ يا بلد تشرّد أبناؤه!
- لا . لم يتشرّدوا بل توزّع الشّوادي نجوماً في أقطار المعمورة.
- ما زال الأمل مضيئا عندك؟
- نعم. و رغم عجز هذا الشّادي عن التّأقلم مع البلد الغريب و العيش بعيداً عن الأهل و رابط اللّغة، و رغم تذمّر ذاك الشّادي من ظلم أرباب العمل، و تمرّده على مرارة البؤس التي يتجرّعها في صباح الغربة و مسائها و قضمه لأصابعه إلا أنّ شهاب الشّوادي تألّق رغم عتمة الليالي.
- ما شاء الله عن تفاؤلك؟ ما دليلك؟
- ألم تعلمي أنّ شادي أتقن لغة لم يخطر في باله أن يسمعها حين كان يقفز في شوارع الوطن، و حفظ أزقّة المدن الغريبة من غير أن ينسى شوارع الحيّ التي درج عليها ، تابع دراسته، و أتقن العمل رغم يقينه أنّهم يسرقون عمله.
- و غداً تخطفه ابنة البلد الغريب؟
- لا. مازال يرقب ابنة الوطن تلحق به ليشكلا أسرة تضيء عتمة الأيّام، و تمسح صور القبح من ذاكرة الغرباء، ليبنيا عائلة عربية تجمع سحر الشرق و عقلانية الغرب، ويعودان بها إلى البلد عندما تنطفئ نار الحرب ليشرعا في بناء الوطن.
- و قامتا تتساعدان، و حداء الأمل يرقص في العيون وعلى شفاه جففها المرار:
- سنقيم الأفراح، وننتظر كل صاحب صوت جميل أن يغني للوطن، لعودة شادي من رحلة العذاب.
تنبّهَت لصوت فيروز يستجدي( وينك رايح يا شادي؟)، خنقتها عبرات القهر على بلد غادره الشّوادي ليتبعثروا على متن السّراب، و يتركوا الوطن يعصف به الحنين، و توجعه الحسرة بعد أن خسر زينة الشّباب بين مزروع في أحضان التّراب، و مهاجر ضيّعه الغياب.
ألقت برأسها على كتف صاحبتها، أسندتا الجسدين المنهكين على جدار ظلّ متماسكاً رغم قذائف الحرب، و مسحت دمعاً يأبى أن يجفّ، ربتت المرأة على كتف جارتها:
- هل ذكّرتك الأغنية بابنك أم برفاقه؟ اهدئي، ماذا يمكن أن نقول؟
- تأوّهت متوجّعة نقول:
- تعازينا يا فيروز في شادي لبنان ابتلعته حرب طُويت صفحتها. هل عندك أغنية عن شادي سورية؟
- لا... لا أظنّها تملك أغنية بعد أن نالت منها سنوات العمر.
- وأنا موقنة بعجزها وعليها أن تعذرني، (شوادينا) تبعثروا، و مزّقتهم رياح القدر، و تعجز الرّوايات عن حكاية جرحهم فكيف لأغنية عابرة أن تشجو بمآلهم؟
- من أين نبدأ؟
- من شادي الصّغير أحرقته دموع الحزن على أمّه ذُبِحتْ أمام عينيه، وأبوه اقتيد إلى المجهول وهو لا يعي ما يحصل حوله.
- أنسيت شادي الفتى؟
- يا حسرة قلبي عليه! شادي الفتى حمل السّلاح ثمناً لخبز أسرته، ثمناً لهواء بلده يتنشّقه رغم روائح الموت، احتمى ببندقيّة باعها تاجر لا يجيد إلا لغة الحساب في البنوك، و ينسى همس أرواح تأمل بالحياة، حملها رفيقة بؤس لا يدري على من يُطلق حممها، و لا يعرف رصاصة مَن قد تخترق جسده البريء!
- وماذا نقول عن شادي الشّاب؟
- نترك للراوي أن يقول: شادي الشّاب مخضّبٌ بدمائه الطّاهرة دفع الرّوح ثمناً لانتمائه إلى تراب الوطن، ، غسلته دموع الأمّ، و كفّنته آهات الصّبايا تاركاً جرح الفراق لا يندمل في قلوب اكتوت بنار حرب يديرها الغرباء على الأرض المقدّسة.
- لم لا تذكرين ابنك و رفاقه المهجرين؟
- المهاجر شادي أعجزه فهم ما يجري، و قرّر أن يمارس حبّ الوطن بالابتعاد عنه علّه لا يكون وقوداً في حرب لم يعد أحد يذكر كيف بدأت، و لا قارئة فنجان تتكهن، و لا فلكيّ يحمل بين ثنايا كلماته بشرى بالخلاص بعدما سئم النّاس كلام كلّ من يجيد اللّعب بالألفاظ.
- و آهٍ يا بلد تشرّد أبناؤه!
- لا . لم يتشرّدوا بل توزّع الشّوادي نجوماً في أقطار المعمورة.
- ما زال الأمل مضيئا عندك؟
- نعم. و رغم عجز هذا الشّادي عن التّأقلم مع البلد الغريب و العيش بعيداً عن الأهل و رابط اللّغة، و رغم تذمّر ذاك الشّادي من ظلم أرباب العمل، و تمرّده على مرارة البؤس التي يتجرّعها في صباح الغربة و مسائها و قضمه لأصابعه إلا أنّ شهاب الشّوادي تألّق رغم عتمة الليالي.
- ما شاء الله عن تفاؤلك؟ ما دليلك؟
- ألم تعلمي أنّ شادي أتقن لغة لم يخطر في باله أن يسمعها حين كان يقفز في شوارع الوطن، و حفظ أزقّة المدن الغريبة من غير أن ينسى شوارع الحيّ التي درج عليها ، تابع دراسته، و أتقن العمل رغم يقينه أنّهم يسرقون عمله.
- و غداً تخطفه ابنة البلد الغريب؟
- لا. مازال يرقب ابنة الوطن تلحق به ليشكلا أسرة تضيء عتمة الأيّام، و تمسح صور القبح من ذاكرة الغرباء، ليبنيا عائلة عربية تجمع سحر الشرق و عقلانية الغرب، ويعودان بها إلى البلد عندما تنطفئ نار الحرب ليشرعا في بناء الوطن.
- و قامتا تتساعدان، و حداء الأمل يرقص في العيون وعلى شفاه جففها المرار:
- سنقيم الأفراح، وننتظر كل صاحب صوت جميل أن يغني للوطن، لعودة شادي من رحلة العذاب.