اكلها انا حتى لا تأكلها أنت

تقييم
5.00 نجوم

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
اكلها انا حتى لا تأكلها أنت"

FB_IMG_1624321112637.jpg

يقول احدهم :
في طفولتي عندما كان يدخل موسم فاكهة المانجا كان ابي يحضر منه كمية للبيت وكنا نجلس حوله لنشاركه طعمها العذب، ....

فكان يعطينا اللب منها ويقوم هو بأكل قشورها ....

كنت أراقب هذا التصرف الغريب منه دون أن أعلم السبب ....

سألته يوما لماذا تأكل قشور المانجا يا أبتي؟!!!

نظر إلي بابتسامة وقال :
"اكلها انا حتى لا تأكلها أنت" ....

لم أفهم معنى كلامه في وقتها، وبررت الأمر بأنها قد تكون عادة قديمة اكتسبها من أيامه التي عاشها في طفولته بين احظان الفقر القاسي وخصوصا أن طعم قشور المانجا ليس سيئا ولكنه بصراحة لا يقارن بما هو تحت تلك القشور ....

نسيت امر قشور المانجا كما نسيت كثير من الذكريات بين صفحات كتاب الزمن .... إلى مدة قريبة عندما أهداني صديق لي فاكهة مانجا، .... جلبها لي كهدية من بلد بعيدة ....

كنت أمني نفسي بالاستمتاع بطعمها الذي ينافس شهد النحل طوال الطريق وانا متجه الى بيتي ....

وبمجرد أن وصلت البيت بدات في تقطيع تلك المانجا وهي تتفجر بين يدي بما تحتويه من لب ذهبي و عصير ملكي ....

وقبل أن أضع أول قطعة منها في فمي اقتربت إبنتي الصغيرة مني وقالت : "أبي أريد قطعة" ....

إبتسمت من طلبها واعطيتها الجزء الذي كان بيدي .... وعلى الفور إقترب إبني يطلب مثل ما حصلت عليه اخته .... ولحقتهما أختهما الثالثة تطلب حصتها تماما كما حصل اخوانها ....

كانت فرحتي بالنظر لهم وهم يمرغون وجوههم بقطع المانجا والسعادة والفرح تشع من اعينهم كشمس الصباح الدافئة بعد ليلة شتاء قارص ....

وفي لحظة وجدت نفسي أمام صحن خالي إلا من بعض قشور المانجا التي مازال عالقا بها اجزاء صغيرة من فتات الفاكهة الاصلية ....

بدأت بالتهام قشور المانجا دون تفكير الى أن توقفت فجأة لأتذكر كلمات ابي ....

الآن فقط بعد كل تلك الأيام اتضحت لي معنى كلماته وماذا كان يقصد بعبارته ....

الآن فقط علمت أن سعادة ابي الحقيقية لم تكن يوما في أكل قشور المانجا .... وإنما كانت سعادته الحقيقية في رؤيتنا ونحن ناكل أفضل جزء منها أمامه ....

كانت فرحته الغامرة وهو يشاهدنا ونحن نحصل على أفضل وانقى واجود ما كان يقدمه إلينا في لحظتها ....

وتساءلت حينها والدموع في عيني ....

يا هل ترى كم من مانجا قدمها لنا ابي واكتفى هو بمجرد قشورها ؟!!!

وأنا هنا لا أقصد تلك الفاكهة بذاتها .... ولكن اقصد كل ما ترمز له في هذه الحياة .... فالمانجا قد تكون ملبسا أو بيتا أو فراش أو نوما مريحا أو تعليما ....

وقد تكون أيضا لمسة حنان على الكتف .... أو قبلة على الوجه ....

فمانجا الأهل لا حدود لها .... ولا يمكن لأحد أن يقيم سعرها ....

انظر من حولي لاجد أبناء لا يقدرون أهلهم حق القدر .... ولا يوفون حقهم ....

وكأن وظيفة الأهل في هذه الحياة هي في اختلاق الذرائع التي من شأنها أن تكدر صفو حياتهم ....

أرى أبناء قد تملكهم الغرور حتى حسبوا انهم يفوقون اهلهم علما وفكرا ومنطق ....

أرى أبناء يقدسون كلمة الزوج أو الزوجة في مقابل دموع الأم أو الأب ....

أرى أبناء يهجرون اهلهم في ديار رعاية بعيدة ويتركونهم لرحمة الغرباء ....

أرى أبناء قد يقاطعون اهلهم سنينا ....

ارى أبناء يتمنون زوال أهلهم من هذه الدنيا عاجلا ليس اجل ....

ارى كل ذلك وفي نفسي لو كان الأمر بيدي
لدفعت عمري كله ثمنا .... حتى يعود بي الزمن لأجلس مع ابي يوما واحدا اسبقه حينما يحضر فاكهة المانجا .... لالتهم قشورها بدلا عنه ليتبقى له فقط أفضل ما فيها ....

حتى اذا سألني لماذا احب اكل قشور المانجا فأقول له :
"اكلها انا حتى لا تأكلها أنت" ....

.... إهداء الى كل من مازال أباه على قيد الحياة ، عسى أن تجد الى قلبه دليلا ....

اللهم اغفر وارحم اباءنا وامهاتنا واجعلهم من أهل الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين ....

اللهم ألبس لباس الصحة والعافية لكل من هم على قيد الحياة من الآباء والأمهات واعفوا عنهم ولا تقبضهم إليك إلا وأنت راضٍ عنهم يا سميع يا عليم ....

اللهم سدد خطاهم واحسن خاتمتهم والحقنا بهم في جنات النعيم.
.
الفاتحه لابائنا وآباؤكم وامهاتنا وامهاتكم وحفظ الله من هم في الحياة وعافاهم لانهم زهرة الحياة وشموع البيوت ..
??
دمتم بخير


FB_IMG_1624321110599.jpg
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى