ماذا قال ابن خلدون في مقدمته عن التاريخ

  • تاريخ البدء
ماذا قال ابن خلدون في مقدمته عن التاريخ

وما ادراك ما التاريخ..


يقول ابن خلدون في مقدمته (إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق).. بمعنى اخر ابسط، التاريخ بالنسبة لينا ظاهرياً عبارة عن قصص و روايات قد يكون سردها من باب الترفيه- (١)


، لكن دراستها بعمق تخلق لنا وعي و فرصة للاستفادة من اخطاء الماضي و اصلاحها ان امكن و تجنب المزيد من الاخطاء و الدفع نحو تعزيز الايجابيات.. (٢)
بتذكر لما كنا في سنة سادسة ابتدائي (١٩٩٠-١٩٩١)، و قبل أن يميط الاسلامويين عن لثام هويتهم في انقلاب ١٩٨٩، وقبل سنين من إنزال معاولهم الهدامة في مناهجنا الدراسية، كان كتاب التاريخ لذلك الصف هو تاريخ المهدية.. (٣)
ولعل الواحد كان محظوظ انه درسه الصف دة تحديداً استاذ محب للمادة و مثقف فيها.. تابعنا معاه الثورة المهدية من بداياتها لحدي تحرير الخرطوم و بعدها سقوط المهدية مع الغزو الانجليزي ولا اسميه (الانجليزي المصري) لأنه مصر ذاتها وقتها ما بين حكم عثماني لاحتلال بريطاني.. (٤)
المهم، درسونا التاريخ و حفظونا الوثائق التاريخية و غيره.. الواحد ظل انطباعه عن الثورة المهدية بنفس الشكل التم تدريسه ليهو لحدي ما وقعت في يده كتابات سودانية كتيرة زي كتابات الجزولي في سلسلته (الحامض من رغوة الغمام) و كتاب (حياتي) لبابكر و بدري (٥)


مروراً بكتابات اسفيرية كتيرة لم تنتهي عند رواية (شوق الدرويش) الرائعة لحمور زيادة.. من غير الخوض في تفاصيل كتيرة؛ الواحد اكتشف انه احنا كان بيدرسونا الجزء البراق و الايجابي بس من القصة.. مع انه القصة الطويلة فيها طلوع و نزول (٦)


و فيها شرح و توضيح لاشكال الهوية عندنا بيلمس النعرات العنصرية اللي لحدي هسة بندفع ثمنها.. ممكن تكون نية المربين الوضعوا المنهج انه يعززوا من روح الوطنية عند الطلاب، و إحتمال انه الثقل السياسي والاجتماعي للأنصار في البلد ضغط باتجاه ابراز زاوية محددة من المشهد و يمكن غيره.. (٧)
الشاهد انه حتى اذا اتفقنا جدلاً انه سن الطلاب في سادسة ابتدائي صغير وممكن الموضوع يشوه الهوية عندهم خصوصاً اذا تم سرد السلبيات مع الايجابيات لتلكم الفترة التاريخية، بتذكر انه لحدي ما خلصنا ثانية ثانوي ما لاقتني اي توسع في المهدية يتناول الفترة دي بموضوعية (٨)
او بأي شكل ناضج يستوعبه طالب المرحلة الثانوية.. وموضوع الغتغتة دة موجود برضو في التاريخ الاسلامي، يعني صراع السنة و الشيعة الحالي دة الواحد ما قدر ياخد صورة تاريخية اكبر ويفهمه بموضوعية الا بعدما كبر ولقى مصادر تانية برة الدرسناه، (٩)


وبرضو لقيت محاذير واضعناها الفقهاء في عدم تناول او دراسة عصور الفتنة دي ووصف قراءتها بالمكروهة وانها من باب الفتن كنظام غتغتة برضو.. (٩)
الانسان دة زي ما ربنا وصفه، كان أكثر شئ جدلاً، و النفس دي برضو قال عنها المولى إنها أمارة بالسوء، و عضد المفهوم دة علماء النفس، خصوصاً فرويد في (الهو، الأنا، النفس العليا Id, Ego & Superego ).. الانسان الغربي -زينا بالضبط- ارتكب في تاريخه انتهاكات كتيرة ويمكن اكتر مننا، (١٠)


فمن ممارسات محاكم تفتيش لعبت دور في ابادة ثقافية و دينية، لقمع وحشي كنسي بإسم الهرطقة و الالحاد، لحروب عالمية قتلت الملايين، لأعمال استعمارية وصولاً لابادات جماعية لشعوب العالم الاخرى.. لكن في مرحلة معينة وصل تطوره الحضاري و الفكري انه يعترف بكل الاخفاقات دي (١١)
و يكتبها في تاريخه الكويس منها و البطال، و كمان يدرسها للاجيال بتاعته الناشئة عشان يضمن انه الاخطاء الحصلت ما تتكرر وانه النظرة الى المستقبل لا تغيب عنها دروس الماضي.. تماماً زي ما قال ابن خلدون و اهملناه... (١٢)
في كندا تحديداً، كمثال، قبل عقود بسيطة، الحكومة الكندية قررت تعمل ابادة ثقافية للسكان الاصليين.. فدخلت اولادهم مدارس داخلية خاصة بالقوة وغصباً عن اهلهم ووصلت حد الخطف من الشوارع (زي كشات الالزامية بتاعة الكيزان زمان الكان بيرسلوا بيها الناس حرب الجنوب)؛ (١٣)


و درسوهم اللغة الانجليزية و الدين المسيحي والثقافة الغربية و غيره غصباً عنهم، والمدارس دي صاحبتها انتهاكات انسانية فظيعة جداً فكان في انتهاكات جسدية و جنسية للاطفال القصر.. وتم اجبارهم انه يتكلموا بس انجليزي او فرنسي و كان بيعذبوهم بالجلد و الصعق الكهربائي (١٤)


اذا اتكلموا في المدرسة بلغتهم الام او مارسوا عباداتهم وغيره.. الموت في المدارس دي وصل معدلات مرتفعة جدا جداً.. الموضوع دة انتج في النهاية ناس عندها ازمة هوية، فلا هي منتمية للمجتمع الكندي الابيض ولا هم قادرين يندمجوا في مجتمعاتهم الاصلية.. (١٥)
السيستم دة في النهاية تم فضحه قبل عشرين سنة بس بواسطة احد القسسة الكانوا جزء من السيستم، و فقد وظيفته بسبب الحاجة دي، لكن نشره لكتاب يفضح اسرار المدارس دي عمل هزة اخلاقية كبيرة في البلد، وادت لالغاء المدارس دي وقام رئيس الوزراء بتقديم اعتذار رسمي قبل سنوات قليلة جداً (١٦)


و شكل لجنة حقيقة و مصالحة كتبت فيه تقرير ضخم عن الانتهاكات الحصلت وقامت الحكومة بدفع مبالغ تعويضية للمتضررين.. التاريخ الاسود دة بيتم تدريسه و نقاشه بعقلانية منفتحة شديد في البلد وبيتم شرحه في اغلب الكورسات التوظيفية للقادمين الجدد (١٧)
فأذكر انه لما عملت الكورس التوجيهي قبل بداية العمل، كان جزء كبير من الكورس دة التعريف بالسكان الاصليين و عقائدهم وثقافتهم و معاناتهم التاريخية و توابعها النفسية و المرضية.. (١٨)
يا ريت احنا يجي اليوم اللي تاريخنا يكون فيهو كل شي الكويس و البطال، و نكون متقبلين الحصل ونتحاور حوله بنية انه ما نكرر اخطاءنا ونمشي لقدام.. (١٩)
نكتب في تاريخنا كيف كانت المهدية على حقيقتها، وكيف صعدت الطائفية في البلد، نكتب عن مجازر النميري في الانصار، وحرب الجنوب، و مجازر دارفور، ودم الشهداء وجرائم فض الاعتصام
 
عودة
أعلى