مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم وسلم )

رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

فصل في غزوة تبوك


قال ابن إسحاق : كانت في زمان عسرة من الناس وجدب من البلاد حين طابت الثمار - فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان .

فقال ذات يوم - وهو في جهازه - للجد بن قيس
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني ؟ فقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فقال " قد أذنت لك
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ففيه نزلت ( 9 : 49 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
- الآية .


وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر فنزل ( 9 : 81 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
- الآية .


ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة . فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا .
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وأنفق عثمان ثلاثمائة بعير بأحلاسها ، وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عينا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وجاء البكاءون - وهم سبعة - يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وقام علبة بن يزيد فصلى من الليل وبكى . ثم قال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها : من مال أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين المتصدق في هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ، ثم قال أين المتصدق ؟ فلم يقم . فقام إليه فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم " أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ‏
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم .

واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم الثلاثة - كعب بن مالك : وهلال بن أمية . ومرارة بن الربيع - وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر . ثم لحقاه . وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف فرس . وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة وهرقل يومئذ بحمص .

قال ابن إسحاق :
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عليا على أهله . فقال المنافقون ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه . فأخذ سلاحه ولحق به بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقالا ، فقال كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك . أولا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
فرجع .


ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء وهيأت له طعاما . فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا . فقال رسول الله في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك .

وقد كان عمير بن وهب الجمحي أدرك أبا خيثمة في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة له إن لي ذنبا . فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل . حتى إذا دنا من رسول الله قال الناس راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
كن أبا خيثمة " قالوا : يا رسول الله هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله . فقال له " أولى لك يا أبا خيثمة " فأخبره الخبر ، فقال له خيرا ، ودعا له
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر - من ديار ثمود - قال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم مثل ما أصابهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وقال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، وأمرهم أن يهريقوا الماء وأن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي قال " انطلقنا حتى قدمنا تبوك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ستهب عليكم الليلة ريح شديدة . فلا يقم أحد منكم . فمن كان له بعير فليشد عقاله . فهبت ريح شديدة فقام رجل . فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ ‏‏
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


قال ابن إسحاق : وأصبح الناس ولا ماء معهم . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله . فأرسل الله سحابة . فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون تخلف فلان فيقول
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وتلوم على أبي ذر بعيره . فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا .


ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذ الرجل يمشي على الطريق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
كن أبا ذر فلما تأملوه . قالوا : يا رسول الله هو والله أبو ذر . فقال رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وفي صحيح ابن حبان عن أم ذر قالت " لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال ما يبكيك ؟ فقلت : وما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا ; ولا يدان لي في تغييبك ؟ فقال أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر - وأنا فيهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا كذبت - فأبصري الطريق . فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ثم أرجع فأمرضه فبينا أنا وهو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخد بهم رواحلهم قالت فأشرت إليهم . فأسرعوا إلي حتى وقعوا علي . فقالوا : يا أمة الله ما لك قلت : امرئ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا : من هو ؟ قلت : أبو ذر قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه . فقال لهم أبشروا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث - ثم قال وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي ، أو لها . فإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا ، أو بريدا أو نقيبا . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار . قال يا عم أنا أكفنك في ردائي هذا . وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال فأنت تكفنني ، فكفنه الأنصاري ، وأقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه صاحب أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية وأتاه أهل جربا وأذرح ، فأعطوه الجزية وكتب لهم كتابا . فهو عندهم .
ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد " إنك تجده يصيد البقر " فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة - وهو على سطح له - فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال لا والله . قالت فمن يترك مثل هذه ؟ قال لا أحد . ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل بيته . فلما خرجوا ، تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه . وقدم به خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه . وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله . فرجع إلى قريته .
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله بتبوك بضعة عشر ليلة . ثم انصرف إلى المدينة .
قال وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي :
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أن ابن مسعود كان يحدث قال " قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر . وإذا عبد الله ذو البجادين - والبجاد الكساء الأسود - المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه . وهو يقول أدليا إلي أخاكما . فأدلياه إليه . فلما هيأه لشقه قال اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه " قال يقول عبد الله بن مسعود : " يا ليتني كنت صاحب الحفرة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، حتى كان بينه وبين المدينة ساعة . وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه - وهو يتجهز إلى تبوك - فقالوا : يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة . وإنا نحب أن تصلي فيه . فقال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
فلما نزل بذي أوان ، جاءه خبر المسجد من السماء . فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي . فقال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه " فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف - وهم رهط مالك بن الدخشم - فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل . فأشعل فيه نارا . ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وأنزل الله سبحانه ( 9 : 107 - 110 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
- إلى قوله -
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
والله عليم حكيم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
قال ابن عباس في الآية هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر الفاسق ابنوا مسجدكم واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح . فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من بنائه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : إنا قد فرغنا من بناء مسجدنا . ونحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة . فأنزل الله عز وجل ( 9 : 108 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لا تقم فيه أبدا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
- إلى قوله -
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
يعني الشك
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إلا أن تقطع قلوبهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
يعني بالموت .
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء والصبيان والولائد يقلن
طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع
وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأنزل الله فيها سورة براءة .
وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده " المبعثرة " لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .
وفي غزوة تبوك : كانت قصة تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي . ممن شهدوا بدرا . ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين يحلفون أنهم كانوا معذورين . فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم - وكانوا من خيار المؤمنين - ( 9 : 117 - 119 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
الآيتين خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم . لأنهم كانوا من الصادقين .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

وفود العرب إلى رسول الله


ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، وأسلمت ثقيف ضربت إليه أكباد الإبل تحمل وفود العرب من كل وجه في سنة تسع . وكانت تسمى : سنة الوفود .

قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهداتهم وأهل البيت والحرم ، وصريح ولد إسماعيل عليه السلام وقادة العرب لا ينكرون ذلك . وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش عرفت العرب أن لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا عداوته فدخلوا في دين الله أفواجا . كما قال تعالى
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

وفد طيئ

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ فيهم زيد الخيل - وهو سيدهم - فعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم .
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ -
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل . فإنه لم يبلغ كل ما فيه
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " زيد الخير " وأقطعه " فيدا " وأرضين معه وكتب له بذلك كتابا . فخرج من عنده راجعا إلى قومه فلما انتهى إلى ماء من مياه نجد - يقال له " فردة " - أصابته الحمى بها فمات . فعمدت امرأته إلى ما كان معه من الكتب التي أقطع له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

وفد عبد القيس


وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود العبدي في وفد عبد القيس وكان نصرانيا . فقال يا رسول الله إني على ديني ، وإني تارك ديني لدينك . فتضمن لي بما فيه ؟ قال نعم . أنا ضامن لذلك إن الذي أدعوك إليه خير من الذي كنت عليه " فأسلم وأسلم أصحابه . فكان حسن الإسلام صلبا في دينه حتى هلك وقد أدرك الردة . وكان في الوفد " الأشج " الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي - قبل فتح مكة - إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم وحسن إسلامه . ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ردة أهل البحرين . والعلاء عنده أمير الرسول صلى الله عليه وسلم على البحرين .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة


وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب . فأتوه وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا : يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا . فأمر له بمثل ما أمر به للقوم وقال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أما إنه ليس بشركم مكانا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
يعني لحفظه ضيعة أصحابه . ثم انصرفوا فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ وقال إني أشركت في الأمر معه . وقال للوفد ألم يقل لكم " أما إنه ليس بشركم مكانا ؟ " ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت في الأمر معه . ثم جعل يسجع لهم السجعات مضاهاة للقرآن وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة .


وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد . فإني أشركت في الأمر معك . وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم لا يعدلون .

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " . وقال للرجلين اللذين أتيا بكتابه ما تقولان أنتما ؟ فقالا : نقول كما قال . فقال " أما والله لولا أن الرسل لا تقتل ، لضربت رقابكما
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وذلك في آخر سنة عشر .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

حجة أبي بكر بالناس


ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك - بقية رمضان وشوال وذا القعدة - ثم بعث أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج ليقيم الناس حجهم وأهل الشرك على دينهم ومنازلهم من حجهم .

فخرج أبو بكر في ثلاثمائة من المدينة . وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة . قلدها وأشعرها بيده . ثم نزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه . فأرسل بها علي بن أبي طالب على ناقته العضباء ليقرأ براءة على الناس . وينبذ إلى كل ذي عهد عهده . فلما لقي أبا بكر قال له
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أمير أو مأمور ؟ فقال علي : بل مأمور " فلما كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب . فقال " يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

حجة الوداع


فلما دخل ذو القعدة تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج وأمر الناس بالجهاز له . وأمرهم أن يلقوه . فخرج معه من كان حول المدينة وقريبا منها . وخرج المسلمون من القبائل القريبة والبعيدة حتى لقوه في الطريق وفي مكة ، وفي منى وعرفات . وجاء علي من اليمن مع أهل اليمن . وهي حجة الوداع .

فخرج لها لخمس بقين من ذي القعدة في آخر سنة عشر . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي . فأرى الناس مناسكهم وعلمهم سنن حجهم . وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم ويكرر عليهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أيها الناس خذوا عني مناسككم . فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


ولما كان بمنى خطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين " فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أيها الناس اسمعوا قولي . فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا . أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم . وكل ربا موضوع . وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب . فإنه موضوع كله . وإن كل دم في الجاهلية موضوع وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا - كتاب الله - وأنتم مسئولون عني . فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت . فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول اللهم اشهد - ثلاث مرات
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وكانت هذه الحجة تسمى " حجة الوداع " لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها .

فلما انقضى حجه رجع إلى المدينة . فأقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة والمحرم وصفر .

ثم ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي مات فيه في آخر صفر .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

بعث أسامة بن زيد إلى البلقاء


ولما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة .
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم . فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد وأمره أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة ، وأن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدوارم من أرض فلسطين . فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون والأنصار .


ثم استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في بعث أسامة - وهو في وجعه - فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر - وكان المنافقون قد قالوا في إمارة أسامة أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين والأنصار . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا . وخرج عاصبا رأسه - وكان قد بدأ به الوجع - فصعد المنبر " فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس انفذوا بعث أسامة فلئن طعنتم في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه . وايم الله إن كان خليقا للإمارة . وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان أبوه لمن أحب الناس إلي وإن هذا . لمن أحب الناس إلي من بعده
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ثم نزل .


وانكمش الناس في جهازهم . فاشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه . وخرج أسامة بجيشه فعسكر بالجرف وتتام إليه الناس . فأقاموا لينظروا ما الله تبارك وتعالى قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم


قال ابن إسحاق : حدثت عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أسامة قال لما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة . فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم . وجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي . أعرف أنه يدعو لي
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


قال ابن إسحاق : حدثت عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل . فقال يا أبا مويهبة قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع . فانطلق معي . فانطلقت معه . فلما وقف عليهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فما أصبح الناس فيه . أقبلت الفتن مثل قطع الليل المظلم يتبع أخراها أولاها ، الآخرة شر من الأولى . ثم أقبل علي فقال إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها . فخيرت فيها بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة . فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا وتخلد فيها ، ثم الجنة . قال لا والله يا أبا مويهبة . قد اخترت لقاء ربي والجنة . ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


فبدأ به وجعه . فلما استعز به دعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها ، فأذن له .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . فبكى أبو بكر فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير . وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر . ولو كنت متخذا خليلا - غير ربي - لاتخذت أبا بكر خليلا . ولكن أخوة الإسلام ومودته . لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


وفي الصحيح
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أن ابن عباس وأبا بكر مرا بمجلس للأنصار وهم يبكون فقالا : ما يبكيكم ؟ قالوا : ذكرنا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منا فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم . فأخبره بذلك . فخرج وقد عصب على رأسه بحاشية برد . فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أوصيكم بالأنصار خيرا . فإنهم كرشي وعيبتي . وقد قضوا الذي عليهم . وبقي الذي لهم . فاقبلوا من محسنهم . وتجاوزوا عن مسيئهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


وفي الصحيح عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أبي موسى الأشعري قال اشتد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ؟ قال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت . فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحب يوسف . فأتاه الرسول . فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قالت ووالله ما أقول إلا أني أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان . فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

موت رسول الله صلى الله عليه وسلم


قال الزهري : حدثني
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أنس قال كان يوم الاثنين الذي قبض فيه رسول الله خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح فرفع الستر وفتح الباب . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقام على باب عائشة . فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم - فرحا به حين رأوه وتفرجوا عنه - فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم قال وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا ، ولما رأى من هيئتهم في صلاتهم . وما رئي أحسن منه تلك الساعة . قال ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أنه قد أفرق من وجعه . وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


قال ابن إسحاق : قال الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أبي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر . فقال إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات ولكنه قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران . فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل مات . ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حين كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات . قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد . حين بلغه الخبر - وعمر يكلم الناس - فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة . فأقبل حتى كشف عن وجهه . ثم أقبل عليه فقبله . ثم قال بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتبها الله عليك : فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا . ثم رد البرد على وجهه . وخرج - وعمر يكلم الناس - فقال على رسلك يا عمر أنصت . فأبى إلا أن يتكلم . فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس . فلما سمع الناس كلام أبي بكر أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله تعالى وأثنى عليه . ثم قال أيها الناس ، إنه من كان يعبد محمدا . فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله تعالى ، فإن الله حي لا يموت . قال ثم تلا هذه الآية ( 3 : 144 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


قال فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم . قال أبو هريرة فقال عمر فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها . فعثرت حتى وقعت إلى الأرض . ما تحملني رجلاي فاحتملني رجلان وعرفت أن رسول الله قد مات
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

حديث السقيفة


فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة . واعتزل علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة . وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر وعمر ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل . فأتى آت إلى أبي بكر وعمر فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه . فإن كان لكم بأمر الناس من حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله . فقال عمر لأبي بكر . انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه .

قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة أن عبد الله بن أبي بكر حدثني عن محمد بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ابن عباس قال أخبرني عبد الرحمن بن عوف - وكنت في منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر - قال فرجع عبد الرحمن من عند عمر فوجدني في منزله بمنى أنتظره وكنت أقرئه القرآن . فقال لي : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال هل لك في فلان ؟ يقول والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . فغضب عمر وقال إني - إن شاء الله - لقائم العشية في الناس فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم . قال عبد الرحمن فقلت لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس . وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها أولئك عنك كل مطير ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة . فإنها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها . فقال عمر أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة . قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة . فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتاه ركبتيه . فلم أنشب أن خرج عمر .


فقلت لسعيد ليقولن الساعة على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف . فأنكر علي ذلك . وقال ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ؟ فجلس على المنبر .

فلما سكت المؤذن قام . فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها . ولا أدري : لعلها بين يدي أجلي ؟ فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته . ومن خشي أن لا يعيها ، فلا أحل لأحد أن يكذب علي . إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب . فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها . وعقلناها . ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . فأخشى - إن طال بالناس زمان - أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله . وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم - أو كفر لكم - أن ترغبوا عن آبائكم " إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا . فلا يغترن امرئ يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت . ألا وإنها والله قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها . وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر . فمن بايع رجلا عن غير مشورة المسلمين . فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . إنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم - أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة . وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما . واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر . فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار . فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان . فذكرا لنا ما تملأ عليه القوم . وقالا لنا : أين تريدون يا معاشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم . قال قلت : والله لنأتينهم .

فانطلقنا ، حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة . فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة . قلت : ما له ؟ قالوا : وجع . فلما جلسنا نشهد خطيبهم . فأثنى على الله عز وجل بما هو له أهل ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام . وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا . وقد دفت دافة من قومكم . قال وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغتصبونا الأمر .

فلما سكت أردت أن أتكلم - وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر . وكنت أداري منه بعض الحد .

فقال أبو بكر على رسلك يا عمر فكرهت أن أعصيه . فتكلم - وهو كان أعلم مني وأحكم وأحلم وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته أو أفضل . حتى سكت .

فقال أما بعد فماذا ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل . ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش . هم أوسط العرب نسبا ودارا . وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . فبايعوا الآن أيهما شئتم . فأخذ بيدي ، وبيد أبي عبيدة عامر بن الجراح - وهو جالس بيننا - فلم أكره شيئا مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .

قال فقال قائل من الأنصار : جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش .

قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف .

فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر . فبسطها ، فبايعته . ثم بايعه المهاجرون . ثم بايعه الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة .

فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة . قال فقلت : قتل الله سعد بن عبادة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

بيعة العامة لأبي بكر


مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ولما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر . فقام عمر قبل أبي بكر فتكلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال أيها الناس .


إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله . ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا - يقول يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هدى له رسوله . إن الله قد جمعكم على خيركم - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار - فقوموا فبايعوه . فبايع الناس أبا بكر البيعة العامة بعد بيعة السقيفة .

ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه . فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله . ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم . ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني . وإن أسأت فقوموني . الصدق أمانة والكذب خيانة . والضعيف فيكم قوي عندي ، حتى أريح عليه حقه إن شاء الله . والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله . لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل . ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله . فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

فضيلة أبي بكر الصديق وخلافته الراشدة

وعن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ربيعة - أحد الصحابة - رضي الله عنهم قال قلت لأبي بكر رضي الله عنه ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين ؟ قال لم أجد من ذلك بدا ، خشيت على أمة محمد الفرقة وفي رواية تخوفت أن تكون فتنة تكون بعدها ردة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.​
وعن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
عائشة رضي الله عنها ، قالت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرأب النفاق وارتدت العرب ، وانحازت الأنصار . فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها . فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفضلها
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.​
وعن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله - ثم قال الثانية ثم قال الثالثة - فقيل له مه يا أبا هريرة . فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام . فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله وارتدت العرب . واجتمع إليه الصحابة . فقالوا : رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم ، وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا حللت لواء عقده . فوجه أسامة . فجعل لا يمر بقبائل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم . ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم . فلقوا الروم . فهزموهم . ورجعوا سالمين . فثبتوا على الإسلام - ولله الحمد
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

قصة الردة أعاذنا الله منها


قد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إخباره بالفتن الكائنة بعده وإنذاره عنها ، وإخباره خاصة عن الردة .

من ذلك ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب . فكرهتهما . فنفختهما . فطارا . فأولتهما كذابين يخرجان
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ثلاث من نجا منهن فقد نجا : من موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق معطيه ومن الدجال
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وفي الصحيح عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
أبي هريرة رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ؟ فقال أبو بكر فإن الزكاة من حقها . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . قال عمر والله لرجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )


وذكر يعقوب بن سعيد بن عبيد ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
جماعة قالوا كان أبو بكر أمير الشاكرين الذين ثبتوا على دينهم وأمير الصابرين الذين صبروا على جهاد عدوهم - وهم أهل الردة - وذلك أن العرب افترقت في ردتها . فقالت فرقة لو كان نبيا ما مات . وقالت فرقة انقضت النبوة بموته . فلا نطيع أحدا بعده . وفي ذلك يقول قائلهم

أطعنا رسول الله ما كان بيننا


فيا لعباد الله ما لأبي بكر ؟
أيورثها بكرا إذا مات بعده


فتلك لعمر الله قاصمة الظهر

وقالت فرقة نؤمن بالله . وقال بعضهم نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ولكن لا نعطيكم أموالنا .

فجادل الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم وقالوا : احبس جيش أسامة فيكون أمانا بالمدينة . وارفق بالعرب حتى يتفرج هذا الأمر . فلو أن طائفة ارتدت قلنا : قاتل بمن معك من ارتد . وقد أصفقت العرب على الارتداد . وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب . فدخلوا على رجال من المهاجرين . فقالوا : إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام . وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن تجعلوا لنا جعلا كفيناكم . فدخل الصحابة على أبي بكر فعرضوا عليه ذلك . وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ، ويكفيانك من وراءها ، حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه ويشتد أمرك . فإنا اليوم قليل في كثير . فقال أبو بكر فهل ترون غير ذلك ؟ قالوا : لا .

قال قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم . وأنا رجل منكم تنظرون فيما أشير به عليكم . وإن الله لن يجمعكم على ضلالة . فتجتمعون على الرشد في ذلك .

فأما أنا : فأرى أن ننبذ إلى عدونا . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . وألا ترشون على الإسلام فنجاهد عدوه كما جاهدهم . والله لو منعوني عقالا ، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه . وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم فهذا أمر لم يغب عنه عيينة هو راضيه ثم جاء له . ولو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه أو أفناهم السيف فإلى النار . قتلناهم على حق منعوه وكفر اتبعوه . فبان للناس أمرهم . فقالوا له أنت أفضلنا رأيا ، ورأينا لرأيك تبع
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.


فأمر أبو بكر رضي الله عنه الناس بالتجهيز وأجمع على المسير بنفسه .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما صدر من الحج سنة عشر - وقدم المدينة : أقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة . فبعث المصدقين في العرب .
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

نفع الله طيئا بعدي بن حاتم


مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا . فمنهم من رجع . ومنهم من أدى إلى أبي بكر منهم عدي بن حاتم ، كانت عنده إبل عظيمة من صدقات قومه . فلما ارتد من ارتد وارتدت بنوأسد - وهم جيرانهم - اجتمعت طيئ إلى عدي . فقالوا : إن هذا الرجل قد مات وقد انتقض الناس بعده وقبض كل قوم ما كان في أيديهم من صدقاتهم فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس . فقال ألم تعطوا العهد طائعين غير مكرهين ؟ .


قالوا : بلى ، ولكن حدث ما ترى ، وقد ترى ما صنع الناس . فقال والذي نفس عدي بيده لا أخيس بها أبدا . فإن أبيتم فوالله لأقاتلنكم . فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدي بن حاتم ، أو يسلمها . فلا تطمعوا أن يسب حاتم في قبره وعدي ابنه من بعده . فلا يدعونكم غدر غادر إلى أن تغدروا . فإن للشيطان قادة عند موت كل نبي يستخف بها أهل الجهل حتى يحملهم على قلائص الفتنة . وإنما هي عجاجة لا ثبات لها ، ولا ثبات فيها . إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلي هذا الأمر . وإن لدين الله أقواما سينهضون به ويقومون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذؤابتيه في السماء . لئن فعلتم ليقارعنكم عن أموالكم ونسائكم بعد قتل عدي وغدركم فأي قوم أنتم عند ذلك ؟ . فلما رأوا منه الجد كفوا عنه . وأسلموا له .

فلما كان زمن عمر رأى من عمر جفوة . فقال له عدي : ما أراك تعرفني ؟ قال عمر بلى والله . والله يعرفك في السماء . أعرفك والله أسلمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذا أدبروا . وايم الله أعرفك
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

قتال أهل الردة


مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
ولما كان من العرب ما كان ومنع من منع منهم الصدقة . جد بأبي بكر الجد في قتالهم . وأراه الله رشده فيهم . وعزم على الخروج بنفسه . فخرج في مائة من المهاجرين والأنصار ، وخالد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء ، يريد أن يتلاحق الناس ويكون أسرع لخروجهم . ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم . وأقام ببقعاء أياما ينتظر الناس . ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا خرج .


فقال عمر ارجع يا خليفة رسول الله تكن للمسلمين فئة فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعلو الباطل الحق . فدعا زيد بن الخطاب ليستخلفه فقال قد كنت أرجو أن أرزق الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أرزقها . وأنا أرجو أن أرزقها في هذا الوجه . وإن أمير الجيش لا ينبغي أن يباشر القتال بنفسه .

فدعا أبا حذيفة بن عتبة فعرض عليه ذلك فقال مثلما قال زيد فدعا سالما مولى أبي حذيفة فأبى عليه . فدعا خالدا فأمره على الناس وكتب معه هذا الكتاب .

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد ، حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام إلى ضلالة الجاهلية وأماني الشيطان . وأمره أن يبين لهم الذي لهم في الإسلام والذي عليهم ويحرص على هداهم . فمن أجابه قبل منه وإنما يقاتل من كفر بالله على الإيمان بالله . فإذا أجاب إلى الإيمان وصدق إيمانه لم يكن له عليه سبيل . وكان الله حسيبه بعد في عمله . ولا يقبل من أحد شيئا أعطاه إياه إلا الإسلام والدخول فيه والصبر به وعليه . ولا يدخل في أصحابه حشوا من الناس حتى يعرف علام اتبعوه وقاتلوا معه ؟ فإني أخشى أن يكون معكم ناس يتعوذون بكم ليسوا منكم ولا على دينكم . فيكونون عونا عليكم . وارفق بالمسلمين في مسيرهم ومنازلهم وتفقدهم . ولا تعجل بعض الناس عن بعض في المسير ولا في الارتحال . واستوص بمن معك من الأنصار خيرا . فإن فيهم ضيقا ومرارة وزعارة ولهم حق وفضيلة وسابقة ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

ويروى أن أبا بكر كتب مع هذا كتابا آخر وأمر خالدا أن يقرأه في كل مجمع . وهو كتاب أبي بكر لأمرائه

مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا ، من عامة الناس أو خاصتهم أقام على إسلام أو راجع عنه . سلام على من اتبع الهدى ، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى . فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو . وأشهد أن لا إله إلا هو وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الهادي غير المضل . أرسله بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا ; وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . لينذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين . فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب بالحق من أدبر عنه حتى صاروا إلى الإسلام طوعا وكرها . ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أجله . وقد كان الله بين له ذلك لأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل عليه فقال ( 39 : 31 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إنك ميت وإنهم ميتون
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وقال ( 31 : 34 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
الآية وقال للمؤمنين ( 3 : 144 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
- الآية فمن كان إنما يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره منتقم من عدوه ومجزيه وإني أوصيكم أيها الناس بتقوى الله . وأحضكم على حظكم ونصيبكم من الله وما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم . وأن تهتدوا بهداه . وتعتصموا بدين الله . فإن كل من لم يحفظ الله ضائع وكل من لم يصدقه كاذب وكل من لم يسعده الله شقي ، وكل من لم يرزقه محروم وكل من لم ينصره الله مخذول . فاهتدوا بهدى الله ربكم . فإنه من يهد الله فهو المهتدي . ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .​
وإنه قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمر الله وطاعة للشيطان . قال الله تعالى ( 35 : 6 )
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
وإني قد بعثت إليكم خالدا في المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان . وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى داعية الله .​
فمن دخل في دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ومن أبى فلا يبقي على أحد ، ويحرقهم بالنار ويسبي الذراري والنساء
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
.​
وعن
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
عروة بن الزبير قال جعل أبو بكر يوصي خالدا ، ويقول عليك بتقوى الله والرفق بمن معك . فإن معك أهل السابقة من المهاجرين والأنصار . فشاورهم . ثم لا تخالفهم . وقدم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل . وسر في أصحابك على تعبئة جيدة . فإن أعطاك الله الظفر على أهل اليمامة ، فأقل البقيا عليهم إن شاء الله . وإياك أن تلقاني غدا بما يضيق به صدري منك . اسمع عهدي ووصيتي ولا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا ، حتى تعلم ما هم عليه .​
واعلم أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك . واعلم أن رعيتك تعمل بما تراك تعمل . تعاهد جيشك ، وانههم عما لا يصلح لهم . فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم . وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم . سر على بركة الله تعالى
مختـصر سـيرة الرسل( صلى الله عليهم  وسلم )
 
رد: مختـصر سـيرة الرسـول ( صلى الله عليه وسلم )

اللهم علمنا ما ينفعنا
ونفعلنا بما علملتنا

اللهم اجعل رسول الله محمد
احب الينا من انفسنا
واهلنا
واولادنا
واجعل من سيرته
قدوة لنا
آآآآآآآآآآآآآآآمين
ياااااااااااااااااااااارب
 
الوسوم
الرسل الله سـيرة صلى عليهم مختـصر وسلم
عودة
أعلى