الإمام ومسؤوليته في الصلاة

  • تاريخ البدء

املي بالله

نائبة المدير العام
الإمام ومسؤوليته في الصلاة

تعريف الإمامة
الإمام لغة:قال الفيروز أبادي: (أَمَّه: قصده، كأتمه، وأممه، ويممه، وتيممه... والإمامة والائتمام بالإمام)([1]).
وقال أحمد الفيومي: (أمه: أَمًّا من باب قتل: قصده، وأمَّمه أيضًا: قصده، وأمَّه وأمَّ به إمامةً: صلى به إمامًا)([2]).
فالإمامة في اللغة مشتقة من الأَمِّ وهو القصد.
الإمامة في الاصطلاح:تطلق الإمامة في الاصطلاح على معان ثلاثة ([3]) وهي:1- الإمامة الكبرى، وهي الخلافة أو الملك أو رئاسة الدولة.2- الإمامة الصغرى، وهي: إمامة الصلاة.3- يوصف بالإمامة: العالم الذي تفوَّق على غيره في اختصاصه، والمقصود هنا من هذه المعاني الثلاثة المعنى الثاني، ومن المعلوم أن إمامة الصلاة لا تحتاج إلى تعريف؛ لأنها معروفة عند المسلمين جميعهم، ولهذا السبب لم يعرفها أكثر المصنفين.وسأذكر تعريف الحصكفي؛ فقد عرفها بقوله: (ربط صلاة المؤتم بالإمام)([4]).فالإمام لا يصير إمامًا إلا إذا ربط المأموم صلاته بصلاة الإمام، فهذا الارتباط هو حقيقة الإمامة ([5]).

الإمامة في القرآن الكريم
ورد لفظ الإمام في القرآن الكريم على خمسة أوجه ([6]):1- المقتدى به في الخير، ومنه قوله تعالى: }قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{ [البقرة: 124]. أي: جعلناك للناس إمامًا يأتمون بك في هذه الخصال، ويقتدي بك الصالحون ويحتذون حذوك ([7]).
2- الكتاب، ومنه قوله تعالى: }يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا{ [الإسراء: 71]، أي: بكتاب كل إنسان منهم الذي فيه عمله([8]).
3- اللوح المحفوظ، ومنه قوله تعالى: }إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ{ [يس: 12].
قال قتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ ([9]) فيكون المعنى: جميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ ([10]).
4- الطريق، ومنه قوله تعالى: }فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ{ [الحجر: 79].
أي: بطريق واضح في نفسه يأتمون به في سفرهم ويهتدون به([11]).
5- يكون بمعنى التوراة، ومنه قوله تعالى: }أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً...{ [هود: 17].
أي: ومن قبله كتاب موسى إمامًا لبني إسرائيل يأتمون به ويقتدون به([12]).
والذي يعنينا من هذه الوجوه الوجه الأول؛ حيث إن الإمام في الصلاة يقتدى به في جميع أفعاله.

مستحق الإمامة
أولى الجماعة بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله تعالى ثم أفقههم في دين الله، ثم الأكثر تقوى، ثم الأكبر سنًا، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وبه قال ابن سيرين وأصحاب الرأي ([13]).
ولقد تضافرت النصوص من السنة في ذلك، ومنها:1- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا ([14])، ولا يؤمن الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه»([15]).
قَدَّم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأقرأ لكتاب الله على الأعلم بالسنة، والأفقه، والأقدم هجرة، والأكبر في السن.
قال النووي: وفيه دليل لمن يقوم بتقديم الأقرأ على الأفقه ([16]).
2- عن أبي سعيد الخدري t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم»([17]).
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: «وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» دليل على أن الأقرأ هو الأحق بالإمامة من غيره.
واختلف في معنى الأقرأ: قيل: المراد أحسنهم قراءة وإن كان أقلهم حفظًا، وقيل: أكثرهم حفظًا للقرآن الكريم ([18]).
3- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: لما قدِم المهاجرون الأولون العصبة – موضع بقباء – قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا([19]).
إمامة سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنهما - بالمهاجرين الأولين، وهو أقرؤهم فيه دليل على تقديم الأقرأ.
قال الحافظ ابن حجر: وكان أكثرهم قرآنًا، إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه([20]).
وقال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة؛ لأنه قد ينوبه ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه ([21]).
قال النووي: الأفقه مقدَّم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الباقين مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه ([22]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقدمهم هجرة» فيه دليل على أن الهجرة سبب في التقديم للإمامة، ولا تختص الهجرة بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما وردت به الأحاديث وقال به الجمهور؛ لأن القدم في الهجرة يقتضي التقديم ([23]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤم الرجل في سلطانه أو في بيته» معناه: أن صاحب البيت أو المجلس وإمام المسجد أحق من غيره بالإمامة.
قال النووي: معناه: أن صاحب البيت أو المجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء قدم من يريده وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف يشاء ([24]).


([1])الفيروز آبادي، القاموس المحيط 4/77.
([2])المصباح المنير، 9.
([3])عبد المحسن المنيف، أحكام الإمامة والإتمام في الصلاة، ص62.
([4])الدر المختار، 1/549.
([5])انظر: حاشية ابن عابدين، 1/550.
([6])ابن الجوزي، منتخب قرة عيون النواظر في الوجوه والنظائر في القرآن، 50، وابن العماد، كشف السرائر في معنى الوجوه والأشياء والنظائر، 83-84.
([7])القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/107، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/176.


([8])القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 10/296، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 3/59.
([9])القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 15/13.
([10])ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 3/622.
([11])الطبري، جامع البيان 14/ 33، الجامع لأحكام القرآن 10/45، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2/612.
([12])الطبري، جامع البيان، 12/12، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2/482، ابن عاشور، التحرير والتنوير، 12/28.
([13])النووي، شرح مسلم 5/301 والشوكاني، سبل السلام 2/57.
([14])وفي رواية مكان سلمًا: سنًا.
([15])رواه مسلم برقم (673).
([16])شرح صحيح مسلم 5/301.
([17])رواه مسلم برقم (672).
([18])انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، 3/188.
([19])رواه البخاري برقم (660).
([20])فتح الباري، 2/186.
([21])ابن قدامة، المغني 2/6.
([22])شرح صحيح مسلم، 5/301.
([23])المرجع السابق بتصرف.
([24])المرجع السابق.
 
آداب الإمامة
الإمام هو القدوة لمن خلفه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤم المسلمين ويقتدون به في صلاتهم، وكذلك الخلفاء الراشدون y؛ فهم أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كانوا يؤمون المسلمين في صلاتهم.
وهناك آداب ينبغي للإمام أن يتحلى بها، ومنها على سبيل المثال:1- التحلي بالأخلاق الفاضلة وأن يكون قدوة حسنة مألوفًا بين الناس؛ فأكثر ما يؤثر في الناس حسْن الخلق؛ فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام وغيره، وقد جاء في وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ [القلم: 4].
وأثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق.
2- إعطاء الإمامة والصلاة حقها، والحرص على تحري السنة واتباعها في ذلك، والشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.
3- الاطلاع على أحكام الإمامة والصلاة، والاستزادة منها، ومن بعض الموضوعات المتعلقة بذلك بين وقت وآخر، ورصد الفتاوى وقراءتها، وحبذا لو قرئ من كتاب مخالفات في الصلاة والطهارة للشيخ السدحان.
4- تحري السنة في المجيء للصلاة، وفي الانصراف منها، وفي الأذكار بعدها، ونحو ذلك؛ لأنه قدوة ينظر إليه.
5- التأني والتوسط في أفعال الصلاة، وتحري السنة فيها، وعدم الاستعجال المخل أو التطويل الممل.
6- المحافظة على السنن الراتبة في المسجد أو المنزل، والتأكيد على أنها حمى وسياج للصلاة تحمي صلاة المحافظ عليها.
7- الحرص على المواظبة، وضرب المثل الطيب في ذلك؛ بحيث يعد غيابه عن المسجد أو تأخره في إقامة الصلاة على مدار العام شيئًا لا يذكر.
8- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال؛ فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة؛ لأنه غالبًا موجود في منزله.
9- عند الاضطرار للتخلف عن الإمامة لسفر أو انشغال ينبغي إنابة الكفء، يكون بالاتصال بالمؤذن، أو غيره؛ حتى لا يطول انتظار المصلين ويصيبهم الملل والنفور.
10- الحرص على إقامة الصلاة في مواعيدها، وعدم التقدم أو التأخر، وتراعي ظروف مساجد الأسواق ونحوها، أو المساجد المجاورة للمدارس.
11- تفويض المؤذن أو غيره من القادرين على الإمامة في إقامة الصلاة بعد دقيقتين أو ثلاث مثلاً من الوقت المحدد حتى لا يمل الناس الانتظار.
12- تفقد أهل الحي سواء المحتاج منهم أو من يمر بمشاكل والمساهمة في حلها (التوظيف – إصلاح ذات البين)؛ فلكل حي مشاكله وحاجاته؛ فينبغي على الإمام تفقد أهل الحي سواء المحتاج والمريض والذي عليه دين؛ بل حتى السعي مع الوجهاء والمسؤولين في الحي في توظيف بعض شباب الحي والعاطلين، وكذلك الحرص على السعي في حل النزاعات بين الجيران، وكذلك بين الزوجين، وإصلاح ذات البين؛ ففيها عظيم الأجر وكذلك محبة لصاحبها.
مسؤولية الإمام
والإمام مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى في إقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها؛ فهو قدوة لمن خلفه من المأمومين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام يؤتم به...»([1]).
ومكانة الإمام عظيمة؛ حيث يتقدم لإمامة المسلمين في الصلاة ويتحمل مسؤولية عظيمة؛ فهو محطُّ أنظار المصلين ومصباح هداية؛ فيجب عليه إخلاص النية لله عز وجل في السر والعلن، وأن يتقي الله في القيام بهذه المسؤولية التي تحملها.
ويمكن تحديد مسؤولية الإمام في الأمور التالية:أولاً: الضمانة:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»([2]).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الإمام، وعفا عن المؤذن»([3]).
الضمان في اللغة: الكفالة والحفظ والرعاية، والمراد الأئمة ضمناء على الإسراء بالقراءة والأذكار.وقيل: ضمان الدعاء أن يعم القوم به ولا يخص نفسه فقط.وقيل: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق ([4]).
قال الخطابي: قال أهل اللغة: الضامن في كلام العرب معناه: الراعي، والضمان معناه: الرعاية... والإمام ضامن: بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل: معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء([5]).
ومن الضمان الذي يجب على الإمام مراعاته أن يصلي في الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم»([6]).
بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين أن:1- الإمام مسؤول عن صلاة من خلفه؛ لارتباط صلاتهم بصلاته؛ فهو الأصل وهم الفرع، ولهذا الضامن كان ثواب الأئمة أكثر إذا أدوها كاملة من فرائض وسنن، ووزرهم أكثر إذا أخلُّوا بها([7]).
2- الإمام يحفظ الصلاة وعدد الركعات على المصلين والدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وكذلك يتحمل القيام إذا أدركه المأمون راكعًا؛ وذلك لأنه ضامن الصلاة ([8]).
ثانيًا: اتخاذ السترة:السترة: شيء يجعله المصلي بينه وبين من يمر أمامه، ومقدارها ذراع فوق مستوى مرور المار، وهذا هو طول مؤخرة الرحل وعرضها؛ فلا حد لأقله؛ فيجزئ السهم والحربة ونحوهما.
ولا يجوز أن يستتر بأقل من ذراع ([9]) إلا إذا لم يجد هذا القدر بعد بذل وسعه فيفعل ما يقدر عليه ([10]).
والدليل قوله تعالى: }فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{ [التغابن: 16].وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»([11]).
والدليل على اتخاذ السترة للمصلي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤْخرة ([12]) الرحل، فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك»([13]).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: «كمؤخرة الرحل»([14]) وغير ذلك من الأحاديث وسيأتي ذكرها.
أما نوع السترة فلم يحدد، ولكن كل شيء في طول الذراع يمكن أن يكون سترة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل مؤخرة الرحل»، وقد ثبت أنه صلى إلى جدار وإلى عَنَزَة ([15]) وإلى حربة وإلى عكازة أو عصا وإلى أسطوانة وإلى الرحل والبعير وإلى الشجرة وإلى السرير والمرأة نائمة عليه وإلى الحصير([16]).
ويسن للإمام والمنفرد أن يتخذ سترة سواء كان في السفر أو في الحضر سواء خشي مارًا أم لم يخش مارًا، والدليل على ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ومن هذه الأحاديث:
1- عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بحربة فتوضع بين يديه فيصلى إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء([17]).
2- عن عون بن أبي جحيفة قال: سمعت أبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة، الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة والحمار ([18]).
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها»([19]).
ويسن للإمام أن يدنُ من السترة حتى لا يقطع صلاته الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«فليدن منها؛ لا يقطع الشيطان عليه صلاته»([20])؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليدن منها؛ فإن الشيطان يمر بينه وبينها»([21]).
وفي الحديث: كان بين مصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممرُّ شاة([22]).
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة جعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ثم صلى([23]).
قال البخاري: والذي ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما كان بين منبره صلى الله عليه وسلم وجدار القبلة ([24]).
والحكمة في الأمر بالدنوِّ من السترة: أن لا يقطع الشيطان صلاة المصلي، والمراد بالشيطان هنا: المارُّ بين يدي المصلي.
وقيل: الحكمة: حتى لا يوسوس الشيطان عليه صلاته ([25]).
وسترة الإمام سترة لمن خلفه؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذخر فحضرت الصلاة فصلى إلى جدار فاتخذه قبله ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه ([26]).
([1])رواه البخاري برقم (656) ومسلم برقم (417).
([2])رواه أبو داود برقم (517) والترمذي برقم (207) والإمام أحمد برقم (7805).
([3])رواه الإمام أحمد برقم (24867) وصححه ابن حبان. (1) انظر الشوكاني، نيل الأوطار 2/42.
([4])انظر: الشوكاني، نيل الأوطار 2/42.
([5])معالم السنن 1/156.
([6])رواه أبو داود برقم (580) وابن ماجه برقم (983).
([7])انظر: البنا، الفتح الرباني، 3/8.
([8])انظر: ابن قيم الجوزية، عون المعبود 1/217.
([9])الذراع: ما بين طرف الأصبع والمرفق وهو حوالي 45سم.
([10])انظر: محمد طرهوني، ثلاثة عشر سؤالاً وجوابًا حول السترة ص2.
([11])رواه البخاري برقم (7124) ومسلم برقم (3211).
([12])المؤخرة: بضم الميم وكسر الخاء وسكون الهمزة هي: العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب من كور البعير، وهي قدر الذراع، انظر: الصنعاني نيل الأوطار، 3/5.
([13])رواه مسلم برقم (999).
([14])رواه مسلم برقم (500).
([15])العنزة: بفتح العين والنون والزاي، كالرمح.
([16])كله ثابت في صحيح البخاري برقم (476-477-478-479-480).
([17])رواه البخاري برقم (472) ومسلم برقم (501).
([18])رواه البخاري برقم (473) ومسلم برقم (501).
([19])رواه أبو داود، برقم (698).
([20])رواه الإمام أحمد برقم (15783).
([21])رواه أبو داود برقم (695).
([22])رواه البخاري برقم (474) ومسلم برقم (508).
([23])رواه البخاري برقم (484).
([24])فتح الباري 1/575.
([25])انظر: الشوكاني، نيل الأوطار 3/5.
([26])رواه أبو داود برقم (708) وصححه الألباني في صفة الصلاة للنبي r ص83.​


 
كمة من اتخاذ السترة ما يلي:1- تحجب نقصان صلاة المرء، أو بطلانها إذا مر أحد من ورائها.
2- تحجب نظر المصلي؛ لا سيما إذا كانت شاخصة؛ أي: لها جرم؛ فإنها تعين المصلي على حضور قلبه وحجب بصره.
3- فيها امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واتِّباع لهديه، وكلُّ ما كان امتثالاً لله ورسوله، أو اتباعًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه خير ([1]).
ثالثًا: تسوية الصفوف:- فضل تسوية الصفوف:عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»([2]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة»([3]).
- حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها:يستحب للإمام عند تسوية الصفوف الإقبال على المأمومين وحثهم على تسوية الصف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم، وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري»([4]).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهt قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم ثلاثًا، والله لتقيمن صفوفكم، أو ليُخالفن الله بين قلوبكم»([5]).
قوله: «تراصُّوا» أي: تلاصقوا حتى لا يكون بينكم فرجة، وهو رص البناء إذا لصق بعضه ببعض([6]).
ففي هذين الحديثين فوائد منها:1- وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، والأصل في الأمر للوجوب إلا لقرينة كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أو ليخالفن الله بين قلوبكم»؛ فإن هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب([7]).
2- أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حين أُمروا بإقامة الصف والتراص فيها ([8]).
وعلى الإمام أن يأمر المأمومين برص الصفوف والتراص فيها وأن يساوي بعضهم بعضًا، وأن يتقاربوا في الصف، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق»([9]).
وإذا رأى الإمام أن أحد الصفوف لم يكتمل فعليه أن يأمر المأمومين بالتراص وإكمال الصف؛ فلا يشرعون في الصف الثاني حتى يتموا الصف الأول، ولا في الثالث حتى يتموا الثاني وهكذا، ويتلاحقون حتى لا يكون بينهم فرج.
فعن جابر بن سمرة قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟» قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: «يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف»([10]).
ماذا يقول الإمام عند تسوية الصف؟عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عواتقنا ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»([11]).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر لفظ: «استووا» ثلاثًا، وذلك قبل تكبيرة الإحرام والشروع في الصلاة؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «استووا، استووا، استووا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدي»([12]).
فعلى الإمام أن يأمر المأمومين بسد الخلل الذي يكون في الصف والمحاذاة بين المناكب وأن يلين كل واحد لأخيه حتى يدخل في الصف.
فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفًا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله»([13]).
ومن ألفاظ التسوية: «استووا، اعتدلوا، أقيموا الصف، سدوا الخلل، لا تذروا فرجات للشيطان، أتموا الصف الأول بالأول»([14]).
كيف يسوِّي الإمام الصف:كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوِّم الصفوف بنفسه فإذا رأى رجلًا خارجًا عن الصف أمره بالاعتدال في الصف؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوِّينا في الصف كما يقوم القدح حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا، أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره فقال: «لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم»([15]).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحيته إلى ناحيته يمسح مناكبنا وصدورنا ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وكان يقول: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة»([16]).
([1])انظر: الشيخ محمد العثيمين، الشرح الممتع 3/376.
([2])رواه البخاري برقم (690) ومسلم برقم (433).
([3])رواه البخاري برقم (689) ومسلم برقم (435).
([4])رواه البخاري برقم (687) ومسلم برقم (436).
([5])رواه أبو داود برقم (662) وإسناده حسن.
([6])انظر: حاشية السندي على سنن النسائي 2/92.
([7])انظر: ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/72.
([8])المرجع السابق.
([9])رواه أبو داود برقم (661).
([10])رواه مسلم برقم (432).
([11])رواه مسلم برقم (976).
([12])رواه الإمام أحمد برقم (13548).
([13])رواه أبو داود برقم (666).
([14])انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة، ص9.
([15])رواه البخاري برقم (685) ومسلم برقم (436).
([16])رواه أبو داود برقم (664).​


 
ففي تسوية الصفوف ثلاث سنن:1- استقامة الصف وإقامته، وتعديله بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو جنبه فلا يكون فيه عوج.وتضبط استقامة الصف بالأمر بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب.2- سد الخلل، بحيث لا يكون فيه فرج.وضبط هذه السنة بالتراص: تراصوا.3- وصل الصف الأول فالأول وإتمامه ([1]).وبين ذلك سنن من السنن المهجورة مثل: الدعاء والاستغفار للصف المتقدم ثلاثًا، وإتيان الإمام إلى ناحية الصف لتسويته وإرسال الرجال لتسوية الصفوف إلى غير ذلك من الهدي النبوي في سبيل تحقيق هذه السنن الثلاث للصف: استقامته، وسد خلله، وإتمام الأول فالأول.
وكل هذا يدل على ما لتسوية الصفوف من شأن عظيم في إقامة الصف وحسنها وتمامها وكمالها، وفي ذلك الفضل والأجر وائتلاف القلوب واجتماعها.
قال النووي: والمراد بتسوية الصفوف إتمام الأول فالأول وسد الفرج، ويحاذي القائمون فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في الصف حتى يتم ما قبله ([2]).
وقال الشيخ محمد بن العثيمين: والواجب على الإمام أن يصبر ويعود الناس على تسوية الصف حتى يسووا الصفوف ([3]).
وتسوية الصفوف تشمل عدة أشياء منها ([4]):1- المحاذاة، وهذه على القول الراجح واجبة.2- التراص في الصف؛ فإن هذا من كماله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ويندب أمته أن يُصَفُّوا كما تُصَفُّ الملائكةُ عند ربها، ويكمِّلوا الأول فالأول ([5]).
والمراد بالتراص ألا يدَعوا فرجًا للشيطان، وليس المراد بالتراص التزاحم؛ لأن هناك فرقًا بين التراص والتزاحم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان»([6]).
أي: لا يكون بينكم فرج يدخل منها الشيطان؛ لأن الشياطين يدخلون بين الصفوف كأولاد الضأن الصغار من أجل أن يشوشوا على المصلين صلاتهم.
فعن أنس t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأكتاف فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف»([7]).
3- إكمال الأول فالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يكمل الصف الأول ولا يشرع في الصف الثالث حتى يكمل الثاني وهكذا، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصف الأول، فقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا أن يستهموا عليه لاستهموا»([8]).
ومن لعب الشيطان على كثير من الناس اليوم أنهم يرون الصف الأول ليس فيه إلا نصفه ومع ذلك يشرعون في الصف الثاني، ثم إذا أقيمت الصلاة وقيل لهم أتموا الصف الأول جعلوا يلتفتون مندهشين وكل ذلك في الحقيقة سببه الجهل العظيم، وبعض الأئمة لا يبالي بتسوية المأمومين وتراصهم في الصفوف.
4- التقارب فيما بينها، وفيما بينها وبين الإمام، لأنهم جماعة وكلما قربت الصفوف بعضها إلى بعض، وقربت إلى الإمام كان أفضل وأجمل، ونحن نرى في بعض المساجد أن بين الإمام وبين الصف الأول ما يتسع لصف أو صفين، فيكون الإمام يتقدم كثيرًا.فالسنة للإمام أن يكون قريبًا من المأمومين، وللمأمومين أن يكونوا قريبين من الإمام وأن يكون كل صف قريبًا من الصف الآخر.
5- محاذاة الكعبين بعضها ببعض، لا رءوس الأصابع وذلك لأن البدن مركب على الكعب والأصابع تختلف الأقدام فيها، فهناك القدم الطويل وهناك القدم الصغير، فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعب.وإلصاق الكعب بعضها ببعض وارد عن الصحابة y؛ فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضها ببعض؛ أي أن كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتتحقق المحاذاة وتسوية الصف ([9]).ومن المؤسف اليوم أن هذه السنة في تسوية الصفوف قد تهاون بها كثير من المسلمين؛ بل أضاعوها إلا القليل منهم.وإنني أهيب بالمسلمين - وبخاصة أئمة المساجد - اتباع سنة نبينا محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم، وأن يعملوا السُّنَّة ويحرصوا عليها ويدعوا الناس لها حتى يجتمعوا عليها جميعًا، وبذلك ينجون من تهديده صلى الله عليه وسلم بقوله: «أو ليُخالفن الله بين قلوبكم»([10]).
([1])انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة، ص9.
([2])المجموع، 4/255.
([3]) الشرح الممتع، 3/16.
([4]) المرجع السابق 3/13، وما بعدها بتصرف.
([5]) رواه مسلم برقم (432).
([6])رواه أبو داود برقم (666) وأخرجه الحاكم في صحيحه 1/231.
([7])رواه أبو داود برقم (667) وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم (1544) وابن حبان في صحيحه برقم (2079)، والخذف: غنم سود صغار تكون باليمن انظر: رياض الصالحين ص523.
([8])رواه البخاري برقم (615) ومسلم برقم (437).
([9])انظر: الشيخ محمد بن العثيمين، فتاوى أركان الإسلام، ص311.
([10])سبق تخريجه.​


 
وهناك مسألة لابد من التطرق لها ألا وهي:إذا كان يمين الصف أكثر من يساره فهل يطلب من الجماعة تسوية اليمين مع اليسار؟أجاب عن هذه المسألة الشيخ محمد بن العثيمين - رحمه الله - فقال: إذا كان الفرق واضحًا فلا بأس أن يطلب تسوية اليمين مع اليسار لأجل بيان السنة؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يظنون أن الأفضل اليمين مطلقًا، حتى إنه ليكمل الصف أحيانًا من اليمين وليس في اليسار إلا واحد أو اثنان ([1]).
رابعًا: الوقوف وسط المأمومين:السنة أن يتوسط الإمام الصف، فيقف مقابلاً منتصف الصف، فتبدأ الصفوف من خلف الإمام لا من يمين المسجد ولا من يساره كما يفعل البعض، بل من خلف الإمام، ثم يكمل الصف على اليمين واليسار معًا محافظة على السنة في توسيط الإمام.
وعلى هذا فمن كان على يمين الصف فإنه ينظر إلى يساره ويحاذي من على يساره، ومن كان على يسار الصف فإنه ينظر إلى يمينه ويحاذي من على يمينه ([2]).
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل»([3]).
قال الإمام أحمد: يستحب أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف ويكره أن يدخل في طاق القبلة إلا أن يكون المسجد ضيقًا([4]).
خامسًا: انتظار المأموم في الركعة الأولى:يستحب للإمام أن يطيل في الركعة الأولى في جميع الصلوات، وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائمًا، وأما غيرها فإن كان يرتجي كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا ([5]).
قال عطاء: إني لأحب أن يطيل الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس ([6]).
فعن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، وكذا في الصبح ([7]).
وعن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع القدم ([8]).
قال الحنفية: السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وتكون في الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، قالوا: الحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم والراحة؛ فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها ([9]).
سادسًا: التخفيف والرفق بالمأمومين:ينبغي للإمام أن يخفف الصلاة على المأمومين ولا يشق عليهم؛ لأنه قد يكون منهم الصغير والشيخ الكبير وصاحب الحاجة أو مريض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء»([10]).
وعن عثمان بن العاص الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أُمَّ قومَك». قال: قلت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي شيئًا. قال: «أدنه». فجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي، ثم قال: «تحول». فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال: «أُمَّ قومَك؛ فمن أَمَّ قومًا فليخفف؛ فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف يشاء»([11]).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم»([12]).
قال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف؛ لأمره صلى الله عليه وسلم، وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل عارض وحاجة وحدث وغيره؛ فإن كان وحده فليصل ما شاء تخفيفًا أو مطوَّلاً ([13]).
والمقصود بالتخفيف هنا ليس الإخلال بأركان الصلاة وواجباتها بل الإتيان بها من غير إطالة، بحيث لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات ([14]).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الصلاة مع إقامتها وإتمامها؛ عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها ([15]).
وفي رواية: كان أخف الناس صلاة في تمام ([16]).
قال ابن عبد البر: التخفيف لكل إمام مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه، إلا أن ذلك هو أقل الكمال، وأما الحذف والنقصان فلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلاً يصلي فلم يتم ركوعه فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»([17])، وقال: لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود ([18])، ثم قال: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أَمَّ قومًا على ما شرطنا من الإتمام ([19]).
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تُبغِّضوا الله إلى عباده؛ يطوِّل أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه ([20]).
والإيجاز يكون مع الإكمال والإتيان بأقل ما يمكن من الأركان.قال القاضي: خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها والاقتصار على قصار المفصل، وعن ترك الدعوات الطويلة في الانتقالات، وإتمامها عبارة عن الإتيان بجميع الأركان والسنن واللبث راكعًا وساجدًا بقدر ما يسبح ([21]).
وقد بلغ من رفق الرسول صلى الله عليه وسلم بالمأمومين أنه يصلي ويريد صلى الله عليه وسلم الإطالة في الصلاة؛ فإذا أحسَّ أن هناك ما يشق على المأمومين خفف الصلاة.
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه»([22]).
وقد غضب صلى الله عليه وسلم عندما شكا إليه رجل من إطالة إمامه فقال: «... أيها الناس، إن منكم منفرين؛ فمن أمَّ الناس فليتجوَّز؛ فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة»([23]).
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يطيل الصلاة ويشق على من خلفه أنه: «فتان»؛ فقد بلغه صلى الله عليه وسلم أن معاذًا بن جبل رضي الله عنه يطيل الصلاة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ أفتان أنت - أو أفاتن. ثلاث مرات»([24]).
والمقصود بالفتنة هنا: أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة ويكرههم في صلاة الجماعة.
وفتان: أي معذب؛ لأنه عذَّبهم بالتطويل ([25]).
سابعًا: ألا يخص نفسه بالدعاء:نهى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أن يخصَّ نفسه بالدعاء في الصلاة، بل عدَّ ذلك من الخيانة.
فعن ثوبان عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة، فإن فعل فقد خانهم، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن»([26]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قومًا إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم»([27]).
قال الطيبي: نسب الخيانة إلى الإمام لأجل شرعية الجماعة؛ ليفيد كلٌّ من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى؛ فمن خصَّ الإمام بالخيانة فإنه صاحب الدعاء، وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم ([28]).
وقيل: السبب في نسبه الخيانة للإمام أنَّ المأمومين يعتمدون على دعائه ويؤمِّنون جميعًا عليه؛ اعتمادًا على عمومه؛ فكيف يخص بذلك الدعاء نفسه؟!([29])
([1])الشرح الممتع، 3/22.
([2])انظر: بكر أبو زيد، لا جديد في أحكام الصلاة، ص12-13.
([3])رواه أبو داود برقم (681).
([4])ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة في الكتاب والسنة، ص39.
([5])انظر: ابن حجر، فتح الباري، 2/261.
([6])المرجع السابق.
([7])رواه البخاري برقم (745) ومسلم برقم (451) واللفظ له.
([8])رواه أبو داود برقم (802).
([9])ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة، ص109.
([10])رواه البخاري برقم (703) ومسلم برقم (467).
([11])رواه مسلم برقم (468).
([12])رواه ابن ماجه برقم (987).
([13])ياسر الكبيسي؛ أحاديث الإمامة والخطابة، ص194.
([14])ابن حجر، فتح الباري، 2/199 بتصرف، وهذا لا يخالف ما ورد عن النبي r أنه كان يزيد على ذلك رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن يكون ذلك تطويلاً، انظر: ابن حجر، فتح الباري، 2/199.
([15])رواه البخاري برقم (647).
([16])رواه الترمذي برقم (237) وقال: حديث حسن صحيح.
([17])رواه البخاري برقم (760).
([18])رواه ابن ماجه برقم (871).
([19])النسائي، كتاب الإمامة والجماعة، تحقيق وتعليق علاء الدين رضا، ص79.
([20])ابن حجر، فتح الباري 2/195.
([21])المرجع السابق.
([22])رواه البخاري برقم (707).
([23])رواه البخاري برقم (672).
([24])رواه البخاري برقم (701).
([25])انظر: ابن حجر، فتح الباري، 2/195.
([26])رواه الترمذي برقم (357) وأبو داود برقم (90) وابن ماجه برقم (923).
([27])رواه أبو داود برقم (91).
([28])ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة، ص185.
([29])انظر: سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، 1/298.​


 
ثامنًا: الجهر بالتأمين:يشرع للإمام التأمين بعد قراءة الفاتحة جهرًا ويمد صوته به ([1]) كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه». قال ابن شهاب: وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«آمين»([2]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: }غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ{ قال: «آمين». حتى يسمع من يليه من الصف الأول ([3]).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المأمومين بالتأمين كما سبق في الحديث الأول، ويحثهم على التأمين في قوله: «فقولوا: آمين. يحيكم الله»([4]).
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين خلف الإمام»([5]).
وتأمين المصلين خلف الإمام يكون جهرًا ومقرونًا مع تأمين الإمام ولا يسبقونه كما يفعل كثير من المصلين اليوم ولا يتأخرون عنه ([6]).
تاسعًا: ملاحظة أحوال المأمومين وتعليمهم:يُستحبُّ للإمام أن يحث المأمومين على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها، وأن ينبِّه المصلين إلى ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأولى ([7]).
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحد المصلين أخطأ في إقامة الصلاة أو في مسابقته نبَّهه وعلَّمه بعد انقضاء الصلاة، ويكون عن طريق الموعظة العامة لجميع المصلين؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي» ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا» قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: «رأيت الجنة والنار»([8]).
قال ابن حجر: قيل: الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه، فعلى هذا يختص بمن مثل حاله صلى الله عليه وسلم من قصد التعليم والموعظة ([9]).
وكذلك الإمام؛ فإنه إذا رأى من المصلين مخالفة أو جهل بأمور الصلاة وأحكامها فإنه يعلمهم ويعظهم بالقول الحسن والأسلوب اللين بدون زجر أو تعنيف تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن علي بن شيبان رضي الله عنه قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه، فلمح بمؤخرة عينه رجلاً لا يقيم صلاته - يعني: صلبه - في الركوع والسجود، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «يا معشر المسلمين: لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود»([10]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلَّى رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يركع قبل أن يركع، ويرفع قبل أن يرفع، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «من فعل هذا؟» قال: أنا يا رسول الله، أحببت أن أعلم تعلم ذلك أم لا. قال: «اتقوا خداج الصلاة، إذا ركع الإمام فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا»([11]).
ووجَّه النبيُّ الصحابيَّ الذي ركع قبل أن يصل إلى الصف بقوله: «زادك الله حرصًا ولا تعد»([12]).
عاشرًا: المكث في المسجد بعد السلام:ينبغي للإمام إذا سلَّم من الصلاة أن يستقبل المأمومين ويمكث في مكانه يسيرًا؛ سواء لأداء الأذكار أو ليصلي النافلة أو ليعظ الناس ويعلمهم أو لينتظر أن يخرج النساء؛ وذلك حتى لا يختلط الرجال بهن.
فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سَلَّم يمكث في مكانه يسيرًا.
قال ابن شهاب: فنرى والله أعلم؛ لكي ينفذ من ينصرف من النساء ([13]).
قال ابن حجر: المكث لا يتقيد بحال من ذكر أو دعاء أو تعليم أو صلاة نافلة ([14]).


([1])ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، 1/207، والصنعاني، سبل السلام، 2/355.
([2])رواه البخاري برقم (747) ومسلم برقم (410).
([3])رواه أبو داود برقم (934).
([4])رواه الإمام أحمد برقم (19224) وابن خزيمة في صحيحه برقم (1582) ورقم (1591).
([5])رواه ابن ماجه برقم (856).
([6])انظر: الألباني، صفة صلاة النبي r، ص73.
([7])انظر: ابن حجر، فتح الباري 2/208.
([8])رواه مسلم برقم (426).
([9])فتح البار ي (2/314).
([10])رواه ابن ماجه برقم (871).
([11])رواه الإمام أحمد برقم (11407).
([12])رواه البخاري برقم (783).
([13])رواه البخاري برقم (812).
([14])فتح الباري 2/335.
 
الوسوم
الإمام الصلاة في ومسؤوليته
عودة
أعلى