فتن هذا الزمان وكيفية مقاومتها

  • تاريخ البدء

املي بالله

نائبة المدير العام
فتن هذا الزمان وكيفية مقاومتها

المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد ([1]):قال تعالى: }الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{ [العنكبوت: 1-3].
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع الفتن، وبين أن النجاة منها يكون بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتن» فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم» رواه الإمام أحمد والترمذي.
إننا اليوم في معترك فتن عظيمة، فتن كقطع الليل المظلم، فالمال فتنة، والأولاد فتنة، والنساء فتنة، ومخالطة الأشرار من الكفار والمنافقين فتنة، والدعاية إلى الباطل والتنفير من الحق فتنة، وقرناء السوء فتنة، والدعاية إلى اللهو والضلال والباطل فتنة، وغيرها كثير.
إن الإنسان عندما يقع في خطر ومصيبة من المصائب فهو يبين أمرين:
إما أن يأخذ بأسباب النجاة والخلص منها فينجو، وهذا لا شك هو المطلوب من الإنسان العاقل أن يفعله.
وإما أن يستسلم ويترك الأمر فيهلك، وهذا هو السفيه الذي يستسلم ولا يعمل بالأسباب.
لقد كثرت الفتن في هذا الزمان وأخذت أمواجه تتلاطم بألوان الشرور؛ فعلى المسلم أن يحذر منها بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليحذر المسلم كل الحذر أن يكون ممن يثير الفتن أو يتعرض لها أو يميل إليها فتنصب عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، ومن تشرف لها تستشرفه» متفق عليه.
وعلينا جميعًا حكام ومحكومين، علماء وغير علماء أن نتعاون على إطفاء نار الفتن بجميع ألوانها بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن لم نفعل فإنها ستكون عاقبته خطيرة ونهايته مؤلمة قال تعالى: }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [الأنفال: 25].
واعلموا أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان }لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{ [هود: 7] وأن الآخرة هي دار القرار فالسعيد من حفظه الله من الفتن، والشقي من وقع فيها وصار من أهلها نسأل الله السلامة.
وفي هذه الرسالة الصغيرة نذكر باختصار بعض الفتن التي انتشرت وكثرت في هذا الزمان، وابتلي بها كثير من المسلمين، فهي فائدة للمستفيد، وعبرة للمعتبر، و الله أعلم وأحكم.
* * *
معنى الفتنة
الفتنة: هي الابتلاء والامتحان.وقد يسمى الشرك والكفر فتنة كما قال تعالى: }وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ{ [البقرة: 193] أي: حتى لا يكون شرك ولا كفر.
ويقول تعالى: }وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا{[الأحزاب: 14].
ولكن أكثر ما تطلق الفتنة على ما يكون فيه بلاء ومحنة، ينحرف وينخدع بها الكثير من الخلق، ولا يستطيعون مقاومتها وينحرفون معها، وتلك هي الفتن المضلة التي خشيتها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه أبو داود وابن ماجه.
بمعنى أن الرجل إذا جاءته تلك الفتن أو بعضها، انخدع بها وضل وانحرف عن الحق والهدى، وباع دينه بدنياه، باعه بعرض من الدنيا! هذه الفتن تحققت أو أكثرها في زماننا، ولأجل ذلك لا يصبر عليها ولا يصابر إلا من ثبته الله ورزقه علمًا وبصيرة.

شياطين الإنس وشياطين الجن
لما علم الشيطان أنه هالك، وأنه من أهل النار، وأنه سيدخلها لا محالة حرص على إغواء بني آدم ليدخلوها معه، وأقسم على ذلك قال تعالى: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [ص: 82، 83].
وأخبر الله تعالى بأن للإنس شياطين قال تعالى: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ{ [الأنعام: 112].


فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بشياطين الإنس قبل شياطين الجن لأن شياطين الإنس هم الذين يدعون إلى ما يدعو إليه شياطين الجن! يدعون إلى الكفر وإلى البدع وإلى المعاصي، كما يدعو الشيطان! وذكر بعض العلماء أن الشيطان يدعو الناس إلى الذنوب إلى أكبرها، ثم إلى ما يليه، ثم إلى ما يليه، قال ابن القيم في كتابه الذي سماه (بدائع الفوائد) في آخر المجلد الثاني.
إن الشيطان يدعو الإنسان إلى ستة أشياء إن حصل على الأول وإلا انتقل إلى الثاني؛ يدعوه إلى الكفر والشرك! فإذا أوقعه في الكفر والشرك ظفر واستراح منه, وإن عجز عن إيقاعه في الكفر دعاه إلى البدع! فإذا وقع في البدع حسنها له، ورضي وقنع بها منه.
وإذا عجز عن إيقاعه في البدع! أوقعه في الكبائر!وإذا لم يوقعه في الكبائر أوقعه في الصغائر!وإذا لم يقدر على إيقاعه في الصغائر، أوقعه في المباحات حتى تشغله عن الطاعات.
فإذا عجز عنه، أوقعه في الأعمال المرجوحة وترك الأعمال الراجحة! وهذه مقاصد.
فإذا عجز عن ذلك كله لم تبق لديه إلا حيلة واحدة لم يسلم منها أحد، ولو سلم منها أحد لسلم أنبياء الله ورسله، وهي تسليط جنوده الذين هم شياطين الإنس، الذي هم إخوانه؛ فيسلطهم على أولئك المتمسكين بدين الله!
وهكذا فإن من دعاة شياطين الإنس كذلك من يدعون إلى الكفر والشرك ويدعون إلى كبائر الذنوب والإيقاع فيها، وتارة إلى صغائرها وإذا عجزوا أوقعوا الناس في المباحات، وإذا عجزوا صرفوهم عن الأعمال الفاضلة إلى الأعمال المرجوحة، فإن عجزوا لم يجدوا إلا الأذى باللسان، أو باليد، أو بما قدروا عليه من أنواع الأذى!
فبذلك يأخذ الإنسان حذره من شياطين الجن وشياطين الإنس.
 
الوسوم
الزمان فتن مقاومتها هذا وكيفية
عودة
أعلى