المقامة النبوية

املي بالله

نائبة المدير العام
المقـامــة الـنـبـويـــة




(( وإنك لعلىٰ خُلُقٍ عظيمٍ ))



صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيام

هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينت بحديثك الأقلام


ما أحسن الاسم والمسمى ، وهو النبي العظيم في سورة عم ، إذا ذكرته هلت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب .


وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى *** وكادت عرى الصبر الجميل تفصمُ

أعلل نفسي بالتلاقي وقــربه *** وأُوهمــــها لكنـــها تتوهـــمُ





المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين. ((وما أرْسلْناك إلا رحْمة للْعالمين))


السماوات شيقات ظماءُ *** والفضا والنجوم والأضواءُ

كلها لهفة إلى العلم الها *** دي وشوق لذاته واحتفاء



تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنزا محفوظا لا يوفيه حقه الكلام ، وعلما شامخا لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر ، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل فضيلة ، وهو قبة الفلك خصال جميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .


مرحبا بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .



صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ، علم الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .


وشب طفل الهدى المحبوب متشحا *** بالخير متزرا بالنور والنار

في كفه شعلة تهدي وفي دمه *** عقيدة تتحدى كل جبار


كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ، وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسددون ويغلطون ، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من الزيغ والهوى ، فما ضل أبدا وما غوى ، ((إنْ هُو إلا وحْي يُوحىٰ)) .


للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف



قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ، وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.


أما محمد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يعبد الله فلا يشرك به معه أحد ، لأنه فرد صمد ،((لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد)) .


يسكن بيتا من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تفتح بدعوته ، والخزائن تقسم لأمته

إن الـبرية يــــوم مبـعث أحـمـد *** نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من *** خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة *** جبت الكنوز فكسرت أعلامها

لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلا يا كاشفة الظلماء ، أم أقول للسحاب سلمت يا حامل الماء ؟


يا من تضوع بالرضوان أعظمه *** فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ


اسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فقد تعس وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوما على علامته فلا تركب ، بلال بن رباح صار باتباعه سيدا بلا نسب ، وماجدا بلا حسب ، وغنيا بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتبْ ((سيصْلىٰ نارا ذات لهبٍ))


الفرسُ والرُوم واليونانُ إن ذُكروا *** فعند ذكرك أسمال على قزم

هم نمقوا لوحة بالرق هائمة *** وأنت لوحك محفوظ من التهم


وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خلق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلْ ، وما زلْ ، وما ذلْ ، وما غلْ ، وما ملْ ، وما كلْ ، فما ضل لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زل لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ، وما ذل لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غل لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما مل لأنه أعطي الصبر ، وشرح له الصدر ، وما كل لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفس طاهرة مستقيمة .


كأنك في الكتاب وجدت لاء *** محرمة عليك فلا تحلُ

إذا حضر الشتاء فأنت شمس *** وإن حل المصيف فأنت ظلُ


صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقه ، من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعظم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ، كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .


نور العرارة نوره ونسيمه *** نشر الخزامى في اخضرارالآس

وعليه تاج محبة من ربه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسي


إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حب لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه ، فهو القدوة الإمام ، الذي يهدى به من اتبع رضوانه سبل السلام .



صلى الله عليه وسلم علم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك ملكا كبيرا ، بعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سلم الفضل حتى حاز كل فضيلة .



أتاك رسول المكرمـــات مسلمـا *** يريد رسول الله أعظم متقي

فأقبل يسعى في البساط فما درى*** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي


هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ، وكان الظلم قبل أن يبعث متراكما كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى عثمان ذو النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدره ، فكم من كافر عفره ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حمر مستنفرة ، فرت من قسوره .


إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحضرْ

فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم *** مع نوره لا تذكر الشمس والقمرْ


كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة ، فأذن بلال بن رباح ، بحي على الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علام الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .


كل المشارب غير النيل آسنة *** وكل أرض سوى الزهراء قيعان

لا تنحر النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوان


د. عائض بن عبد الله القرني​
 
الوسوم
المقامة النبوية
عودة
أعلى