أولًا: المسك الأبيض والتأصيل الشرعي:

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
المسك ملك أنواع الأطياب وأشرفها وأطيبها، وهو كثبان الجنة وترابها.
فقد أورد الطبري في تفسيرة عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان الهوزني، قال: ((الجنة مائة درجة، أوّلها درجة فضة، أرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة، وترابها المسك. والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك. والثالثة لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، ومساكنها لؤلؤ، وآنيتها لؤلؤ، وترابها المسك. وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر، وتلا هذه الآية {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وقد ورد ذكر المسك في القرآن الكريم في سورة المطففين في قوله تعالى: ((خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)) [المطففين: 26].
قال ابن مسعود في قوله: (ختامه مسك) أي: خلطه مسك.
وقال العوفي عن ابن عباس: طيب الله لهم الخمر فكان آخر شيء جعل فيها مسك ختم بمسك، وقال إبراهيم والحسن: (ختامه مسك) أي: عاقبته مسك.
وقال ابن جرير الطبري : عن أبي الدرداء: (ختامه مسك)، قال: شراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه، ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها.
ثم قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: آخره وعاقبته مسك: أي هي طيبة الريح، فإن ريحها في آخر شربهم يختم لها بريح المسك.
وقد ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أطيب الطيب المسك)) أخرجه مسلم.
قال النووي: ((قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أطيب الطيب) فيه أنه أطيب الطيب وأفضله، وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه، وهذا كله مجمع عليه)) [شرح النووي على صحيح مسلم].
وعن عائشة رضي الله عنها : ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر, وقبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك)) [صحيح مسلم].
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة) [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن حجر في فتح الباري: ((وَفِيهِ جَوَازُ بَيْع الْمِسْك وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَحَهُ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاع عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ، وَجَوَاز بَيْعه)).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)) [ أخرجه البخاري: 1761].
وبين ابن حجر في فتح الباري أن الملائكة تستطيب ريح المسك، وأن المسك يقرب من الله، ويحظى صاحبه بالثواب.
قال ابن حجر في فتح الباري: ((قِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقّ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهُمْ يَسْتَطِيبُونَ رِيح الْخُلُوف أَكْثَر مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيح الْمِسْك، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ حُكْم الْخُلُوف وَالْمِسْك عِنْد اللَّه عَلَى ضِدّ مَا هُوَ عِنْدكُمْ، وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل. وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَجْزِيه فِي الْآخِرَة؛ فَتَكُون نَكْهَته أَطْيَب مِنْ رِيح الْمِسْك كَمَا يَأْتِي الْمَكْلُوم وَرِيح جُرْحه تَفُوح مِسْكًا. وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ صَاحِبه يَنَال مِنْ الثَّوَاب مَا هُوَ أَفْضَل مِنْ رِيح الْمِسْك لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوف حَكَاهُمَا عِيَاض. وَقَالَ الدَّاوُدِيّ وَجَمَاعَة : الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوف أَكْثَر ثَوَابًا مِنْ الْمِسْك الْمَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الْجَمْع، وَمَجَالِس الذِّكْر، وَرَجَّحَ النَّوَوِيّ هَذَا الْأَخِير، وَحَاصِله حَمْل مَعْنَى الطِّيب عَلَى الْقَبُول وَالرِّضَا)).
وقال في ((المنتقى شرح الموطأ)) قَوْلُهُ: إنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، الْمِسْكُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ صَاحِبَهُ يَجِدُهَا عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّهُ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَنَالُ الْمُتَطَيِّبُ بِالْمِسْكِ مِنْ طِيبِ مِسْكِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا تَعْبَقُ فِي مَوْضِعٍ يُوصَفُ بِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ عَبَقِ طِيبِ الْمِسْكِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى يُفِيدُ بِهَا لِلصَّائِمِ أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهُ رِيحُ الْمِسْكِ لِصَاحِبِهِ.
 
الوسوم
أولًا الأبيض الشرعي المسك والتأصيل
عودة
أعلى