الانتصارات الإسلامية الكبرى في شهر رمضان



هناك سؤال يجول بخاطر كثير منا لماذا كانت الانتصارات الإسلامية الكبرى في شهر رمضان بالذات؟

مثل غزوة بدر وفتح مكة ودخول الأندلس ومعركة عين جالوت ومعركة العاشر من رمضان؟

إن سر انتصار المسلمين في أي معركة وضع الله له مفاتيحاً في كتابه ، أولها :

جعل النصر ليس بالقوة ولا بالعدد ولا بالخُطط ولا بالتكتيكات فقط وإنما كما قال {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} الأنفال10


فالنصر في البداية والنهاية من الله ، ولذلك ورد في أخبار غزوة بدر أن رسول الله أخذ بيده حفنة من التراب ، ورمى بها في وجوه الأعداء قائلاً شاهت الوجوه فأصابت كل مشرك فما السر في ذلك؟ السر في ذلك في قوله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} الأنفال17

ولذا قال للمسلمين لاحقاً لما أخذت بعضهم نشوة النصر فافتخر بقتله لصناديد أهل الكفر ، قال تعالى لهم مُعلّماً ومُؤدبّاً {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ} الأنفال17

فأنتم أمسكتم بالسيوف وضربتم ولكن الله هو الذي أمدّكم بالقوة وأوصلها إلى رقاب الأعداء فقتلتهم ، فالنصر بداية من الله ولكن هذا لا ينافى قول الله لنا {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} الأنفال60

فكل ما في إمكاناتكم من قوة جهّزوها وتدربوا عليها واستعدوا لها ، لكن لابد مع القوة من استمداد النصر من عند الله لأن لله أسلحة في القتال تحقق النصر لا يعطيها إلا لعباده المؤمنين ، وقد أشار إليها مُجْملاً سيدنا عمر بن الخطاب في كتابه الذي أرسله إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص في غزوه لبلاد فارس

وكان مما قاله له فيه {مُرْ الجند بطاعة الله فإنا لا ننتصر بعدد ولا عُدد وإنما ننتصر بالمدد من الله والله يمدّ بمدده من أطاعه ونصر شرعه أما إذا عصى الجند الله فإنهم يتساوون مع أعدائهم وهم أكثر منّا عَدَاً وعُدداً فتكون النصرة لهم}

وهذا هو المفتاح الكريم الثاني للنصر فإذا أقمنا حدود الله وطبقنا شرائعه جاءنا النصر من عند الله ، ومن أول ما يأتي به النصر من الله قذف الرعب في قلوب الأعداء ، وهذا سلاح قال فيه النبي {نصرت بالرعب مسيرة شهر} [1]

فعندما علم النبي أن ملك الروم جهّز أكثر من خمسمائة ألف وأعلن أنه سيتوجه لمحق هذا النبي ، جهّز النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفاً وخرج من المدينة في وقت صيف كان شديد الحرارة ، وبمجرد خروجه من المدينة طارت الأنباء إلى قيصر الروم بخروجه ، وبينهما ما يزيد عن الألف كيلومتر

فما كان من قيصر الروم إلا أن ترك بلاد الشام كلها وذهب إلى عاصمة ملكه في القسطنطينية رعباً وفزعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسار النبي حتى بلغ تبوك في شمال الجزيرة فلم يجد من الروم جنداً ولا جيشاً ولا أحداً في مقابلته ، فالسلاح الأعظم الذي نصر الله به المسلمين في كل حروبهم في شهر رمضان {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} الأحزاب26

ولماذا كان النصر حليف أهل الإيمان في شهر رمضان بالذات؟ لأن شهر رمضان شهر الصبر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم{الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ}[2]

و{الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ}[3]



[1] متفق عليه من حديث أبي هريرة
[2] رواه أحمد في مسنده والدارمي في سننه والسيوطي في الفتح الكبير عن رجل من بني سليم
[3] جامع المسانيد والمراسيل، عن ابن مسعود
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الوسوم
الإسلامية الانتصارات الكبرى رمضان شهر في
عودة
أعلى