إ‘خــلآإ‘ق آإ‘لن‘ــبي ـآ صل‘ـىآ آإ‘لله عل‘ـيهـ‘ وسل‘ـم ‘

رنون

من الاعضاء المؤسسين
أخلاق النبي

1) عناية الإسلام بالأخلاق:
- لقد نوَّه الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى تربيته في المسلمين وتنميته في نفوسهم, واعتبر إيمان العبد بفضائل نفسه وإسلامه بحسن خلقه, وأثنى الله تعالى على نبيه بحسن خلقه؛ فقال -عز من قائل-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4].

- وجعل الأخلاق الفاضلة سببًا تنال به الجنة العالية فقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134،133].

- و قد بُعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [السلسلة الصحيحة].
- وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا) [أحمد وأبو داود].

- وتظهر عناية الإسلام بالأخلاق كذلك فيما يلي:
1- أن أعمال العباد وقلوبهم هي محل نظر الرب سبحانه وتعالى: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) [أخرجه مسلم].
قال ابن تيمية –رحمه الله-: "فعلم أن مجرَّد الجمال الظـاهرِ في الصور والثيـاب لا ينظر الله إليـه، وإنما ينظـر إلى القلوب والأعمـال، فإن كان الظاهر مزيَّنـًا مجمَّلا بحال الباطن أحبه الله، وإن كان مقبَّحًا مدنسًا بقبح الباطن أبغضه الله" اهـ [الاستقامة].
وقال ابن القيم –رحمه الله-: "اعلم أن الجمال ينقسم إلى قسمين: ظاهر وباطن، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته، كما في الحديث الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وهذا الجمال الباطن يزيِّن الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال، فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحُه من تلك الصفـات، فإن المؤمن يُعطى مهابةً وحلاوة بحسب إيمانه، فمن رآه هابه ومن خالطه أحبَّه، وهـذا أمر مشهود بالعـيان، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخـلاق الجميلة من أحلى الناس صورةً، وإن كان أسود أو غير جميل" اهـ [روضة المحبين].

2- أنها من مهمَّات الرسل -عليهم السلام-: تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق من مهام الرسل عليهم السلام، قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَـٰتِنَا وَيُزَكِيكُمْ وَيُعَلّمُكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:151]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران:164].
قال ابن كثير –رحمه الله-: "يذكِّر تعالى عبادَه المؤمنـين ما أنعم عليهم من بعثة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إليهم، يتلو عليهم آيات الله المبينات، ويزكيـهم، أي: يطهـرهم من رذائـل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية" اهـ [تفسير القرآن العظيم].
وقال ابن سعدي –رحمه الله-: "﴿وَيُزَكِيكُمْ﴾ أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهما عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحابِّ والتواصل والتواد، وغير ذلك من أنواع التزكية" اهـ [تيسير الكريم الرحمن].
وقال الله تعالى ممتدحًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي: إنك على دين عظيم، وهو الإسلام" اهـ [أخرجه ابن جرير في تفسيره].
وعن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقالت: كان خلقه القرآن" [أخرجه أحمد واللفظ له، وأخرجه مسلم بنحوه].
قال ابن رجب –رحمه الله-: "يعني: أنه يتأدب بآدابه، فيفعل أوامره ويجتنب نواهيه، فصار العمل بالقرآن له خلقًا كالجبلة والطبيعة لا يفارقه، وهذا من أحسن الأخلاق وأشرفها وأجملها" اهـ [جامع العلوم والحكم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [أخرجه أحمد وصححه الألباني].
قال ابن عبد البر: "ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل، فبذلك بعث ليتمِّمه صلى الله عليه وسلم، وقد قال العلماء: إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآء ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]" اهـ [التمهيد].
وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "فإن تزكية النفوس مسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إياها وجعلها على أيديهم دعوةً وتعليمًا وبيانًا وإرشادًا لا خلقًا ولا إلهامًا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم" اهـ [مدارج السالكين].

3- الترغيب في الأخلاق الفاضلة، والترهيب من ضدها: ويبرز ذلك في نصوص عدة، منها:
أ- عَن عبد اللَّهِ بنِ عمْرو رَضي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لم يكُن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسلَّم فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقًا) [أخرجه البخاري ومسلم].
قال ابن تيمية –رحمه الله-: "ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانًا أحسنهم خلقًا كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقًا، والخُلُق الدين كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾" اهـ [الاستقامة].
ب- عَن أَبِي الدردَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ- قَالَ: (ما شَيء أَثْقَل فِي مِيزَان الْمؤمن يوم القيامَة من خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِن اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) [أخرجه أحمد وغيره وصححه الألباني].

ج- عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: (تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: (الْفَمُ وَالْفَرْجُ) [أخرجه أحمد وغيره وحسنه الألباني].

د- عن أَبي أُمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) [أخرجه أبو داود وحسنه الألباني].

هـ- عن أَبِي ثعلبة الْخشَنِي -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ مَسَاوِيكُمْ أَخْلاقًا، الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ) [أخرجه أحمد وحسنه الألباني].
قال ابن القيم –رحمه الله-: "والثرثار هو الكثير الكلام بتكلف، والمتشدِّق المتطاول على الناس بكلامه الذي يتكلم بملء فيه تفاخمًا وتعظيمًا لكلامه، والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسَّع فيه تكثُّرًا وارتفاعًا وإظهارًا لفضله على غيره" اهـ [تهذيب السنن].
وقال المناوي –رحمه الله-: في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاق) أي: أكثركم حسنَ خلق، وهو اختيار الفضائل وترك الرذائل؛ وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب، والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال، والتلطف في الأحوال والأفعال، وحسن المعاملة مع الرحمن، والعشرة مع الإخوان، وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك" اهـ [فيض القدير].

وعَنْ النواسِ بن سمعَان الأَنْصَارِي -رضي الله عنه- قال: سأَلتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَن البر والإثم، فقال: (الْبِر حسنُ الخلقِ، وَالإثم ما حاكَ فِي صَدركَ وكرهت أَن يَطلِع عليه الناس) [ أخرجه مسلم].
قال ابن القيم –رحمه الله-: "فقابل البر بالإثم وأخبر أن البر حسن الخلق، والإثم حواك الصدور، وهذا يدل على أن حسنَ الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، ولهذا قابله بالإثم" اهـ [مدارج السالكين].
وقال السيوطي –رحمه الله-: "(البر حسن الخلق) أي: يطلق على ما يطلق عليه من الصلة والصدق والمبرة واللطف وحسن الصحبة والعشرة والطاعة، فإن البر يطلق على كل مما ذكر، وهي مجامع حسن الخلق" اهـ [الديباج].

معنى حسن الخلق:
قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: (البر حسن الخلق..) [رواه مسلم]، قال الشيخ ابن العثيمين: حسن الخلق أي: حسن الخلق مع الله، وحسن الخلق مع عباد الله، فأما حسن الخلق مع الله فأن تتلقى أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم، وألا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعًا، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح.
أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه: "كف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغيره". اهـ [شرح الأربعين النووية].

وعلى الرغم من حُسن خلقه صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت "كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي)" [رواه أحمد].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) [رواه أبو داود والنسائي].

بيان حسن الخلق في كلام السلف:
- قال الحسن البصري –رحمه الله-: "حسن الخلق بسط الوجه, وكف الأذى".
- وقال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم, وطلب الحلال, والتوسعة على العيال".
- وقالوا في علامة ذي الخلق الحسن: "أن يكون كثير الحياء, قليل الأذى, كثير الصلاح, صدوق اللسان, قليل الكلام, كثير العمل, يحب في الله ويبغض في الله, ويرضى في الله ويسخط في الله".

ثمرات الأخلاق:
- اكتساب مرضاة الله.
- القرب من النبي -صلى الله عليه و سلم- يوم القيامة.
- اكتساب ود الناس وحبهم وعطفهم.
- التأثير الفعلي والإيجابي في المحيط الاجتماعي.
- التمكين لدين الله في أرضه.
- الفوز في الدنيا و الآخرة.

جوانب من أخلاقه r:
- وصف اللهُ تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم:4].

يتبـــع
 
عن عطاء -رحمه الله- قال: قلت لعبد الله بن عمرو –رضي الله عنه- أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة، قال: "أجل والله، إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن "يَا أُيهَا النبِي إِنَا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِرًا وَنَذِيرًا، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا" [رواه البخاري].

- كان خلقه القرآن: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن" [رواه أحمد ومسلم وأبو داود]، وزاد مسلم: "يغضب لغضبه ويرضى لرضاه".
- دفع السيئة بالحسنة: لما أراد الله هدي زيد بن سعية، قال زيد: "لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا اثنتين يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، قال زيد: فقلت يا محمد، هل لك أن تبيعني ثمرًا -معلومًا لي- فباعني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب، فلما حل الأجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه وهو في جنازة مع أصحابه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت له يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب إلا مطلا، ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فلولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، وقال" (أنا وهو كنا أحوج إلى غير ذلك منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعًا من تمر مكان ما روعته) فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعًا، وقال لي: ما دعاك إلى أن فعلت ما فعلت وقلت ما قلت؟ قلت: يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا عرفته في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وقد خبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي صدقة على أمة محمد، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر" [رواه الطبراني].

- الرسول صلى الله عليه وسلم يعتق من أرادوا قتله: عن أنس -رضي الله عنه- قال: إن ثمانين نزلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح، يريدون أن يقتلوه، فأخذوا فأعتقهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الفتح:24]،رواه مسلم والترمذي وأبو داود.

- كان أحسن الناس خلقًا: عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" [الحديث رواه الشيخان]، وعن صفية بنت حُيي -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن].

- لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا: عن عبد الله بن عمرو قال: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا متفحشًا" [رواه البخاري].
- من مكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- في المصافحة والمحادثة والمجالسة: عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم يرَ مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له" [رواه أبو داود والترمذي بلفظه]، وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم يُقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك" رواه الطبراني والترمذي، وروى مسلم "وما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط فقال لا".

- كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو بحسن الخلق: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي) [رواه أحمد ورواته ثقات]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا) [رواه البخاري]، وروي عن عائشة -رضي الله عنها- "أن رجلا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال صلى الله عليه وسلم: (بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة)، فلما جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسط إليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة متى عهدتني فحَّاشًا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس-أو ودعه الناس- اتقاء شره) [البخاري].

- كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الأخلاق وينهى عن اللعن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) [رواه أبو داود والنسائي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا) [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) [رواه مسلم]، وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة) [رواه مسلم]، أما من لعنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو سبَّه أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان ذلك له زكاة وأجرًا ورحمة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شارطَ ربَّه على ذلك كما في الحديث: (اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا) [رواه مسلم].

خلقه -صلى الله عليه وسلم- مع الخدم: عن أنس -رضي الله عنه- قال: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" [رواه الشيخان وأبو داود والترمذي]، وعنه قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت لـه والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به -صلى الله عليه وسلم-، فخرجت حتى مرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: (يا أنس أذهبت حيث أمرتك) قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله –فذهبت". [رواه مسلم وأبو داود].
- خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله: قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهنَّ إلا لئيم) [رواه ابن عساكر عن علي، والترمذي عن عائشة، وابن ماجة عن ابن عباس]، ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة -رضي الله عنها-، ما روت عائشة "إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)" وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة -رضي الله عنها- بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه- [رواه البخاري]، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خلا بنسائه ألين الناس وأكرم الناس ضحَّاكًا بسامًا" [رواه ابن عساكر بسند ضعيف]، وروى مسلم "أن عائشة -رضي الله عنها- كانت إذا شربت من الإناء، أخذه صلى الله عليه وسلم فوضع فمه على موضع فمها وشرب، وإذا تعرقت عرقًا -وهو العظم الذي عليه اللحم- أخذه فوضع فمه على موضع فمها" وقد روي "أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية -رضي الله عنها- رجلها حتى تركب على بعيرها" [رواه البخاري]، وأوصى صلى الله عليه وسلم بالزوجة، فقال: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا) [رواه الشيخان]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها -وفي رواية- جلد العبد) [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم) [أخرجه أحمد بإسناد حسن، والترمذي وقال حديث حسن صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل) [رواه مسلم].
ومن هذا ملاعبته ومفاكهته لأهله: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: (تقدموا فتقدموا)، ثم قال لي: (تعالي حتى أسابقك)، فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: (تقدموا فتقدموا)، ثم قال لي: (تعالي أسابقك)، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك) [رواه أحمد].

- حلم النبي صلى الله عليه وسلم: كان مما يحبه -صلى الله عليه وسلم- من الصفات صفتا الحلم والأناة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم، والأناة) [أخرجه مسلم]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق النبي، وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال يا محمد: مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء" [متفق عليه]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فإذا قام قمنا قيامًا حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يومًا فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه، فجبذه بردائه فحمر رقبته، وكان رداؤه خشنًا، فالتفت إليه، فقال له الأعرابي احملني على بعيري هذين، فإنك لا تحملني من مالك ولا مال أبيك، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، وأستغفر الله، لا، وأستغفر الله، لا، أحملك حتى تقيدني من جذبتك التي جبذتني)، وبعد ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيد لها.. فذكر الحديث، ثم دعا رجلا فقال له: (احمل له على بعيريه هذين، على بعير شعيرًا، وعلى الآخر تمرًا)، ثم التفت إلينا فقال: (انصرفوا على بركة الله) [رواه أبو داود والنسائي].

- ما انتقم لنفسه وما ضرب خادمًا ولا أمره: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم"، وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله" [رواه الشيخان].
يتبــع
 
- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم: من أقواله -صلى الله عليه وسلم- في الثناء على التواضع وذم الاستكبار: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر) [رواه البخاري]. (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم]، وظاهر الحديث يعني الرفعة في الدنيا والآخرة، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت" [رواه البخاري]، وعنه "أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت يا رسول الله، إن لي إليك حاجة؟ فقال: (يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك)، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها" [رواه مسلم]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت) [رواه البخاري]، وعن ابن أبي أوفى "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته" [رواه النسائي]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم" [رواه البخاري واللفظ له ومسلم]، وعن سهل بن حنيف –رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم" [رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم يسند ضعيف]، وذكر المحب الطبري أنه -صلى الله عليه وسلم- "كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها، وقال آخر: يا رسول الله، عليَّ سلخها، وقال آخر: يا رسول الله عليَّ طبخها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وعليَّ جمع الحطب) فقالوا: يا رسول الله، نكفيك العمل، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد علمت أنكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم)، وعن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال: (لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظِّم بعضهم بعضًا) [رواه أبو داود وابن ماجة وإسناده حسن]. ومن مظاهر تواضعه -صلى الله عليه و سلم-، عن الأسود قال: سألت عائشة: "ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة" [رواه مسلم]، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم [رواه أحمد]، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان -صلى الله عليه وسلم- يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويأتي دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد رأيته يومًا على حمار خطامه ليف" [رواه أبو داود ونحوه عند الترمذي وابن ماجه]، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب" [رواه الترمذي في الشمائل]. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان صلى الله عليه وسلم لا يدفع عنه الناس ولا يضربوا عنه" [رواه الطبراني في الكبير وحسنه السيوطي]، وذلك لشدة تواضعه -صلى الله عليه وسلم- وبراءته من الكبر والتعاظم، وعن الحسن قال: "والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا تقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزًا، من أراد أن يلقى نبي الله لقيه".
- رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران:107]، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة) [رواه ابن سعد في الطبقات والحاكم عن أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابًا) [رواه البخاري في التاريخ عن أبي هريرة]، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم" [رواه الشيخان]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "ما رأيت أحدًا أرحم بالعيال من النبي -صلى الله عليه وسلم-" [الحديث رواه الأربعة]، وعنه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ ولده إبراهيم فقبله وشمه"، وجاءه أعرابي فقال تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة) [البخاري].

- تيسير النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه: قال صلى الله عليه وسلم: (يسِّروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا) [رواه البخاري]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوه، وأهرقوا على بوله ذنوبًا من ماء، أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم في الرفق: (من يحرم الرفق يحرم الخير) [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه) [رواه مسلم].

- حياء النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾[الأحزاب:53]،وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير) [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) [رواه البخاري]،وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه" [رواه الشيخان].

- الوصية بالجار: قال صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) [رواه البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر -رضي الله عنه-: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) [رواه البخاري]، وفي رواية (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) [رواه ابن ماجه].

- حثه صلى الله عليه وسلم على صلة الأرحام: لقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه "بأن من أحب الأعمال إلى الله تعالى بر الوالدين" [البخاري]، قال رجل من الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك) [رواه البخاري ومسلم]، وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أجاهد؟ قال: (ألك أبوان؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)" [رواه البخاري ومسلم]، وحث صلى الله عليه وسلم على صلة الوالدين المشركين والأقارب المشركين، وجعل صلة الرحم من أسباب دخول الجنة والبسط في الرزق، وقطعها من أسباب دخول النار، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع -أي رحم-) [رواه البخاري]، وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لئن كنت كما قلت، فإنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) [رواه مسلم].

أثر عظيم خلق النبي –صلى الله عليه وسلم- في دعوته:
- لقد شملت دعوته -عليه الصلاة والسلام- جميع الخلق، كان صلى الله عليه وسلم أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا وجهادًا، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربه جل وعلا.
- وقد قال الله -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
وهذا أيضا من أخلاقه -عليه الصلاة والسلام-، ومن أخلاق أهل العلم جميعًا، أهل العلم والبصيرة، أهل العلم والإيمان، أهل العلم والتقوى.

- ومن ذلك شفقته بمن يخطئ أو من يخالف الحق، فكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب، بألطف عبارة وأحسن إشارة، من ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنا، عن أبي أُمامة -رضي الله عنه- قال: "إن فتىً شابًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: (ادنه)، فدنا منه قريبًا، قال: (أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس جميعًا يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس جميعًا يحبونه لأخواتهم). قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس جميعًا يحبونه لعماتهم)، قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس جميعًا يحبونه لخالاتهم) قال: فوضع يده عليه، وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" [رواه أحمد].

-وقد انتهج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت الكافرين، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواجٌ من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل، كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل:﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل:125].

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت:34-35].

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين..
 
إ‘خــلآإ‘ق آإ‘لن‘ــبي ـآ صل‘ـىآ آإ‘لله عل‘ـيهـ‘ وسل‘ـم ‘

 
الوسوم
آإ‘لله آإ‘لن‘ــبي إ‘خــلآإ‘ق صل‘ـىآ عل‘ـيهـ‘ ـآ وسل‘ـم
عودة
أعلى