إشراقة رمضان

املي بالله

نائبة المدير العام
إشراقة رمضان


إشراقة رمضان

"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..." [ البقرة : 185 ]

مع هذه الأيّام تتلفَّت قلوب المؤمنين المتقين تنظر إشراقة شهر رمضان المبارك ، لتزيح إشراقتُه الظلام الذي يحيط بالنَّاس في الأرض ، وقد عَّمت البلوى، وامتدَّ الهرج والمرج ، وكثرت الزلازل والبراكين والفياضانات ، وماجت دماء المجازر ، وهاجت أعاصير الفتن ، واستبدَّ الظلم والفساد والعُدْوان .

شهر رمضان المبارك أعظم الشهور ، ففيه وقعت أعظم الأحداث وأكثرها خيراً وبركةً على النَّاس ، على مرِّ العصور ، مع توالي الأنبياء والمرسلين . فقد أُنزلت الكتب الإلهيَّة على الأنبياء والمرسلين في هذا الشهر . فعن وائلة بن الأسقع أنَّ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال : ( أُنزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، وأُنزلت التوراة لستٍّ مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان )
[ أخرجه الإمام أحمد ]

وقد أُنزلت الصحف والتوراة والزبور والإنجيل ، كلٌّ منها أُنزل جملة واحدة على النبيّ الذي أُنزل عليه ، وأمَّا القرآن الكريم فقد أُنزل إلى بيت العزّة من السماء الدنيا جملة واحدة في شهر رمضان في ليلة القدر ، ثمَّ أُنزل بعد ذلك مفرَّقاً حسب الوقائع على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في ثلاث وعشرين سنة :
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " [ القدر : 1]
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " [ الدخان : 3 ]

وكذلك :
"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً " [ الفرقان : 32 ]

وأيُّ خير لدى البشريّة كلّها أعظم من نزول الكتب الإلهيّة على الأنبياء والمرسلين ، وأيُّ خير أعظم من نزول القرآن الكريم هدى للنَّاس كافَّة وآيات بيّنات من الهدى والفرقان .

وأيّ نعمة أعظم على النَّاس من أن يُفرَق بين الحقِّ والباطل بآيات بيّنات ، ويُخْرَجَ الناس من الظلمات إلى النُّور بإذن ربِّهم .

وأيّ ليلة أعظم من ليلة القدر :
"لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ " [ القدر : 3-5 ]
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "
[ الدخان : 3-6 ]
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال قال: رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " أتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنَّة ، وتغلّق فيه أبواب الجحيم ، وتغلُّ فيه مردة الشياطين ، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِم خيرها فقد حُرِم " [ أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي]
وعنه أيضاً : إنَّ الله _تعالى_ يقول : " إنَّ الصوم لي وأنا أجزي به ، إنَّ للصائم فرحتين ، إذا أفطر فرح ، وإذا لقي الله _تعالى_ فجزاه فرح . والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "
[ أخرجه مسلم وأحمد والنسائي ]
وعنه : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنَّة ، وغلّقت أبواب النار وسلسلت " صفدت " الشياطين " [ رواه الأربعة ]

والأحاديث الشريفة عن فضل شهر رمضان كثيرة تكشف لنا عظمة هذا الشعر وخيره وبركته على من التزمه صياماً وقياماً وآداباً ، فيعتق الكثيرون من النَّار وتغفر ذنوبهم .
فعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : " مَنْ صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر " [ أخرجه الشيخان وأحمد ]

ولقد وقعت أحداث هامة ومعارك فاصلة في حياة المسلمين في شهر رمضان المبارك . ففيه كانت غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة ، وفتح مكة سنة ثمان ، وأسلمت ثقيف في رمضان بعد قدوم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ من تبوك. وكذلك كانت معركة بلاط الشهداء سنة 411هـ في شهر رمضان ، وكان فتح العمّوريّة في هذا الشهر المبارك سنة 223هـ .

والأحداث كثيرة في التاريخ الإسلاميّ ، تنبئ أنَّ شهر رمضان لم يكن شهر راحة واسترخاء . لقد كان شهراً جامعاً لأنواع الجهاد الذي شرعه الله لعباده المؤمنين . فالصيام جهاد النفس ومجاهدتها ، وكذلك قيام الليل . ومجاهدة النفس هي أول أبواب الجهاد في حياة المسلم ، جهاد يمتدُّ معه في حياته كلِّها وميادينه كلّها . ولذلك كان حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يرويه فضالة بن عبيد _رضي الله عنه_ :
( المجاهد مَنْ جَاهد نفسه في الله ) [ أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان ]

ويمتدُّ الجهاد في شهر رمضان المبارك ليبلغ بذل المال والنفس في سبيل الله في مجاهدة أعداء الله . فما كان شهر رمضان معطّلاً لطاقة من طاقات المسلمين في شتَّى الميادين ، وإنَّما كان يطلق طاقات المؤمنين على صراط مستقيم بيّنه الله لهم وفصّله ، وجعله سبيلاً واحدة وصراطاً مستقيماً ، حتى لا يضلَّ عنه أحد إلا الكافرون والمنافقون .

وكان أداء الشعائر في شهر رمضان والوفاء بها ، فرائض ونوافل ، ليلاً ونهاراً ، ينمّي طاقات المؤمنين لتنطلق في الأرض تبلّغ دعوة الله إلى الناس كافّة، وتجاهد في سبيل الله ، لتوفي بالأمانة التي حملها الإنسان ، والعبادة التي خُلِق لها، والخِلافة التي جُعِلَتْ له ، والعمارة التي أُمِرَ بها ليعمر الأرض بحضارة الإيمان .
كان أداء الشعائر أساساً حقيقيّاً يقوم عليه الوفاء بهذه المسؤوليات العظيمة في الأرض ، والتكاليف الربَّانيّة . كان المؤمنون يعون أنَّ تكاليف الإسلام لا تقف عند حدود الشعائر ، ولكنَّ الشهادتين والشعائر تقيم الأركان التي ينهض عليها الإسلام وتكاليفه :
فعن عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_ عن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان )
[ رواه الشيخان وأحمد والترمذي والنسائي ]
 
الوسوم
إشراقة رمضان
عودة
أعلى