فصول الموت

بروووش

مشرف المواضيع الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم


وقفت على الشرفة تنتظرهُ كعادتها يومياً .. وهو يتأخر عليها كل ليلة كعادته .. !

يزرع في قلبها المستكين .. الضعف والهوان .. والخوف من القادم دوماً ..

أنشودة بدأت تعزفها بمفردها .. على أنغام لياليها المتعاقبة .. تحت وطئة برودتها

القاسية .. وهي تنظر الى السماء وتدعوا الخالق بأقتراب لقائه ..!!!

وبينما دمعةٌ في عينيها تحاول التسلق لهاتين الوجنتين النضرتين بهتاناً وهمّاً ..

كالميت بين أذرع الناس .. وهي تتهافت على تغسيله ليظهر بمظهر لائق ..؟

وأي مظهر هذا بعد جفاف الذات وتصحر الكيان .. وتشقق الروح وموتها موؤدةً ..

ومع اصرار تلك الدمعة تتسائل في مابين نفسها .. عن فحوى دعائها ورجائها لله ..!

هل تدعوه للقاء حبيبها الدائم .. أم أن الأمور أختلطت عليها بحيث تدعوه للقائه

سبحانه جلّ وعلى..؟؟

لسعات من البرد كأنها الأفعى .. تلدغ بشرتها الرقيقة .. التي طالما أعتادت على

تحمل لدغات حبيبها ودغدغاته .. لسعات تبشرها بانتهاء فصل آخر من فصول مآساتها

تبشرها بمرور شتاءً آخر على ذكرياتها .. وتدعوها لاستقبال ورود الربيع وبهجة

الشمس ونورها .. والتي غالياً ما أظلمت كل شيء بداخلها رغم نورها الساطع ..

لتجعله أكثر ظلمةً .. وأشد قتامة .!

هرعت الى سريرها مع فقدان قدرتها على تحمل تلك الافاعي وألسنتها ..

وامتدت عليه بأنتظاره .. وهي تفتش في أرجاء غرفتها ببصرها .. عن شيء يساعدها

على النسيان .. يصبّرها على تحمل الانتظار .. لتعود ولو قليلاً لعقلها المتوقف نسبياً

وتسئله :

أي عملٍ هذا يجعله يتأخر .. أي اهتمام هذا لكي يجعلها تموت إحتراقاً وشوقاً كل ليلة

للقائه ..وأي حبيب هذا يجعلها لا تقوى على الحياة بدونه ..!!!؟

تتوالى الساعات مسرعةً ... رغم بطئ شعورها واحساسها بالزمن ..

ولم تعد تدري على أي شيء تبكي .. هل على أنتظاره الدائم ..

أم على فقدان لذة ذلك الانتظار .. مع مرور الوقت المتسارع ..

تناقض في كل ما يدور حولها .. تخبط في مشاعرها .. غليان في عروقها

وسقيع في دمعتها لتحرق به نار هيجانها ..

وها هي تستفيق من جديد .. وهذه المرة على صوت العصافير بشرفتها ..

وهي تغّرد لها بإقتضاب عجيب .. وكأنها تعرف سمفونيتها .. عندها ادركت أنها

نامت كعادتها .. من شدّة انتظارها .. ولم تشعر بشيء من حولها ..

سوى بعض من تلك الاحلام التي تترقبها بانتظام ..

حتى في أحلامها تفكر به .. وتنتظره .. وكأن الحياة موصولة لاجله بداخلها تلقائياً ..

بروحه .. بكيانه .. بروعته .. بطلته عليها .. فهي لا تكاد تظمأ من ذكرياته .. حتى

ترتوي من مياه أفكاره العذبة .. التي كان يسقي بها مزارع وبساتين قلبها وروحها ..

عندما كانت تتسامر معه .. أو تتحدث إليه .. وتضحك وتبكي في حجره .. كان يغمرها

بأنفاسه .. وعذوبه هيامه .. وروعة إلقائه .. وإتقانه في ترجمه الحب الى كلمات ..

وصياغه الأحرف الى مشاعر .. دقة متناهية لا يشعر بها الا ذلك القلب الحزين ..

ولغة لا يفهمها الا ذلك الكيان الذي اصبح مهترئاً .. من صراعه بين أعتياده قسوة

الانتظار وتمسكه بالعودة ..!!

كسرت شرودها لتنظر حولها .. فلعله عاد متأخراً ونام دون أن تشعر به ..

فتلقي عليه تحيه صباحها المعتادة بقبلةٍ تطبعها على شفتيه لتقول له تفضل يا منارة

عمري لتحتسي معي قهوتك .. فلم تجد سوى وسادتها الخالية .. وبعض من مياه

دموعها المتساقطة من غفلة عنها .. الهاربة من جبروتها وحرمانها لها بالسقوط ..!

فنظرت بأنحاء غرفتها .. سارت الى شرفتها علّها تجده هناك .. ولــــــــــكن ..؟؟؟

ليس هناك سوى تلك العصافير المكتئبة رغم غنائها .. الحزينة لحزنها والمستكينة

لعذابها ..

فرفعت يديها وراسها الى السماء .. وتلت دعواتها بصوت يكاد أن يُسمع .. كأنه همس

القلوب الى القلوب .. في احضان الليل وبريقه ..

عادت الى سريرها بخطى متثاقلة .. واذا بها تندهش فجأة ...؟؟؟؟؟

ومع ذلك الاندهاش .. خرجت ابتسامة قوامها السخرية والازدراء ..؟؟؟

فقالت لنفسها :

ها هو خاتمه .. ذلك الخاتم الذي وضعته في يده يوم زفافنا .. يا لي من حمقاء ساذجة

أنه لن يعود .. فقد مات منذ حين .. وهجرني رغماً عنه

وفارقني الى السماء .. ولكنه لن يمت بأعماقي فوجودي قائم على وجوده ..

وإن انتظاري له ليس سوى إنتظار موتي لكي ألقاه ..

مهما توالت السنين وتعاقبت الفصول ..؟!

فهرعت تعُدّ قهوتها .. وهي تنظر بعين الشوق لانتظاره هذا المساء ...!!
 
الوسوم
الموت فصول
عودة
أعلى