شربنا على ذكر الحبيب مدامةً…

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الـحَبِيبِ مُدَامَــةً سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الكَـرْمُ
لَهَا البَدْرُ كَأْسٌ وَهْـيَ شَمْسٌ يُدِيرُهَا هِلاَلٌ وَكَمْ يَبْدُو إذَا مُزِجَتْ نَـجْـمُ
وَلَوْلاَ شَذَاهَا مَـا اهْتَدَيْتُ لِحَانِهَــا وَلَوْلاَ سَنَاهَا مَاتَصَوَّرَهَا الْـوَهْــمُ
وَلَمْ يُبْقِ مِنْهَا الـدَّهْرُ غَيْرَ حُشَاشَـةٍ كَأَنَّ خَفَاهَا فِي صُدَورِ النُّهَـى كَتْـمُ
فَإِنْ ذُكِرَتْ فِـي الحَيِّ أَصْبَحَ أَهْلُـهُ نَشَاوَى وَلاَ عَارٌ عَلَيْهِـمْ وَلاَ إِثْــمُ
وَمِنْ بَيْنِ أَحْشَاءِ الـدِّنَانِ تَصَاعَـدَتْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا فِي الحَقِيْقَةِ إِلاَّ اسْــمُ
وَإِنْ خَطَرَتْ يَومْاً عَلَى خَاطِرِ امَرِئٍ أَقَامَتْ بِـهِ الأَفْرَاحُ وَارْتَحَلَ الـهَـمُّ
وَلَوْ نَظَرَ النُّدْمَانُ خَتْــمَ إِنَائِهَــا لأَسْكَرَهُمْ مِــنْ دُوْنِهَا ذَلِكَ الخَتْـمُ
وَلَوْ نَضَحُوا مِنْهَـا ثَرَى قَبْرِ مَيّـتٍ لَعَادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ وَانْتَعَشَ الجِسْـمُ
وَلَوْ طَرَحُوا فِـي فَيءِ حَائِطِ كَرْمِهَا عَلِيلاً وَقَدْ أَشْفَى لَفَارَقَـهُ الـسُّقْـمُ
وَلَوْ قَرَّبُوا مِـنْ حَانِهَا مُقْعَداً مَشَـى وَيَنْطِقُ مِنْ ذِكْرَى مَذَاقَتِهَـا الـبُكْمُ
وَلَوْ عَبِقَتْ فِي الشَرْقِ أَنْفَـاسُ طِيبِهَا وَفِي الغَرْبِ مَزْكُوْمٌ لَعَادَ لَهُ الـشَـمُّ
وَلَوْ خُضِبَتْ مِنْ كَأْسِـهَا كَفُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ لاَمِسٍ لَمَا ضَلَّ فِي لَيْلٍ وَفِي يَدِهِ النَّـجْـمُ
وَلَوْ جُلِيَتْ سِرّاً عَـلَى أَكْمَهٍ غَــدًا بَصِيراً وَمِنْ رَاوُوِقهَا تَسْمَعُ الصُـمُّ
وَلَوْ أَنَّ رَكْباً يَمَّمُوا تُرْبَ أَرْضِـهَـا وَفِي الرَّكْبِ مَلْسُوعٌ لَمَا ضَرَّهُ السُّمُّ
وَلَوْ رَسَمَ الرَّاقِي حُرُوفَ اسْمِهَا عَلَى جَبِينِ مُصَابٍ جُنَّ أَبْرَأَهُ الـرَّسْــمُ
وَفَوْقَ لِوَاءِ الجَيْشِ لَـوْ رُقِمَ اسْمُهَـا لأَسْكَرَ مَنْ تَحْتَ الِلّوَا ذَلِكَ الـرّقْـمُ
تُهَذّبُ أَخْلاَقَ النَّدَامَـى فَيَهْتَـــدِي بهَا لِطَرِيقِ العَزْمِ مَنْ لاَ لَـهُ عَـزْمُ
وَيَكْرُمُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الجُـودَ كُفُّـهُ وَيَحْلُمُ عِنْدَ الغَيْظِ مَنْ لاَ لَـهُ حِلْـمُ
وَلَوْ نَالَ فَدْمُ القَــــوْمِ لَثْمَ فِدَامِهَا لأَكْسَبَهُ مَـعْـنـى شَمَائِلِـهَا اللَثْمُ
يَقُولُونَ لِي صِفْهَا فَأَنْتَ بِوَصْفِهَــا خَبِيْرٌ أَجَـلْ عِنْدِي بِأَوْصَافِهَا عِلْمُ
صَفَاءٌ وَلاَ مَاءٌ وَلُطْفٌ وَلاَ هَــوًا وَنُورٌ وَلاَ نَارٌ وَرُوحٌ وَلاَ جِـسْـمُ
تَقَدَّمَ كُــلُّ الكَــائِنَاتِ حَدِيْثُهَــا قَدِيماً وَلاَ شَكْلٌ هُنَاكَ وَلاَ رَسْــمُ
وَقَامَتْ بِهَـا الأَشْيَاءُ ثَــمَّ لِحِكْمَـةٍ بِهَا احْتَجَبَتْ عَنْ كُلِّ مَنْ لاَ لَهُ فَهْمُ
وَهَامَتْ بِهَا رُوحِي بِحَيْثُ تَمَازَجَا اتْـ تِـحَــادا وَلاَ جِـرْمٌ تَخَلَّلَهُ جِرْمُ
فَخَمْرٌ وَلاَ كَـــرْمٌ وآدَمُ لِـي أَبٌ وَكَرْمٌ وَلاَ خَمْرٌ وَلِـــي أُمُّهَا أُمُّ
وَلُطْفُ الأَوَانِي فــي الحَقِيقَة تَابِعٌ لِلُطْفِ المَعَانِي وَالمَعَانِي بِهَا تَنْمُـو
وَقَــدْ وَقَعَ التَّفْرِيقُ وَالكُـلُّ وَاحدٌ فَأَرْوَاحُنَا خَمْرٌ وَأَشْبَاحُنَـا كَــرْمُ
وَلاَ قَبْلَهَا قَـبْـلٌ وَلاَ بَـعْدَ بَعْدِهَـا وَقَبْلِيَّةُ الأَبْعَادِ فَهْـــيَ لَهَاحَتْـمُ
وَعَصْرُ المَدَى مِنْ قَبْلِهِ كَانَ عَصْرُهَا وَعَهْدُ أَبِينَا بَعْدَهَا وَلَهَــا اليُتْـمُ
مَـحَاسِـنُ تَهْدِي المَادِحِينَ لِوَصْفِهَا فَيَحْسُنُ فِيهَا مِنْهُمُ النَّثْرُ وَالنَّـظْـمُ
وَيَطْرَبُ مَـنْ لَمْ يَدْرِهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمُشْتَاقِ نُعْمٍ كُلَّمَا ذُكِـرَتْ نُـعْـمُ
وَقَالُوا شَرِبْتُ الإِثْـمَ كَـلاَّ وَإِنَّمَـا شَرِبْتُ التِي فِي تَرْكِهَا عِنْدِيَ الإِثْمُ
هَنِيئاً لاهْلِ الدَّيْرِ كَـمْ سَكِرُوا بِهَـا وَمَا شَرِبُوا مِنْهَا وَلَكِنَّهُـمْ هَمُّــوا
وَعِنْدِي مِنْهَا نَشْوَةٌ قَـبْـلَ نَشْأَتِـي مَعِي أَبَداً تَبْقَى وَإِنْ بَلِيَ العَظْــمُ
عَلَيْكَ بِهَا صِرْفاً وَإِنْ شِئْتَ مَزْجَهَا فَعَدْلُكَ عَنْ ظَلْمِ الحَبِيْبِ هُـوَ الظُّلْمُ
فَدُونَكَهَا فِي الحَانِ وَاسْتَجْلِهَا بِــهِ عَلَى نَغَمِ الأَلْحَانِ فَهْيَ بِهَـا غُنْـمُ
فَمَا سَكَنَتْ وَالْهَمُّ يَوْمـًا بِمَوْضِـعٍ كَذلِكَ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ النَّغَـمِ الغَــمُّ
وَفِي سَكْرَةٍ منْهَا وَلَـوْ عُمْرَ سَاعَةٍ تَرَى الدَّهْرَ عَبْداً طَائِعاً وَلَكَ الحُكْمُ
فَلاَ عَيْشَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ عَاشَ صَاحِيًا وَمَنْ لَمْ يَمُتْ سُكْرا بِهَا فَاتَهُ الحَزْمُ
عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَبْكِ مَنْ ضَـاعَ عُمْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ وَلاَ سَهْــمُ
* * *عمر بن الفارض
 
الوسوم
الحبيب ذكر شربنا على مدامةً…
عودة
أعلى