سمات منهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
نستطيع أن نرصد منهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى فى النقاط التالية:
الأولى : الدعوة إلى مكارم الأخلاق : يقول الحق تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)آل عمران :159.
وهذا الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم اشتمل على عدة أخلاقيات حميدة ،وأداب عظيمة فى التعامل مع الناس ، وفى دعوتهم إلى الله تعالى ،ويعضد هذا قول الحق تعالى(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب :21.
فالتأسى برسول اللهصلى الله عليه وسلم فى أقواله ، وأفعاله ،وأحواله ، والاقتداء بشمائله ،تحقيقا لإسلامية الأمة ،التى لا يكتمل إيمان أحدها حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .

وأهم مكارم الأخلاق التى يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم هى التى أوجزها فى قوله :"مكارم الأخلاق عشرة ، تكون فى الرجل ولا تكون فى ابنه ، وتكون فى الأبن ولا تكون فى الأب ، وتكون فى العبد وتكون فى سيده ، يقسمها الله لمن أراد به السعادة : صدق الحديث ، وصدق البأس ، وإعطاء السائل ، والمكافأة بالصنائع ،وحفظ الأمانة ، وصلة الرحم ،والتزمم للجار ،والتزمم للصاحب ، وإقراء الضيف ، ورأسهن الحياء ".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة رضى الله عنه أطعم الطعام ، وأفش السلام ، وصل الأرحام ،و صل بالليل والناس نيام ، تدخل الجنة بسلام "ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة رضى الله عنه - أيضا – اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن الظن إلى جارك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ".

ووصاياه الذهبية صلى الله عليه وسلم للصحابة رضى الله عنهم تمثل إطارا جامعا لمكارم الأخلاق ، فيقول أبو ذر الغفارى رضى الله عنه : أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير : أوصانى بأن لا أنظر إلى من هو فوقى ، وأن أنظر إلى من هو دونى ،وأوصانى : بحب المساكين ، والدنو منهم ، وأوصانى : أن أصل رحمى وإن أدبرت .وأوصانى أن لا أخاف فى الله لومة لائم ، وأوصانى : أن اقول الحق وإن كان مرا ، وأوصانى أن أكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله ، فإنها كنز من كنوز الجنة ".

وتتنوع مكارم الأخلاق فى الإسلام لا تسع دائرة الأخلاق الحميدة التى هى من المضامين الأساسية لدعوة الحق ، ولإعلام الناس بالقيم التى يدعو إليها هذا الدين العظيم ، ولذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقدم توجيهاته الأخلاقية إلى أصحابه ، ودائما تكون هذه التوجيهات متصلة بالسلوكيات والنصائح والأخلاقيات الإسلامية ، وتكون كذلك جامعة لأسس مكارم الأخلاق . فانظر إلى هذه الوصية الجامعة فى قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه " يامعاذ :أوصيك باتقاء الله ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانه ، وترك الخيانة ، وحفظ الجار ، ورحمة اليتيم ، ولين الجانب ،وبذل السلام ، وقصر الأمل ، ولزوم الإيمان ، والتفقه فى القرآن ، وحب الآخرة ، والجزع من الحساب ، وخفض الجناح ، وأنهاك : أن تسب حكيما ، وتكذب صادقًا ، أو تطيع آثمًا ، أو تعصى إمامًا عادلا ، أو تفسد أرضًا ، وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ، ومدر وأن تحدث لكل ذنب توبة : السر بالسر والعلانية بالعلانية ".

الثانية: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة : يقول الحق سبحانه : ( ادْعُ إِلَىسَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل :125.
واستوجبت هذه الحكمة الصبر على قومه ، والأخذ بأيديهم إلى رحاب الله ،و ضرب الأمثال لهم لتقريب الفهم ، والداعية الحق هو الذى ينتهج حكمة وعقلانية وموضوعية فى دعوة الناس .

وتعضد هذه الحكمة والرشاد – التى تكون بالأمر بالأخلاق الحميدة والنهى عن الصفات الرذيلة – بشئ مهم هو الأخذ بالموعظة الحسنة فى الدعوة ، وذلك بعدم التشدد على الناس ، وعدم التعسير عليهم ، والرفق معهم ، وفتح باب الرجاء أمامهم وهذا ما تؤكده سلوكياته صلى الله عليه وسلم فى التيسير على من يدعوهم ومن يطلبون الهداية ، وكان لهذا النمط الآخاذ فى المعاملة بالرفق الأثر العظيم فى دخول كثير من الكفار وأهل الكتاب فى دين الله تعالى .

بل تجده صلى الله عليه وسلم يتسع صدره لأخطاء الناس ويحاورهم بأسلوب رقيق ليدركوا أخطائهم بأنفسهم دون الموعظة المباشرة ، ومن ذلك أن غلاما شابا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يانبى الله أتأذن لى فى الزنا ؟ فصاح الناس ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم قربوه ، ادن فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبى صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك ؟ فقال :لا جعلنى الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ...أتحبه لأختك ؟ وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والحالة وهو يقول فى كل واحدة :لا ، جعلنى الله فداك ، وهو صلى الله عليه وسلم يقول : كذلك الناس لا يحبونه ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال : اللهم طهر قلبه ، واغفر ذنبه ، وحصن فرجه ، فلم يكن شئ أبغض إليه منه ، يعنى الزنا " .

وهكذ نجد حكمته الفريدة صلى الله عليه وسلم فى محاورة هذا الرجل الذى استولت الرذيلة على نفسه ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل تعلقه بالذنب ، وطلبه الترخيص له بالزنا إلى دعاء صادق بطهارة القلب ، ومغفرة الذنب ، وتحصين الفرج ، مما جعل الرجل يتحول إلى بغض لها ، ونفور منها ، بعد أن استخلص الرسول الكريم وساوس الشر وجذور المعصية من قلبه وعقله وبدنه .

ولك أن تتأمل معى قصة هذا الشاب فلو أن الرسول الكريم أغلظ عليه فى القول وشدد عليه فى النكير ، وأمر بإخراجه لأنه شيطان مارق ، لأدى هذا إلى قنوط الشاب من رحمة الله ، وقد ينغمس فى شهواته ، آخذا اتجاهًا سلبيًا ما دام دائه قائمًا ، وعلته موجوده ، وآخذة فى الإستفحال والكبر .

ونجد تصديقًا نبويًا آخر لما تقدم ، فى رفقه صلى الله عليه وسلم بالجاهل وتعليمه فى أناة وصبر من غير تعنيف وتسفيه ، ومن غير زجر وشدة ، ولنستشهد على ذلك بهذا الحديث الصحيح الذى رواه أنس بن مالك رضى الله عنه : بينما نحن فى المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابى فقام يبول فى المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : هه...هه. فقال الرسول الكريم : لا تزرموه (لا تقطعوا عليه بوله ) دعوه ، فتركوه حتى بال .ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا من القذر ،وإنما هى لذكر الله عز وجل ، والصلاة ، وقراءة القرآن ، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ، ( أى صبه علي موضع النجاسة ) .

وهكذا تركه الرسول الكريم حتى ينتهى الموقف ،ثم يعلمه فى رفق وأبوة ، ولربما قطع الرجل بوله مخافة الناس ، فأضر نفسه ، ولعله كان سينجس مواضع أخرى من المسجد إذا أخذ فى التحرك للخارج وهو يبول ، ولعله كان سينجس بدنه كذلك ، وتنتشر النجاسة . وهذه المواقف تمثل درسًا تعليميًا قويًا فى توجيه الناس ، وتبصير الدعاة بكيفية الدعوة بالحسنى ، والتعامل مع أمراضهم وعللهم وأخطائهم بالحكمة السديدة..
ومن الموعظة الحسنة لديه صلى الله عليه وسلم التزام منهج محدد فى التيسير على الناس ، وكلماته صلى الله عليه وسلم فى ذلك أضحت صورة ناطقة بيسر الإسلام ، ففى حديث أنس رضى الله عنه يقول الرسول الكريم " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا " والأحاديث التى تنطق بعدم الغلو كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم فى بيان الفطرة الصحيحة " لكل عمل شِرة ، ولكل عمل فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتى فقد اهتدى"

ولذا كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ينكر على هؤلاء الذين يعتقدون أن الإفراط فى العبادة أمر محبب إلى الله تعالى ، فأوضح سنته لهؤلاء النفر الذين قاموا إلى منزله صلى الله عليه وسلم فسألوا السيدة عائشة عن عبادته صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها ، فقال أحدهم : أما انا فأقوم الليل كله ، وقال الثانى أما أنا فأصوم الدهر كله ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فإذا به صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم قائلًا : أنتم الذين تقولون كذا وكذا ، أما أنا فأقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، وهذه سنتى فمن رغب عن سنتى فليس منى " .

وكان منهجه صلى الله عليه وسلم فى أمر أصحابه ألا يكلفوا أنفسهم فوق طاقتهم ، لأن الله تعالى لا يمل حتى تملوا ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ،فعن أنس بن مالك رضى الله عنه " دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا بحبل ممدود بين الساريتين فقال ما هذا الحبل ؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : لا حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد "
ونلتمس توجيهًا كريمًا منه صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه ابن عباس رضى الله عنه يقول : سمعت عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال : قال لى النبى صلى الله عليه وسلم : ألم أخبرك أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قلت : إنى أفعل ذلك . قال : إنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ، ونهقت نفسك ، وإن لنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فصم وأفطر ، وقم ونم "

وإنك لتجد مواقف أخرى تؤكد حرصه صلى الله عليه وسلم على الموعظة الحسنة فى عدم إثقاله على الصحابة بالموعظة ، مخافة الملل والسأم ، وهذا إدراك شامل لطبيعة النفس البشرية ، فيقول ابن مسعود رضى الله عنه ، كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة الحسنة فى الأيام كراهة السامة علينا .

الثالثة:الموازنة فى أمور الدعوة : كما أن الدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة والموعظة الحسنة فإنها تراعى ظروف المتلقين وأحوالهم ، مما يستلزم فقها فى الدعوة ، وذلك بالبدء بالأهم ، وتقديم الأساسيات على الفرعيات ، بل وترك الأمر بالمعروف مخافة وقوع الناس في الفساد ، ونجد تأكيد ذلك فى الأحاديث النبوية الكريمة ، وفيما فعله صلى الله عليه وسلم فقد ترك الرسول الكريم قواعد الكعبة المشرفة كما هى ، ولم يشأ إعادتها إلى قواعد الخليل إبراهيم عليه السلام مخافة وقوع فتنة بين الناس ، خاصة أن الإيمان لم يستقر فى قلوبهم بعد.

فعن ابن عمر رضى الله عنه عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها " ترى أن قومك لما بنوا الكعبة اقنصروا على قواعد إبراهيم ، قلت : يارسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت " ويقول لها أيضا صلى الله عليه وسلم " لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ، ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشًا استقصرت بناءه ، وجعلت له خلفا " .
وهكذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر خشية الوقوع فى منكر أشد ، وهو قيام فتنة بين الناس ، وظنهم أنه صلى الله عليه وسلم يريد بهذا أن يفضلهم ، ويفخر عليهم . ذلكم أنهم – قريش – كانوا يعظمون الكعبة ، وهى مصدر قوتهم وسلطانهم ولم يكن لهم قبول أى تغيير فيها ، ولم يقفوا سالبين أزاء ذلك ، وهذا ما أدركه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بفكره الثاقب ، وسلوكه القويم .

وهذه الموازنة فى أمور الدعوة والتى رأينا تأسيسًا لها فى فكره وسلوكه صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون موجوده لدى كل داعية يتعامل مع الناس ، فيبدأ بالأمور الأهم فى شئون الدعوة ، ولا يدخل بهم فى تفريعات فقهية وفكرية ، ولا يلج بهم فى أمور خلافية ومذهبية إلا بعد أن يستوفى الأصول الرئيسية من الإيمان والفرائض والقواعد ، فإذا ما أشِرب الناس ذلك وفهموه وطبقوه واهتدوا به ، أخذهم بعد ذلك إلى الفروع وليس إلى الخلافات التى تعكر صفو الحياة الدينية ، وتجعل النفوس غير مطمئنة .ويمكن القول إن هناك سمات أخرى لمنهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى ، نكتفى بالإشارة إليها فقط هنا ، وذلك مثل : التزام القدوة الحسنة ، معاودة الدعوة لمن يعارضها ، الجمع بين الترغيب والترهيب ، الالتزام بالصدق فى الدعوة ، الإخلاص والتجرد لله تعالى ، مواجهة الأفكار المنحرفة ، الحرص على تبليغ الدعوة بالموعظة الحسنة
وبعد – فإن تناولنا المتقدم للجانب الأعلامى ومضامينه فى الإسلام أردنا به إبراز جانب مهم من مضامين الحضارة الإسلامية ، الذى يؤهلهم لدور نهضوى عظيم ، ويعد أحد منطلقات البحث الحضارى المنشود ، وهذا الجانب يعكس تكامل الرؤية الإسلامية فى الإسلام والتبليغ ، والدعوة ، وفى شمولية المنهج الإسلامى فى الإسلام مم لا نجد له نظير فى الديانات والشرائع الأخرى .
ونستطيع إيجاز الرؤية التكاملية للإعلام فى الإسلام فى النقاط التالية :
1- استوجبت الرسالة الإسلامية الجامعة وجود مجالات متنوعة للتبليغ والإعلام بصورة فردية ، وبصورة جماعية ، وتركز جهد أنبياء فى تبليغ رسالتهم ، وإيصال رسالة التوحيد إلى الله جميعا .
2- تنوعت قنوات الإتصال فى عهد النبوة لدى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكان ذلك بالإتصال الشخصى عن طريق الوفود والرسل والرسائل ، أو بالإتصال الجماعى عن طريق مجالس العلم والخطب والوعظ .
3- اختلفت مضمون خطبه ورسائله ووعظه صلى الله عليه وسلم بإختلاف حالة المتلقى ، فهى تبدأ بالدعوة إلى التوحيد ، ثم تتجه إلى تشريعية وأخلاقية وتصحيحية كما راعت رسائله صلى الله عليه وسلم عقيدة المتلقى ، وكيفية دعوته إلى دين الله تعالى كما اختلف مختلف الرسالة الإعلامية النبوية فى خارج الجزيرة العربية عن فحواها داخل داخل المجتمع الوليد .
4- الدعوة إلى الله هى الركيزة الأساسية فى النظرية الإعلامية فى الإسلام وبين القرآن الكريم ومنهج الدعوة الإسلامية الصحيحة ، روحا وأسلوبا ومضمونا . كما ضمن أدب النبوة منهجًا حركيُا شاملًا فى كيفية الدعوة إلى الله تعالى .
5- فى حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المثال الأعظم للدعوة إلى الله تعالى ، والإعلام بها ، وذلك فى حرصه على التبليغ بشتى الوسائل ، وفى صلابته وقوة إرادته ، ورسوخه فى الحق ، وفى قناعته بدعوته ، وإيمانه بقوة رسالته ومستقبلها المنتظر ، وفى إيمانه صلى الله عليه وسلم بتبليغ دعوتة ، وفى وفى جهاده فى دعوة المشركين ، وفى استغلاله لكل مناسبة فى دعوة قومه .
6- ثم سمات متعدده لمنهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى ، وفى الإعلام بدين الله ، ومن ذلك : الدعوة إلى مكارم الأخلاق والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والموازنة فى أمور الدعوة ، وفى التزام التيسير – إلى غير ذلك مما أشير إليه .
7- ارتكز المنهج الإسلامى فىالدعوة إلى أمانة الكلمة ، وعلى خطورتها ، وذلك بالدعوة إلى القول الحسن ، وإقدار الكلمة الحسنة ، والتحذير من الكلمة الخبيثة ، وهذا المنهج واضح فى القرآن الكريم ، وفى الحديث النبوى ، وفى أقوال الصحابة وعملهم .
8- أقدر المنهج الإسلامى فى الإسلام دور الحواس فى التلقى ، وذلك فى السمع والبصر ، وهما النافذتان إلى قلب المرء ، الذى بصلاحه يصلح البدن كله ، وبفساده يفسد الجسد كله ، وهذا ما يتضح فى حديث القرآن الكريم عن السمع والبصر والفؤاد ، وعما يعرض للقلب من تحولات بالخير أو الشر ، وبالصلاح والفساد .
9- للخطاب الإعلامى الإسلامى دور تعليمى وإرشادى ودفاعى فهو يجمع كلمة المسلمين ويرشد الدعوة الإسلامية ، ويتصدى للغزو الثقافى ، ويحصن الأمة ، وله مواصفاته المأخوذة من مضامين المنهج العام فى الدعوة إلى الله تعالى .
10- للقائم بالإتصال أوالداعية إلى الله تعالى أجر عظيم عند الله تعالى ، ولذا عليه ألا يبغى من وراء رسالته جزاءً ماديًا أو معنويًا (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء :109
اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنَّا الحُزْنَ وَأَبْدِلْهُ بِالسُّرُورِ، وَأَزْهِقْ بَاطِلَ الضَّمَائِرِ بِجندٍ مِنَ الحَقِّ، اللَّهُمَّ وَأَزِلْ عَنَّا الهَمَّ، وَاطْرُدْ مِنْ نُفُوسِنَا القَلَقَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الخَوْفِ إِلَّا مِنْكَ، وَالرُّكُونِ إِلَّا إِلَيْكَ، وَالتَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَيْكَ، وَالسُّؤَالِ إِلَّا مِنْكَ، وَالاسْتِعَانَةِ إِلَّا بِكَ ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

د/ أحمد عبده عوض
كلية التربية – جامعة طنطا
سمات منهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله
نستطيع أن نرصد منهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى فى النقاط التالية:
الأولى : الدعوة إلى مكارم الأخلاق : يقول الحق تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)آل عمران :159.
وهذا الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم اشتمل على عدة أخلاقيات حميدة ،وأداب عظيمة فى التعامل مع الناس ، وفى دعوتهم إلى الله تعالى ،ويعضد هذا قول الحق تعالى(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب :21.
فالتأسى برسول اللهصلى الله عليه وسلم فى أقواله ، وأفعاله ،وأحواله ، والاقتداء بشمائله ،تحقيقا لإسلامية الأمة ،التى لا يكتمل إيمان أحدها حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .

وأهم مكارم الأخلاق التى يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم هى التى أوجزها فى قوله :"مكارم الأخلاق عشرة ، تكون فى الرجل ولا تكون فى ابنه ، وتكون فى الأبن ولا تكون فى الأب ، وتكون فى العبد وتكون فى سيده ، يقسمها الله لمن أراد به السعادة : صدق الحديث ، وصدق البأس ، وإعطاء السائل ، والمكافأة بالصنائع ،وحفظ الأمانة ، وصلة الرحم ،والتزمم للجار ،والتزمم للصاحب ، وإقراء الضيف ، ورأسهن الحياء ".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة رضى الله عنه أطعم الطعام ، وأفش السلام ، وصل الأرحام ،و صل بالليل والناس نيام ، تدخل الجنة بسلام "ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة رضى الله عنه - أيضا – اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن الظن إلى جارك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ".

ووصاياه الذهبية صلى الله عليه وسلم للصحابة رضى الله عنهم تمثل إطارا جامعا لمكارم الأخلاق ، فيقول أبو ذر الغفارى رضى الله عنه : أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير : أوصانى بأن لا أنظر إلى من هو فوقى ، وأن أنظر إلى من هو دونى ،وأوصانى : بحب المساكين ، والدنو منهم ، وأوصانى : أن أصل رحمى وإن أدبرت .وأوصانى أن لا أخاف فى الله لومة لائم ، وأوصانى : أن اقول الحق وإن كان مرا ، وأوصانى أن أكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله ، فإنها كنز من كنوز الجنة ".

وتتنوع مكارم الأخلاق فى الإسلام لا تسع دائرة الأخلاق الحميدة التى هى من المضامين الأساسية لدعوة الحق ، ولإعلام الناس بالقيم التى يدعو إليها هذا الدين العظيم ، ولذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقدم توجيهاته الأخلاقية إلى أصحابه ، ودائما تكون هذه التوجيهات متصلة بالسلوكيات والنصائح والأخلاقيات الإسلامية ، وتكون كذلك جامعة لأسس مكارم الأخلاق . فانظر إلى هذه الوصية الجامعة فى قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه " يامعاذ :أوصيك باتقاء الله ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانه ، وترك الخيانة ، وحفظ الجار ، ورحمة اليتيم ، ولين الجانب ،وبذل السلام ، وقصر الأمل ، ولزوم الإيمان ، والتفقه فى القرآن ، وحب الآخرة ، والجزع من الحساب ، وخفض الجناح ، وأنهاك : أن تسب حكيما ، وتكذب صادقًا ، أو تطيع آثمًا ، أو تعصى إمامًا عادلا ، أو تفسد أرضًا ، وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ، ومدر وأن تحدث لكل ذنب توبة : السر بالسر والعلانية بالعلانية ".

الثانية: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة : يقول الحق سبحانه : ( ادْعُ إِلَىسَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل :125.
واستوجبت هذه الحكمة الصبر على قومه ، والأخذ بأيديهم إلى رحاب الله ،و ضرب الأمثال لهم لتقريب الفهم ، والداعية الحق هو الذى ينتهج حكمة وعقلانية وموضوعية فى دعوة الناس .

وتعضد هذه الحكمة والرشاد – التى تكون بالأمر بالأخلاق الحميدة والنهى عن الصفات الرذيلة – بشئ مهم هو الأخذ بالموعظة الحسنة فى الدعوة ، وذلك بعدم التشدد على الناس ، وعدم التعسير عليهم ، والرفق معهم ، وفتح باب الرجاء أمامهم وهذا ما تؤكده سلوكياته صلى الله عليه وسلم فى التيسير على من يدعوهم ومن يطلبون الهداية ، وكان لهذا النمط الآخاذ فى المعاملة بالرفق الأثر العظيم فى دخول كثير من الكفار وأهل الكتاب فى دين الله تعالى .

بل تجده صلى الله عليه وسلم يتسع صدره لأخطاء الناس ويحاورهم بأسلوب رقيق ليدركوا أخطائهم بأنفسهم دون الموعظة المباشرة ، ومن ذلك أن غلاما شابا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يانبى الله أتأذن لى فى الزنا ؟ فصاح الناس ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم قربوه ، ادن فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبى صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك ؟ فقال :لا جعلنى الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ...أتحبه لأختك ؟ وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والحالة وهو يقول فى كل واحدة :لا ، جعلنى الله فداك ، وهو صلى الله عليه وسلم يقول : كذلك الناس لا يحبونه ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال : اللهم طهر قلبه ، واغفر ذنبه ، وحصن فرجه ، فلم يكن شئ أبغض إليه منه ، يعنى الزنا " .

وهكذ نجد حكمته الفريدة صلى الله عليه وسلم فى محاورة هذا الرجل الذى استولت الرذيلة على نفسه ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل تعلقه بالذنب ، وطلبه الترخيص له بالزنا إلى دعاء صادق بطهارة القلب ، ومغفرة الذنب ، وتحصين الفرج ، مما جعل الرجل يتحول إلى بغض لها ، ونفور منها ، بعد أن استخلص الرسول الكريم وساوس الشر وجذور المعصية من قلبه وعقله وبدنه .

ولك أن تتأمل معى قصة هذا الشاب فلو أن الرسول الكريم أغلظ عليه فى القول وشدد عليه فى النكير ، وأمر بإخراجه لأنه شيطان مارق ، لأدى هذا إلى قنوط الشاب من رحمة الله ، وقد ينغمس فى شهواته ، آخذا اتجاهًا سلبيًا ما دام دائه قائمًا ، وعلته موجوده ، وآخذة فى الإستفحال والكبر .

ونجد تصديقًا نبويًا آخر لما تقدم ، فى رفقه صلى الله عليه وسلم بالجاهل وتعليمه فى أناة وصبر من غير تعنيف وتسفيه ، ومن غير زجر وشدة ، ولنستشهد على ذلك بهذا الحديث الصحيح الذى رواه أنس بن مالك رضى الله عنه : بينما نحن فى المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابى فقام يبول فى المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : هه...هه. فقال الرسول الكريم : لا تزرموه (لا تقطعوا عليه بوله ) دعوه ، فتركوه حتى بال .ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا من القذر ،وإنما هى لذكر الله عز وجل ، والصلاة ، وقراءة القرآن ، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ، ( أى صبه علي موضع النجاسة ) .

وهكذا تركه الرسول الكريم حتى ينتهى الموقف ،ثم يعلمه فى رفق وأبوة ، ولربما قطع الرجل بوله مخافة الناس ، فأضر نفسه ، ولعله كان سينجس مواضع أخرى من المسجد إذا أخذ فى التحرك للخارج وهو يبول ، ولعله كان سينجس بدنه كذلك ، وتنتشر النجاسة . وهذه المواقف تمثل درسًا تعليميًا قويًا فى توجيه الناس ، وتبصير الدعاة بكيفية الدعوة بالحسنى ، والتعامل مع أمراضهم وعللهم وأخطائهم بالحكمة السديدة..
ومن الموعظة الحسنة لديه صلى الله عليه وسلم التزام منهج محدد فى التيسير على الناس ، وكلماته صلى الله عليه وسلم فى ذلك أضحت صورة ناطقة بيسر الإسلام ، ففى حديث أنس رضى الله عنه يقول الرسول الكريم " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا " والأحاديث التى تنطق بعدم الغلو كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم فى بيان الفطرة الصحيحة " لكل عمل شِرة ، ولكل عمل فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتى فقد اهتدى"

ولذا كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ينكر على هؤلاء الذين يعتقدون أن الإفراط فى العبادة أمر محبب إلى الله تعالى ، فأوضح سنته لهؤلاء النفر الذين قاموا إلى منزله صلى الله عليه وسلم فسألوا السيدة عائشة عن عبادته صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها ، فقال أحدهم : أما انا فأقوم الليل كله ، وقال الثانى أما أنا فأصوم الدهر كله ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فإذا به صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم قائلًا : أنتم الذين تقولون كذا وكذا ، أما أنا فأقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، وهذه سنتى فمن رغب عن سنتى فليس منى " .

وكان منهجه صلى الله عليه وسلم فى أمر أصحابه ألا يكلفوا أنفسهم فوق طاقتهم ، لأن الله تعالى لا يمل حتى تملوا ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ،فعن أنس بن مالك رضى الله عنه " دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا بحبل ممدود بين الساريتين فقال ما هذا الحبل ؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : لا حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد "
ونلتمس توجيهًا كريمًا منه صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه ابن عباس رضى الله عنه يقول : سمعت عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال : قال لى النبى صلى الله عليه وسلم : ألم أخبرك أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قلت : إنى أفعل ذلك . قال : إنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ، ونهقت نفسك ، وإن لنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فصم وأفطر ، وقم ونم "

وإنك لتجد مواقف أخرى تؤكد حرصه صلى الله عليه وسلم على الموعظة الحسنة فى عدم إثقاله على الصحابة بالموعظة ، مخافة الملل والسأم ، وهذا إدراك شامل لطبيعة النفس البشرية ، فيقول ابن مسعود رضى الله عنه ، كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة الحسنة فى الأيام كراهة السامة علينا .

الثالثة:الموازنة فى أمور الدعوة : كما أن الدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة والموعظة الحسنة فإنها تراعى ظروف المتلقين وأحوالهم ، مما يستلزم فقها فى الدعوة ، وذلك بالبدء بالأهم ، وتقديم الأساسيات على الفرعيات ، بل وترك الأمر بالمعروف مخافة وقوع الناس في الفساد ، ونجد تأكيد ذلك فى الأحاديث النبوية الكريمة ، وفيما فعله صلى الله عليه وسلم فقد ترك الرسول الكريم قواعد الكعبة المشرفة كما هى ، ولم يشأ إعادتها إلى قواعد الخليل إبراهيم عليه السلام مخافة وقوع فتنة بين الناس ، خاصة أن الإيمان لم يستقر فى قلوبهم بعد.

فعن ابن عمر رضى الله عنه عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها " ترى أن قومك لما بنوا الكعبة اقنصروا على قواعد إبراهيم ، قلت : يارسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت " ويقول لها أيضا صلى الله عليه وسلم " لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ، ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشًا استقصرت بناءه ، وجعلت له خلفا " .
وهكذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر خشية الوقوع فى منكر أشد ، وهو قيام فتنة بين الناس ، وظنهم أنه صلى الله عليه وسلم يريد بهذا أن يفضلهم ، ويفخر عليهم . ذلكم أنهم – قريش – كانوا يعظمون الكعبة ، وهى مصدر قوتهم وسلطانهم ولم يكن لهم قبول أى تغيير فيها ، ولم يقفوا سالبين أزاء ذلك ، وهذا ما أدركه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بفكره الثاقب ، وسلوكه القويم .

وهذه الموازنة فى أمور الدعوة والتى رأينا تأسيسًا لها فى فكره وسلوكه صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون موجوده لدى كل داعية يتعامل مع الناس ، فيبدأ بالأمور الأهم فى شئون الدعوة ، ولا يدخل بهم فى تفريعات فقهية وفكرية ، ولا يلج بهم فى أمور خلافية ومذهبية إلا بعد أن يستوفى الأصول الرئيسية من الإيمان والفرائض والقواعد ، فإذا ما أشِرب الناس ذلك وفهموه وطبقوه واهتدوا به ، أخذهم بعد ذلك إلى الفروع وليس إلى الخلافات التى تعكر صفو الحياة الدينية ، وتجعل النفوس غير مطمئنة .ويمكن القول إن هناك سمات أخرى لمنهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى ، نكتفى بالإشارة إليها فقط هنا ، وذلك مثل : التزام القدوة الحسنة ، معاودة الدعوة لمن يعارضها ، الجمع بين الترغيب والترهيب ، الالتزام بالصدق فى الدعوة ، الإخلاص والتجرد لله تعالى ، مواجهة الأفكار المنحرفة ، الحرص على تبليغ الدعوة بالموعظة الحسنة
وبعد – فإن تناولنا المتقدم للجانب الأعلامى ومضامينه فى الإسلام أردنا به إبراز جانب مهم من مضامين الحضارة الإسلامية ، الذى يؤهلهم لدور نهضوى عظيم ، ويعد أحد منطلقات البحث الحضارى المنشود ، وهذا الجانب يعكس تكامل الرؤية الإسلامية فى الإسلام والتبليغ ، والدعوة ، وفى شمولية المنهج الإسلامى فى الإسلام مم لا نجد له نظير فى الديانات والشرائع الأخرى .
ونستطيع إيجاز الرؤية التكاملية للإعلام فى الإسلام فى النقاط التالية :
1- استوجبت الرسالة الإسلامية الجامعة وجود مجالات متنوعة للتبليغ والإعلام بصورة فردية ، وبصورة جماعية ، وتركز جهد أنبياء فى تبليغ رسالتهم ، وإيصال رسالة التوحيد إلى الله جميعا .
2- تنوعت قنوات الإتصال فى عهد النبوة لدى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكان ذلك بالإتصال الشخصى عن طريق الوفود والرسل والرسائل ، أو بالإتصال الجماعى عن طريق مجالس العلم والخطب والوعظ .
3- اختلفت مضمون خطبه ورسائله ووعظه صلى الله عليه وسلم بإختلاف حالة المتلقى ، فهى تبدأ بالدعوة إلى التوحيد ، ثم تتجه إلى تشريعية وأخلاقية وتصحيحية كما راعت رسائله صلى الله عليه وسلم عقيدة المتلقى ، وكيفية دعوته إلى دين الله تعالى كما اختلف مختلف الرسالة الإعلامية النبوية فى خارج الجزيرة العربية عن فحواها داخل داخل المجتمع الوليد .
4- الدعوة إلى الله هى الركيزة الأساسية فى النظرية الإعلامية فى الإسلام وبين القرآن الكريم ومنهج الدعوة الإسلامية الصحيحة ، روحا وأسلوبا ومضمونا . كما ضمن أدب النبوة منهجًا حركيُا شاملًا فى كيفية الدعوة إلى الله تعالى .
5- فى حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المثال الأعظم للدعوة إلى الله تعالى ، والإعلام بها ، وذلك فى حرصه على التبليغ بشتى الوسائل ، وفى صلابته وقوة إرادته ، ورسوخه فى الحق ، وفى قناعته بدعوته ، وإيمانه بقوة رسالته ومستقبلها المنتظر ، وفى إيمانه صلى الله عليه وسلم بتبليغ دعوتة ، وفى وفى جهاده فى دعوة المشركين ، وفى استغلاله لكل مناسبة فى دعوة قومه .
6- ثم سمات متعدده لمنهجه صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى ، وفى الإعلام بدين الله ، ومن ذلك : الدعوة إلى مكارم الأخلاق والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والموازنة فى أمور الدعوة ، وفى التزام التيسير – إلى غير ذلك مما أشير إليه .
7- ارتكز المنهج الإسلامى فىالدعوة إلى أمانة الكلمة ، وعلى خطورتها ، وذلك بالدعوة إلى القول الحسن ، وإقدار الكلمة الحسنة ، والتحذير من الكلمة الخبيثة ، وهذا المنهج واضح فى القرآن الكريم ، وفى الحديث النبوى ، وفى أقوال الصحابة وعملهم .
8- أقدر المنهج الإسلامى فى الإسلام دور الحواس فى التلقى ، وذلك فى السمع والبصر ، وهما النافذتان إلى قلب المرء ، الذى بصلاحه يصلح البدن كله ، وبفساده يفسد الجسد كله ، وهذا ما يتضح فى حديث القرآن الكريم عن السمع والبصر والفؤاد ، وعما يعرض للقلب من تحولات بالخير أو الشر ، وبالصلاح والفساد .
9- للخطاب الإعلامى الإسلامى دور تعليمى وإرشادى ودفاعى فهو يجمع كلمة المسلمين ويرشد الدعوة الإسلامية ، ويتصدى للغزو الثقافى ، ويحصن الأمة ، وله مواصفاته المأخوذة من مضامين المنهج العام فى الدعوة إلى الله تعالى .
10- للقائم بالإتصال أوالداعية إلى الله تعالى أجر عظيم عند الله تعالى ، ولذا عليه ألا يبغى من وراء رسالته جزاءً ماديًا أو معنويًا (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء :109
اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنَّا الحُزْنَ وَأَبْدِلْهُ بِالسُّرُورِ، وَأَزْهِقْ بَاطِلَ الضَّمَائِرِ بِجندٍ مِنَ الحَقِّ، اللَّهُمَّ وَأَزِلْ عَنَّا الهَمَّ، وَاطْرُدْ مِنْ نُفُوسِنَا القَلَقَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الخَوْفِ إِلَّا مِنْكَ، وَالرُّكُونِ إِلَّا إِلَيْكَ، وَالتَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَيْكَ، وَالسُّؤَالِ إِلَّا مِنْكَ، وَالاسْتِعَانَةِ إِلَّا بِكَ ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


 
الوسوم
إلى الدعوة الله سمات صلى عليه فى منهجه وسلم
عودة
أعلى