مسائل في الاحتضار وأحوال الميت

القطه

الاعضاء
كيف يستعد المريض:


المرض ابتلاء من الله وامتحان، به تنكشف حقيقة العبودية للواحد الديان، لذا يجب على المريض أن يرضى بقضاء الله، وأن يعبد ربه بالصبر فيما قدر له من ضر، وعليه أن يحسن الظن بالله، وأن يتذكر نعم الله السابقة والحاضرة، وأن يطهر قلبه بالإيمان.

ولا حرج على المريض في التداوي بمباح، ولا يجوز بمحرم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)([1])، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)([2]).

ولا يجوز التداوي بما يفسد العقيدة، بالذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهان والمنجمين، أو بالذبح لغير الله، أو بتعليق التمائم.

وينبغي أن يدرك المريض أن المرض لا يدني من الموت، كما أن الصحة لا تباعد منه، ومرد ذلك كله إلى الأجل الذي قدره الله للإنسان، فما هي إلا أنفاس معدودة في أماكن محدودة، فإذا انقضت الأنفاس حل الموت بالإنسان صحيحا كان أو مريضا.
ولكن إذا كانت التوبة إلى الله واجبة على الإنسان في كل حال، ففي حالة المرض أوجب.
فإذا اشتد المرض، لا يجوز للمريض أن يتمنى الموت،ولا يدعو بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب)([3])، أي يسترضي الله بالإقلاع والاستغفار([4]).
وروى مسلم في صحيحه: (لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا)([5]).

وينبغي أن يكون المريض بين الخوف والرجاء، لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: (كيف تجدك؟) قال والله يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف)([6]).

ويجب عليه أن يرد الحقوق والودائع إلى أهلها، وأن يسترد حقوقه، فإن لم يتيسر له ذلك، أوصى بوفاء ما عليه من حقوق للعباد كالديون ونحوه، أو لله كالكفارات والزكاة ونحوهما، وينبغي أن يبادر المسلم بالوصية، وألا يؤخرها إلى حضور أمارات الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده)([7]).

فإن أوصى بمال جاز له الثلث في غير محرم، لا ما زاد عليه، والثلث كثير، ولا تجوز الوصية لوارث، ولا يجوز الإضرار في الوصية، كأن يحرم بعض الورثة، أو بفضل أحدهم على الآخر.

ويجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة، وأن يجتنبوا البدع في ذلك، وأن يتولى هذا الأمر أهل الخير والصلاح.

ما يسن عند الاحتضار:

ويسن تلقين المحتضر قول (لا إله إلا الله)، لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)([8])، وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)([9])، فإذا تكلم بعدها، أعيد تلقينه، ليكون آخر كلامه في الدنيا كلمة التوحيد.

ويسن توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يوضع على ظهره، ورجلاه إلى القبلة، ورأسه مرفوع قليلا مواجها القبلة، لما رواه البيهقي في سننه، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، سأل عن البراء بن معرور، فقالوا: توفي، وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(أصاب الفطرة وقد رددت ثلثه على ولده...)([10]).

علامات الموت:

فإذا بدت علامات الموت، يستحب أن يكون حوله أهل التقى والصلاح، من أهله وأصحابه، ويكثرون الدعاء له وللحاضرين، ويعرف موته بما بلي:
1- بانخساف صدغيه.
2- غيبوبة سواد عينيه في البالغين.
3- ميل الأنف.
4- انفصال كفيه، بأن تسترخي عصبة اليد فتبقى كأنها منفصلة في جلدتها عن عظم الزند.
5- استرخاء رجليه، أي لينها واسترسالها بعد خروج الروح لصلابتها قبله.
6- امتداد جلدة وجهه، وجلدة خصيتيه، لانشمارهما بالموت.
7- وأوضح علامات موته، تغير رائحته([11]).

ما يفعل بعد الموت وقبل الغسل:

فإذا ثبت موته، سن تغميض عينيه، لحديث أم سلمة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال:(إن الروح إذا قبض تبعه البصر..)([12]).
ويسن لمن يغمضه أن يقول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:(إذا وضعتم موتاكم في قبورهم، فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله)([13])، وأن يدعو له، وألا يتكلم من حوله إلا بخير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة: (.. لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ). ثم قال)اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)([14]).
ويسن تغطيته بثوب يستر جميع بدنه بعد نزع ثيابه التي قبض فيها، صونا له عن الانكشاف، خاصة وقد أصبح في صورة جديدة لم تألفها الأعين، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة)([15])، ما لم يكن الميت محرما فلا يغطي رأسه.

ويندب شد لحييه بعصابة عريضة، تربط فوق رأسه حتى لا يقبح منظره، أو يدخل فيه الماء أو الهواء، ويندب تلين المفاصل برفق قبل أن يبرد الجسم، فتثبت على وضعها، ويوضع على بطنه شيء حتى لا تعلو.

ويجوز كشف وجه الميت وتقبيله، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل)([16])، ولما أخبرت رضي الله عنها قالت: (أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجي ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله ثم بكى....)([17]).

ولا بأس بإعلام الناس بموته ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه، بأسلوب شرعي... وينتظر في تجهيزه حتى يتحقق موته، فإن بان عجلوا به، وتجب المبادرة بقضاء دينه وتنفيذ وصيته، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)([18]).
 
الوسوم
الاحتضار الميت في مسائل وأحوال
عودة
أعلى