رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة د

بسمه

الاعضاء
|| الدفتر الأول ||



الغلاف :



رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة د


رسم وتصميم امرأة من زمن الحب (tamahome)



المقدمة:



بين أسراب زهور ذات لون ذهبي......ولد حب ربط بين إنسانين.....ربط روحيهما مع نفحة من رحيق تلك الأزهار وخلد أسميهما.......بين ثنايا التاريخ قصة لقلوب غزاها الغرام فلم يهزم ولم يطويه الموت في ظلاله.....
وجاء الشتاء ليرسل رياحه العاتية لتطيح بما تلاقيه ......رياح القدر المليئة بلعنات قلوب حاقدة لتطير أوراق الزهور الذهبية ....
لكن إذا كان الحب هو الذي يربط إنسانا وآخر إذا فلطالما كان الإنسان حيا لا يستطيع أن يتوقف عن الحب بل يزداد حبه كل صباح حتى يأتي اليوم الذي يموت فيه
إذا كان الحب يعني أن ترتبط روحا اثنان حتى لو فرقهما الموت وأصبح كل في عالم.....يبقى الحب حتى وإن ذهب المحبان....فالحب إذن هو إكسير الحياة.....
وهنا قصة قلبين أزهر حبهما بين أسراب الزهور الذبية التي نبتت مع حبهما وهو ينمو ويزدهر الى أن أصبح قوة تقف في وجه رياح الشتاء المظلم وبقيت تلك الأزهار شاهد على حبهما

.......الزهور الذهبية....





||| الشخصيات |||




قصر (كازابيانكا) :

تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......


أسرة (فان دييجو) :


1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)

2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)

3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)


4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)

5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....


6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...


7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيولالأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....

8- (خوسيه) :هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)


قصر (روزانيرا) :

تعيش فيه عائلة (فلاديمير)

عائلة (فلاديمير) :


1- السيدة (ساندرا) :هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)

2- (فلوريا) :هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر

3- (روبرتو) :هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريافثراءه الوحيد هو علمه...


قصر (لوتشى أورو) :

تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)

عائلة (ديميتريوس) :


1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)

2- (جابريلا) :هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.

قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة
 
الفصل الأول



[font=ثلث 1][[ القصور الثلاثة [[[/font]





[font=ديواني 2 مغلف]إيطاليا – ميلانو – عام 1870 م[/font]​



مع نسمات إبريل الهادئة حيث الشمس ترسل أشعة كخيوط ذهبية تصل السماء بالأرض ...... إنطلقت عربة مكشوفة يجرها جوادان , عربة ذات اطار خشبي مطلي باللون الأحمر حيث طلي كرسي السائق بنفس اللون وكان اللون في تعاكس صارخ مع لون الخشب البني القاتم وهناك جلس بعض الفلاحون الإيطاليون الذاهبون في اتجاة قرية (أسترا) الواقعة خلف التلة الخضراء من الجهة الغربية ومنهم من جلب معه بعض أزواج من البط البري التي كانت تصدر صوتا عاليا يعيق نوم رجل عجوز في مقدمة العربة , كان يسند رأسه على القش الأصفر اليابس الموضوع في هذا المكان والذي كان رطبا بعض الشئ ....كان واضحا أن الرجل العجوز ليس من إيطاليا على الإطلاق فلقد كان كولومبي الأصل ذو بشرة داكنة مائلة للحمرة وشعره أسود كثيف تتخلله بعض الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسه , كان يحاول عبثا أن ينام لعله لايشعر بطول الرحلة الى قصر مخدومه فلقد أتى مع ابنته من بلاد بعيدة نسبيا لأن السيد (فان دييجو) قال أنه سيدفع له راتبا لابأس به وكان يحمل معه ابنته البالغة من العمر أربع وعشرون عاما والتي كانت تجلس الى جانبه تتبادل حديثا طويلا مع الفلاحة التي تجاورها , كانت ابنته رائعة الجمال يكاد يجزم أنها أروع امرأة كولومبية عرفها فلقد ورثت الجمال عن امها , هكذا حدث نفسه بافتخار.....وعلم أن طبعها الفضولي لابد وأن يضغي عليها فتناهى الى مسامعه اطراف من حديثها مع تلك الفلاحة التي لم تلاحظ اختلاف لهجتها فلقد كانا يتحدثان الإيطالية بطلاقة وهذا لأنهم خدموا من قبل في وقت نشأة ابنته (أنجيليتا) في بيت ايطالي فتربت (أنجيليتا) تعرف اللغتين وتتقنهما اتقانا تاما وسمعها تسأل الفلاحة :

"إذن فقرية (استرا) هي القرية الوحيدة في هذة المنطقة المتطرفة من شرق ميلانو!! ولكن ماذا عن عائلة (فان دييجو) هل سمعت عنها ؟!..."


"أجل إنهم أصحاب قصر (كازابيانكا) الموجود في الجهة الشرقية من التلة لقد اقتربت العربة منه كثيرا "


"أهو القصر الوحيد هنا في هذا المكان ؟!.."



"بل يجاوره قصران لعائلتي (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حيث يقع قصر عائلة (فلاديمير) والذي يسمى (روزانيرا) في الجهة الغربية من (كازابيانكا) وهما قريبان من بعضهما في حين يبعد قصر عائلة (ديميتريوس) والذي يسمى (لوتشيأورو) قليلا عن أراضي القصرين بحوالي أربعة أميال ولكن هذا لايمنع الصلة الوثيقة بين الثلاث اسرات كما أن كثير من عائلات خدم القصور الثلاثة يعيشون في قرية (أسترا) والحق يقال أن قصر (كازابيانكا) هو أجملهم كما أن السيد (فرناندو فان دييجو) رئيس الأسرة صاحب أكبر نفوذ هنا وهو الأغنى أيضا والأكثر رفعة في المكانة ولكنه ازداد قسوة بعد موت زوجته (آنا)....لقد كانت امرأة طيبة للغاية تساعد المحتاجين كما كانت فاتنة الجمال وذات عينان لازورديتان فاتنتان وعلى الرغم انها انجبت ابن وابنة إلا أن ابنتها لم ترث شيئا من جمالها بل لا أعتقد أنها تشبهها البتة أوهكذا يقال...بينما ورث ابنها الأكبر كل ما لها....عيناها,ملامح وجهها,شعرها الكستنائي وطيبة قلبها مما جعله هدفا لكل الفتيات النبيلات في المنطقة وخارق المنطقة.....وأظن أن السيدة (ساندرا فلاديمير) الأرملة تريد تزويجه من ابنتها (ڤلوريا) الوحيدة لتضمن لأبنتها معيشة هانئة ماتبقى من حياتها......كم أتوق الى حفل زفافهما لابد وأن يكون أجمل حفل عرفه التاريخ...."


فابتسم (خوسيه) الكولومبي العجوز وأكمل نومه وبعد ذلك بساعة ونصف كانا قد نزلا من العربة وودعت ابنته (أنجيليتا) الفلاحة واعدة إياها بزيارة في القرية في وقت قريب وتقدم الكولمبيان (خوسيه) وابنته الي أعتاب أراضي قصر (كازابيانكا) ...كانت حديقته جميلة ذات طرقات متفرعة ممتلئة بالأزهار ومجهزة لأستعمال الخيول وكان الخدم في كل مكان معظمهم ايطاليين وماإن وصلوا الي النافورة التي تسبق بوابة القصر الرئيسية والتي كانت من الرخام المتعدد الألوان والتي يتوسطها تمثال رائع لعاشق نبيل يقبل عروس بحر خارجة من مياة النافورة بشكل رومانسي جميل وكان القصر مليئ بالحجرات وتوجد الى جانبه بيوت ذات طابق واحد أوطابقين للخدم ومايتعلق بهم وملحق بهم مبنى كبير للإسطبلات التي تحوي العديد من الخيول الأصيلة المتنوعة والتي ستكون مهمة (خوسيه) وابنته..... قادهم رئيس الخدم الى الغرفة الخاصة بصاحب القصر لعائلة (فان دييجو) السيد (فرناندو) .....عندما نهض (فرناندو) من كرسيه تقدم بخطوات ثابتة متعالية نحو خادمه الجديد (خوسيه) وعامله بتكبر واضح ذاكرا ماهي مهمته في الإعتناء بالخيول الأصيلة وتزويجها للحصول على سلالة متميزة فهو يحضر افضل الخيول من مختلف أنحاء العالم كما أحضر حصانا جديدا غير مروض لأبنه الأكبر الذي ناداه (ألفريدو) وطلب من (خوسيه) أن يروضه فقال العجوزبلهجة ودودة :

"لقد دب الشيب في رأسي ياسيدي ولم أعد أفعل ذلك لكني واثق أن ابنتي الوحيدة (أنجيليتا) ستتولى هذة المهمة عن طيب خاطر....."

وهنا نقل (فرناندو) عيناه ببرود تجاة الفتاة الفاتنة التي تقف الى جانب أبيها فابتسمت له وحيته بخجل فلم يرد لها تحيتها بل قال بصوت قاسي :


"لا يهمني من الذي سيفعل , المهم أن تنفذ ما أقوله لك والآن سيريك (لوسيانو) مكان اقامتك"


وكان (لوسيانو) هو رئيس الخدم في (كازابيانكا) كما كان ذات سلطة قوية فلقد كان يتولى كل أمور السيد والمتحدث الرسمي بأسمه والذي يحل محله في بعض الحالات الخاصة وكان جميع الخدم يهابونه ويعملون له ألف حساب وحمل الكولومبيان حاجاتهما وذهبا لإكتشاف حجرتيهما.......



بعد مغادرة (خوسيه) و (أنجيليتا) عم الهدوء غرفة (فرناندو) من جديد الذي ظل ينظر الى جهة واحدة دون أن تطرف عيناه فلقد تذكر أن اليوم قد أقام مائدة كبرى يجمع فيها افراد عائلة (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حين يجمع الأولاد ويستطيع أن يفاتح ابنه بصراحة مطلقة عن رغبته في تزويجه من (فلوريا) ابنة الأرملة (ساندرا فلاديمير) وصديقه الراحل (فرانسوا) وقد يضرب عصفوران بحجر واحد ويري ماستؤل إليه الأمور مع ابنته الأخرى (سيسل) فقد يعرض عليها (أندريه) الإبن الوحيد لعائلة (ديميتريوس) الزواج وسيكون هذا أفضل مايمكن أن يحدث له فسوف يبني امبراطورية كبيرة وتدخل أملاك الأسرتين العريقتين في أملاكه سيكون سيد المنطقة دون أدني شك كم حلم طويلا بجمع الأسرتان ليكونا تحت امرته فلقد كان كل مايهمه الثراء والسلطة وبعدهما يأتي الطوفان وفكر في نفسه بسخرية كم فرح لموت (آنا) زوجته والتي كانت عاطفية تؤمن بالحب وبتلك الأشياء السخيفة ونقل عيناه لتقع على كرسي في أقصى الغرفة قريب من المكتبة وقال محدثا نفسه كانت تجلس في هذا المكان دائما تطالع رواية رومانسية للقرون الغابرة وكانت حينها عيناها تصفيان وتصبح رائعتان , تينيك العينين اللازورديتان ....فشعر بغصة في حلقه إذ تذكر أنها اشبعت رأس ولديه بتلك الأفكار السخيفة والأقوال المهترئة والتي لاتلبث أن تجعل سيطرته عليهما صعبا فلم يكن الزواج بالنسبة له سوى لتحقيق مصالح لطرفين الرابطة حتى اتخذ عنده طابعا تجاريا محض وكان من السهل السيطرة على (سيسل) ابنته فهي تميل اليه أكثر والى أفكاره ولكن المشكلة عنده كانت في (ألفريدو) ذلك الشاب الطائش والذي من المفترض أن يستلم زمام امبراطوريته التجارية والإجتماعية ولكن لم يبدو أبدا على استعداد لذلك.......



لم يمضي وقت طويل على الكولومبيان -أوهكذا كان يسميهما الخدم- حتى شعرا بالراحة في المنطقة وبدأا يمارسان عملهما بشكل جيد وكان الجميع يشيد بجمال (أنجيليتا) وأدبها وأخلاقها الفذة فلقد كانت ذات طباع سامية تحب مساعدة الجميع متفائلة وخفيفة الظل باختصار كانت تدخل البهجة على قلوب الجميع من حولها فلقد كانت فاتنة في ريعان شبابها زهرة ناضرة تنتظر من سيقطفها ولم تكن قد رأت أحدا من سادتها غير السيد (فرناندو) وكان رويته كافية لتنفرها من الأسرة أجمع فلم تكن تميل اليه بل كانت في داخلها تكرهه وتكره أن يعامله أبوها بخنوع شديد هكذا وبدأت الخادمات الشابات يخبرنها عن كل مايدور في هذا البيت فعرفت أن الإبن الأكبر (ألفريدو) شاب وسيم لأقصى حد وعيناه هما سر جماله و عينيه لازوردية تجعل أي فتاة تسقط صريعة لحبه كما كان جيد الطباع حسن المعشررقيق القلب وكان يحب الشعر ويعزف الجيتار بطلاقة وكان صديقا حميما (لأندريه ديميتريوس) منذ الصغر ولعل هذا هو الذي شجع (أندريه) على أن ينظر بعين عاشقة لأخت صديقه الحميم (سيسل) ولكن تلك الأخيرة لم تكن تبادله أدنى ذرة من العاطفة بل كانت تميل الى زميل لها في الجامعة وهو قريب في الواقع لعائلة (فلاديمير) ويدعى (روبرتو) ولكنه لم يكن يأتي كثيرا للدارفكانت تكتفي بارسال رسائل له بين الحين والآخر لتعرفه بكل مايجري هنا وتعطيه لصديقتها الحميمة الخطيبة المستقبلية (لألفريدو) وهي (فلوريا فلاديمير) وكان هذا طبعا دون علم والدها ولكن الجميع كان يعلم أن (أندريه) كان أفضل عريس لها وكان أفضل خلفا وعلما منه كما كان ذات شأن عنه ومهابة ولكن قلب (سيسل) لم يكترث لهذا أبدا.........



فابتسمت انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت بشهقة إعجاب :

"كم هي رائعة"

فسمعت صوتا من خلفها يقول :


"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "


فاستدارت (أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت لها دون أن تحيها :


"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "


فرحلت (أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات وقالت لها هذة المرة :

"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"


فردت (أنجيليتا) :


"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."


"نعم حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه دائما"


"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."


"نعم هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام (ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "


"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."



" آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا) واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."


"بل أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"



فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :


"لهذا السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي (سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع) وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد (ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"


فابتسمت (أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو) نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......



بعد أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه ديميتريوس) وأمه.......


جابت الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت مذعورة قائلة :


"لا توقف!!!......توقف!!!..."



ونهضت واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا قائلا:


"ياإلهي لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."


وسمعت ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت (فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره ولكنها دفعته بقوة وقالت له:


"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"


فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :


" هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني (ألفريدو)؟!.... "


"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"


"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."


"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"


فضحك بمرح وقال :


"إذن انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"


وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :


"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"


"ماذا تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."


قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:


"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"


كانت تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :


"يبدو أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن أعضك..."


وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :


"على الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره مهما فعلت "


وحينها شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها غاضبة:


(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)



وقف (ألفريدو) مذهولا لماحصل فلم يصدق أن تثار ثائرتها لدرجة أن تأخذ جواده هاربة وتتركه وكأنها تعاقبه ولايدري ماهو السبب ولكن ذلك جعله ينفجر مقهقها بصوت عالي فلم يتخيل أن أي امرأة في هذا العالم يمكن أن تعامله هكذا فهو معتاد على الإعجاب الدائم من الفتيات من حوله ولكن لقاءه بتلك الفتاة سيبقى في ذاكرته طوال العمر وفكر قليلا....لابد أن (أندريه) قريب بجواده من هنا فظل يصفر في كل ناحية ومالبث بعد قليل أن سمع جوادا يقترب منه ورأي (أندريه) قادما وهو يقول :


" ماذا؟!...هل أصطدت شيئا؟!..."

ولكنه وجده خاوي اليدين دون بندقية أوفرس فقال له :


" ماذا حصل ؟!....لايمكن أن تكون قد تعرضت للسرقة؟!..."


فزاد هذا من رغبة (ألفريدو) في الضحك وقال له :


"الواقع لم أكن الصياد هذة المرة بل كنت الضحية !!!!.."


وامتطى الحصان وراء (أندريه) ثم حكى له ماحصل فرد (أندريه) بعد أن فرغ (ألفريدو) من حكايته :


"يالها من فتاة غريبة فعلا..... ولابد أن تنال عقابها!!..."


فلم يرد عليه (ألفريدو) وبقي ساهما يفكر.........



عادت (أنجيليتا) الى القصر ولاحظت أن سيارة أخرى قد أتت الى القصر فعلمت أن الأسرة الأخرى قد أتت كذلك وكانت طيلة طريق العودة تفكر فيما حصل لها وما ستكون نتائج تصرفها الفظ مع سيدها الشاب ولكنها اندهشت لأنها في داخلها أحست أنه لن يؤذيها ولكنها لم تستطع أن تطمئن ودخلت الإسطبل ووضعت الفرس مكانه واهتمت به وعادت الى غرفتها تفكر فيما وقع حتى سمعت والدها يتحدث الى السيدة (سوزي) بالخارج فخرجت لملاقاتهم فقال الأب في اندهاش :


"أوه هل عدت يا أبنتي من نزهتك....لم أعلم بذلك.....جاءت السيدة (سوزي) لتسأل عنك فأخبرتها بأنك لم تعودي بعد.....لما تأخرت هكذا ياعزيزتي؟!..."



"آسفة يا أبي....كنت أتمشى فسرقني الوقت...تعالى ياسيدتي لنتكلم قليلا"



وبمجرد أن دخلتا الغرفة وأغلقت الباب حكت لها عن كل شئ فاستاءت (سوزي) كثيرا من تصرفها ووصفته بأنه وقاحة شديدة كان عليها ألا تفعلها مهما أسئ اليها فهو سيدها كما أضافت أن (ألفريدو) يحب المزاح وإطراء من حوله وقالت في لهجة رقيقة "كما أنه لم يكذب فأنت ساحرة الجمال ياعزيزتي ولابد أن تسلبي لب أي شاب يراك" فشعرت (أنجيليتا) بالحرج الشديد وفكرت أنه ربما يخبر والده (فرناندو) ذلك الرجل القاسي وقد يؤذي والدها أو يهينه لقاء مافعلت فخرجت لتصحح مافعلت ولكنها وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا فلقد طلب السيد (فرناندو) والدها لمكتبه وعلمت من الخدم الآخرين أن السيد (ألفريدو) عاد وهو في مكتب والده كذلك فغاص قلبها وأسرعت الى مكتب السيد (فرناندو) غير عابئة باعتراضات (لوسيانو) الى أن وصلت الى الباب وهمت بالإقتراب والطرق فوقه لكنه فتح فجأة وخرج منه (ألفريدو) ونظر اليها مدهوشا ونظرت اليه هي بحرج وظل الإثنان يحدقان في بعضهما وقتا طويلا.....بدا على (ألفريدو) الجد والتأمل فشعرت أنه سيقول لها شيئا لن يعجبها فاقتربت منه وكادت تهم بالكلام لكنه رحل وتجاهلها تماما فحزنت حزنا رهيبا وأحست فعلا أنها ارتكبت خطأ لن يغفره أبدا بل وشعرت أنه ليس طيبا كما قال لها حدسها بل هو فعلا قد ورث الكثير من صفات آل (فان دييجو) ومالبث أن خرج والدها من مكتب (فرناندو) ولكن لدهشتها لم يبدو عليه أي ضيق بل وقال عندما رآها:


"(أنجيليتا) ؟!......ماذا تفعلين هنا يابنيتي؟!...."


"ماذا تفعل انت هنا؟!....ظننت أن السيد (فرناندو) استدعاك ليهينك فقررت أن آتي لأدافع عنك"


فابتسم (خوسيه) بحنان وقال:

"يا حبيبتي كم انت طيبة القلب....لكنك نسيت أني أقوم بواجبي على أكمل وجه وليس هناك مايهينني عليه بل لقد استدعاني لأن السيد (ألفريدو) أقترح أن يحضر نوعا من الخيول الإسبانية لنقوم بتزويجها للخيول التي عندنا لعلنا نحصل على نوع أصيل لامثيل له وطلب رأيي في هذا......أتعرفين أن (ألفريدو) هذا شاب لطيف للغاية لقد كان في غاية اللطف معي , استطيع القول أنه لايشبه والده في شئ مطلقا.....أتصدقين أنه تحدث عنك في أثناء حديثنا.....لقد قال أنك جيدة تجيدين الخيل.....هكذا قال أمام والده فزاد إيمانا بي وبعملنا أنا وأنت"


عندما سمعت (أنجيليتا) كلام والدها شعرت بالدوار وعلمت أنه كان يسخر منها دون أن يدري والدها وإلا لما ذهب هكذا دون قول كلمة لها ولكن غريب ألا يتطرق الى مافعلته ويغطي عليها مع أن كانت له الفرصة كاملة وحمدت ربها بشدة أنه لم يفعل.......


كانت المأدبة كبيرة جدا عليها جميع أصناف الطعام وهناك في أقصي اليمين حوالي ثمانية أشخاص يشكلون فرقة موسيقية يعزفون من أجل المدعويين مع أن عددهم لم يتعدى العشرة , كان السيد (فرناندو) على رأس الطاولة يتحدث برسمية وبصوت جاد بارد وكان قلما يبتسم وجلست السيدة (ساندرا فلاديمير) على يمينه وهي تتكلم بتكلف وإنفة مع (جابريلا ديميتريوس) والتي كانت تقابلها فهي لم تكن تحبها مطلقا وحمدت ربها أن (أندريه) ابن عائلة (ديميتريوس) لم يفكر في الزواج من ابنتها (فلوريا) لأنها ماكانت لتقبل به أو بأمه وجلس (ألفريدو) يطلق النكات ويتحدث بمرح شديد (لفلوريا) التي أمامه ولأخته التي تجاورها وبقي (أندريه) الى جانبه صامتا يحدق بهيام في (سيسل) أخت صديقه وكانت في بداية الجلسة تبادله بعض النظرات وتبتسم بأدب ولكنها شعرت أنه زاد عن حده فبدأت تتجاهل نظراته كليا ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التحديق بها وبكل لفتة أو حركة منها ولم يستطع التركيز في أي كلمة من كلام (ألفريدو) لأنه كان مشغولا بها وكم كان يحز في نفسه أنها لم تبادله نفس الإهتمام وحانت لحظة الرقص فنهض (ألفريدو) على الفور وراقص السيدة (ساندرا) وراقص (فرناندو) (فلوريا) الصغيرة وراقص بعدها السيدة (جابريلا) ونهض (أندريه) وطلب من (سيسل) الرقص معه فلم تستطع أن تعترض وظلا يرقصان سويا فترة طويلة دون أن تأتي الجرأة (لأندريه) على أن يقول كلمة واحدة , كان كلامه في عينيه ولكنها لم تفهم تلك اللغة وظلت تحدق في أخيها (ألفريدو) وهو يضحك ويرقص مع هذة وهذة بينما هي عالقة مع هذا الصامت حتى شعرت بالضجر ولكن مالبث أن ضغط على يدها بشدة فنظرت اليه وقال لها وكأنه كان يستجمع أطراف صوته :


" هل يكنني أن أتحدث معك قليلا......على انفراد؟!...."


فقالت بدهشة :


" أجل لابأس"


وشدها من يدها في اتجاه الحديقة حتى وصل الى جذع شجرة كان قابعا في الطريق يشكل مجلسا لشخصين متلاصقين فجلسا عليه وظل صامتا فترة من الزمن حتى قالت هي بضجر:


"لابد أن السيدة (ساندرا) ستحكي لنا عن رحلتها الى واشنطن بعد قليل..."



فلم يرد وسكت دهرا ثم نظر اليها بتمعن شديد حتى شعرت بالحرج ثم قال فجأة :


" أنا أحبك"




فذهلت (سيسل) وشعرت بإحراج شديد ولم تدري ماذا تقول أو تفعل وتمنت لو أن أخها يلحظ اختفاءها ليأتي لينقذها من صديقه هذا ولم تدري هل تواجهه أم ماذا ثم قالت محالة لكسب المزيد من الوقت :

"هذة مفاجأة لم أتوقعها حقا.....كما لم يلمح لي (ألفريدو) بشئ "


" (ألفريدو) لايعرف....لم أخبره شيئا....الواقع لم أصرح لأحد حتى لنفسي.....ولكنني أريد أن أعرف حقيقة مشاعرك.....بصراحة"


"هل أحببتني لأني شقيقة صديقك؟!....."


"تعلمين أنه لا يمكن أن يكون السبب كما لا أريدك أن تجامليني أوتدعي بوجود مشاعر لديك لمجرد أنك لا تريدين جرح مشاعر صديق أخيك الحميم.....فإن هذا لاعلاقة له بصداقتي (لألفريدو) كما أنني أحب الصراحة في هذة الأمور"


فاحمر وجهها خجلا وكأنه قرأ جميع أفكارها وظلت صامتة تتلاعب بالخاتم الذي بيدها منتظرة عون السماء لكنه قال بعد صمتها بشكل مفاجئ :

"هل هناك شخص آخر؟!...."


فأجفلت وانتفضت من مكانها ونظرت اليه بدهشة وعندما اطمئنت أنه مجرد تخمين وليس معرفة بالحقيقة قالت بعد أن وجدت أنه خلاصها الوحيد :

" الواقع نعم....هناك شخص آخر.....وليست المسألة لها علاقة بك فأنت شاب رائع يا (أندريه) وأظن أن أي فتاة في الدنيا كانت تتمنى مشاعرك.....ولكن لأسف تضيعها على الفتاة الخطأ"


فشعرت أنه تحول الى تمثال متحجر بعد كلماتها لم يحرك ساكنا بل كادت تجزم أنه لم يتنفس ولم تجرؤ على النظرالى وجهه ولم تدري كم لبثا جالسين دون أي كلمة ولكنه نهض فجأة وقال:


".....هيا بنا لابد أنهم يتساءلون عن مكان وجودنا الآن" فنهضت مسرعة وما لإن وصلا معا حتى قال (ألفريدو) " هاي أين كنتما أنتما الإثنان لقد فاتتكما أجمل رواية ولكن لا ياسيدة (ساندرا) لا تعيدي شيئا منها حتى يتعلما ألا يغادرا فجأة هكذا "



ضحك الجميع على كلام (ألفريدو) لكن (فرناندو) نظر الى ابنته في أمل ولكنه وجدها قد بدى عليها الحرج بينما وقف (أندريه) ووجهه شاحب بشدة فعرف أن الخطة التي رسمها لم تنجح وأن (أندريه) لن يكون (لسيسل) فشعر بالغضب يجتاحه وفي هذة اللحظة كانت (فلوريا) قد استغلت غيابهما وجلست الى جانب (ألفريدو) وظلت تتدلل عليه قدر إمكانها وتضع يدها على كتفه كحركة لكسب وده بين الفينة والأخرى ولكنه كان دائما يمرح ويضحك ولايهتم لحركاتها تلك مما جعل غضب (فرناندو) يتضاعف وهكذا اضطر (أندريه) الى الجلوس بجانب (سيسل) ما تبقى من الليلة ولم يتبادلا كلمة واحدة طوال الأمسية بينما وقفت (أنجيليتا) تراقبهم من خلف أحد الأعمدة ورأت أن (فلوريا) رائعة الجمال جدا واستغربت عدم انتباه (ألفريدو) اليها كما أعجبها مرح (ألفريدو) وحديثه الشيق الذي لا ينتهي وأعجبها كذلك الصداقة القوية بينه وبين (أندريه) كانا يبدوان وكأنهما أخوان ولدا بنفس اليوم وعاشا نفس الأحداث بل وأحيانا كانا يقولا نفس الجمل أويقول أحدهما نصفها ويكملها له الآخر ولكن (سيسل) لم تعجبها مطلقا وعذرت (أندريه) أنه لم يبادلها كلمة........



كان (ألفريدو) بعد مع حصل يراقب (أنجيليتا) ليل نهار دون أن تراه.....يراها وهي تحادث هذة وتضحك مع هذة تحمل هذة بحركة رشيقة وتدلل هذة , تضحك.....تعبس...تقفز....تركض.... ما هذا الذي يحدث لي؟!....- هكذا حدث نفسه - أنني أراقبها دون سبب واضح وتواصل كامل أراقب حركاتها أفكارها صوتها كلماتها لكل من حولها.....أحلل كل كلمة لأخرج منها صفة ما قد تكون جزءا ليكمل صورة شخصيتها بداخلي.....هنا جريئة....هنا شجاعة....هنا حادة....لا ليست حادة.....لا يمكن لهذا الجمال أن يكون حادا...إنها مجرد لحظة غضب لها....هنا فاتنة... هنا رقيقة....هنا عاطفية ....أجل إنها دائما عاطفية هكذا هي قلبها بجمال وجهها....روحها بفتنة عينيها أجل هي....هي من كنت أبحث عنها طوال حياتي...هي المياة التي كنت أنتظر أن تجري في وديان قلبي المقفرة.....هي الوحيدة التي يمكن أن تكملني.....ولكن كيف؟!....كيف هي؟!.... ولما هي؟!.....هي بالذات.......



في تلك الأيام كان (ألفريدو) يسلم قلبه شيئا فشيئا لها ويتركها تغزوه في خطوات ثابتة فما لبث يفكر في لقاءهما سويا يتذكر كل رؤية من عينيه لها كل لفتة كل تكشيرة أعتلت وجهها وعندما سقطت بين يديه....يذكر كلماتها حرفا حرفا ويحلل ويحلل حتى يلصق بها مايعجبه ويطرد عنها وعن صورتها في داخله مالا يعجبه..... وعلم أنه لن يحتمل أن يبقى في الخفاء مدة طويلة بل يجب...أن يواجهها.....على الفور.......
 
الفصل الثاني
[font=ثلث 1][[ الحقيقة الساطعة [[[/font]
في اليوم التالي كانت (أنجيليتا) في الإسطبل تنظف المكان الخاص (بروبن) الحصان حتى رأت ظلا يحوم حولها واستدارت فرأت (ألفريدو) يرتدي ملابس الخيل ويحدق بها بوجه جاد فاستدارت لتخفي احراجها وخجلها وعندما طال صمته وقفت واستدارت اليه قائلة :


"أعرف ماتريد أن تقوله فلا تتعب نفسك....ماذا تريد مني؟!...إذا أردت مني أن أرحل فسأفعل!"

وهنا نظر اليها بدهشة يشوبها الجد قائلا:


"ترحلين ؟!....إلى أين؟!......"


فانتقلت الدهشة اليها فهي ظنته يريد رحيلها ولكن من الواضح أن ذلك لم يخطر بباله قط فقالت متلعثمة :

"ذلك اليوم عندما كنت عند مكتب السيد (فرناندو) ظننتك تريد رحيلي...لأنك لم تتحدث الى مطلقا.."


"يا الهي أهذا ماظننته؟!....ظننتي أني غاضب منك.....الواقع سأقول لك ولاتغضبي....عندما نظرت اليك في تلك اللحظة كنت جميلة للغاية وأردت في لحظة مجنونة أن أحتويك بين ذراعي ولكني رحلت مسرعا لأني علمت أن خطوة كهذة كفيلة لتثير حفيظتك ضدي"


فاحمر وجهها رغما عنها وقالت له وهي مذهولة :


" جميلة؟!...لقد أخذت حصانك وتركتك تعود سائرا..."


"حسنا لقد كان (أندريه) قريب مني...كما أظن أن الخطأ كان خطأي ولكن أرجو في المرة القادمة ألا اضطر للسير أميال لأنك غضبت مني...."


وابتسم ابتسامته الساحرة فابتسمت رغما عنها......وبقيا صامتين كلاهما يحدقان في بعضهما وازدادت الشمس سطوعا واجتاحت الأشعة الذهبية الإسطبل فرمت سحرها على كل منهما ليرى كل منهما الآخر بهالته الذهبية.....أخذت تحدق به وشعره يشتعل باللون الذهبي تحت أشعة الشمس وعيناه اللازوردية الرائعة تحدقان بها ببريق لم ولن ترى مثيل له في حياتها ... بريق إعجاب سافر يشوبه التقدير والشوق....بدأت ابتسامته تتلاشى وظل يحدق بها.... بجمالها الآخاذ....ووجهها الأسمر الفاتن وعيناها السوداوتان.....لم يرى في حياته عينان بهذا السواد وهذا التألق ومالبث أن اقترب منها بخطوات رقيقة بطيئة حتى أصبح ملاصقا لها وغمرت انفاسه وجهها وقال وهو يتنهد شوقا :


"هل انت حقيقية؟!....أشعر أنك كالسراب الذي أراه في صحراء حياتي.....أركض خلفه لاهثا لعلي أمسك به ولكنك دائما تبتعدين...."


فاستجمعت شجاعتها وأغلقت عيناها لكي لا يؤثرعليها سحره وقالت:


"نعم أنا كالسراب لن تحصل عليه لأني لست موجودة في حياتك....أنا غير حقيقية....وكل ما تراه مني من صنع خيالك....لايمكن أن تصل يداك اليه مطلقا...لايمكن...لايمكن.."


وعندما فتحت عيناها رأت عيناه تضيقان حزنا وألما وقال:


"لا يمكن ألا تكوني حقيقية...لما تعذبينني هكذا وأنت تعلمين مايجول بقلبي نحوك....لما العذاب"


"إذا تناسينا من نحن...فسيأتي العذاب الحقيقي لاحقا وحينها سنكون ضائعان حائران ممزقان حزنا على المشاعرالتي ولدت ونمت بيننا حتى أصبح من الصعب السيطرة عليها...ولا أعلم ماقد يجري....قد تتخلى عني نتيجة للمصاعب....وفي النهاية...انت السيد وأنا الخاد...."


"لا لاتقوليها...لايهمني أي شئ مما تقولين....وكيف تظنين أنه يمكن أن أتخلى عنك في يوم من الأيام ...أنت لا تعرفين شيئا عن الرجل الإيطالي كما أظن...ولا كيف يدافع عن شرفه وما له" "أنا لست لك ....ولن أكون لك يوما...والآن دعني وشأني.."


وحاولت التملص منه ولكنه أمسك ذراعها فنظرت الي عيناه للمرة الأخيرة حتى نطق اسمها بشوق :


" (أنجيليتا) .....لاتفعلي بي هذا...."

كم كان وقع اسمها في فمه رائعا مذهلا ولكنها دفعته بعيدا ورحلت مسرعة...ظلت تركض حتى وصلت الى غرفتها وحبست نفسها وجلست لتستعيد أنفاسها واندهشت كيف استطاع من مقابلتهما الثانية أن يوقظ في قلبها كل تلك الأحاسيس الجياشة نحوه....حتى أنها لم تعرف نفسها...كيف يمكن أن يحدث كل هذا السحر في لقاء لايتعدى الدقائق وعرفت لما ترغب به جميع فتيات المنطقة فهو لا يقاوم وحذرت نفسها من الوقوع في هواه فهي لن تكون أبدا اسما في لائحة معجباته مهما كلفها الأمر....


كان (ألفريدو) في الأيام التي تلت هذا الموقف يجلس ساهما ويحبس نفسه في غرفته كثيرا حتى أصبح من الصعب على (فلوريا) أن تحدثه لتؤثر عليه ولكن (ساندرا) ما كانت لتسمح بهذا فدفعت ابنتها لتصعد الى غرفته وتحدثه على انفراد هناك ثم قالت لها هامسة بخبث :


"مهما تطلب الأمر فافعلي.....لقد تأخرت كثيرا في ايقاعه في شباكك..!!.."


"ولكن يا أمي لاأريده أن يقع في شباكي...أريده أن يحبني كما أعشقه بارادته وليس أن أؤثر عليه......كما أنني لا أعرف كيف أفعل هذا..."


"لاتكوني حمقاء سخيفة ولاتظني أني سأتركك تضيعين الفرصة من أيدينا إذا لم تتزوجي هذا الأحمق في خلال شهرين فسترين ما سأفعله لك والآن إذهبي اليه....حالا"


فقامت (فلوريا) نافرة مستنكرة ووصلت الى غرفته بالطابق العلوي وطرقتها برقة فلم يجب ففتحت الباب ببطء فرأته جالسا على كرسي قربه من النافذة وظل يحدق بنظرات جوفاء الي المنظر الخلاب الذي يقابل عينيه وكأنه لا يراه......وكان بين الفينة والأخرى يتنهد حائرا فاندهشت (فلوريا) بشدة فهي لم تره بهذة الحالة في حياته مطلقا واقتربت منه ووضعت يدها برقة على كتفه ولكنه لم يتحرك ولم يتكلم فجلست على ركبتيها الى جانبه وقالت برقة :


"ما الأمر يا (ألفريدو)؟!.......أفصح وأفتح لي قلبك....ولو لمرة واحدة....اشركني فيما تشعر به لعلي أكون ذات نفع لك...."

ولكنه لم يجب فحزنت وعلمت أنه لا فائدة ترجى من علاقتهما وشعرت بحسرة رهيبة ونظرت الى الأرض تريد أن تنفجر باكية ولكنه مالبث أن نطق بوهن قائلا :

" (فلوريا) هل تعرفين ماهو الحب؟!....تلك المشاعر الغريبة التي تغزو قلبك ومنه الى كيانك عندها تشعرين أنك فقدت السيطرة وتستسلمين له....بل وترحبين به فاتحة ذراعيك دون أن تفكري لحظة واحدة في المنطق أو العقل...."


فأشرق وجهها بسعادة ليس لها مثيل وقالت بشوق ولهفة بعد أن وضعت رأسها على ركبته متوسلة :


"بلى....بلى يا (ألفريدو) ....لا أحد يعلم الحب بقدر ما أعلمه...ولا أحد اجترع من كأس عذاب الحب....كما اجترعت ....نعم يا (ألفريدو) ...يا حبيب عمري!!!!!"


فنظر اليها بدهشة ورفعت رأسها وعيناها تكادان تلتهمانه عشقا وفي تلك اللحظة دخل (أندريه) وقال :


"(ألفريدو) ؟!....آه المعذرة هل أتيت في وقت غير مناسب؟!...لقد طرقت الباب عدة مرات فلم يجب أحد....على أية حال سأرحل حالا "


" لا انتظر يا اندريه....أريد التحدث معك...في الواقع لقد كنت انتظرك منذ يومين...."


فعلمت (فلوريا) ألا مكان لها هنا فقامت ورحلت دون كلمة فنظر إليها (أندريه) ثم نظر الى (ألفريدو) وقال :


" مابها ؟!....هل فاتني شئ؟!..."

" فاتك كل شئ كالعادة....أظنني أظنني يا (أندريه) .....قد وقعت في الحب...."



فنظر اليه (أندريه) في هدوء وقال :


"لا بأس الجميع كان يتوقع هذا ويتمناه فوالدك كان يريدك أن تتزوج (فلوريا) فيبدو لي أنها تحبك هي الأخرى....كما أن أمها تكاد تفقد عقلها في انتظار زفافكما"


"ما الذي تقوله......لم أعني (فلوريا) مطلقا أيها الذكي...وإنما هي!!....هي!!"


"و هل هي تلك.....لها اسم محدد؟!..."


" (أنجيليتا) ...آه..... (أنجيليتا) "


فبحث (أندريه) في رأسه ولكنه انتهى حائرا ثم قال :


"لا أحد في معارفنا يحمل هذا الأسم كما لا أظن أنها فتاة من اللاتي قابلتهن في أحد الحفلات تحمل هذا الأسم .....فابنة أي عائلة هي؟!...."


" لا تعرفها فهي ليست ابنة عائلة و هي لا تسكن بعيدا بل هي هنا الى جواري....أراها كل يوم وأتمزق شوقا ....إنها (أنجيليتا خوسيه) الكولومبية..."


" مهلا ....لا تقل لي أنها الخادمة..."


"لا تقل هذا عليها...أجل هي.... "


" بالله عليك .....هل فقدت عقلك؟!...هل تريد لوالدك أن يدفنك حيا؟!....هل نسيت الشرف والكرامة ونبل العائلة؟!....."


فوقف (ألفريدو) غاضبا مهتاجا وقال صارخا :


"إن حبي لها لا يقلل أي من هذا بل على العكس أنه يزيد من شرفي واحترامي لذاتي...لا تقل هذا يا (أندريه)....ليس منك انت...لا تكن مثلهم....فانت صديقي ويفترض أن تكون الى جانبي أنا ....نعم أحبها.....لقد بقيت الأيام السابقة ألاحقها من مكان الى آخر....أصارعها بالكلام وأترجاها أن تعيد التفكير في ما بيننا ولكن قلبها أصلب من أن أطرق على بابه وعقلها يحتل زمام نفسها.....لا أدري ماذا أفعل....حقا لا أدري أنها قوية...رابطة الجأش لا يؤثر فيها أيا من أسلحتي التي اعتدت أن أصرع قلوب الفتيات بها حتى أني أظن أنها ليست من هذا العالم...إنها مختلفة...ولعمري أني لا أريد شيئا من العالم سواها.."


فكان ذهول (أندريه) عارما وقال في نفسه (مستحيل ألهذة الدرجة؟!) ولكن كلمات النصح التي قالها بعد ذلك لم تصب شيئا من عقل (ألفريدو) وحاول عابثا أن يخبره أي علاقة كهذة لن تكون نهايتها إلا الحسرة والأسى فما لبث (ألفريدو) أن أمسك رأسه بألم وقال:



"توقف !!..أنت تكرر نفس....كلماتها!!"


عندما عاد (أندريه) لبيته ظل يفكر طويلا فيما حصل وشعر أن (ألفريدو) قد فقد عقله كليا فالفتاة لم تأتي سوى من اسبوعان فقط ولكن الذي جعله حائرا هو أن (ألفريدو) دائما شديد المناعة تجاه تلك الأمور ولم يسبق في حياته مطلقا - منذ لعبا سويا وهما في الخامسة- أن رآه بهذة الحال....


فهي فعلا المرة الأولى.....ولكنه ليس مراهقا لكي يقع في حب خادمة....وليس جاهلا بالأمور العاطفية لكي ينصحه ويخاف عليه فماذا عليه أن يفعل؟!...ظل يفكر طويلا حتى انتهى الى نتيجة واحدة..أفضل شئ أن تظل تلك الكولومبية متمسكة بموقفها ولابد أن يمل (ألفريدو) يوما ما....ولكنه مالبث أن تذكر نفسه وحبه لأخت (ألفريدو) (سيسل) فعلى الرغم من موقفها معه الأخير إلا أن ذرة من حبه لم تنقص بل ويكاد يجزم أن حبه لها زاد وما يشعل نار هذا الحب عذاب قلبه الذي يملك حبا من طرف واحد وفجأة لاحت له مشاعر صديقه بوضوح ضارية وقوية فمثيلتها تندلع داخله ولم يملك سوى أن يرثى لحال صديقه ولكنه كان واثقا أن حب صديقه لتلك الخادمة لايمكن أن يصل لدرجة حبه (لسيسل).....


وكان حال (ألفريدو) نفس حال (أنجيليتا) التي كانت تتعذب وهي تصده بقوة ولكنها كانت متأكدة أنه لا سبيل لقلبيهما أن يتفقا ولا سبيل لروحيهما أن يتحدا وكانت تفضى بعذابها للسيدة (سوزي) التي كانت تحتضنها لتخفف من آلامها وفي كل مرة تحتضنها كانت تشعر بالأمومة - التي دفنتها بقلبها بعد موت ابنتها- تنهض وتترعرع من جديد حيث أيقظت (أنجيليتا) فيها حس الأمومة الذي ظنت أنه لن يعتمر قلبها مجددا وكانت تطلب منها الصبر والجلد....وكان (خوسيه) يراقب ابنته ويعرف في نفسه ما يسوءها ويعذبها ولكنه بقي صامتا فهو يثق في ابنته واختيارها ويثق أن أيا كان قرارها فسيكون قرارا سليما فهي ابنته التي رباها وعرفها كيف تتصرف بحكمة دون أن يحكم قلبها إلا في الوقت المناسب....


ذهبت (أنجيليتا) ذات صباح للإسطبل الذي يحوي (روبن) الحصان فوجدت هناك (ألفريدو) يتأمله ويحاول الإقتراب منه فصرخت فيه قائلة :


"انتبه!!!...هذا الحصان لم يعتد عليك بعد وقد يصيبك بأذي...."


فتحول إليها ثم نظر الى الحصان فوجده يحفر بأقدامه وكأنه على استعداد لينقض عليه فذهبت (أنجيليتا) اليه تلاطفه وتحاول تهدئته وتحدثه في أذنيه بصوت منخفض حتى هدأ تدريجيا فقال (ألفريدو) :


"يبدو أني لست الوحيد هنا الذي لا يستطيع مقاومة سحرك فهاك أكثر حصان خطر في الإسطبل يسلم أسلحته لك ويقف أمامك خانعا بينما يعجز عشرة من الرجال تهدئته أو جعله يطاوعهم "


"أرجوك كف عن غزلك ولو لدقيقة ثم...........لو تأخرت قليلا فلربما دفعك دفعة قد تؤدي لكسر عظامك.....فأرجوك لا تقترب منه حتى أروضه تماما"


"هل انت خائفة على يا عزيزتي؟!.....كم أنا سعيد لهذا..."


"بل خائفة من عقاب السيد (فرناندو) إذا حصل لك شئ وحينها لن يكون يوما سعيدا لنا"


"لا أدري كيف أشرح لك ذلك ولكن لدي حدس يقول أن قلبك يحمل قبسا من تلك المشاعر التي تحتل قلبي ولكنك تأبين ألا تعترفي بها...ولكن مهلك..... إن جفاك يحرق كل ذرة في قلبي ويحوله رمادا "


فابتسمت بسخرية وقالت :

"انك فعلا تكثر من قراءة الشعر هذة الإيام!!!"


"كل الشعر وكلماته أصبحت خاوية لا تعبرعن أي شئ مما يختلج في صدري..أرجوك لاتجافيني وأتركي لقلبينا فرصة لكي يلتقيا ويتفاهما..."


"إن آخر ما أريده لقلبي هو أن يتفاهم مع قلبك وإما أن ترحل وإما.... أن أرحل أنا من المكان" فتخاذلت كتفاه يأسا واستدار راحلا ثم قال :


"إني راحل ولكني لن أهدأ أبدا ولن أتركك فإن هذا هو الشئ الوحيد الذي لن أقوى على فعله ما تبقى من حياتي"


وظلت هي واقفة تحدق في المكان الذي كان واقفا فيه وكلماته ترن في أذنيها مرات ومرات......

في اليوم التالي كانت (سيسل) تتحدث مع (ألفريدو) ولكنه كان ساهما غير مبالي لكلامها فصرخت باسمه حتى انتبه لها فقالت :


"هذا لايحتمل!!! أنا أحدثك في موضوع مهم وأنت لا تفعل شيئا سوى التفكير....عليك الإستماع إلي..."


" حسنا ها أنا استمع......ماذا تقولين يعني..."


"أقول لك أن عليك أن تطلب من (فلوريا) الزواج لقد تأخر الوقت كان من المفترض...على حد كلام أبي...أن تفعل هذا منذ أكثر من شهر......."


"ها قولي لي أن والدي هو من حرضك....أنا لا أفكر في الزواج الآن ومطلقا..!!"


"ولكن ألا تحب (فلوريا) ؟!...المسكينة تحبك بشدة وتحاول عبثا إخفاء مشاعرها أمامي ولكنها صديقتي وأنا أعرفها جيدا....كما أنها طيبة القلب ولن تجد من هو أفضل منها لتكون زوجتك وهي رغبة والدنا أيضا....."


"لا تظني لأني طاوعت أبي في كل رغباته في حياتي السابقة أن أطاوعه في قرار مصيري كهذا ....الزواج هو الشئ الوحيد الذي لايوجد فيه أوامر على الإطلاق..."


" أتعني أنك فعلا لا تحب (فلوريا) ؟!....يا للمسكينة"


"لم أقل هذا...إنها تعجبني....ولكن هذا ليس كافيا...ثم من يتحدث عن أوامر أبي وانت أول من عارضها عندما مستك فلقد كان أبي يريدك بأي طريقة أن توافقي على (أندريه) وانت لا تكرهينه.....فلما لم توافقي عليك؟!..."


فاحمر خداها وخافت أن يكون علم شيئا عن رسائل الغرام بينها وبين (روبرتو)....لا يمكن أن يكون قد علم أن (فلوريا) هي الوحيدة التي تعلم بهذة العلاقة ولكن لا يمكن أن تكون قد أخبرته فصمتت ولم تجبه فقال :


"ها انت لم تجيبي وهذا دليل على صدق كلامي....لقد اقتربت من الخامسة والعشرين وهو سن الرشد وسأرث كل شئ حينها سأكون المتصرف الأول ولن يكون لأبي كلمة على بعد ذلك"


وهنا جاء خادم أخبر (ألفريدو) أن السيد (أندريه) جاء لزيارته فرحلت (سيسل) وهي تفكر فيما قاله أخوها ولكنه لا يبدو أنه علم شيئا وانعطفت لتسير لغرفتها فاصطدمت (بأندريه) الذي نسيت أنه كان في طريقه لغرفة (ألفريدو) فصعقت وصعق هو أكثر منها وظلا واقفان هكذا دون كلمة حتى تنحنح (أندريه) وقال بما استطاع أن يجمعه من صوته:

"صباح الخيريا.... (سيسل) "


"صباح الخير (أندريه)...أرجو منك المعذرة فلدي أعمال كثيرة أريد القيام بها...."


ورحلت مسرعة ووقف هو يحدق بها طويلا حتى شعر بيد على كتفه فنظر الى الوراء فوجد (ألفريدو) ينظر اليه بعين مدركة فعرف أنه يعلم بمشاعره نحو أخته فشعر بالحرج الشديد وبقليل من العار لأنها رفضته وهاهو أخاها وصديقه الحميم يواسيه جراء هذا ولم يعلم ماذا يقول فأنهى (ألفريدو) حيرته قائلا :


"لستما متناسبان يا (أندريه)....وهي ليست آخر فتاة في الدنيا....كما أني واثق أن التي ستتزوجها ستكون أروع امرأة في التاريخ....إنك لا تستحق غير ذلك"


فاراحته كلمات صديقه ولو أنها زادت من حرجه ومضيا معا يتحدثان......


كانت (أنجيليتا) في عملها المعتاد ورأت (ألفريدو) قادما اتجاه الإسطبل فشعرت بالأمان هذة المرة لأن والدها يقف قربها ورأته يخرج الحصان (روبن) فهي لاحظت هذة الأيام أنه يحاول مصادقة الحصان وتقديم الطعام له ولكن خطوة امتطاءه كانت خطوة متقدمة جدا فهي قد امتطته مرة واحدة وفقط للتمشية ليس إلا ولكنها لم تفعل شيئا واستمرت في عملها بينما أخذ (ألفريدو) الحصان وظل ممسكا بلجامه ويتمشى به حتى ابتعد عن ناظرها......


بعد أن اطمئن (ألفريدو) أن (روبن) يسير الى جانبه بهدوء قرر امتطاءه فركب فوقه ومشى به ولكن الحصان اهتاج بقوة وكان هذا متوقع منه فمال (ألفريدو) الى الأمام ببراعة ولكن هذا زاد من اهتياج الحصان كان مصرا على اسقاطه الى أن نجح في ايقاعه من فوقه لكن (ألفريدو) وقع وقعة خفيفة نتيجة لحذره ونظر الى (روبن) فإذا به يركض عائدا من حيث أتى فشعر (ألفريدو) بألم في ظهره ونظر حوله فوجد الشمس ساطعة والأزهار حوله في كل مكان فنام على ظهره أرضا ....ظل يسترجع في ذهنه شعرا عن الطبيعة قرأه في إحدى المرات وكانت هذة أكثر اللحظات متعة بالنسبة له.....بينما رجع الحصان الى حيث كانت (أنجيليتا) وعندما رأت الحصان وحده دون راكبه شهقت بفزع ورمت ما كان بيدها وركضت نحو الحصان فوجدت فعلا أنه من الواضح أنه سقط من عليه فشعرت بقلبها يعتصر ويكاد ينفجر داخل صدرها شعرت أنها نهاية العالم وجاء لها خاطر مر كالبرق في رأسها ماذا لو أنه مات أوتكسرت عظامه فوجدت نفسها فوق الحصان تركض الى حيث ذهب (ألفريدو)....كانت شهقاتها لا تنتهي تذكرت ابتسامته الساحرة وكلماته التي كانت تدخل من أذنيها مباشرة الى قلبها فتجعله ينبض كالمجنون وشعرت بخوف حقيقي لدرجة أنها لاتريد أن تكمل طريقها......


سمع (ألفريدو) صوت أقدام حصان قادم باتجاهه فرفع رأسه ونظر اليه فوجده قادم من بعيد ورأى راكبه يحمل شعر أسود طويل فعرف أنها (أنجيليتا) فاستلقى مكانه وتظاهر بالموت وقال في نفسه(و الآن سأضحك عليها قدر ما أشاء) وما إن رأته مستلقيا حتى قفزت من على الحصان وهي تنادي بجزع اسمه :

" (ألفريدو) ؟!..."

وركعت الى جانبه ودموعها تغرق وجهها وهي تقول:


" (ألفريدو) .....(ألفريدو) أرجوك كلمني...يا الهي سأموت إن مت....لا تمت أرجوك!!"


ووضعت رأسها فوق صدره لعلها تسمع نبضا لكن سترته المقواه لم تمكنها من أن تسمع أي شئ فاقتربت من رأسه ووضعته على فخدها ووضعت إصبعها - وهي تبكي بحرقة – على وريد رقبته حتى تسمع نبضه بينما يدها الأخرى ترتب خصلات شعره وتبعدها عن عينيه بينما شعر (ألفريدو) أن تلك هي الجنة الحقيقية فلم يسطر أعلى كاتب للشعر مكانة كلمات تعبر عن شئ مما يحسه في لحظة كهذة وشعر كم أحبها بل أنه يعشقها ففتح عينيه اللازوردية ببطء وابتسم لها ابتسامة والهة وقال :

"آه ياحبيبتي....كم أعشقك...لم أكن أبدا أكثر راحة أو صحة مما أنا الآن"


فتسمرت مكانها تحدق به بعدم تصديق حتى نهض واقفا وقال لها :


"لقد وقعت في الفخ....ألست ممثلا بارعا؟!....لا تقلقي لم يصبني شيئا فأنا بكامل صحتى كما ترين..."


وظل يضحك فرحا لأنها قلقت عليه بينما هي تكاد تجزم أن شخصا رمى بآلاف عيدان الحطب المشتعلة في قلبها ونهضت واقفة ولم تشعر بنفسها إلا وهي تصفعه......!!!!



دوت الصفعة بشدة في الأرجاء وتناثرت خصلات شعره على عينيه ووجهه وأذنيه ورقبته وهو يحدق بها مذهولا وانفجرت باكية وهي تقول :


" أيها النذل الوقح....وأنا التي انفطر قلبي لرؤياك هكذا...أنت تتلاعب بمشاعر الناس....أنت وقح!!!!"



وجرت مسرعة بعيدا عنه وأخذت الحصان وعادت به الى الحظيرة ولكنها عادت بسرعة الى غرفتها ولم تكمل عملها وظلت تبكي بحرقة على سريرها وهي تشعر أنه حقا قد أوقعها في الفخ فهي الآن تحبه لأنها تأكدت فعلا من ذلك عندما رأته مستلقي بتلك الطريقة عرفت أن رغم كل حذرها أحبته فعلا ولم تعلم ماذا تفعل.....


أما (ألفريدو) فلقد شعر بالخزي لأنها غضبت منه هكذا ولأنه تصرف هكذا ولكنه أراد ممازحتها فقط ولم يعلم أنها ستخاف عليه هكذا فشعر بالعزاء لأن هذا دليل على الأقل أنها تكن له إعجابا....وما لبث أن عاد الى القصر ودخل غرفته وأغلق على نفسه هو الآخر...
 
الفصل الثالث
[font=ثلث 1][[ ليلة القمر [[[/font]
جاءت (فلوريا) في ذلك الوقت تزور (سيسل) ولكنها قررت أن تمر على (ألفريدو) أولا فهي لم تره منذ فترة ولكن الخدم أخبروها أنه لا يريد أن يكلم أحدا الآن فحزنت لأنها علمت أنها مثل أي أحد بالنسبة له وذهبت (لسيسل) مباشرة وعندما رأتها تلك الأخيرة أشرقت فرحا فهذا ميعاد رسائل حبيبها (روبرتو) وقالت لها بجذل :


"هل جئت بكنزي ؟!.."


فردت (فلوريا) :

"نعم ها هو كنزك....رسالة جديدة من (روبرتو) .....رسالة طويلة على ما أظن لأن الظرف ثقيل!!!"


فكادت (سيسل) تفقز فرحا وظلت تعانق الظرف وقالت والإبتسامة تكاد تشق شفتيها :


"ولكن لما أتعبت نفسك وأتيت الى هنا....كنت سآتي اليك على أي حال"


"أتيت لأرى (ألفريدو) أيضا ولكنه لا يريد مقابلة أحد......أتساءل ماذا جرى له؟!...."


"لا أدري لعله تذكر شيئا أوقرر قراءة الشعر فهوعادة عندما يقرأ الشعر يرفض أن يزعجه أحد"


فقالت (فلوريا) بحزن :

"حتى أنا ؟!...ما كنت لأزعجه أبدا "


فحزنت (سيسل) لأجل (فلوريا) ولكنها ما كانت لتبدد فرحتها فرتبت على كتف (فلوريا) ثم فتحت الظرف بشوق وظلت تلتهم كل كلمة فيه وعندما رأتها (فلوريا) عرفت أن لا ضرورة لوجودها فرحلت وعادت لبيتها وما إن دخلت قصر (روزانيرا) رأت أمها بإنتظارها وقالت لها بتسلط :


"ماذا ؟!...هل قابلت (ألفريدو) ؟!...."


"لا يا أمي لم استطع...."


فاهتاجت وقالت :

"لما؟!......إذن لماذا ذهبت؟!......... أنت هكذا دائما بلا أي نفع....كيف تريدينه أن يحبك وهو بالكاد يراك ليتذكر من تكونين"


"أمي كفى أرجوك......لقد رفض مقابلة أي أحد....ثم أنا لا أستطيع أن أرغمه على أن يحبني...أنا لا أعرف كيف أفعل هذا.....إذا لم يحبني قلبه وحده.....فلا تزعجي نفسك ولتبحثي عن نبيل غني آخر لترمي عليه شباكك...."


قالتها بسخرية لاذعة لأمها ورحلت باكية فهي تكره تفكير أمها وأنها تريد تزويجها (لألفريدو) لأجل انقاذ أسرتها واستغلال ثروته فهي كانت تحبه حقا ولا تدري لما كانت تشعر دائما بأن عيناه إذ تنظران إليها لا تراها وإذا غاب عقله في أفكار فهي لا تدور حولها وإذا دق قلبه فهو أكيد ليس لها وزادها هذا بؤسا وشفقة على نفسها وطلبت من ربها أن يساعدها وظلت تبكي على سريرها......

أما (سيسل) فكانت في أوج فرحها وسعادتها فلقد كانت رسالة (روبرتو) هذة المرة زاخرة بالمشاعر الملتهبة كما تحمل خبرا رائعا أنه قادم عما قريب في غضون أسبوع لملاقاتها وقال بمجرد أن يحضر الى ميلانو سيأتي ليراها أولا قبل أن يذهب الى قصر (روزانيرا) حيث أهله وعمته (ساندرا فلاديمير) وسيراها سرا في الحديقة واتفق معها على الوقت الذي سيجمعهما فاستلقت (سيسل) على سريرها وهي تضم الرسالة بكلتا يديها الى قلبها وفرحتها لا تسعها.....

تحدث (خوسيه) مع ابنته (أنجيليتا) وأخبرته باكية عن ما آلت إليه أمورها وكيف تشعر بمشاعر قوية تجاه (ألفريدو) فتألم (خوسيه) لأجل أبنته وعلم أن صراعها مع نفسها لتقاوم (ألفريدو) لم يفلح فرتب على كتفيها وضمها اليه وقال بحنان :


"يا ابنتي إن لكل قلب أحكامه وأحيانا لا تكفي قوة العقل للسيطرة عليه وخصوصا إذا كان الغازي هو الحب....حاولي أن تتجنبيه ولتبقي يومين في القرية عند صديقتك (نيلا) هناك فأنت لم تزوريها إلا قليلا.....حتى تنسي كل ما جري.."


كانت (أنجيليتا) تعشق والدها وتعلم أنه في لحظات ضعفها تلجأ اليه كأم لها وليس كأب فهو لطالما قام بدور الأثنين معا وكان دائما يحتويها ويحتضنها في أكثر الأمور حساسية ولم يكن قد صرخ في وجهها أو عنفها في حياته قط كان فعلا أحن أب يمكن أن تحصل عليه ابنة في حياتها ووجدت أن فكرة والدها معقولة أن تبتعد عن (ألفريدو) قليلا فحملت حقيبة صغيرة وذهبت الى القرية وعندما وصلت لبيت صديقتها رحبت بها أشد ترحيب وقررت أن تجعلها تنام بغرفتها و أعطتها من ثيابها وقالت لها :

"لقد نسيتي أن تأتي للأحتفال الذي أقيم منذ أسبوعان ولكن لا تقلقي هناك احتفال غدا.....احتفال كبير تقيمه كل مرة في قريتنا يشبه الحفلات التنكرية للنبلاء فكل فتاة تصنع قماشا رقيقا على بقية وجهها دون عينيها ويتلثم الرجال وفي النهاية بعد أن يختار كل رجل رفيقته فأنه يريها وجهه وهي كذلك...!!"


ففرحت (أنجيليتا) كثيرا لهذا وقررت أنها لن تفكر في أي شئ وستستمتع بكل لحظة هنا وقررت مشاركة الفلاحات في أعمالهن....



جاء (أندريه) في اليوم التالي ليزور (ألفريدو) ولكنه وجده عائدا من الإسطبل وهو حزين وقال له (أندريه) :

"ماذا ؟!..هل صدتك مرة أخرى الكولومبية ؟!...هل تدرك حماقة ما تقدم عليه.... أن تحب....لا لن أقولها فأنت تدركها ألا كف عن ما تفعل وعد لرشدك من فضلك.."


فقال له (ألفريدو) :


" آه يا (أندريه) إنني في كامل رشدي....إنك لم ترها حتى تقرر لم ترى جمالها الأخاذ....ولم تحدثها لتدرك...لتدرك جمال روحها التي تغمرني بالشوق والهوان وعلى أية حال فلقد ذهبت لمصالحتها لكنني لم أجدها وقابلت والدها (خوسيه) الذي عاملني بجفاء قال لي أنها ذهبت للقرية لتبتعد عني بضعة أيام وقال أنه لن يسامح استغلالي لإبنته وطلب الى أن ابتعد عنها نهائيا.."


"خير ما فعل الرجل وأكثر خيرا لو أنك تستمع اليه..."


" كيف استمع اليه بالله عليك.....إنني أحبها...أحبها حبا لم يسبق أن أحتل قلبي لأي مخلوق....ولقد تأكدت أنها تحمل في قلبها شيئا تجاهي...لن أهدأ حتى أنتزعه من لسانها!!"


"ألا أحمد ربك أنها لم تكن من تلك الخادمات اللاتي يستغلنك ولم تقم بما هو أفظع ولم تجاريك إنها الخادمة الوحيدة التي عرفتها والتي تحفظ عقلا كريما داخل رأسها فكن ممتنا لأنك لم تقع في يد واحدة أخرى غيرها....."


"أي عقل هذا....عقلها أصلب من الفولاذ....لقد سمعت أن في القرية احتفال اليوم...ولابد أن أذهب اليه.....فلعلها ستكون هناك.."


وعندما سمع (أندريه) هذا الكلام عرف ألا فائدة ترجى من محادثة (ألفريدو) وقال له بسأم :


"أتعلم لن أعارضك بعد اليوم في حبك لتلك....الفتاة.......فأتركها تعلمك درسا بنفسها....لقد نسيت ما كنت سأكلمك فيه...والآن سأعود للبيت..."


ورحل (أندريه) غاضبا بينما ظل (ألفريدو) يدبر حتى توصل لحل نهائي .......

وضعت (نيلا) آخر اللمسات على وجه (أنجيليتا) لتجعله جميلا تزيد فتنته أضعافا ووضعت على وجهها المنديل الشفاف لتصبح جاهزة لحفل الليلة ونزلتا معا فقالت أم (نيلا) :


"نيلا ها قد أحضرت أجمل فتاة على الإطلاق ومحوت صورتك من الوجود الى جانبها فبجمالها يصعب على المرء رؤية أحد غيرها"


فضحكت الفتاتان وإتجهتا الى مكان الحفل الذي يعج بالفتيات الفاتنات الواضعات نقابا شفافا والرجال الملثمبن الذين يشبهون فرسان الصحراء وكانت الضحكات في كل مكان ومختلف الأنواع من الطعام والزينة والورود وهناك من لديه من الرجال موهبة العزف فعزف على الآلات البدائية ليصنع جوا رومانسيا للحفل وهناك من تتباهى بمهارتها في الرقص فترقص على أنغام تلك الآلات وهناك من يصفق لها ويراقبها وهناك من انشغل في أحاديث مع رفيقه بعيدا عن هذا المكان فكل رجل أتى ليقابل فتاة أحلامه لعله يقع في الحب هذة الليلة......ليلة اكتمال القمر...وكل فتاة تنتظر أن تقابل فتى أحلامها ليأسر قلبها ويخطفها على حصانه الأبيض....هكذا هي حفلة..(ليلة القمر)....كانت (أنجيليتا) في غاية السعادة لحضور حفل كهذا كان كل شئ جميلا مبهجا ولكنها كانت تكتفي بالمراقبة ليس إلا ولم توافق على أن ترافق أي رجل طلب اليها ذلك الى أن ذهبت (نيلا) مع أحدهم فأصبحت هي وحيدة ولكن لم يكن لهذا أهمية عندها فهناك رجل في قلبها يداعب أفكارها ولا تستطيع نسيانه ولكنها صممت على أن تفعل فهي هنا من أجل هذا وظلت تطرده من فكرها كلما جاء حتى ظهر القمر فوق القرية فهلل الجميع وأقاموا رقصة ثنائية فامتدت يد الى يدها وأخذتها دون أن تدري وأنطلق الملثم بين الجموع ساحبا يدها دون أن يزعج نفسه حتى بسؤالها عن إذا كانت موافقة أن ترقص معه أم لا لكنها قررت أن ترقص وتستمتع فلم تبالي ووقف بها في المنتصف ثم استدار لها ليتقابلا ويتلاصقا....فأسرت عيناه عيناها....فلم تستطع تحويلها عنها وقام هو بقيادتها أصابعه تلتف حول أصابعها يدور بها....في أفلاك غامضة....بعيدة عن هذا العالم...حيث كل شئ يتلألأ....مثل النجوم في السماء...فشعرت أنها تطير....تسبح في السماء....تكاد تلامس القمر المكتمل الذي يطل عليهم....شعرت بسعادة لم تشعر بها في حياتها....ّذلك العالم الذي خرج من عينيه ليحويها....شعرت أنها تستطيع أن تنظر الى عينيه ما تبقى ما من عمرها وحدثت نفسها أنها لا تريد لهاتين العينين أن تنظران لأحد سواها هي فقط...لا أحد آخر...عيناه اللازوردية...العاشقة الولهانة ونسيت كل شئ والدها وسوزي وآل (فان دييجو)....و (ألفريدو) فقط الملثم الذي يقف أمامها..هو كل عالمها...عالمها الحاضر.....

ارتفعت صيحات الإعجاب....و ارتفع التصفيق فأفاقت من سحر عينيه ونظرت حولها فلم تجد في مكان الرقص سواها هي وهو فلقد تميزا عن الجميع فوقف الجميع يحدق بهما وبولعهما الواضح للعيان ولو أنهما لم يريا بعضهما قبل الآن....لم تدري كيف هذا و شعرت أنه جنون ولكنها شعرت أنها تعرفه....وأنها تحبه وأنه لو طلب روحها في هذة اللحظة لأعطته إياها دون أدنى تردد...فقبض على يدها وأخذها من جديد ولكن بعيدا عن الحفل وبعيدا عن الناس وعن العيون المراقبة ووقفا تحت ظل شجرة حيث نسمات الليل تلفح وجهيهما والقمر فوقهما يراقبهما...وعيناهما لا تزال متعانقتان...استندت (أنجيليتا) على جزع شجرة ووقف الملثم ملاصقا لها واضعا يده على وجهها....أصابعه تداعب خدها وعيناه...عيناه تكاد تجزم أنهما يتكلمان...حتى تكلم هو وقال :

"لقد انتظرت هذة اللحظة طويلا جدا...انت وأنا...حبنا....أصبح الآن واضحا...لا إختلاف على وجوده...لقد نمى رغما عنا....وخرج عن سيطرتنا...سواء رغبنا أم لم نرغب....سواء قسونا..أو رحمنا أنفسنا...سواء بعدنا أو إقتربنا...انت وأنا المهزومان....والحب...حبنا...هو المنتصر مهما حاربنا...."


تلألأت الدموع في عينيها تأثرا وأمتدت يدها لوجهه...لترفع عنه اللثام ولكنه أمسك معصمها وقال :


"مهما أكون...هل سأكون..فارس أحلامك..؟!...الرجل الذي ستحبين؟!..مهماأكون؟!.." فقالت هامسة شوقا : "مهما تكون....لم أعد أكترث..!!"


فرفعت اللثام عن وجه....ووجدته لا أحد غير رب قلبها التي حاولت جاهدة تجاهله وحاولت مهما حاولت أن تحب غيره فوجدته هو نفسه مالك أمرها (ألفريدو) .....ولكنها لم تنفر ولم تجزع...فلم تعد تبالي (بفرناندو) أو (سيسل) أو أي أحد...لا يهمها العالم أجمع...هي تريده ...تريده لها وحدها.....ولا يهم أي شئ آخر...فوداعا لإعتراضات عقلها...فلم تعد تجدي...ولم يعد يجدي الحذر أو التجاهل..فلقد انفجر نبع حبهما بين رمال قلبها ليحولها الى جنات خضراء وقالت له مؤكدة :


"مهما تكن....لن أكترث...لا أكترث للعادات والتقاليد....لاأكترث للعالم أجمع....لا أكترث..."

فدمعت عينا (ألفريدو) وشعر أنه بعد كلماتها لن يكون أبدا الرجل الذي كان فهو رجل جديد وقلبه قلب جديد فإحساس أن تحب شخصا يجعل قلبك يرفرف سعيدا ويجعلك تشعر بسعادة لم تشعر بها من قبل لكن أن تشعر أن هذا الحب متبادل وأنه يحبك بقدر ما تحبه ويحمل لك نفس أنواع المشاعر التي في قلبك فهو شعور مختلف تمام يجعلك تشعر أنك سيد العالم ومالكه.... وقال لها :

"أني أحبك....يا (أنجيليتا) ....يا حبيبة روحي الوحيدة...."


وقبل راحة يدها ونزلت الدمعة من عينيه فسارعت يدها الى وجهه لتمسحها وقالت هي :


"وأنا أحبك يا (ألفريدو) .....يا أغلى ما في الوجود...."


وبقيا متعانقين ما تبقى من الليل.......

كانت الأيام التالية هي أجمل ما في عمرهما كان يأتي الإسطبل ليحدثها ويضاحكها وإذا كانا في حضرة من الناس فكانا يلتزمان الصمت ويتركان العنان لحديث عيونهما ولم تخبر (أنجيليتا) أحدا عن أمرها سوى السيدة (سوزي) التي كانت تشعر بقلق كبير عليها وعلى ابنها الذي ربته وإن لم يكن من دمها....خافت على مصير أحب ولدين إليها وتمنت من كل قلبها لو ينتهي حبهما نهاية سعيدة وراقب (خوسيه) ابنته وهي تتفتح يوما بعد يوم بعد أن يسقيها (ألفريدو) من رؤياه وعشقه....كان يعلم أن العالم كله لو حاول منع هذين الإثنين من أن يحبا بعضهما لما أفلح وبقي صامتا يرتقب جالسا في الهدوء ما قبل العاصفة........


ومن ناحية (ألفريدو) كان الوحيد الذي يعلم بحبه (لأنجيليتا) هو (أندريه) صديقه ولكنه لم يكن يزوره كثيرا في الآونة الأخيرة فلقد كان مسافرا لبعض الأعمال أما السيد (فرناندو) فلقد كان غافلا كليا عما يحصل في قصره وشعرت (فلوريا) هي الأخرى أن (ألفريدو) يقصيها عن حياته شيئا فشيئا ولكن (سيسل) لم تكترث لأي تغير من ناحية أخيها فلقد كان لقاءها بحبيبها (روبرتو) هو كل ما يهمها في هذا العالم.....كان (ألفريدو) يأتي ليلا ليجلس تحت نافذة (أنجيليتا) ويعزف لها لحنا على جيتاره فتستلقي هي على سريرها حالمة تفكر به وما إن ينتهي تظهر له وتبعث له قبلة في الهواء....فيقابلها بمثلها ويعود لغرفته متأخرا كل ليلة على هذة الحالة وأحيانا تذهب هي صباحا بالحصان (روبن) الى أقصى أملاك عائلة (فان دييجو) ويلحقها هو بجواده حتى يتحدثان لمدة ساعة أو ساعتين تحت ظل شجرة ومع زقزقة العصافير...كانت تراه دائما يضع قلادة من الذهب حول عنقه ولا يخلعها مطلقا تلك القلادة كانت حوتين ملفوفين حول بعضهما بحب وشوق وكأنهما عاشقان وسألته :

"لما ترتدي هذة القلادة دائما؟!..."


"هذة؟!....آه إني أرتديها منذ كنت في الثامنة فهي تخص أمي الراحلة ورثتها عن أمها فهي ترمز للحب وأذكر عندما البستني إياها قالت لي - فليغمر الحب قلبك ذات يوم ليجعلك أسعد مخلوق- وشعرت أني لطالما كنت مرتديا هذة القلادة فسيأتي الحب إلي لأعيش سعيدا بوجوده في قلبي الى الأبد.....كم كانت أمي محقة....فشعور الحب وحده من يجعل الإنسان يشعر بالسعادة الحقيقية ولا شئ آخر....أحبك"...



فابتسمت له وقالت :


"إذا كنت تحبني...أحضر لم من تلك الورود الذهبية هناك.."


"إنها زهور الكلوديا...إنها ليست في أملاكنا فهي تخص أملاك عائلة صديقي (أندريه ديميتريوس) لقد ابتعدنا كثيرا عن (كازا بيانكا) "


"ولكن هل يمنعك هذا من أن تقطف لي منها..؟!.."


"لا أبدا انتظري حتى أقفز فوق السياج لأحضر لك منها..."


وقفز هناك واختفى بين غصون الأزهار فابتسمت بفرح أنه يجعل قلبها يدق بأسرع مما لو ركضت ألف ميل ثم شعرت بحركة تجاهها فوقفت بقلق واتجهت الى حيث سمعت الصوت عند بقعة مختفية خلف الأشجار فرأت اثنان متعانقان وكأنهما بقيا هكذا ساعات وساعات...لم تستطع أن تتبين من تكون الفتاة وكذلك لم تعرف الشاب على الرغم أن وجهه في مقابلتها كان شابا يافعا وعلى الرغم من شكله المبالغ إلا أنه كان يبدو حقا في قمة عشقه لتلك الفتاة وما إن انفصلا حتى سمعت صوت (سيسل) تقول :

" (روبرتو)...كم انتظرت هذة اللحظة.....لقد اشتقت إليك كثيرا جدا....أرجوك لا تسافر وتتركني هكذا مجددا أبدا....فلم تكن رسائلك تفلح حتى في تهدئة نار شوقي وحنيني إليك..."


فقال الشاب :


"وماذا بيدي ياحبيبتي (سيسل)؟!...على أن أدرس لأحصل على شهادة عالية تكفي لتعادل قلة ثروتي أمام والدك حتى يقبل بي فتصبحبن عروسي ولا أنفصل عنك ما تبقى من عمرى أيتها الغالية.."
فعرفت (أنجيليتا) حقيقة الأمر وشعرت أن (ألفريدو) لن يكون سعيدا إذا رأى هذا فاتجهت بسرعة الى حيث كان وحاولت أن تشغله قدر الإمكان ثم طلبت منه أن يعودا سويا على أن يتقابلا غذا في نفس المكان ليقطف لها المزيد من زهور الكلوديا...



لا تدري لما فكرت (أنجيليتا) في اخفاء أمر (سيسل) وذلك الشاب عن (ألفريدو) ولكنها فضلت أن تقرر (سيسل) وحدها لحظة اخباره بالأمر فلابد أنها تخفي هذا الأمر لسبب ما وخصوصا أن (روبرتو) حضر لزيارتهم كثيرا في القصر وحل ضيفا على مائدتهم أكثر من مرة دون أن يبدو (ألفريدو) عالما بأي شئ وعامله بشكل محايد بينما أخفت (سيسل) تماما الألفة والمودة التي تجمعهما بل من يراهما يجدهما يتعاملان بتكلف النبلاء المعتاد ولا يمكن أن يشك في أنهما كانا عاشقان قبل ذلك بساعات قليلة....كما لم يبدو على أحد أنه علم بالأمر سواء (فرناندو) أو (أندريه) أو غيرهم.....


دخل (ألفريدو) ذات يوم الى المطبخ ونظر حوله فلم يجد سوى السيدة (سوزي) فشعر بالإحباط لأنه كان يتمني رؤية (أنجيليتا) فهو كان دائما يتذرع بأي حجة لينزل المطبخ ويراها ولكن السيدة (سوزي) رمقته بنظرة ناقدة وقالت له بتجهم :


" إنها ليست هنا..!!!"


فقال مستنكرا :


" ومن هي؟!....أتيت لآكل بعض الحلويات...."


"إن حبك لها سيزيد من وزنك دون شك....لاتتظاهر بأنك لا تعرف عما أتكلم فلقد كانت هي أكرم أصلا منك بأن باحت لي بكل شئ معتبرة أني أم لها وأنت....الذي ربيتك طوال عمري لم تفكر أن تبوح لي بشئ من هذا "


"أعذريني يا عزيزتي....لم اكن أفكر في إخبار أي أحد ولم أقصدك أنت...وبما أنك تعرفين فإنني أعترف لك أني لم أكن قط سعيدا كما أنا الآن ولم أكن عاشقا هكذا من قبل بل ولا أظني سأكون أبدا لسواها ما تبقى من حياتي"


فطلبت السيدة منه الجلوس واقتربت منه وركزت في عينيه بنظرة جادة وقالت بلهجة قوية:


"اسمع يا (ألفريدو)......رغم أني لم أعرف (أنجيليتا) إلا منذ أن جاءت الى هنا ورغم أن معرفتي بك تفوقها بكثير إلا أني أحذرك....إياك وأن تفكر لحظة في التسلية بها أو اللعب بمشاعرها أو خداعها.....فهذا دون شك سيقتلها وسيحطم كيانها كله.....وإن حدث ذلك.....فلن أسامحك طيلة حياتي ولن يريح أبدا السيدة (آنا) رحمها الله في قبرها....هل تفهم هذا؟!.."


"انت تخيفينني يا سيدة (سوزي) صديقيني لا يمكن في يوم من الأيام أن أفكر في حب أحد سواها أبد....آه لو تدخلين قلبي وتعلمين مقدار حبي لها....وترين كم اسمها محفور داخله بحروف من نار لا يمكن أن يطفئها أي شئ في هذا العالم....فلا تتعبي قلبك الرقيق في القلق عليها أو على علاقتنا فأنا وهي كيان واحد وقلب واحد وإذا ما هزها شئ فكوني موقنة أن هذا كفيل بقتلي قبلها ثم أنت تعرفين الطفل الذي ربيته طوال عمرك....فهل ترين هذا الوجه البرئ يمكن أن تكون لخائن أو مخادع؟!..."


ونظر إليها ببراءة واستكانة ممازحا فابتسمت السيدة (سوزي) فعانقها وضحكت هي من كل قلبها.....ورحل بعد ذلك ليكمل ما بقي من أعماله وبينما هو يسير اتجاه غرفته حتى ظهر السيد (فرناندو) من مكتبه وناداه بصوت قوي :


" (ألفريدو) ؟!...تعال أريد أن أتحدث معك..."


فذهب (ألفريدو) الى مكتبه قلقا وعندما جلس والده ولكن (ألفريدو) ظل واقفا مكانه في مقابلة ابيه الذي بقي يحدق به فلقد ظهرت ملامحه بجلاء تحت ضوء المكتب وظهر الشبه السافر بينه وبين أمه مما تسبب (لفرناندو) بالضيق حتى حل ربطة عنقه وقال له :


"اقترب فلا أريد الصراخ بصوت عالي حتى تسمعني......"


وما إن اقترب حتى لمع في صدره شئ معلق....كانت قلادة الحوتان وعندما رآها شهق الأب (فرناندو) ذاهلا فهي كانت قلادة (آنا) التي عشقتها طوال حياتها وكان هو يمقتها بشدة حتى طلب منها مرات عديدة أن تتخلص منها على أنها ليست أصلية وذات شكل سخيف للغاية ولكنها أبت أن ترتدي أي قلادة من الماس بدلا منها وظلت محتفظة بها في رقبتها وظن أنها اختفت مع موت زوجته ولكن وجودها في صدر ابنه كان كما لو أن روحها ظهرت بجلاء أمامه وشعر في لحظة جنون أنها أمامه وأنها تنظر اليه بسخرية لما آلت اليه أموره بعد أن نحاها جانبا ورفض كل ما كانت تقوله أو تؤمن به فعبس بضيق وصرخ :


"لما تلبس هذة القلادة؟!...أخلعها حالا......أخلعها....أنا لا أطيقها..!!"


فامسك بها (ألفريدو) في حركة دفاعية وقال متعجبا :


"لقد كانت لأمي يا أبي....فلما أخلعها أني أحبها.....لقد وعدت أمي ألا أخلعها أبدا...."


فازداد ضيق والده وقال له محاولا تناسي الموضوع :


"ما ناديتك لأحدثك في هذا....أريد أن أعرف ماذا ستفعل بشأن (فلوريا) "


"وماذا عنها؟!....."


"لا تتذاكى معى أيها الشاب أنا أعني لما لم تطلب يدها الى الآن؟!"



فصدم (ألفريدو) وشعر أنه ليس موقف في صالحه كما ليس في صالحه أن يعرب عن رغباته الحقيقية الآن فالأفضل أن يترك الأمور هكذا الى أن يجد حلا فقال :


"إني لا استطيع أن أفعل ذلك الآن....احتاج الى المزيد من الوقت لأنهي بعض الأمور وأختار اللحظة المناسبة وحينها سأتخذ القرار الصحيح وسيكون كل شئ على ما يرام.."


فكان (فرناندو) على وشك قول شئ لكنه تراجع وقرر ألا يضغط عليه كثيرا حتى لا يتراجع في قراره وقرر انتظار بعض الوقت وهذا لن يضير كما شعر باختناق شديد من وجوده معه وهو يشبه أمه هكذا فطلب إليه الرحيل مسرعا....


ومرت الأيام التالية دون مشاكل فلقد استمرت لقاءات (ألفريدو) و (أنجيليتا) واستمرت وعود الحب بينهما حتى استطاع أن يعمل معزوفة لها خصيصا على جيتاره وكان يعزفها لها مرارا دون أن يظهر لأحد أنه يقصدها هي دون غيرها بهذا اللحن كذلك (سيسل) قررت أن تجعل لقاءاتها مع (روبرتو) تنحصر في قصر (روزا نيرا) لعائلة (فلاديمير) ولم تكن (ساندرا) أو (فلوريا) تعارض هذا الأمر لكن (فلوريا) لم تقابل (ألفريدو) أبدا في هذة الفترة بل كانت تتجنب لقاءه مما كان يثير حفيظة أمها ولكنها كانت تشعر بقلبها جريحا (فألفريدو) يعيش في عالم آخر ولا يحس بأدنى مشاعر مما يعتمرقلبها وشعرت برغبة ليس فقط بهجره بل بهجر العالم أجمع وظلت معظم ساعات يومها حابسة نفسها في بيتها وفي غرفتها تحديدا.....


لم يستطع (ألفريدو) أن يحمل الحصان (روبن) على طاعته ولم تبوء محاولته بامتطاءه إلا بالفشل فلم يكن يقبل لأحد أن يقترب منه سوى (أنجيليتا) وكانت هي تتفاخر بهذا الأمر ولذلك استسلم هذة المرة وأخذ حصانه المعتاد (سرجيو) وذهب الى زيارة صديقه (أندريه)...وكانت (أنجيليتا) قد افتقدت (ألفريدو) كثيرا فقررت ملاقاته على حدود الأراضي بين أملاك عائلتي آل (فان دييجو) وآل (ديميتريوس) بالقرب من مزارع زهور الكلوديا وشعرت بصوت يقترب منها وأصوات جياد أيضا فاقتربت ليتناهى لمسامعها حديث كل من (ألفريدو) و (أندريه) الذي لم يكن سوى عنها فسمعت (أندريه) يقول :


"انت لست صديقي الذي أعرفه....لقد غيرت تلك المرأة طبعك كثيرا وجعلت ولاءك لا لأحد بل لها وحدها....لقد فقدت عقلك تماما ولم يعد في تصرفاتك ذرة من العقل ...بحق السماء افق مما انت فيه وانظر لما تصنع قبل أن تأتي ضربة القدر لتفيقك وترى ما دمرت من حياتك وعلاقتك بالناس الذي يحبونك.."


فنظرت الى (أندريه) ووجهها الهادئ عادة يحمل علامات الغضب والإستنكار بينما يحمل وجه (ألفريدو) الهدوء والسكينة وهو يقول :


"أدرك خوفك علي من النتائج وقلقك ولكنك وأؤكد لك ذلك يا (أندريه) ستعرف حقيقة الأمر وتعذرني حينها فهي ليست بنزوة عابرة وليست حب مراهق بين رجل وخادمته بل هي أسمى علاقة يمكن أن تربط الرجل بالمرأة.....فأنا أحبها بل أشعر أنه لاتوجد امرأة في هذا العالم يمكن أن تكون الى جواري أوتفهمني غيرها ما تبقى من عمري..."


فرحلت (أنجيليتا) مكتفية بما سمعت ولكن كلمات (أندريه) جعلتها تشك فيما يحدث وجعلتها تغرق في التفكير في كل ما قد يحصل جراء هذا الحب الذي لن يكون هناك من ينصره من جميع الناس من حولها اللهم إلا (سوزي) رئيسة الخدم ولكن هذا ليس كافيا وظلت هكذا حتى استسلمت لنوم عميق....


في اليوم التالي حضر (روبرتو) لزيارة آل (فان دييجو)وكان يأمل أن يرى (سيسل) فهي لم تحضر لقصر (روزانيرا) منذ زمن طويل وأخبر رئيس الخدم (لوسيانو) بأن يخطرها بقدومه وانتظرها في الردهة حتى خرج (فرناندو) من مكتبه فجأة وكان منظره يبعث على الرهبة كما المعتاد فنظر إليه (روبرتو) كما لو كان متهما يوشك على الإعتراف بما اقترفه من ذنب فبادره (فرناندو) :


"آه أنت هنا؟!......كيف هي السيدة (ساندرا) وابنتها؟!...."


"إنهما بألف خير شكرا...جئت لأني أشعر بالوحدة هناك وقررت أن أتحدث مع (سيسل) قليلا....أعني الآنسة (سيسل) "


فنظر اليه السيد (فرناندو) بازدراء وقال :


" (سيسل) ...لا بأس بهذا....أخبرني أيها الشاب....ألم تفكر في الزواج الى الآن؟!..."


فأجفل (روبرتو) بقلق وقال :


"أنا؟!...بلى...بلى ولكني...لم أجد الوقت المناسب بعد..."


"لماذا يقول الشباب جميعا نفس الكلمة؟!...ترى هل تفكر في فتاة محددة...؟!.."


"نعم...نعم ياسيدي...ولكني انتظر لأكون شخصا مناسبا كفؤا لأثير اهتمام والدها حتى يقبل بي"


فابتسم السيد (فرناندو) بسخرية وقال :


"أفهم قصدك تماما....فأنت شخص بلا ثروة وبلا أي شئ يميزك لتقبل بك أي فتاة....عليك أن تعمل طويلا....حتى تصل الى المكانة المناسبة هاها"


فغضب (روبرتو) وشعر بخجل وخزي كبيرين ولم يدري بما يجيب وقال متلعثما من فرط الغضب :

"أنت مخطئ يا سيد (فرناندو) في أني لا أملك أي شئ...أنني أملك العلم فلقد تخرجت من أشهر جامعة في امريكا....وهذا هو ما يهم هذة الأيام..."


فقال السيد (فرناندو) بصوت مرتفع :


"أنا لا أخطئ يا (روبرتو)......فلو كنت مكان والد تلك الفتاة......لما أعرت شهادتك التي تتفاخر بها إهتماما فالمهم هو كيف تدير أملاكك وتتفاعل مع مشاكل الحياة بصلابة ورابطة جأش وهذا لا يمنح لشخص جلس وراء الكتب في أهم سنين حياته.....وعلى كل حال فأنا أتمنى لك التوفيق "


فظل (روبرتو) يتميز غيظا ولا يدري ما يقول فاستأذنه واستدار راحلا فناداه (فرناندو) :


"ألم تقل أنك قادم للتحدث قليلا مع (سيسل) أيها الشاب؟!..."


"بلى ولكني لم أعد أريد ذلك الآن.....أعني أني تذكرت شيئا طارئا على انجازه....بإذنك"


ورحل مسرعا وابتسم (فرناندو) بسخريته المعهودة بينما سقطت (سيسل) باكية عند أعلى الدرج المؤدي للطابق العلوي من القصر لأنها سمعت حديثهما وشعرت أن كل قصور الأحلام التي بنتها قد تهدمت بين طيات بعض الكلمات.....
 
الوسوم
|||&#60الزهور الأجيالرواية الحب الذهبية&#62|||لعنة تنتقل ثلاثة د رواية طويلة عبر من
عودة
أعلى