الصلاة والجوال

املي بالله

نائبة المدير العام
الصلاة والجوال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ......... وبعد :

ظهر الجوال كوسيلة تواصل حديثة هزت العالم وقربت أبعاده وسهلت تعقيدات تواصله ، وكل يوم في تطور جديد حتى أن الشهر بل الأيام في حسابات موديلاته **نين في صناعات أخرى .
إنها نعمة وهبة من العليم الحكيم الذي علم الإنسان ما لم يعلم .

ولهذا الجوال منذ ظهر وعرفه المسلمون قصة مع الصلاة ذات فصول متعددة .

الفصل الأول فيها بدأ بسيطا لكن مع توالي الفصول لم نعد نتوقع أن يكون هناك فصلا أخيرا فقصته معها أطول مما يتم في المسلسلات التركية ذات الحلقات المئوية كما يقال.

أول ما ظهر الجوال في المجتمعات المسلمة كان التوجيه الملفوظ والمكتوب بخصوص الصلاة هو إغلاق الجوال أو اختيار الوضع " صامت " أثناء الصلاة .

وكم وقعت من خصومات وكم مثلها من إحراجات بين المصلين وكم للأئمة والوعاظ من تنبيهات بسبب نغمات الجوال أثناء الصلوات وما إن كادت النفوس تهدأ من قضية الرنات والنغمات الموجودة في الجوالات حتى بدأ ستار الفصل الثاني يسدل بلا مقدمات مع خدمة إضافة النغمات حسب الأذواق والرغبات فأدخلت إلى المساجد أصوات المغنيين والمغنيات وبعدة لغات فتعاظمت الحسرات على حال الصلوات وإنا لله وإنا إليه راجعون .

وهكذا توالت الفصول وتطورت الجولات وزاد التنازع بين الصلاة والجوال في معركة باستمرار حتى وصلنا – إلا من رحم الله - إلى هذه الصورة فتأمل :

(( جهازه المطور بيده يقلبه وبأصبعه يحرك شاشته يتصفح ؛ وفجأة ومن ذلك الجهاز صدر صوت الآذان لدخول وقت الصلاة فقطعه قبل أن يكمل التكبيرة الأولى واستمر في المتابعة باهتمام فإنه يتابع صفحته الفيس بوكية أو يقرأ مشاركات الواتس آب أو يشاهد مقطعا أو يقرأ خبرا أو يفتح رسالة جاءته ، بدأ الكون من حوله يردد الآذان ، حركة الناس تغيرت صوب الاستعداد والمثول وهو بجواله مشغول .
جاءه - من جواله - تنبيه عن قرب إقامة الصلاة تحرك مطأطئ الرأس ليس خشوعا وندما على التأخر وإنما متابعة خاشة لما في الجوال .
استعد بوضوء عاجل ودخل المسجد صلى ركعتين خفيفتين أشد ما يكون التخفيف ولم ينتهِ من التسليمة الثانية إلا ويده في جيبه تسرع إلى الجوال لاستغلال ما بين الآذان والإقامة بالنظر في جواله المطور وتقليب صفحات التواصل .
اهتز المكان لصوت المؤذن وهو يقيم الصلاة فقام صاحبنا بعد أن وقف كل من في الصف لأنه مشغول بالمتابعة المهمة.
كبّر الإمام تكبيرة الإحرام ليصمت الزمان وليعلن الخروج من متعة الدنيا إلى الاتصال بالخالق الديان وصاحبنا لا زال يقلب ، وبسرعة ألقى نظرة على جهازه كأنها نظرة مودع وكبر ويده تدخل الجوال إلى أقرب مخبئ .
نسي أن يضعه على الصامت وبينما الصف في صمت خاشع إذا بنغمات جواله تقطع السكون وتشغل القلوب .
" السلام عليكم ورحمة الله " أطلقها الإمام ليبدأ الاستغفار والتسبيح والثناء على الله تبارك وتعالى الذي تفضل على المسلمين بهذه النعمة ، لكن صاحبنا فهمها أنه أطلقها ليطلق يده بحثا عن جواله فقد اشتد شوقه إليه وشُغل عنه بعض الوقت فأخرجه بسرعة حتى يستدرك ما فاته في هذه الدقائق فربما تغير العالم أو حدث ما لم يكن بالحسبان فنحن في عصر السرعة .
وحتى يقنع نفسه بأنه حاضر مع الناس تمتم بلسانه كأنه يأتي بالأذكار لكن الحقيقة أنه لا يدري ما قال فقلبه معلق بما في الجوال )) .

فهل سنتوق هنا أم أن الأمر في اتساع أو أنه قد اتسع قبل الانتهاء من قراءة هذه الكلمات .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أعمالنا ويبارك لنا فيها ويصلح حالنا
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
 
عودة
أعلى