حوار قلب لا يعرف النسيان

خالدالطيب

شخصية هامة
حوار قلب لا يعرف النسيان

وحيدا جلست...لا أنيس لي ولا رفيق...لا جليس يبادلني الحديث...فأحبة ألفتهم وألفت أحاديثهم غابوا...وتركوني وحيدا...أتساءل لم هذا الفراق؟...ولم الجفاء؟.
سألت قلبي: أتظن القلوب المتحابة تتخاصم؟.
قال: احرص على صون القلوب من الأذى...فهي نقطة سوداء إن دخلت القلب وكبرت أفسدت الحب الذي فيه.
قلت: أو يقسو الحبيب على حبيبه؟
قال: أو لسنا بشرا، لنا قلوب تقسو وترق؟
قلت: أو يهجر الحبيب حبيبه؟
قال: وينسى إن كان الخصام شديدا، فالأسى يفسد الود.
قلت: وأي طريق أقرب للرجوع؟
قال: ما أصعب رجوع الأحبة إن ضاع الحب بينهم.
قلت: أو ما من سبيل؟
قال: إلا رحمة من الله، بأن لا يكون القلب كقلوب البشر.
قلت: وهل يحق للحبيب الخصام دون عتاب؟
قال: فذاك ليس بحبيب، فإن من يحبك يعاتبك، ويجتهد كي لا يفقدك.
قلت: فإن أردت أن أفتش عن قلبي فأين أجده؟
قال: حيثما وضعته أول مرة، فإنك مهما ابتعدت ستجده مكانه.
قلت: فكيف أعرف الأحباب؟
قال: القلب لا يتوه عن أحبابه.
قلت: فبأي نصيحة تنصحني؟
قال: إياك والفراق، ففيه جفاء.

أرأيت الورود في الجنائن؟...أتراك لو قطعت عنها الماء هل تعيش؟...الحب كالورد والقلب جنته...والحب من الآخرين هو الماء الذي يحيا به...كورد الجنائن إن بقي الناس يقطفونه دون أن يسقوه فسيجف ويموت...الحب عطاء متبادل وإلا فلم نسميه حبا؟...ولم نسميهم أحبابا؟

أتعبت قلبي وأتعبني...هو لا يستطيع فراق الأحبة...وأنا أقسو عليه لينسى...هو يتحمل جراحهم...وأنا أتألم لألمه...هو يعفو ويسامح...وأنا أقسو وأهجر...هو يقول أحبتي...وأنا أقول عزتي وكرامتي...هو يقول جرح الحبيب لا يؤلم...وأنا أقول لا يمكن إخفاء الجراح...وإن خفيت فقطرات الدم تبقى تنزف...هو يقول أن الحب أقوى من الألم...وأنا أقول: عند ذكر الألم يضيع معنى الحب.

أقول أنساهم...ويبقى القلب يذكرهم...كلما مر طيف وخيال...كلما عبرت ذكرى ترجع بالذاكرة إلى الوراء...كلما سمعت كلمات ربما نطقتها ألسنتهم مرة...أتذكرهم...يحن قلبي للقاء...تفيض العين بدموع تكوي وجنتي...أمسح الدمع وأمضي...كفى يا قلب...لا تقس عليّ...جرحوك ودماك لا تزال تنزف...وتحن للقاء؟...أي قلب أنت بين القلوب؟...أي حزن أكتم بين أضلاعي...ونيران الألم تحرقني...تقتلني...تبعدني إلى دنيا بعيدة في المجهول.

كفى يا قلب...وانس من باعوك...لو كان في قلوبهم حب كحبك رحموك...لكن معنى الحب يا قلب ضاع...ومضى في بحر كسفينة بلا شراع...بلا ربان أو خرائط أو مراسي...ربما يا قلب تفهم حين تغرق السفينة...ربما تفهم أن شيئا اسمه الحب ضاع.

تخرج الكلمات عنوة...دون استئذان...لتكشف عن جراح في القلب...ربما كتمانها صعب...لكن خروجها يخرج معها الدموع...تنسكب على أحلام عشتها...ثم ماذا...بعد كل هذا أكتشف...كانت الأحلام سرابا.
القلب تعب مما فيه...لكنه رغم كل هذا يكتم الجرح...ويكتم ألمه...يذكر من يجرحه...أبكي على ألمي...لكن جرحي لا دواء له...طالما قلبي لا يداوي جرحه...
نعمة النسيان...ربما هي ما أفقده...لو كان النسيان بيدي...لنسيت كل من باعوا...واشتريت غيرهم...ربما لو كنت أنسى...كانت الأحلام واقعا...لكنني في كل مرة أصحو على سراب.
نهاية الحلم الجميل...جرح وألم ووداع...ودموع تكوي وجنتي...ودماء القلب لا تحبسها جدرانه...آخر الحلم الجميل...ذكريات وسراب وخداع...ومعاني الحب ضاعت...مثلما الدنيا في ضياع.

بقدر ما تعطي تحتاج لأن تأخذ كي تستمر في العطاء...نظرت إلى الشمس وجدتها تعطينا الدفء والنور...لكن الله يعطيها القوة والطاقة التي تلزمها لتحترق وتعطينا...نظرت إلى القمر...وأبهرني جماله ونوره المتلأ ليء...لكن الشمس تمده بهذا الضوء ليعطيه لنا...نظرت إلى الأزهار في الحدائق...تعطينا جمالا وأريج عطر أخّاذ...لكن الساقي يسقيها...والأرض تغذيها لتعطينا هذا الجمال...ونظرت إلى الماء فهو يروينا ويعطينا الحياة...لكن الله ينزله لنا في كل عام حتى لا تجف الأرض.
أرأيت لا شيء يعطي دون أن يأخذ...وانظر لكل شيء إن أخذت منه دون أن تعطيه فهل يبقى؟...أتراك لو أشعلت نارا وتركتها دون أن تمدها بما يحييها...أتراها تعيش أم تنطفيء حين تنهي ما فيها؟.
كذلك القلب...ازرع الحب واحصد الحب...فإن لم تزرع فإنك لن تجد الحصاد...يتعب القلب الذي يعطي ويجد صدودا...وتتعبه جراح الهجر والخصام...فإن جفّت منه ينابيع الحب...فهناك يكون البعد أولى.

لا زال يراودني السؤال نفسه...كيف تعرف المحب ممن يدّعي الحب؟...أحيانا هما سواء وليس سهلا أن تفرّق بينهما...لكن النهاية تكون صدمة بأن تكتشف أنك تحب سرابا...تتعلق بشخص كان دوما بعيدا عنك...أنت تعطيه الحب...وهو فقط يتظاهر بأنه يعطيك...لكن شيئا واحدا يميّزك عنه...أنت تعطي الحب من قلبك...وهو قلبه فارغ من ذاك المعنى الجميل.
الفراق... لا زال قصة نسمعها كل يوم...كل له جرحه...وكل جرح له ألمه وطعمه...قليلة تلك القلوب التي تصبر...وأخرى قررت الموت لتنسى ذكرى حبيب لا تريد أن تنساه...لكنها أيضا لا تريد أن يسكنها غيره.
النسيان...تلك النعمة التي لا زلت أحسد البعض عليها...وأتمنى لو أنني ملكتها كما ملكوها...ولكن ربما العقل ينسى...لكن القلب يحمل جرحا لا يمكن أن ينساه.
الحبيب...كلمة أفتش لها عن معنى...لكنني لا زلت أراها كلمة كبيرة لا تحتويها المعاني...يتيه الوصف كلما حاولت تفسيرها...لكنني اختصرتها بقولي...الحبيب هو ذاك الشخص الذي سكن قلبي فصار حبيبي...أنا لا أنساه...لكنني لا أدري هل أنا حبيبه أم لا.
المعاني...ربما كلمات كثيرة نكتبها...لكن قليلا منها ما يعبّر عما يجول في الخاطر...وتبقى البقية مجرد حروف ننسجها على ذكرى وطلل...ربما يمر على آثارها يوما حبيب...يدرك أن هذه الكلمات ربما كتبت له.

 
حوار قلب لا يعرف النسيان
 
الوسوم
النسيان حوار قلب لا يعرف
عودة
أعلى