كشف الشبهات

قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة ياتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة، وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا(1).

(1) قال المؤلف رحمه الله مستدلاً على أن الرجل الموحد ستكون له حجة أبلغ وأبين من حجة غير الموحد مهما بلغ من الفصاحة والبيان كما قال تعالى: )ولا يأتونك بمثل إلى جئناك بالحق وأحسن تفسيراً( أي لا يأتونك بمثل يجادلونك به ويلبسون الحق بالباطل إلاجئناك بالحق وأحسن تفسيراً ولهذا تجد في القرآن كثيراً ما يجيب الله تعالى عن أسئلة هؤلاء المشركين وغيرهم ليبين-عز وجل للناس الحق وسيكون الحق بيناً لكل أحد.
ولكن هاهنا أمر يجب التفطن له وهو: أنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل في مجادلة أحد إلابعد أن يعرف حجته ويكون مستعداً لدحرها والجواب عنها ، لأنه إذا دخل في غير معرفة صارت العاقبة عليه، إلاأن يشاء الله كما أن الإنسان لا يدخل في ميدان المعركة مع العدو إلابسلاح وشجاعة ، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه سيذكر في كتابه هذا كل حجة أتى بها المشركون ليحتجوا بها على شيخ الإسلام-رحمه الله-ويكشف هذه الشبهات لأنها في الحقيقة ليست حججاً،=
 
وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم ،لا أعرف معناه ، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله (2) .

(1) ذكر المؤلف-رحمه الله-كيف نرد المتشابه إلى المحكم أن المشركين كانوا مقرون بتوحيد الربوبية ويؤمنون بذلك إيماناً لا شك فيه عندهم ولكنهم يعبدون الملائكة وغيرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ومع هذا كانوا مشركين استباح النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم وهذا نص محكم لا اشتباه فيه دال على أن الله لا شريك له في ألوهيته وفي عبادته كما أنه لا شريك له في ربوبيته وملكه ، وأن من أشرك بالله في ألوهيته فهو مشرك وإن وحده في الربوبية.
(2) قوله-رحمه الله-"ما ذكرت أيها المشرك من كلام الله تعالى وكلام رسوله لا أعرف معناه ، ولكني أعلم أن كلام الله لا يتناقض ، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله" يريد بقوله : "لا أعرف معناه" أي لا أعرف معناه الذي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنت تدعيه ، وإنني أنكره ولا اقر به ، لأنني أعلم أن كلام الله لا يتناقض ، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله ، قال تعالى : )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً( {سورة النساء ، الآية: 82} ، وقال تعالى : )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء({سورة النحل ، الآية : 89} ، وقال تعالى: )لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون({سورة النحل ، الآية : 44} وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله ، وكذلك كلام الله لا يناقض بعضه بعضاً، وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه لا شريك له ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بين الإسلام على خمس: "شهادة أن لا إله إلاالله وأن محمداً رسول الله . . . . " (1) إلى آخر الحديث ، وهذا كله يؤيد بعضه بعضاً ، ويدل على أن الله تعالى ليس له شريك في الألوهية كما أنه ليس له شريك في الربوبية.
 
وهذا جواب جيد سديد (1) ولكن لا يفهمه (2) إلامن وفقه الله فلا تستهن به ، فإنه كما قال تعالى: )وما يلقاها إلاالذين صبروا وما يلقاه إلاذو حظ عظيم({سورة فصلت ، الآية: 35}. وأما الجواب المفصل (3) فإن أعداء الله لهم اعتراضات

(1) قوله رحمه الله: "وهذا جواب جيد سديد" يعني قول الإنسان لخصمه أن كلام الله تعالى لا يتناقض ، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله ، وأن الواجب رد المتشابه إلى المحكم ، فهذا أجاب بجواب سديد أي ساد لمحله لا يمكن لأحد أن يناقضه ، أو يرد عليه الصلاة والسلام ما ينقضه لأنه كلام محكم مبني على الدليلين: السمعي ،والعقلي وما كان كذلك فإنه جواب لا يمكن لأي مبطل أن ينقضه.
(2) قوله: "ولكن لا يفهمه . . . . إلخ" لن الجواب الأول كان مجملاً يرد به الإنسان على كل شبهة ، ثم هناك جواب مفصل أي مميز بعضه عن بعض بحيث تدفع به شبهة كل
واحد بعينها.
 
كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه، منها: قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلاالله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره.
ولكن أنا مذنب ، والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم ، فجاوبه بما تقدم وهو : أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت ، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة(1). . . . . . . .

فإذا قال لك المشرك: أنا لا أشرك بالله ، بل أشهد انه لا يخلق ، ولا يرزق ، ولا ينفع ، ولا يضر إلاالله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عمن دونه صلى الله عليه وسلم ، كعبد القادر يعني ابن موسى الجيلاني-على خلاف في اسم أبيه-كان من كبار الزهاد في والمتصوفين ولد سنة 471 بجيلان وتوفي سنة 561 في بغداد وكان حنبلي المذهب ، وهذا هو التوحيد، فهذه شبهة يلبس بها ولكنها شبهة داحضة لا تفيده شيئاً.
(1)قوله "ولكن أنا مذنب . . . .إلخ" هذا بقية كلام المشبه ، فأجبه بأن ما ذكرت هو ما كان عليه الصلاة والسلام المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم
 
وقرا عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه (1)

و استباح دماءهم ونساءهم وأموالهم ، ولم يغنهم هذا التوحيد شيئاً.
(1) قوله : "واقرأ عليه ما ذكر الله تعالى في كتابه ووضحه" ، يريد بذلك أن تقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه من توحيد الألوهية فإنه جل وعلا أبدأ فيه وأعاد وكرر من أجل تثبيته في قلوب الناس وإقامة الحجة عليهم فقال تعالى: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلانوحي إليه أنه لا إله إلاأنا فأعبدون({سورة الأنبياء، الآية: 25} ، وقال تعالى: )وما خلقت الجن والأنس إلاليعبدون({سورة الذاريات ، الآية : 56} وقال تعالى : )شهد الله أنه لا إله إلاهو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاهو العزيز الحكيم({سورة آل عمران ، الآية : 18} وقال تعالى )وإلهكم إله واحد لا إله إلاهو الرحمن الرحيم({سورة البقرة ، الآية 163} ، وقال تعالى : )فإيي فاعبدون({سورة العنكبوت ، الآية : 56} إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله عز وجل في عبادته ، وأن لا يعبد أحد سواه ، فإذا إقتنع بذلك فهذا هو المطلوب وإن لم يقتنع فهو مكابر معاند يصدق عليه قول الله تعالى : )وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين({سورة النمل، الآية 14}.

فإن قال : هؤلاء (1) الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً فجاوبه بما تقدم.
فإنه إذا (2) أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله ، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلاالشفاعة ، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره.
فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام ، ومنهم من

(1) قوله: : "فإن قال: هؤلاء" يعني أهل الشرك هذه الآيات نزلت في المشركين الذين يعبدون الأصنام وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.
فجاوبه بما تقدم أي بأن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثناً فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍ إذ أن الجميع لا يغني شيئاً عن عابديه.
(2) يقول: "فإنه" أي هذا القائل يعلم أن المشركين قد أقروا بالربوبية، وأن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء وخالقه ومالكه ، ولكنهم عبدوا هذه الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله زلفى ، وتشفع لهم فقد اقر بأن مقصودهم كمقصوده ومع ذلك لم ينفعهم هذا الاعتقاد كما سبق.
 
يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب({سورة الإسراء ، الآية : 57} . ويدعون عيسى بن مريم وامه وقد قال الله تعالى : )ما المسيح ابن مريم إلارسولاً قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم أنظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون الله مإلايملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم( (1) {سورة المائدة ، الآيتان: 76.75}.

قوله: "فأذكر له أن هؤلاء المشركين منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود، ومنهم من يعبد الأولياء كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود والمعبود، ودليل أنهم يدعوا الأولياء قوله تعالى: )أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب( وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم ، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله تعالى) ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون({سورة سبأ ، الآية : 40} الآية ، فتبين بذلك الجواب عن تلبيسه بكون المشركين يعبدون الأصنام وهو يعبد الأولياء والصالحين من وجهين:
 
وأذكر له قوله تعالى: ) ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون(
{سورة سبأ الآيتان: 40: 41}
وقوله تعالى : )وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي

= الوجه الأول: أنه لا صحة لتلبيسه لأن من أولئك المشركين من يعبد الأولياء والصالحين.
الوجه الثاني: لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلاالأصنام فلا فرق بينه وبينهم لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئاً.
(1) قوله: "وأذكر له قوله تعالى: )ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة(" الآيتين ، هذه معطوفة على قوله سابقاً: "فأذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام. . . إلخ" . والمقصود من هذا أن يتبين له أن من الكفار من يعبد الملائكة وهم من خيار خلق الله وأوليائه فيبطل تلبيسه بأن الفرق بينه وبين الكفار أنه هو يدعو الصالحين والأولياء ، والكفار يعبدون الأصنام من الأحجار ونحوها.
 
أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب( (1) {سورة المائدة ، الآية: 116}
فقل له : أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام ، وكفر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ (2).
فإن قال: (3) الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو

(1)قوله: وقوله تعالى: )وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم( "الآية ، أي وأذكر له قوله تعالى: )وإذ قال الله ياعيسى . . . . .( لتلقمه حجرا في أن الكفار كانوا يعبدون الأولياء والصالحين، فلا فرق بينه وبين أولئك الكفار.
(2)قوله : "فقل له . . . ألخ" أي قل ذلك مبيناً له أن الله سبحانه وتعالى كفر من عبد الصالحين ، ومن عبد الأصنام والنبي صلى الله عليه وسلم الله قاتلهم على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كانا المعبودون من أولياء الله وأنبيائه.
(3)قوله: "فإن قال" يعني هذا المشرك ، الكفار يريدون منهم أي يريدون أن ينفعوهم أو يضروهم وأنا لا أريد إلامن الله ، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ، وأنا لا أعتقد فيهم ولكن أتقرب بهم إلى الله - عز وجل ليكونوا شفعاء.
 
النافع الضار المدبر لا أريد إلامنه ، والصلاحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء وأقرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: )والذين أتخذوا من دونه أوليا ءما نعبدهم إلاليقربونا إلى الله زلفى({سورة الزمر ، الآية: 3} وقوله تعالى : )ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله({سورة يونس، الآية: 18}.
وأعلم : أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم ، فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها(1).

فقل له : وكذلك المشركون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم لا يعبدون هؤلاء الأصنام لاعتقادهم أنها تنفع وتضر ولكنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى كما قال تعالى عنهم : )ما نعبدهم إلاليقربونا إلى الله زلفى( وقال : )ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( فتكون حالة كحال هؤلاء المشركين سواء بسواء.
(1) قوله رحمه الله تعالى : وهذه الشبه الثلاث : -
الشبهة الأولى:- قولهم: "إننا لا نعبد الأصنام إنما نعبد الأولياء".
 
فإن قال: أنا لا أعبد إلاالله ، وهذا الإلتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.
فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله(1) وهو حقه عليك ، فإذا قال نعم فقل له: يبين لي هذا الذي
الشبهة الثانية:-قولهم: "أننا ما قصدناهم وإنما قصدنا الله - عز وجل في العبادة".
الشبهة الثالثة:-قولهم: "أننا ما عبدناهم لينفعونا أو يضرونا ، فإن النفع والضرر بيد الله عز وجل ، ولكن ليقربونا إلى الله زلفى ، فنحن قصدنا شفاعتهم بذلك ، يعني فنحن لا نشرك بالله سبحانه وتعالى".
فإذا تبين لك إنكشاف هذه الشبه فانكشاف ما بعدها من الشبه أهو وأيسر لأن هذه من أقوى الشبه التي يلبسون بها.
(1)إذا قال هذا المشبه أنا لست أعبدهم كما أعبد الله - عز وجل والإلتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة فهذه شبهة.
وجوابها أن تقول : إن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وحده. فإذا قال: نعم ، فاسأله ما معنى إخلاص العباده له؟ فإما أن يعرف ذلك ، وإما أن لا يعرف ، فإن كان لا يعرف فبين له ذلك ليعلم أن دعاءه للصالحين وتعلقه بهم عبادة.
 
فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه ، عليك فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها.
فبينها له بقولك قال الله تعالى: )أدعوا ربكم تضرعاً وخفية ، إنه لا يحب المعتدين({سورة الأعراف، الآية: 55} فإذا أعلمته بهذا ، فقل له: هل علمت هذا عبادة لله فلا بد أن يقول نعم ، والدعاء مخ العبادة (1).
فقل له (2) إذا أقررت أنها عبادة ، ودعوت الله ليلاً ونهاراً ، خوفاً وطمعاً ، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت

(1) قوله: "فبينها له" أي بين له أنواع العبادة فقل له: إن الله يقول: )أدعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين( والدعاء عبادة ، وإذا كان عبادة فإن دعاء غير الله يكون إشراكاً بالله-عز وجل- وعلى هذا فالذي يستحق أن يدعى ويعبد ويرجى هو الله وحده لا شريك له.
(2) قوله: "فقل له . . . . . إلخ" ، يعني إذا بينت أن الدعاء عبادة وأقر به فقل له : ألست تدعو الله تعالى في حاجة ثم تدعو في تلك الحاجة نفسها نبياً أو غيره فهل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم لأن هذا لازم لا محالة ، هذا بالنسبة للدعاء.
 
في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم ، فقل له : إذا علمت بقول الله تعالى: )فصل لربك وأنحر( وأطعت الله ونحرت له ، هل هذا عبادة؟ فلابد أن يقول: نعم
فقل له إذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما هل أشركت في هذه العبادة غير الله فلابد أن يقر ويقول : نعم
وقل له أيضا : المشركون الذين نزل فيهم القرآن ، هل
ـــــــــــــــــ
ثم إنتقل المؤلف-رحمه الله تعالى- إلى نوع آخر من العبادة وهو النحر قال : ، فقل له : إذا علمت بقول الله تعالى: )فصل لربك وأنحر( وأطعت الله ونحرت له أهذا عبادة ؟ فلابد أن يقول نعم فقد إعترف أن النحر لله تعالى عبادة وعلى هذا يكون صرفه لغير الله شركاً، قال المؤلف-رحمه الله مقرراً ذلك: " فقل له إذا نحرت لمخلوق . . . . إلخ" وهذا إلزام واضح لا محيد عنه.
(2)قوله: "وقل له أيضاً : المشركون . . . .إلخ" إنتقل المؤلف إلى إلزام آخر سبقت الإشارة إليه وهو أن يسأل هذا المشبه هل كان المشركون يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك فلابد أن يقول : نعم فيسأل مرة أخرى: هل كانت عبادتهم إلافي الدعاء والذبح والإلتجاء ونحو ذلك مع إقرارهم بأنهم عبيد الله وتحت قهره
 
كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول : نعم ، فقل له : وهل كانت عبادتهم إياهم إلافي الدعاء والذبح والإلتجاء ونحو ذلك ، وغلا فهم مقرون أهم عبيده وتحت قهره ، وأن الله ، هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة ، وهذا ظاهر جداً.
فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقال: لا أنكرها ولا أتبرأ منها ، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته ، ولكن الشفاعة كلها لله ، كما قال الله تعالى: )قل لله الشفاعة جميعاً( (1) {سورة الزمر، الآية: 44}.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وأن الله هو الذي يدبر الأمر لكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة كما سبق وهذا ما وقع فيه المشبه تماماً
(1) قوله: "فإن قال" يعني إذا قال لك المشرك المشبه هل تنكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول هذا من أجل أن يلزمك بجواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عسى أن يشفع لك عند الله إذا دعوته ، فقل له : لا أنكر هذه الشفاعة ولا أتبرأ منها ، ولكني أقول إن الشفاعة لله ومرجعها كلها إليه وهو الذي يأذن فيها إذا شاء ولمن شاء لقول الله

 
ولا تكون إلامن بعد إذن الله كما قال-عز وجل-)من ذا الذي يشفع عنده إلابإذنه({سورة البقرة، الآية : 255} ولا يشفع في أحدٍ إلامن بعد أن يأذن الله فيه (1) كما قال-عز وجل- )ولا يشفعون إلالمن إرتضى({سورة الأنبياء ، الآية: 28}. وهو لا يرضى إلاالتوحيد كما قال-عز وجل-: )ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه({سورة آل عمران ، الآية 85}. . . . . .

تعالى: )قل لله الشفا عة جميعاً له ملك السموات والأرض({سورة الزمر، الآية: 44} .
(1)قوله : "ولا تكون إلابعد إذن الله . . . إلخ" . بين رحمه الله -أن الشفاعة لا تكون إلابشرطين:
الشرط الأول:- أن يأذن الله بها لقوله تعالى: )من ذا الذي يشفع عنده إلابإذنه(.
الشرط الثاني: أن يرضى الله - عز وجل عن الشافع والمشفوع له ، لقوله تعالى : )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلامن أذن له الرحمن ورضى له قولاً({سورة طه، الآية: 109} ، ولقول الله تعالى: )ولا يشفعون إلالمن إرتضى وهم من خشيته مشفقون({سورة الأنبياء الآية : 28} ومن المعلوم أن الله لا يرضى إلابالتوحيد ولا يمكن أن يرضى الكفر لقوله تعالى: )إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم({سورة الزمر ، الآية: 7} ، فإذا كان لا يرضى الكفر فإنه لا يأذن بالشفاعة للكافر.
 
فإذا كانت الشفاعة كلها لله (1) ، ولا تكون إلامن بعد إذنه ، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ، ولا يأذن إلالأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله فأطلبها منه، فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في ، وأمثال هذا.
فإن قال (2) النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم{
(1) قوله :فإذا كانت الشفاعة كلها لله. . . . .إلخ" أراد المؤلف-رحمه الله تعالى- أنه إذا كانت الشفاعة لله ، ولا تكونإلا بإذنه ، ولا تكون إلالمن أرتضى ولا يرضى إلاالتوحيد لمن من ذلك أن لا تطلب الشفاعة إلامن الله تعال لا من النبي صلى الله عليه وسلم فيقول اللهم شفع في نبيك اللهم لا تحرمني من شفاعته وأمثال ذلك.
(2) قوله: "فإن قال" أي المشرك الذي يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم الشفاعة فأنا أطلبها منه.
 
فالجواب : أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال}فلا تدعو مع الله أحداً({سورة الجن ، الآية:18} فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله: )فلا تدعو مع الله أحداً( وأيضاً

فالجواب: من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك أن تشرك به في دعائه فقال: )فلا تدعو مع الله أحداً( .
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الشفاعة ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلالمن إرتضاه الله ، ومن كان مشركاً فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له كما قال تعالى: )ولا يشفعون إلالمن إرتضى({سورة الأنبياء، الآية: 28}.
الثالث: إن الله تعالى أعطى الشفاعة غير محمد صلى الله عليه وسلم فالملائكة يشفعون ، والأفراط يشفعون والأولياء يشفعون ، فقل: له: هل تطلب الشفاعة من كل هؤلاء؟ فإن قال: لا فقد خصم وبطل قوله وإن قال: نعم . رجع إلى القول بعبادة الصالحين ، ثم إن هذا المشرك المشبه ليس يريد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له ، ولو كان يريد ذلك لقال " اللهم شفع في نبيك محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولكنه يدعو الرسول
 
فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، (1) ، والأفراط يشفعون (2) ، أتقول : إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟
فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في

صلى الله عليه وسلم مباشرة ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة ، فكيف يريد هذا الرجل الذي يدعو مع الله غيره أن يشفع له أحد عند الله سبحانه وتعالى؟‍‍‍‍‍‍‍ .
(1) وقال المؤلف "إن الملائكة يشفعون ، والأولياء" سنده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم مطولاً وفيه فيقول الله عز وجل " شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون" (1) الحديث.
(2) وقوله " والأفراط يشفعون" الأفراط هم الذين ماتوا قبل البلوغ وسنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلامن تحلة القسم" (2) أخرجه البخاري وله عنه وعن أبي سعيد من حديث آخر "لم يبلغوا الحنث"(3).
 
(1) إذا قال هذا المشرك أنا لا أشرك0 بالله شيئاً والألتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فجوابه أن يقال له : ألست تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا ، وان الله لا يغفره فما هذا الشرك؟ فإنه سوف لا يدري ولا يجيب بالصواب مادام يعتقد أن طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ليس بشرك فهو دليل على أنه لا يعرف الشرك الذي عظمه الله تعالى وقال فيه :)إن الشرك لظلم عظيم( {سورة لقمان، الآية: 13}.
(2) قوله: "فقل له كيف تبرئ نفسك . . . إلخ" يعني إذا برأ نفسه من الشرك بلجوئه إلى الصالحين فجوابه من وجهين:
تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه ، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟
فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام ، فقل له : ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق ، وترزق ، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن(1)
الأول: أن يقال كيف تبرئ نفسك من الشك وأنت لا تعرفه ، وهل الحكم على الشيء إلابعد تصوره فحكمك براءة نفسك من الشرك وأنت لا تعلمه حكم بلا علم فيكون مردوداً.
الوجه الثاني: أن يقال لماذا ؟ لا تسال عن الشرك الذي حرمه الله تعالى أعظم من تحريم قتل النفس والزنا وأوجب لفاعله النار وحرم عليه الجنة أتظن أن الله حرمه على عباده ولم يبينه لهم حاشاه من ذلك.
(1) يعني إذا قال لك المشرك المشبه: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فأجبه بجوابين :
يعتقد أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فإن زعم ذلك فقد كذب القرآن.

 
وإن قال (1): هو من قصد خشية ، أو حجراً ، أو بنية على قبر أو غيره ، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ، ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا ببركته.

فقل : صدقتن وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها ، فهذا اقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام فهو المطلوب.
ويقال له أيضاً : قولك الشرك عبادة الأصنام ، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا وأن الإعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين(2). فلا بد أن يقر لك أن من

 
(1)قوله: "وإن قال . . . إلخ هذا مقابل قولنا " إن زعم ذلك فقد كذب القرآن" يعني إن قال عبادة الأصنام أن يقصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ن ويذبحون له ، ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى قلنا: صدقت وهذا هو فعلك سواء بسواء وعليه فتكون مشركاً بإقرارك على نفسك وهذا هو المطلوب.
(2)قوله " ويقال له أيضاً قولك : الشرك عبادة الأصنام" إلى قوله " وهذا هو المطلوب" هذا هو الجواب الثاني أن يقال : هل
أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.
وسر المسألة(1): أنه إذا قال أنا لا أشرك بالله.
فقل له: وما الشرك بالله؟ فسره لي؟
فإن قال (2): هو عبادة الأصنام.
 
الوسوم
منتديات. شبكة. العربية. العامة
عودة
أعلى