كشف الشبهات

والذبح كله لله (1) ، . . . . . .

القسم الثاني: دعاء الحي بما يقدر عليه الصلاة والسلام مثل يا فلان اسقني فلا شيء فيه.
القسم الثالث: دعاء الميت أو الغائب بمثل هذا فإنه شرك لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفاً في الكون فيكون بذلك مشركاً.
(1) الذبح : "إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص".
ويقع على وجوه:
الأول: أن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا عبادة لا يكون إلالله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر لقوله تعالى: )قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له(
{سورة الأنعام، الآية: 162}.
الثاني: أن يقصد به إكرام الضيف ، أو وليمة لعرس ونحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوباً أو إستجاباً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" (1)
 
والنذر كله لله (1)والاستغاثة كلها بالله(2)جميع أنواع العبادات كلها لله،

لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج " أو لم ولو بشاة"(1)
الثالث: أن يقصد به التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحه لقوله تعالى: )أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون({سورة يس، الآيتان: 71،72} وقد يكون مطلوباً أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة له.
(1) النذر يطلق على العبادات المفروضة عموماً ، ويطلق على النذر الخاص وهو إلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل والمراد به هنا الأول فالعبادات كلها لله تعالى لقوله تعالى: )وقضى ربك إلاتعبدوا إلاإياه({سورة الإسراء الآية:23}.
(2) الإستغاثة : طلب الغوث والإنقاذ من الشدة والهلاك.
وهو أقسام:
الأول: الإستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . .

ودليله قوله تعالى: )إذ تستغيثون ربكم فإستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين( . {سورة الأنفال الآية : 9} .
الثاني: الإستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك ، لأنه لا يفعله إلامن يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون فيجعل لهم حظاً من الربوبية ، قال الله تعالى : )أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً مما تذكرون( . {سورة النمل ، الآية: 62}.
الثالث: الإستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم ، قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام : )فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من )عدوه فوكزه موسى فقضى عليه({سورة القصص ، الآية: 15}.
الرابع: الإستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث بمشلول على دفع عدو صائل . فهذا لغو وسخرية بالمستغاث به، فيمنع لهذه العلة ولعلة أخرى وهي أنه ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المستغاث به وهو عاجز أن له قوة خفية ينقذ بها من الشدة.
 
وعرفت (1) أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام ، وأن قصدهم الملائكة،والأنبياء الأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى اله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم،عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون(2)
وهذا التوحيد هو معنى قولك: "لا إله إلاالله" (3) فإن

(1) قوله "وعرفت" معطوف على "تحققت" الأولى.
وقوله "عرفت جواب " فإذا تحققت" وما عطف عليها.
(2) قرر المؤلف رحمه الله أن التوحيد الذي جاءت به الرسل من الله هو توحيد الألوهية لأن هؤلاء المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ومع هذا إستباح النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم على أنهم يعبدون الملائكة وغيرهم مما يعبدونهم من الأولياء والصالحين يريدون بذلك أن يقربوهم إلى الله وهي كما قال تعالى: )والذين إتخذوا من دونه أولياء ما تعبدهم إلاليقربونا إلى الله زلفى({سورة الزمر ، الآية : 3} فهم مقرون بأن اللهو هو المقصود ولكنهم يقصدون الملائكة وغيرهم ليقربوهم إلى الله ومع ذلك لم يدخلهم في التوحيد.
(3) قوله: وهذا التوحيد هو معنى قولك "لا إله إلاالله" أي أن
 
الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكاً ، أو نبياً أو ولياً،أو شجرة أو قبراً ، أو جنياً لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك ، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ (السيد) فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي "لا إله إلاالله"(1).

التوحيد هو الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو معنى (لا إله إلاالله) أي: لا معبود حق إلاالله - عز وجل فهم يعلمون أن معناها لا معبود حق إلاالله - عز وجل ، وليس معناها لا خالق، أو لا رازق ، أو لا مدبر إلاالله ، أو لا قادر على الإختراع إلاالله كما يقوله كثير من المتكلمين فإن هذا المعنى لا ينكره المشركون ولا يردونه ، وإنما يردون معنى "لا إله إلاالله" أي لا معبود حق إلاالله كما قال تعالى عنهم : )أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب وإنطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاإختلاق( . {سورة ص، الآيات: 5-7} .
(1) يريد رحمه الله بيان أن المشركين لا يريدون بقول لا إله إلاالله ، لأنهم يعرفون أن ذلك حق وإنما ينكرون معناها لا معبود حق إلاالله ، وهذا الذي بدأ به=
 
والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها (1) والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به ، والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه فإنه لما قال لهم قولوا : "لا إله إلاالله" قالوا: )أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب( (2) {سورة ص، الآية: 5}.
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك (3) فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال.

المؤلف وأعاد ، إنما قاله للتأكيد والرد على من يقول: إننا لا نعبد الملائكة أو غيرهم إلامن أجل أن يقربونا إلى الله زلفى، ولسنا نعتقد أنهم يخلقون أو يرزقون.
(1) قوله : "من هذه الكلمة" أي قول: (لا إله إلاالله).
(2) هذه الجملة كالتي قبلها يبين فيها-رحمه الله - عز وجل أن معنى لا إله إلاالله لا معبود حق إلاالله، وأن المشركين قد فهموا هذا منها ،وعلموا أنه ليس المراد بها مجرد لفظها ، وأن المراد بها لا معبود حق إلاالله ، ولهذا أنكروه مع أنهم لا ينكرون أن الله وحده هو الخالق الرازق.
(3) أي يعرفون أن معنى لا إله إلاالله، لا معبود حق إلاالله.
 
الكفار (1) بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير إعتقاد

(1) يريد المؤلف-رحمه الله - عز وجل أن يبين أن من الناس من يدعي الإسلام ولا يعرفون معنى كلمة "لا إله إلاالله" حيث يظنون أن المقصود هو التلفظ بحروفها دون معرفة معناها وإعتقاده. ومن الناس من يظن أن المراد بها توحيد الربوبية أي لا خالق إلاالله، ولا رازق إلاالله .
ومن الناس من يفسرها بأن المراد بها "إخراج اليقين الصادق عن ذات الأشياء ، وإدخال اليقين الصادق على ذات الله" وهذا التفسير باطل لم يعرفه السلف الصالح ، وليس المراد به أن تتيقن بالله-عز وجل- وتخرج اليقين من غيره لأن هذا لا يمكن فإن اليقين ثابت في غير الله )لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين({سورة التكاثر ، الآيتان 6،7}. وتيقن الأشياء الواقعة الحسية المعلومة لا ينافي التوحيد.
ومن الناس من يفسرها بأنه "لا معبود إلاالله" وهذا التعريف لا يصح على ظاهرة لأن هناك أشياء عبدت من دون الله - عز وجل -.
فيكون هؤلاء أجهل من الجهال الذين بعث فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يعرفون من معناها ما لا يعرفه هؤلاء
 
القلب لشيء من المعاني ، والحاذق منهم يظن أن معناها "لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلاالله" فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى "لا إله إلاالله" .
إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب (1) ، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: )إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء( (2) {سورة النساء، الآية: 48}وعرفت دين الله الذي.

(1) أي عرفت معنى لا إله إلاالله الحقيقي وأن معناها "لا معبود حق إلاالله" .
(2) أختلف أهل العلم-رحمهم الله تعالى-في هذه الآية هل تشمل كل الشرك أم أنها خاصة بالشرك الأكبر.
فمنهم من قال: تشمل كل شرك ولو كان اصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره.
ومنهم من قال: إنها خاصة بالشرك الأكبر فهو الذي يغفره الله.
وشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-عز وجل أختلف كلامه فمرة قال بالقول الأول ومرة قال بالقول الثاني.
وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقاً، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلاً فيه الأصغر لأن قوله: )أن يشرك به(
 
أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه (1) وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا (2).
أفادك (3) فائدتين(4): الأولى الفرح بفضل الله ورحمته كما قال الله تعالى: )قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير

)أن( وما بعدها في تأويل مصدر تقديره "إشراكاً به" فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
(1) وهو عبادة الله وحده كما قال تعالى: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلانوحي إليه أنه لا إله إلاأنا فاعبدون(. {سورة الأنبياء، الآية: 25}. وهذا هو الإسلام الذي قال الله فيه: )ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه({سورة آل عمران، الآية: 85}
(2) أي بمعنى هذه الكلمة مما تقدم ذكره عند قول المؤلف رحمه الله "فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة . . إلخ"
(3) قوله "أفادك" جواب قوله: "إذا عرفت ما ذكرت لك . . إلخ"
(4) يحصل ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى فتح عليك حتى عرفت المعنى الصحيح لهذه الكلمة العظيمة "لا إله إلاالله" . وهذا فضل
 
دين الله ورسوله .
وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ، أو لم يكفر ويقاتل ؟‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍)سبحانك هذا بهتان عظيم({سورة النور ، الآية: 16}
بلك نكفر تلك الأنواع الأربعة ، لأجل محادتهم لله ورسوله ، فرحم الله إمرءاً نظر نفسه ، وعرف أنه ملاق الله ، الذي عنده الجنة والنار؛ وصلى الله على محمد وآله وصحبه ، وسلم .
(*)تتمه :
الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية ، وربما يكون اختلافاً لفظيا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين ، أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر ، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع أو لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه الصلاة والسلام فهذا تجري عليه الصلاة والسلام أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله - عز وجل تعالى- والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله - عز وجل والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلابذنب لقوله-تعالى-: )ولا يظلم ربك أحداً( . {سورة الكهف ، الآية: 49} .
وإنما قلنا تجرى عليه الصلاة والسلام أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر ؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم-رحمه الله تعالى-في كتابه "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه
 
الجواب: الثاني؛ أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعمله بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنا يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنا.
ومن الموانع من التكفير أن يكره على المكفر لقوله تعالى -: )من كفر بالله من بعد إيمانه إلامن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم({سورة النحل ، الآية : 106} .
ومن الموانع أن يغلق عليه الصلاة والسلام فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح ، أو حزن ، أو غضب ، أو خوف ونحو ذلك ، لقوله-تعالى-)وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمد قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً({سورة الأحزاب ، الآية: 5} وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك- رضي الله عنه الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فأنفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة.
 
الفرح : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح".
ومن الموانع أيضاً أن يكون شبهة تأويل في الكفر بحيث يظن أنه على حق ، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله-تعالى-: )وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم({سورة الأحزاب ، الآية: 5} . ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله تعالى-: )لا يكلف الله نفساً إلاوسعها({سورة البقرة ، الآية : 286}. قال في المغني 8/131: " وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك يعني يكون كافراً وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع أستحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله تعالى" إلى أن قال "وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم وإستحلال دماءهم ، وأموالهم ، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم ، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم ، وكذلك يخرج في كل محرم إستحل بتأويل مثل هذا". وفي فتاوى شيخ الإسلام.
 
طالب، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما من الصحابة ، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ، لا لأنهم كفار ، ولهذا لم يسب حريمهم ، ولم يغنم أموالهم ، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع ، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى ، ولا تستحل دمها ومالها ، وإن كانت فيها بدعة محققة ، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه" . إلى أن قال : "وإذا كان المسلم متأولاً في القتال ، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال في ص 288 : "وقد أختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حقل العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى-: )وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً (
{سورة الإسراء الآية : 15} . وقوله : )رسلاً مبشرين ومنرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل(. سورة النساء، الآية 165} .

وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله كما كان يظن المشركون خصوصاً إن ألهمك الله تعالى ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: )أجعل لنا إلها كما لهم آلهة({سورة الأعراف، الآية 138} . فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وامثاله
 
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين"(1).
والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك الأدلة من الكتاب والسنة ، والإعتبار ، وأقوال أهل العلم.
(1) حينما حذر الشيخ-رحمه الله - عز وجل من أمرين أحدهما خوف الإنسان على نفسه من أن يظن ما ظن هؤلاء في معنى التوحيد أنه هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والتدبير بين رحمه الله- أن الواجب على الإنسان أن يكون على خوف دائماً ، ثم يذكر

وأعلم الناس أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيدإلاجعل له أعداء كما قال الله تعالى: )وكذلك جعلنا+ لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القولِ غروراً( (1) {سورة الأنعام ، الآية: 112} .

حال القوم الذين قالوا لموسى : )أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون({سورة الأعراف، الآيتان : 138،139}.
فبين لهم أن سؤالهم أن يجعل لهم آلهة كما كان هؤلاء لهم آلهة من الجهل فهذا يؤدي إلى خوف الإنسان على نفسه من أن يتيه في الضلالات والجهالات حيث يظن أن معنى "لا إله إلاالله" أي لا خالق ولا رازق ولا مدبر إلاالله - عز وجل وهذا الذي قاله الشيخ-رحمه الله-وحذر منه وقع فيه عامة المتكلمين الذي تكلموا في التوحيد حيث قالوا إن معنى "لا إله إلاالله" أي لا مخترع ولا قادر على الإختراع إلاالله ففسروا هذه الكلمة العظيمة بتفسير باطل لم يفهمه أحد من المسلمين ، بل ولا غير المسلمين حتى المشركون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون معنى هذه الكلمة أكثر مما يعرفها هؤلاء المتكلمون
 
نبه المؤلف-رحمه الله تعالى-في هذه الجملة على فائدة عظيمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حيث بين أن من حكمة الله - عز وجل أنه لم يبعث نبياً إلاجعل له أعداء من الإنس والجن ، وذلك أن وجود العدو يمحص الحق ويبينه فإنه لكما وجد المعارض قويت حجة الآخر، وهذا الذي جعله الله تعالى للأنبياء جعله أيضاً لأتباعهم فكل اتباع الأنبياء يحصل لهم مثل ما يحصل للأنبياء قال الله تعالى: )وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً( وقال: )كذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً({سورة الفرقان ، الآية : 31} فإن هؤلاء المجرمين يعتدون على الرسل واتباعهم وعلى ما جاءوا به بأمرين:
الأول: التشكيك
الثانية: العدوان.
أما التشكيك فقال الله تعالى في مقابلته )كفى بربك هادياً( لمن أراد أن يضله أعداء الأنبياء.
وأما العدوان فقال الله تعالى في مقابلته )ونصيراً( لمن أراد أن يردعه أعداء الأنبياء.
فالله تعالى يهدي الرسل وأتباعهم وينصرهم على أعدائهم ولو كانوا من أقوى الأعداء ، فعلينا أن لا نيأس لكثرة الأعداء
 
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال الله تعالى: )فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم( (1) {سورة غافر الآية:83}
. . . . . . . . . . .

وقوه منن يقاوم الحق فإن الحق كما قال ابن القيم-رحمه الله: الحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن فلا يجوز لنا أن نيأس بل علينا أن نطيل النفس وأن ننتظر وستكون العاقبة للمتقين ، فالأمل دافع قوي للمضي في الدعوة والسعي في إنجاحها، كما أن اليأس سبب للفشل والتأخر في الدعوة.
(1) يعني أن أعداء الرسل الذين يجادلونهم ويكذبونهم قد يكون عندهم علوم كثيرة وكتب وشبهات يسمونها "حججاً" يلبسون بها على الناس فيلبسون الحق بالباطل كما قال تعالى :) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما ندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن( وهذا الفرح مذموم ؛ لأنه فرح بغير ما يرضي الله فيكون من الفرح المذموم.
وأشار المؤلف رحمه الله تعالى-بهذه الجملة إلى أنه ينبغي أن نعرف ما عند هؤلاء من العلوم والشبهات من أجل أن نرد عليهم بسلاحهم وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : "إنك تأتي قوماً أهل
 
إذا عرفت ذلك ، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه الصلاة والسلام ، أهل فصاحة وعلم وحجج ، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل - )لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين( (1)
{سورة الأعراف، الآيتان : 16 ، 17}. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب" (1) وذلك من أجل أن يستعد لهم ويعرف ما عندهم من الكتاب حتى يرد عليهم بما جاءوا به.
(1) إذا عرفت هذا أي أن لهؤلاء الأعداء كتباً وعلوماً وحججاً يلبسون بها الحق بالباطل فعليك أن تستعد لهم ، والاستعداد لهم يكون بأمرين:-
أحدهما:-ما أشار إليه المؤلف-رحمه الله - عز وجل بان يكون لديك من الحجج الشرعية والعقلية ما تدفع به حجج هؤلاء و باطلهم.
الثاني: أن تعرف ما عندهم من الباطل حتى ترد عليهم



 
ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حججه وبيناته فلا تخف ولا تحزن )إن كيد الشيطان كان ضعيفاً( (1) {سورة النساء ، الآية : 76}. . . . . . . ..


به، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله-في كتابه درء تعارض النقل والعقل ، قال : "إنه ما من إنسان يأتي بحجة يحتج بها على الباطل إلاكانت حجة عليه الصلاة والسلام وليست حجة له" . وهذا الأمر كما قال رحمه الله فإن الحجة الصحيحة إذا إحتج بها المبطل على باطله فإنها تكون حجة عليه الصلاة والسلام وليست له، فعلى من أراد أن يجادل هؤلاء يتأكد أن يلاحظ هذين الأمرين:-
الأمر الأول:- أن يفهم ما عندهم من العلم حتى يرد عليهم به.
والأمر الثاني:-أن يفهم الحجج الشرعية والعقلية التي يرد بها على هؤلاء.
(1) يريد المؤلف-رحمه الله-أن يشجع من أقبل على الله تعالى وعرف الحق بأن لا يخاف من حجج أهل الباطل ؛ لأنها حجج واهية وهي من كيد الشيطان وقد قال الله تعالى: )إن كيد الشيطان كان ضعيفاً( .
وفي ذلك يقول القائل:
 
والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى: )وإن جندنا لهم الغالبون( (1) {سورة الصافات، الآية: 173}.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر ومكسور
(1) قال الشيخ رحمه الله تعالى: "والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين" وأستدل بقوله تعالى)وإن جندنا لهم الغالبون( العامي من الموحدين يعني من الذين يقرون بالتوحيد بأنواعه الثلاثة (الألوهية ، والربوبية ، والأسماء والصفات) ، يغلب ألفاً من علماء المشركين؛ لأن علماء هؤلاء المشركين يوحدون الله عز وجل توحيداً ناقصاً حيث إنهم لا يوحدونه إلابتوحيد الربوبية فقط ، وهذا توحيد ناقص ليس هو توحيداً في الحقيقة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين الذي يوحدون الله هذا التوحيد ، ولم ينفعهم هذا التوحيد ولم تعصم به دماءهم وأموالهم ، والعامي من الموحدين يقر بأنواع التوحيد الثلاثة:-
توحيد الربوبية ، والألوهية ، والأسماء والصفات ، فيكون خيراً من هؤلاء.
 
فجند الله لهم الغالبون بالحجة واللسان ، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان(1) . . . . . . .

(1) أشار المؤلف-رحمه الله-إلى أن جند الله وهم عباده المؤمنون الذين ينصرون الله ورسوله يجاهدون الناس بأمرين:
الأول: الحجة والبيان وهذا بالنسبة للمنافقين الذين لا يظهرون عداوة المسلمين فهؤلاء يجاهدون بالحجة والبيان.
الثاني: من يجاهد بالسيف والسنان وهم المظهرون للعداوة وهم الكفار الخلص المعلنون بكفرهم وفي هذا والذي قبله يقول الله - عز وجل -)يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير( . {سورة التحريم ، الآية: 9} .
والجهاد بالحجة والبيان يكون للكفار الخلص المعلنين لكفرهم أولاً ، ثم يجاهدون بالسيف ثانياً ، ولا يجاهدون بالسيف والسنان إلابعد قيام الحجة عليهم.
والواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوب نحو الإسلام بما يناسبه ، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه الصلاة والسلام بالأدلة النظرية العقلية إضافة إلى الأدلة الشرعية ، والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا، بل أن يهاجموا إذا.
 
فلا يأتي صاحب باطل إلاوفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها ، كما قال تعالى: )ولا يأتونك بمثل إلاجئناك بالحق وأحسن تفسيراً((1) {سورة الفرقان، الآية 33}.

الذكر به ولهذا يذكر أن بعض أهل العلم أتاه رجل من النصارى يريد الطعن في القرآن الكريم وكان في مطعم فقال له هذا النصراني: أين بيان كيف يصنع هذا الطعام؟ فدعا الرجل صاحب المطعم وقاله له: صف لنا كيف تصنع هذا الطعام؟ فوصفه ، فقال : هكذا جاء في القرآن فتعجب النصراني وقال: كيف ذلك؟ فقال: إن الله عز وجل عز وجل-يقول: )فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون({سورة الأنبياء، الآية: 12}. فيبين لنا مفتاح العلم بالأشياء بأن نسأل أهل الذكر بها أي أهل العلم به، وهذا من بيان القرآن بلا شك فالإحالة على من يحصل بهم العلم هي فتح للعلم.
(1) لا يأتي مبطل بحجة على باطله إلاوفي القرآن ما يبين هذه الحجة الباطلة ، بل إن كل صاحب باطل أستدل لباطله بدليل صحيح من الكتاب والسنة فهذا الدليل يكون دليلاً عليه الصلاة والسلام كما ذكر شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى-في مقدمة كتابه درء تعارض النقل والعقل أنه ما من صاحب بدعة وباطل يحتج لباطله بشيء من الكتاب أو من السنة الصحيحة إلاكان ذلك الدليل دليلاً عليه وليس دليلاً له.
 
الوسوم
منتديات. شبكة. العربية. العامة
عودة
أعلى