شرح أربعين حديثا في العقيدة

المنسي

الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم


شرح أربعين حديثا في العقيدة

مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


فلا يخفى على المطلع على كثير من كتب العقيدة التي ألفت ما شابها من اختلاط بمباحث الفلسفة، وعلم الكلام، حتى أصبح فهمها عسيراً، وأثرها على النفوس نادراً وقليلاً، وذلك لخلو مباحثها - في الغالب - عن النفحات الإيمانية، وصعوبة فهم مصطلحات فلاسفتها ومتكلميها .


فرأينا أن العودة بالمسلم إلى الجذور الصافية، والمنبع العذب من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من سيعيد لعلم العقيدة رونقه، ويقبل بالمسلمين على تعلمه، فليس في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - تعقيدات الفلاسفة، ولا لغة المتكلمين الجافة، بل فيه المعاني الإيمانية تختلط بمواعظ ترقق القلوب، وتقبل بالنفوس على بارئها، فتأخذ - حين تأخذ عنه - علماً إيمانياً صافياً يعرّفها التصور الصحيح عن الله، والكون، ومصير المؤمنين، ومصير الكافرين، وسبل النجاة، فينبت ذلك في القلوب حب العمل لنيل النجاة وتحصيل الفوز في الآخرة، وهو من أكبر مقاصد العقيدة وغاياتها .


 

بسم الله الرحمن الرحيم



الحديث الأول

نشأة الكون



شرح أربعين حديثا في العقيدة



عن عمران بن حصين قال:

إني عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال:
( اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان ؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء )

رواه البخاري .


المعنى الإجمالي :


كان من عادة النبي – صلى الله عليه وسلم - في مجالسه أن يقوم بتعليم أصحابه، لا سيما الداخلون الجدد في الإسلام، أو الوافدون عليه من بلاد بعيدة، فعندما جاءه وفد من بني تميم بشرهم - صلى الله عليه وسلم - بما أعد الله للمتقين، وقال لهم: اقبلوا البشرى رغبة منه أن يسألوه عن بدء هذا العالم، كيف ابتدأ خلقه ؟ إلا أنهم رغبوا في العطاء العاجل، وتطلعوا للماديات، فأعرض عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم – وأقبل على وفد أهل اليمن وقال لهم: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم فقبلوها، وسألوه عن أول هذا الأمر، أي مبتدأ هذا العالم ونشأته، فأخبرهم - صلى الله عليه وسلم - بأن الله هو خالق هذا الكون، وأن الله كان ولا شيء قبله، وأنه أوجد الوجود من العدم، وأنه ابتدأ خلق السموات والأرض، وكان عرشه على الماء، ولم يبين – صلى الله عليه وسلم – مبتدأ خلق العرش ولا خلق الماء لقصد السائلين السؤال عن بدء خلق هذا العالم وليس مطلق الخلق وجنسه . وأوضح - عليه الصلاة والسلام – أن كل ما يتعلق بهذا العالم سطره الله في كتاب عنده .


الفوائد العقدية:


1- أن الله هو الأول الذي لا شيء قبله.


2- أن كل ما سوى الله مخلوق موجود من العدم.


3- أن العرش والماء سبق خلقهما خلق السموات والأرض .


4- أن الله غير محتاج للعرش، بل والعرش وما دونه محتاج إليه.


5- إثبات صفة الخلق له سبحانه، وخلقه الشيء إيجاده من العدم .


6- الإيمان بالقدر، وأن الله كتب علمه بما كان وما سيكون في كتاب عنده.


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث الثاني
الإسلام دين الفطرة



عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء . ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } الآية
رواه البخاري ومسلم واللفظ له .



المفردات :
الفطرة : هي ما ركز في النفوس من الإيمان بوجود الله والاعتراف بربوبيته، وقيل: الاستعداد والقابلية لقبول خطاب الإيمان .
يهودانه: يصيرانه يهودياً .
ينصرانه: يصيرانه نصرانياً .
يمجسانه: يصيرانه مجوسياً .
جمعاء: سالمة من العيوب.
جدعاء: مقطوعة الأذن .


المعنى الإجمالي :
يشير هذا الحديث إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أن الأصل في الإنسان هو الإيمان بالله المعبر عنه بالفطرة، والتي يوحي أصلها اللغوي بأنه شيء خلق مع الإنسان وركب فيه، كما يركب سائر أعضائه، وأن الإنسان إنما يخرج عن مقتضى فطرته بمؤثرات خارجية من تربية وبيئة وتعليم، وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم – لحالة الإنسان حين ولادته على الفطرة بحالة البهيمة في كمال خلقها وخلوها عن العيوب والنقائص حتى إذا كبرت قطعوا آذانها وأنوفها وغيروا خلقتها، فكذلك ما يتعرض له الإنسان من انحراف في فطرته هو بتأثير خارجي، فلو قُدر أن إنسانا نشأ وحده، وتربى وحده دون مؤثر خارجي لنشأ مؤمناً عارفاً بالله .


الفوائد العقدية :
1- أن أول واجب على العباد هو توحيد الله، وذلك أن الإيمان بالله وهو المعبر عنها بالفطرة مركوز في النفس الإنسانية والخلل الطارئ على البشر إنما هو في الشرك بالله واتخاذ آلهة أخرى، وعليه فأول ما يخاطب به من هذا حاله هو توحيد الله ونفي الشركاء، أما من كان الخلل عنده في قضية الوجود الإلهي بأن كان ملحداً فأول ما يخاطب به هو أدلة وجود الله .

2- أن الفطرة لا يمكن أن تزول، وإنما قد تطمس وتغطى بعوارض الكفر والإشراك، فإذا زالت تلك العوارض وموجباتها رجع الإنسان إلى فطرته فآمن بربه وعاد إليه .

3- أن التدين بالدين الحق ضرورة إنسانية لا يمكن للإنسان أن يتغافل ويعرض عنها، أو أن يمحوها من قائمة اهتماماته؛ وذلك لما ركز في أعماق النفس الإنسانية من نزوع إلى من تعبده وتعظمه وتلجأ إليه في النوائب والمصائب والمحن .

4- أن أولاد المؤمنين ناجون يوم القيامة وهي من المسائل المجمع عليها، واختلف العلماء في أولاد المشركين الذين ماتوا قبل أن يبلغوا، والراجح نجاتهم لكونهم ماتوا على الفطرة قبل أن تُغيَر، قال الإمام ابن حجر عن أولاد المشركين: " أنهم في الجنة، قال النووي : هو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }(الإسراء:51 ) .. ومن الأدلة أيضا على نجاتهم ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الطويل حديث الرؤيا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم – ( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم - عليه السلام - وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة، قال: فقيل: يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين ) .

5- أن الحكم بنجاة أولاد المشركين في الآخرة لا يعني اختلاف حكمهم عن حكم آبائهم في الدنيا فهم يرثون آبائهم ويرثهم آباؤهم، ويدفنون في مقابر الكفار، ويأسرهم المسلمون في حال الحرب، ويدل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم – وقد سئل عن أبناء المشركين: ( هم من آبائهم ) رواه مسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث الثالث
التوحيد أول واجب على الناس


عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:
لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له:
( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس )
متفق عليه .


المفردات :
أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى.
كرائم: أي أحسن وأكمل ما يملكون.

المعنى الإجمالي :
الحديث يوضح فرض التوحيد وأنه أول ما يخاطب به أهل الكتاب حيث أوصى النبي - صلى الله عليه و سلم - معاذاً أن يدعو أهل اليمن - وكانوا أهل كتاب - إلى التوحيد أولاً وهو إفراد الله بالربوبية والألوهية وإفراده بأسمائه وصفاته . كما يوضح الحديث أهمية البدء بالتوحيد، وعدم مخاطبة الناس بغيره من الفرائض حتى يأتوا بالتوحيد أولاً . ويوضح الحديث أهمية بعث العلماء إلى الأقطار لتعليم الناس وتفقيههم في الدين، وأهمية تعريف الداعية والعالم بحال من يُرسل لتعليمه، والبدء بالأهم فالأهم في الدعوة والبلاغ .


الفوائد العقدية:
1- أن أول واجب يتعين مخاطبة الناس به هو التوحيد، كونه الفريضة الأولى التي افترضها الله على عباده.

2-أن التوحيد شرط في قبول الأعمال الصالحة، فلا يقبل عمل صالح من عامله إن لم يأت بالتوحيد أو أخلَّ بأصله وشرطه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات ) حيث رتب – صلى الله عليه وسلم – مخاطبتهم بالفرائض على قبول التوحيد .

3- أنه لا يحكم بإسلام أحد ما لم ينطق بالشهادتين.

4- أن النطق بالشهادتين وحده لا يكفي حتى يتبع ذلك بالعمل الصالح من أداء الواجبات والفرائض حيث لم يكتف النبي – صلى الله عليه وسلم - ببعث معاذ بالتوحيد فحسب وإنما أمره أيضاً بتعليمهم فرائض الإسلام وشرائعه.


 
بسم الله الرحمن الرحيم



الحديث الرابع

فضل التوحيد

شرح أربعين حديثا في العقيدة


عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة )
رواه مسلم .





المعنى الإجمالي
فضل التوحيد يأتي من كونه أساس الدين ولبه، فغيره يبنى عليه، ولا يبنى هو على غيره، ومن مات على التوحيد فقد مات على لب الدين وأساسه، فلا غرو أن يكون له من الفضل ما يؤهله لدخول الجنة، والفوز برضوان الله، ومعنى التوحيد لا يقتصر على قول كلمته دون العلم بمعناها، والعمل بمقتضاها، فالدين عقيدة وشريعة، ولا تتم النجاة في الآخرة إلا بالإتيان بهما معاً .




الفوائد العقدية
1- فضل التوحيد .
2- نجاة من مات على التوحيد .
3- العلم بمعنى التوحيد شرط لقبوله، وانتفاع المرء به في الآخرة .
4- تعلق النجاة بالعلم بالتوحيد والعمل بمقتضاه لا بمجرد النطق به.
 
بسم الله الرحمن الرحيم





الحديث الخامس

أعظم الذنوب و أقبحها



عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:
سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله ؟

قال: ( أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم . قلت: ثم أي ؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك )

متفق عليه .




المفردات
ندّاً : شريكاً .
حليلة: الزوجة.




المعنى الإجمالي
كان الصحابة - رضوان الله عليهم – يسألون النبي – صلى الله عليه وسلم - عن الذنوب ومراتبها كي يجتنبوها، ويعلموا قبحها فيحذروها، وفي هذا الإطار سأل الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه – النبي – صلى الله عليه وسلم - عن أعظم الذنوب أي: أشدها إثماً وأعظمها قبحاً، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أعظمها هو الشرك بالله، بأن يجعل الإنسان لله شريكاً يعبده ويلجأ إليه، ويتوكل عليه، ويترك عبادة ربه، وهو الذي خلقه ورزقه . فسأله عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عما يلي ذنب الشرك من الذنوب في القبح وعظيم الإثم ؟ فقال له: أن يقتل المرء ولده خوفاً من أن يشاركه طعامه وشرابه، وهو خوف ينم عن اعتقاد فاسد في الله سبحانه بأنه لم يتكفل برزق عباده، كما أنه ينم عن قسوة بالغة حين يقدم الإنسان على قتل فلذة كبده وثمرة فؤاده، ما يجعل هذه الجريمة في المرتبة الثانية بين أسوأ الجرائم وأفظعها عند الله، ثم يسأل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عما يلي هاتين الجريمتين - جريمة الشرك، وجريمة قتل الولد - فيجيبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه الزنا بزوجة الجار، وتتجلى شناعة هذا الجرم كون الجار مؤتمن على شرف جاره، فالاعتداء على محارمه يعد خيانة لحق الجوار الذي عظمه الله ورسوله .




الفوائد العقدية
1- تفاوت الذنوب والمعاصي في شناعتها وقبحها.
2- أن الشرك بالله أعظم الذنوب على الإطلاق.
3- بيان حقيقة الشرك وأنه مساواة غير الله بالله في ذاته وأفعاله وأسمائه وصفاته.
4- استحقاق الله للعبادة كونه الخالق الذي أوجد النفوس وأحياها.
5- حرمة صرف أي نوع من العبادات لغير الله.
6- حرمة مساواة الله بغيره .
7- فضل التوحيد وأنه أعظم العبادات .
 

بسم الله الرحمن الرحيم



الحديث السادس
صفات الخوارج



شرح أربعين حديثا في العقيدة


عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:

أقبل رجل غائر العينين، ناتئ الجبين، كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس على النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا محمد اتق الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فمن يطيع الله إذا عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني، .. فلما ولى الرجل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :

( إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )

متفق عليه.




المفردات
غائر العينين: المراد أن عينيه داخلتان في موضعهما

ناتئ: مرتفع أو بارز .

كث: كثيف .

مشرف: عالي.

ضئضئ: أي من أصله، يريد أنه يخرج من نسله وعقبه .

أيأمنني الله : أي يجعلني أميناً على دينه .

مروق: خروج.

الرمية: هي الصيد المرمي.

عاد: أمة قديمة أُرسل إليهم هود - عليه السلام -.




المعنى الإجمالي
الإبقاء على الإسلام نقياً كما أنزله الله، وكما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما طبقه الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم -، مطلب شرعي وغاية نبوية دعا إليها القرآن، وحث عليها النبي - عليه الصلاة والسلام - حيث دعا - عليه السلام - إلى الالتزام بسنته، وحذر من الخروج عن شرعته، وسلوك طريق المارقين والخارجين، وفي هذا الحديث يحذرنا - صلى الله عليه وسلم - من طائفة تخرج بعده، عليهم سيما العبادة والزهد ولكن مع قلة في العلم، وسوء في الفهم، وانحراف في الفكر والتصور، يقرؤون القرآن لكن دون تفهم لمراميه وفقه لمعانيه، هذا في الإطار النظري، وفي الإطار العملي فهم يناصبون أمة الإسلام العداء فيكفرونهم ويقتلونهم، ويسلم منهم الكفار المعاندون، في مظاهر مختلفة تدل على عظم خطرهم، وكبير شرهم، ما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوعد لئن أدركهم ليقتلنهم بنفسه، قتلاً كقتل الله قوم عاد في شدته، وفي ذلك أمر للأمة بقتالهم، والتصدي لشرورهم، وألا تغرنهم مظاهر العبادة التي يقومون بها عن القيام بواجب جهادهم .




الفوائد العقدية
1- صدق نبوءته بظهور الفرق المخالفة لدين الإسلام.

2- بيان أبرز صفات الخوارج العلمية وهي: قلة العلم، وقلة الفهم.

3- بيان أبرز صفات الخوارج العملية وهي: قتل أهل الإسلام، وترك أهل الأوثان

4- من صفاتهم الاستدراك على النبي - صلى الله عليه وسلم - والاعتراض على هديه.

5- إثبات صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه بأنه أمين الله.

6- عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المعاصي.

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث السابع
الإيمان بالقدر


شرح أربعين حديثا في العقيدة



عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال
حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق:
( إن خلق أحدكم يُجْمَعُ في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن أحَدَكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها )
رواه البخاري .




المفردات
يُجْمَعُ: يضم بعضه إلى بعض.
علقة: دماً غليظاً جامداً.
مضغة: قطعة لحم بمقدار ما يمضغ .




المعنى الإجمالي
متع الله الإنسان بعنايته من مبدئه إلى منتهاه، فهو في بطن أمه يتقلب في نعم الله وحفظه، فينشئه الله ويرقيه من نطفة إلى علقة، ومن علقة إلى مضغة، حتى إذا اكتملت صورته أذن الله بنفخ الروح فيه، وقد بلغ أربعة أشهر كاملة، فيأتيه الملك لهذا الغرض، ويؤمر بكتابة رزقه وأجله ومصيره من شقاء أو سعادة، وهذه الكتابة لا تحدد مصير الإنسان وإنما تكشفه، فما يكتبه الملك ما هو إلا علم الله في الإنسان، وما يؤول إليه أمره في هذه الحياة من سعادة وشقاوة، فضلاً عن طبيعته الخَلْقية من ذكر أو أنثى.
وقد أوضح الحديث تقلبات أحوال الإنسان في حياته، فبينما هو سائر على طريق الحق والصواب، إذ به ينقلب على عقبه ويسلك طريق الهلاك والضلال، ويموت على ذلك، وبالعكس فالبعض يقضي جل حياته في المعاصي والشرور، ولكنه يتخذ القرار المناسب في آخر لحظات حياته، فيتوب ويؤوب .




الفوائد العقدية
1- علم الله المحيط بكل شيء.
2- عناية الله بالإنسان في جميع مراحل حياته.
3- كتابة علم الله عن الإنسان في كتاب خاص.
4- تولي الملائكة نفخ الروح في بني آدم وكتابة أعمالهم.
5- تقلب الإنسان في أطوار حياته صلاحاً وفساداً.
6- العبرة بالخاتمة في الكفر والإيمان.
7- مسؤولية الإنسان عن عمله .
8- أن التوبة تهدم الذنوب قبلها.
9- أن الكفر إذا مات عليه الإنسان أبطل عمله الصالح.
 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث الثامن : منزلة العمل من الإيمان


عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان بضع وسبعون .. شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه مسلم .

المفردات

بِضع: مقدار من العدد، قيل: من ثلاثة إلى تسعة.

شُعْبة: قطعة، والمراد: الخصلة أو الجزء.

المعنى الإجمالي

أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث أن يعطي تصوراً مجملاً عن الإيمان، وأنه متعدد الأركان والشرائع، وأنه مشتمل على الأعمال الصالحة القلبية، والفعلية، والقولية، فذكر أعلى مراتب الإيمان وهو التوحيد، وأدنى مراتبه وهو ما لا يقيم له الناس وزناً من الأعمال الصالحة كإماطة الأذى عن الطريق، وذكر "الحياء" للدلالة على ما بينهما من أعمال صالحة يَصْدُقُ على جميعها مسمى الإيمان .

الفوائد العقدية

1- أن الإيمان عبارة عن شرائع الدين كلها، سواء كانت أعمالاً بالقلب، أم بالجوارح، أم باللسان.

2- أن أعلى شرائع الإيمان وفرائضه شهادة ألا إله إلا الله بإخلاص ويقين .

3- أن "إماطة الأذى" عن طريق الناس من الإيمان.

4- أن "الحياء" من الإيمان، وهو خلق يحجز الإنسان عن فعل الرذائل وارتكاب القبائح.

5- تفاوت الأعمال الصالحة في مراتبها من الإيمان، فمنها ما يكون في أعلى مراتب الإيمان، ومنها ما يكون في أدناها، وما بين أعلى الإيمان وأدناه شعب متعددة .

6- فضل شهادة التوحيد وأنها أفضل شعب الإيمان .

7- دخول العمل الصالح في مسمى الإيمان وحقيقته .

 
الحديث الثامن : نقصان الإيمان بالمعاصي


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن ) متفق عليه .



المفردات

نهبة: الأخذ على وجه العلانية والقهر.

المعنى الإجمالي

الإيمان كالشجرة يزيدها الماء نموا، وتزيدها التغذية قوة، ويقضي عليها الجفاف والعطش، وتذبل وتضمحل إن قل غذاؤها، وكذلك الإيمان يزيد ويكبر ويقوى بالعمل الصالح، والترقي في مراتب الإيمان من خوف الله، ورجائه، وحبه، ويضمحل ويبطل بالكفر والشرك، ويضعف ويهزل بالمعاصي والسيئات من السرقة والزنا وشرب الخمر وغير ذلك من المعاصي .

فالعلاقة بين الإيمان والعمل علاقة طردية عكسية، فهو يزيد ويقوى بالعمل الصالح، ويضعف ويهزل بارتكاب المعاصي والسيئات، ومن أراد زيادة إيمانه وقوته فعليه بفعل الصالحات واجتناب الموبقات، وفي هذا الحديث يبين لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أثر المعاصي على الإيمان، وكيف أنه يضعف ويهزل حتى لا يبقى منه إلا القليل، كل ذلك بسبب المعاصي، فعلى المسلم الذي يريد أن يحافظ على منسوب إيمانه عالياً مرتفعاً أن يواظب على الطاعات، ويجتنب المعاصي والسيئات، ففي ذلك نجاته في الدنيا والآخرة .

الفوائد العقدية

1- نقصان الإيمان بارتكاب المعاصي.

2- أن الجهر بالمعصية لا يعد كفراً.

3- أن الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب من كبائر الذنوب .

4- أن نفي الإيمان في الحديث هو نفي لكماله لا نفي لصحته وأصله؛ بدليل إجماع السلف على أن المعاصي لا يكفر فاعلها إلا باستحلالها.
 
الحديث العاشر : القبر أول منازل الآخرة


عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت - عليه السلام - حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي وما لي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مُدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْتَح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك !! هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر . فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة ) رواه أحمد في مسنده.


المفردات

المسوح: الكفن.

فِيُّ السقاء: فم القربة أو مخرج الماء منها.

السفود: حديدة لها كلاليب .

سَمّ الخياط: فتحة الإبرة .

الحنوط: ما يطيب به الميت .

عليين: موضع في السماء السابعة .

سجين: موضع في الأرض السفلى .

المعنى الإجمالي

أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث العظيم مبتدأ رحلة الإنسان من ساعة موته إلى مستقره في القبر وكيف معاملته وفقا لعمله في حياته . فبين – عليه الصلاة والسلام – أن الناس رجلان تقي وفاجر، فالتقي يعامل بحفاوة بالغة، وإكرام عظيم، حيث تنزل عليه ملائكة الرحمة لقبض روحه، فيأتونه في صورة حسنة كأن وجوههم الشمس في بهائها وإشراقها، فيجلسون منه مد البصر، فيشعره نظره إليهم بالاطمئنان والسكينة، ويأخذ ملك الموت روحه، فتخرج سهلة يسيرة، دون مشقة وتعب، فلا يدعها الملائكة في يد ملك الموت طرفة عين حتى يصعدوا بها إلى السماء في موكب مهيب، فتفتح له أبواب السماء، ويشيعه في كل سماء مقربوها، وهم يتعجبون من طيب ريح هذه الروح الطيبة، حتى يبلغوا بها السماء السابعة، فيأمر الرب سبحانه ملائكته أن يعيدوا هذه الروح إلى الأرض لتكرّم في قبرها، ويكتب كتاب ذلك العبد في موضع عال من السماء السابعة . وتعاد هذه الروح المباركة إلى قبرها، فيتولى الملائكة سؤالها عن ربها ودينها ورسولها، فتجيب بأحسن جواب وأفضله، فتقول ربي الله، ونبي محمد، وديني الإسلام !! فيأمر الله بأن يفسح في قبر هذا العبد المؤمن، ويأتيه من روح الجنة وريحانها ما يجعله يتمنى أن يقيم الله الساعة حتى يجتمع بأهله وماله.

وأما الفاجر فيأتيه ملائكة العذاب في صورة مرعبة سود الوجوه، معهم أكفان من نار، فيجلسون منه مَدَّ البصر، ويجلس ملك الموت عند رأسه فيتنزع روحه فيعاني من ذلك شدة وألما عظيماً، فإذا انتزع روحه أخذها منه ملائكة العذاب فيجعلونها في أكفان من نار، فتخرج منها ريح منتنة، فيصعدون بها إلى السماء فلا تفتح لهم، ويأمر الله سبحانه أن تعاد هذه الروح الخبيثة إلى الأرض فترمى رمياً، وتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ورسوله، فلا يدري ما يجيب به، ويقول ها ها !! فيأمر الله أن يفرشوا له من النار، ويفتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويعلم ما ينتظره في الآخرة، فيدعوا الله ألا يقيم الساعة خوفاً !!.

الفوائد العقدية

1- إثبات عذاب القبر ونعيمه.

2- بيان أن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد معاً.

3- اختلاف الناس بعد الموت لاختلاف أعمالهم في الدنيا.

4- وجود الملائكة.

5- اختلاف عمل الملائكة.

6- إثبات كلام الله لملائكته .

7- وجود كتاب في عليين فيه أسماء المؤمنين الصالحين أهل الجنة .

8- بقاء الروح بعد الموت .

9- اختلاف رتب الملائكة بين مقربين ودونهم.

10- الإيمان بالبعث بعد الموت .

11- أن النجاة في الآخرة تكون بالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح.

12- إثبات سؤال الملكين للموتى .
 

الحديث الحادي عشر : هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه

عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – هل رأيت ربك ؟ قال: ( نور أنى أراه ) رواه مسلم .

المعنى الإجمالي

عندما حكى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ما حدث معه في معراجه إلى السموات العلى، وما رأى فيها من العجائب، وكيف كلّمه ربه جهاراً، دار في خلد الكثيرين مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ؟ وهو سؤال توجه به الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - للنبي، فأجابه بأن النور حجبه عن رؤية ربه فلم يره . وأن الله - كما ثبت في أحاديث أخرى - ادخر رؤيته ليراه المؤمنون في الحشر، وفي الجنة، لتكون رؤيته أعظم منن الله عليهم

الفوائد العقدية

1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير ربه عز وجل.

2- أن حجاب النور حال دون رؤية النبي لربه.

3- اهتمام الصحابة بمسائل الاعتقاد .

 
الحديث الثاني عشر : التشكيك في الإيمان من أعمال الشيطان

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله ثلاثاً )

رواه أحمد وأصله في صحيح مسلم .

المعنى الإجمالي

لا يزال الشيطان بالإنسان يوسوس له، ويشككه في إيمانه حتى يخرجه منه إلى الكفر والعياذ بالله، وأول ما يوسوس به الشيطان قضية وجود الله سبحانه، فيبدأ بسلسلة تبدو للوهلة الأولى منطقية، فيسأل الإنسان عمن خلق السماء والأرض ؟ فيجيبه المسئول: بأن الله هو من خلقهما . فيسأل الشيطان مرة أخرى، ومن خلق الله ؟ وهو سؤال ساذج لكنه يحتوي على الكثير من الخبث، وسذاجته في كونه يسلّم بكون الله خالقاً، ثم يسأل عمن خلقه ؟ وهما أمران متناقضان غاية التناقض، فإذا كان الله خالقاً فلا يمكن أن يكون مخلوقاً، وإذا كان مخلوقاً فلا يمكن أن يكون خالقاً، فهو بمثابة وصف الشيء بنقيضه كأن يقال عن الحجر: إنه صلب لين.

وحتى لو أجاب المسؤول بأن من خلق "الله" إله آخر ؟ لأورد الشيطان نفس السؤال مرة أخرى بالقول: ومن خلق الإله الآخر ؟ وهكذا يتكرر السؤال، وتتكرر الإجابة، ونكون أمام خيارين إما أن نجاري الشيطان في سؤاله، ونظل نكرر الإجابة إلى ما لا نهاية، بما يفضي في حقيقته إلى الإلحاد، وإما أن نقطع وسوسته في بدءها على صخرة الإيمان بالله، وهو ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ندب أن يقول المسلم عند سماع هذه السفسطة الشيطانية: آمنا بالله، ويكررها ثلاث مرات، ليذّكر الشيطان بأن سؤاله يفضي إلى جحود الإله، وهو مؤمن به معترف بوجوده، وأن سؤالك أيها الشيطان يفضي إلى إبطال كل الأدلة العقلية والنقلية والحسية والفطرية الدالة على وجود الله، والتي لا يستطيع الشيطان بسؤاله الساذج هذا أن يبطلها، فقول المسلم: ( آمنت بالله ) ليس هروباً من سؤال إبليس، ولكنه إجابة غاية في الدقة لمن فهم أغوارها .

الفوائد العقدية

1- أن الله خالق الخلق جميعاً.

2- أن الله هو الأول، وهو موجد الأشياء من عدم.

3- بطلان أسئلة الشيطان وفسادها.

4- حرص الشيطان على نشر الكفر والدعوة إليه .

5- قول المسلم "آمنا بالله" في مواجهة مثل هذه الأسئلة .

6- استعاذة المسلم بالله - كما في رواية مسلم - عند عروض مثل هذه الوساوس.
 
الحديث الثالث عشر : مصير أعمال الكافر بعد الموت

عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: قلت: يا رسول الله: ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه ؟ قال: ( لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) رواه مسلم .

المعنى الإجمالي

كان عبد الله بن جدعان التميمي من رجالات الجاهلية المشهورين بالكرم، فكان له قدر يُرْقَى إليها بِسُلَّم اتخذه لإطعام الضيفان، ومن كان هذا حاله يتطلع الناس إلى معرفة مصيره بعد الموت، ولا سيما من أقربائه! فسألت أمنا عائشة – رضي الله عنها – النبي – صلى الله عليه وسلم - عنه وعن مصيره بعد الموت، وكانت تربطها به صلة قرابة، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - إجابة صريحة لا لبس فيها ولا غموض أنه لن ينتفع بعمله، وعلّل ذلك بأنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، أي: أنه لم يكن مؤمناً بالبعث بعد الموت، ومن أنكر البعث فهو كافر، والكافر لا يقبل الله منه عملاً، وإنما يتفضل الله عليه فيجزيه في الدنيا بما عمل من صالحات فيها، بأن يُكثِر الله ماله وولده، أو يطيل عمره، أو يمن عليه بالصحة والعافية أو يجمع له ذلك كله، { ولا يظلم ربك أحداً }(الكهف:49 ).

الفوائد العقدية

1- أن الإيمان شرط في قبول العمل الصالح والانتفاع به في الآخرة.

2- أن المشرك لا يغفر الله له يوم القيامة.

3- أن الأعمال الصالحة التي يعملها المشرك لا تنفعه يوم القيامة.

4- أن من لم يُصدِّق بالبعث فهو كافر، لا يُقبَلُ منه عملٌ يوم القيامة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث الرابع عشر
قـــــــوة الله و عظمته

شرح أربعين حديثا في العقيدة


عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:
جاء حَبرٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك.
فضحك رسول الله، وقال: {
وما قدروا الله حق قدره }
متفق عليه.






المفردات

حبر: العالم من علماء اليهود .


المعنى الإجمالي

يتعاظم الإنسان في نفسه عند رؤية قوة كثير من مظاهر الطبيعة "كالرياح" "الزلازل" "البراكين" ويقيس قوتها بما تحدثه من دمار هائل في الأرض والإنسان والحياة بشكل عام، ولكنه ينسى في خضم انشغاله بما يراه من قوة مظاهر الطبيعة القوة الحقيقة التي تحرك كل تلك القوى، وهي قوة الله سبحانه الذي يملك مقاليد الأمر في الأرض والسماء .


والتذكير بهذه القوة ليس لتخويف العباد من ربهم بل من أجل زرع تعظيمه في نفوسهم تعظيما يولد حباً، ويعين على طاعته وشكر نعمه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الحبر في كلامه حول عظمة الله وقوته، وكيف أنه بقوته يضع الرحمن السموات بعظمها على إصبعه، والأرض باتساعها وثقلها على إصبع، وهذه الجبال التي تتصاغر أنفسنا أمام علوها وارتفاعها يضعها الرب جميعا على إصبع، والأشجار بكثرتها، والأنهار بطولها، وسائر الخلق بتعدده وتنوعه يضعه الرب على إصبع، فأي عظمة هي عظمة الله، وأي قوة هي قوته سبحانه، فكيف يعصيه بشر، وكيف يكفر به إنسان، ألا ما أعظَمَ حلم الله على عباده .



الفوائد العقدية
1- إثبات عظمة الله وقوته.
2- وجوب تعظيم الله وإجلاله.
3- إثبات الأصابع لله من غير تمثيل ولا تكييف .
4- إثبات اليد لله من غير تمثيل ولا تكييف.
5- إثبات صفة الكلام لله من غير تمثيل ولا تكييف .
6- موافقة أهل الكتاب فيما أخبروا به من الحق.
 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث الخامس عشر
ذهاب الإيمان في آخر الزمان


شرح أربعين حديثا في العقيدة



عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

( لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله )
رواه مسلم .






المعنى الإجمالي

علم الساعة مما استأثر الله بمعرفته فلا يعلم زمن قيام الساعة إلا الذي خلقها، إلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبر الناس بعلامات تدل على على اقتراب حدوثها، وفي هذا الحديث ينتقل النبي – صلى الله عليه وسلم – بصحابته إلى الزمن القريب من الساعة فيذكر صفات أهل ذلك الزمان، وأنهم بلغوا من الكفر والإلحاد مبلغا بحيث لا يجري على ألسنتهم ذكر الله سبحانه وتعالى في دلالة على ذهاب كل أثر من آثار الإيمان من قلوبهم، وبعد عهدهم عنه، وركونهم إلى الدنيا وغرورها .​




الفوائد العقدية

1- استئثار الله بعلم قيام الساعة.

2- أن من علامات قرب قيام الساعة انتشار الكفر وانعدام الإيمان.

3- قيام الساعة على شرار الخلق​

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث السادس عشر
القرآن كلام الله



شرح أربعين حديثا في العقيدة



عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس في الموقف فقال:
( ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي )

رواه أبو داود والترمذي .



المفردات
الموقف: موسم الحج.
يحملني: يذهب بي ويتكفل بحمايتي.



المعنى الإجمالي
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إبلاغ رسالة الله إلى الناس كلهم، وكانت قريش تمنعه من ذلك، فكان - عليه الصلاة والسلام - يعرض نفسه على القبائل الآتية للحج فيطلبوا منهم أن يسلموا، أو يتكفلوا بحمايته حتى يبلغ كلام الله إلى الناس .



الفوائد العقدية

1- إثبات صفة الكلام لله، وأن الله يتكلم متى شاء، وكيف شاء.
2- إثبات أن القرآن الكريم كلام الله.
3- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن الله.
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث السابع عشر
العمل بالأسباب وعدم الاعتماد عليها



شرح أربعين حديثا في العقيدة

عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال:

صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية، في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال:

( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب )

متفق عليه.



المفردات:

الحديبية: موضع قرب مكة.
في إثر السماء: عقب نزول المطر.
بنوء: بنجم.​






المعنى الإجمالي
ينتهز النبي - صلى الله عليه وسلم - المواقف والأحداث ليعمق في النفوس المعاني الإيمانية ويرسخ القيم العقدية، ويصوب كل تصور خاطئ، وينبه على كل عبارة تحتمل معنى فاسداً أو توحي بعقيدة باطلة.
وفي هذا الحديث يعالج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض موروثات الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي كانت عندهم كالقول بأن المطر ينزل بسبب سقوط نجم وغيابه، وربما قال المسلمون اللفظ الجاهلي دون قصد معناه، فنبههم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى خطورة هذه الألفاظ لما تحمله من معان فاسدة، وبيّن لهم أن الله هو الخالق الرازق، وأنه هو منزل المطر بفضله ورحمته، وأن ما يجري على ألسنة الناس من نسبة المطر إلى النجوم في سقوطها أو طلوعها، هو كلام عار عن الصحة، فلا تعلق للنجوم والكواكب بذلك، بل هو فضل من الله ورحمة يمن بها على من يشاء من عباده.




الفوائد العقدية

1- حرمة نسبة المطر للكواكب والنجوم.
2- كفر من زعم أن الأسباب العادية فاعلة بنفسها.
3- بيان أن الأسباب العادية إنما تفعل بإذن الله ومشيئته.
4- وقوع الكفر بالقول المكفر كما بالاعتقادات المكفرة.
5- وجوب نسبة الفضل لله.
6- اتصاف الله ب"الفضل" و"الرحمة".
7- اتصاف الله بصفة "الكلام".
1- حصاف الله بصفة "الكلام".
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث الثامن عشر
إثبــات كــــــلام الله



شرح أربعين حديثا في العقيدة



عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه )
صحيح البخاري

المفردات
تَرْجُمان: مفسر للكلام بلغة عن لغة .


المعنى الإجمالي
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – شديد الاهتمام ببيان ما يؤول إليه حال المؤمن في الدار الآخرة من سعادة ونعيم، وكان لا يفتأ يعدد صور هذا النعيم ومجالاته، وفي هذا الحديث ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم - إحدى أعظم النعم التي ينعم الله بها على عباده المؤمنين يوم القيامة وهي نعمة كلام الله تبارك وتعالى وسماع صوته دون واسطة وهي نعمة عظيمة لمن تأملها، فالرجل يأنس بكلام حبيبه، ويعظم عنده تكليم ملك من ملوك الأرض، فكيف إذا كان الكلام من ملك الملوك وخالقهم، إنها نعمة سوف يحرص من يقدرها على أن ينالها، ويفعل كل ما من شأنه أن يجعله أهلاً لكلام الرب سبحانه .
من هنا جاءت البشارة النبوية بكلام الله لعباده المؤمنين، حتى يحثهم على نيل هذا الشرف الرفيع، والمقام السامي، فيعملوا من الصالحات التي تجعلهم فخورين بلقاء الله، فرحين به، غير خجلين من أعمال اقترفوها أو آثام فعلوها.


الفوائد العقدية:
1- إثبات كلام الله - عز وجل - لعباده .
2- تشريف المؤمنين بكلام رب العالمين.
3- رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
4- سماع المؤمنين كلام ربهم وفهمه دون واسطة.

 
بسم الله الرحمن الرحيم



الحديث التاسع عشر
صفة الرحمن في سورة الإخلاص




شرح أربعين حديثا في العقيدة


عن عائشة – رضي الله عنها -:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم – بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب: { قل هو الله أحد } فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: ( سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه أن الله يحبه )

رواه البخاري ومسلم





مفردات :
السرية: الطائفة من الـجيش يبلُغ أَقصاها أَربعمائةٍ وجمعُها سَّرايا.




المعنى الإجمالي :
خرج الصحابة في سرية من السرايا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم رجلاً من أفضلهم، فكان هذا الأمير يصلي بهم، ويختم تلاوته بقراءة سورة الإخلاص، فتعجب الصحابة لفعله، فلما قدموا المدينة سألوا النبي – صلى الله عليه وسلم - عن فعل الرجل، فأمرهم النبي أن يسألوه عن سبب قراءته سورة الإخلاص كل مرة يصلي بهم، فأخبرهم أنه يحب هذه السورة؛ لكونها تتضمن صفة الرحمن ولم تتضمن غير ذلك، فلما بلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – أمرهم أن يبشروه بحب الله له.




الفوائد العقدية
1- جواز أن يقال " صفات الله ".
2- إثبات وحدانية الله لقوله تعالى: { قل هو الله أحد }.
3- إثبات اسم "الأحد" من أسماء الله، ومعناه المتفرد في ذاته وأفعاله وأسمائه وصفاته.
4- إثبات اسم "الصمد" من أسماء الله، ومعناه: الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد إليه الخلق في حوائجهم كلها.
5- تنزيه الله عن الولد.
6- تنزيه الله عن الشريك، وعن الكفؤ، فالله لا مثيل له، ولا نظير، ولا شبيه في ذاته ولا في أفعاله، ولا في أسمائه وصفاته .
7- إثبات أولية الله سبحانه، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه لا سبب لوجوده بل هو موجد كل شيء .
8- إثبات صفة المحبة لله، وأن الله يحب المؤمنين المتقين الصالحين.
 
الوسوم
أربعين العقيدة حديثا شرح في
عودة
أعلى