حكاية الأشباح..

  • تاريخ البدء

MAHMOUD YASSIN

الاعضاء
لم يستطع النوم ينظر بعين غاضبة وممتعضة ناحية السقف وهو منزعج من شقيقته التي كانت تنام في الجزء الأسفل من السرير وهي تقرأ بصوت شبه مرتفع عن أشباح يغزون المدينة ويفتعلون الضوضاء في المنازل بسيرهم على أسطحها .. كان ما يسمعه كفيلاً بأن يشعره بالخوف فمد رأسه عليها وقال :
- متى تنامين.. أم تنتظرين تلك الأشباح؟
لم تجبه وواصلت القراءة..
- لا تهتمي.. عندما يأتون أيقظيني فإنها تخاف من الأولاد.. يقولون أن همها الوحيد هو الفتيات أمثالكِ.
ابتسمت له ووضعت الكتاب عند رأسها وهي تحدثه بنبره غلب عليها طابع التحدي:
- سنرى يا سبع الليل من منا سيخاف.. ثم هي قصة وليست حقيقة.
عاد إلى فراشة ومد يده ناحيتها وهو يضحك..
- لأجل هذا لا أخاف.
- جبان...
- وأنتِ شجاعة.. يا أميرة الخوف.. نامي قبل أن أحجز لكِ موعداً معهم...
ساد الصمت وكأنها غفت وتركته أو تغافت لتخرج ما في قلبه من خوف في تلك الليلة الهادئة التي كان يلفها السكون الشديد.. وحدها الريح الباردة كانت تجوب المدينة محدثة من خلال الأبواب والشبابيك أصوات أخافته فوضع الغطاء على رأسه عساه ينام وتنتهي هذهِ الليلة بسلام.
مضت ساعات وهو يتقلب في فراشة، فقد كدرت حكاية الأشباح عليه كل محاولاته للنوم لكن سرعان ما دب التعب في جسده الصغير فأخذته إغفائه لينتبه على وقع أصوات متقطعة في أعلى الغرفة.. هدأ من نفسه قليلاً بعدما أنتابه الخوف وحاول أن يوقظ شقيقته غير أن خوفه من سخريتها أو أنها قد تصاب بخوف وذعر جعله يتراجع عن هذا الأمر في حين أخذ هذا الصوت يصبح أكثر من مجرد حركة ما.. كان هناك من يسير على السطح. وأمام خشيته من أن تصاب شقيقته بالذعر تشجع واتجه صوب النافذة وفتحها بحذر ليرى من هذا الذي يزعجه.. عندها تذكر حكاية الأشباح الذين يسيرون على السطح ، ابتعد قليلاً ثم وقف وهو يفكر في أنها مجرد حكاية لا أصل لها.. فعاد صوب النافذة وأخذ ينظر بقلب مرتجف وكانت محاولاته يصدها الظلام إذ يجب عليه أن يرتقي السطح وهذا يعني خروجه من الغرفة وصعوده السلالم ثم قد يكون الباب مغلق، فقرر أن يتسلق صوب شرفة السطح من خلال نافذته ليرى.
ارتقى النافذة تلسعه نسمات الهواء الباردة وأمسك الشرفة بيده ورفع نفسه عالياً ونظر في ذلك الظلام الذي كان يتخلله أضواء بسيطة من هنا وهناك.. شعر بجسده يرتعش.. خوفاً أم من تلك النسمات الباردة أم الاثنين معاً؟ أخفى كل ذلك بشجاعة بدت مصطنعة وهو يدقق النظر في السطح مطمئناً أن لا وجود للأشباح وأنه سينال من شقيقته في الصباح حتى لاحت له وسط هذا الضوء الخافت قطة تتنقل على السطح وكأنها تبحث عن شيء ما.. ابتسم لرؤيتها وزال الخوف عنه وحاول أن يعود إلى الغرفة وإلى فراشه الدافئ وهو يهيأ في رأسه عشرات الجمل ليلقيها على شقيقته عندما تستيقظ فزلت قدمه الصغيرة وبقي معلقاً بالشرفة يصرخ:
- أنقذوني سأقع.. أبي أمي سأقع...
ورفع من صوته يستنجد عسى أن يسمعه أحد وهو متدلياً من الشرفة .. ووسط كل هذا كان يسمع ضحكات عالية من أمه وأبيه وشقيقته والتي كانت أكثرهم ضحكاً .. أستغرب لماذا يضحكون عليه؟ ولماذا لا يقدمون له العون ويسرعون لنجدته؟ وانه لو وقع فستتهشم عظامه ؟ أصبح الضغط على يديه كبير وأخذت ترتجف ثم أفلتت وسقط على الأرض محدثاً ضجة كبيره لم يعبأ لها ولسقوطه بقدر ما أغاظته ضحكات الأهل.. فتح عينيه كان ممدداً على الأرض تحت سريره وبجنبه وقفت أخته غارقة في الضحك وعند الباب اتكأ والده على الجدار ضاحكاً بينما تقدمت منه والدته مبتسمة وهي تقول:
- بني كنت معلقاً بسريرك وأنت تصرخ.. ماذا رأيت في نومك؟؟
صمت ولم يجبها.. فلم تكدر عليه حكاية الأشباح محاولاته للنوم فقط إنما كانت حاضرة في أحلامه .. نظر ناحية أخته متوعداً ومبتئساً في نفس الوقت مما سيصيبه منها من استهزاء وسخريه ونهض عائداً إلى فراشه وهو يضحك معهم بحنق على ما أصابه.

 
حكاية الأشباح..
 
الوسوم
الأشباح حكاية
عودة
أعلى