ورقتي البيضاء

  • تاريخ البدء

املي بالله

نائبة المدير العام
ورقتي البيضاء


ورقتي البيضاء


ورقتي البيضاء

ثمّة ضجيج بداخلي يدفعني إلى مجالستها ..
تلك الورقة البيضاء الخالية من تراكيب الحروف وما بينها ؛
أفكارٌ و أفكار تدفع القلم صوبها ليراودها عن نفسها فيكتمﻼ‌ن ..
تمرّ الساعات تلو الساعات وأنا أجالسها حتى تراءت لي ملا‌محها
البيضاء مساحاتٌ بلورية عكست صورتي في مرحلة خريفية من العمر ..
فجأة .. تخيلت ذاتي وقد بلغت عامها التسعين ..
ترى لو كنت سأنصحني .. ماذا سأقول ؟؟

تملكني القلق بعد أن قضيت النهار بطوله وأنا أفكر ، وأتأمل حياتي عن بعد عبر تلك المسافة بيني وبين نفسي ..
ترى لو بلغتُ عامي التسعين ما هي النصائح والعظات التي سأمنحها لذاتي الصغرى اﻵ‌ن ؟؟
حاولت أن أفرغ جمجمتي من كل أمر حولي ومن كل ما يجول بداخلي كمن يفرغ قبواً من محتوياته*
فقط ﻷ‌صل لتلك المرحلة الحاسمة من العمر وانصت*
بعد مضي الوقت بدأت تهمسني قائمة من النصائح والحكم كلها دقيقة وصائبة تماماً ؛؛
فتلك العجوز كانت عيناها تشعان بما هو كفيلٌ أن ينبهني إلى أمورٍ
و سلوك من اﻷ‌فضل تجنبها حتى أقبض على سعادتي أكثر ..
كما أن ذلك يساعدني على امتﻼ‌ك مفاتيح سعادتي بدقة متناهية والسعي نحوها بدأبٍ كبير ..
غريبٌ أمرنا نحن البشر !!
لماذا نترك أنفسنا للحياة تسيرنا وفق مشيئتها وَ وِفق أهواءنا الطائشة ورغباتنا المائلة*
فترفعنا تلك اﻷ‌مواج أو تهبط بنا كما تشاء*
على الرغم من أن هناك مساحة واسعة من اﻹ‌ختيار والتي نكبح بها الهواجس الشيطانية ورغباتها المحثة إلى الهﻼ‌ك ..
إنها درب اﻹ‌نسانية المشع والذي من السهل أن نمضي إليه وفيه*
فبإمكاننا أن نؤدي ما هو مطلوبٌ منّا بينما تبقى أعيننا على ما يدور حولنا وعلى ما يجب علينا التخلص منه ..
وأن نمعن التفكير بوعيٍ أكبر على افساح مساحة لـِ ( مَا / مَنْ ) هو مهم بالنسبة لنا*
فلنمنح من نحب اهتماماً أكثر وَ وقتاً أكبر فلو أنهم موجودون اليوم قد يأتي الغد بدونهم فﻼ‌ نجدهم ..
وﻻ‌ نجد سوى مساحة من الفقد والندم ربما ..
فهلمّوا ..
نتخيل أننا بلغنا مبالغ العمر المتقدم .. ترى ما هي النصيحة التي سنُسديها لذاتنا الصغرى وبأي الحكم سنضيئ البصيرة*
مع اﻷ‌خذ بعين اﻻ‌عتبار أنها هبات*
الزمن*
الثمين*
التي ستضع لنا مقاييس السعادة والتي بدورها تتوقف على مدى استيعابنا واستفادتنا وتأملنا لها ..
ﻻ‌ ريب في أننا قد نخطئ وقد ننسى وقد تتﻼ‌شى من بين أصابعنا أوقات كان من الممكن أن تمضي بنا إلى أمورٍ أهم*
وإلى حيثيات باعثة على السعادة الحقيقية والفعلية والمستمرة معنا بشتّى السبل*
تعالوا ..
نتوقف اﻵ‌ن في حيز يمضي بنا نحو حكم مصطفاة من ذاك*
الزمن*
الثمين*

فنقيّم ذاتنا ونعترف بأخطائنا .. نحدد اللحظات الضائعة .. نعدل المسار ونضيئ فتيل اﻹ‌تجاه ونمضي ..
فلو أنني بلغت التسعين ضوءاً من حياتي سأقول لنفسي اﻵ‌ن :
تريثي ..
تنفسي بعمق وأطيلي التأمل أكثر فالعجلة تحول بينك وبين التفاصيل
الصغيرة التي يكمن بها جواهر اﻷ‌مور والشخصيات*
فالسبيل التي نسلكها ﻻ‌ تقل أهمية عن الهدف المراد وتلك السبيل*
مليئة بمفاجآت القدر فإذا ما عارضتك سحبها الحبلى واجهي البلل
واغتسلي بطهر الدروس وتعلمي جيداً من لغة المطر
اشعلي قناديل اﻷ‌مل والحذر وطوّري الطيبة بداخلك إلى منهج روحاني مضيئ ذو نظرة وبصيرة*
ابسطي بساط النقاء / البذل / والعطاء مهما اتسعت مساحة السواد في ذاك الفضاء*
فما هي في اﻷ‌فق البعيد سوى نقطة سوداء ويبقى الفضاء مساحة تنصت لنا ونحن نختار من نكون*
اخرجي تلك الكتب من فوق الرف وابدأي بأولها*
اخرجي كراستك الصغيرة واطلقي العنان لقلم الرصاص ليجسد*
أحاسيسك التي ترقد في مهد العتمة تنتظر بزوغ اﻹ‌كتمال بين يديك*
اهدئي*
اهدئي*
اهدئي*
هكذا ابصرتُ سطوري تزدحم بالكلمات على ورقتي البيضاء في ذاك السّن المكتمل ..
دقات قلبي تتسارع .. أشعر بأن هناك الكثير أرغب بأن أخبرني به ؛
سكون ..
وتأمل لصوت الحياة في الخارج*.. وكأنه يروي لي حكاية صراع الطبيعة ..
فعباب البحر يصفع وجنة الشاطئ
والعواصف تلطم السحب الحبلى لتلد الغرق الذي يسبب اﻹ‌ختناق*
والصحراء ماضية في التمدد واﻹ‌خضرار ينكمش ، يتبدل ويتحول !!
والسماء متقلبة طوعاً لمجريات الفصول ومحدثات اﻷ‌فﻼ‌ك*
واﻷ‌رض ﻻ‌ تحتمل ذاك الضجيج فتتصدع وتتشقق ..ثمة بركان سيحدث وثمة دمار سيترتب*
أتأمل منظومة اﻷ‌رض والماء والنور والهواء كيف تهبنا الحياة أحياناً وكيف تسلبها منّا أحياناً أخرى*
ومدى التصاق ذلك بنا وكأننا النسخة اﻷ‌خرى*
فليس كل تغيير باعثٌ على الحياة وليس كل جمود يقود إلى الموت*
فالحكمة تقبع بينهما وتنتظر فقط من يجيد قراءتها ...
كل هذا وتلك العجوز لم تتوقف عن المضي في نثر ضيائها :
هناك إشارات توميء بها اﻷ‌كوان تصدر بلغة العالم بأمرٍ من موجدها ومدبرها*
تنبهنا للسبيل التي يتحتم سلوكها ؛ فقط علينا أن نهتم بقراءة ما كتب لنا و أن نعي ذلك جيداً*
فقد نعيش حقبة من*
الزمن*
نخال فيها أن اﻷ‌مور واضحة وكل اﻷ‌شياء ممكنة*
وأن الحياة ما هي إﻻ‌ حلم نفعل فيه كل ما نحب و أن تأويل ذلك الحلم على قيد التحقيق*
حتى تباغتنا الظروف الغامضة فتحول بيننا وبين ذاك التأويل*
ذاك الغموض ليس بخافي .. لكن نحن من اسدلنا عليه ستائر الغفلة*
لنخضع للخدعة الكبرى حيث القنوط وﻻ‌ أمل*
غافلين عن اﻹ‌رادة التي تهيئنا للعمل والمضي صوب الحقيقة أياً كانت*
فعندما نرغب في التحقيق فإن تلك الرغبة تولد من روح اﻹ‌رادة*
وتلك اﻹ‌رادة تنبثق من منابع اﻹ‌يمان فينا ؛
فحين نؤمن .. تُسرج عتمة الليل الكليم لتمضي بنا عبر مسالك النور
صوب تحقيق مهامنا على اﻷ‌رض .
هكذا مضى الوقت وأنا أجالس ورقتي ؛؛
انثر عليها بضعاً من كلماتي سطراً وراء سطر وكأنني أعود من الماضي واتقدم صوب المستقبل بآن .
\
/
\
لم تشأ أن تصمت تلك العجوز*

فﻼ‌زال في جعبتها الكثير .. لكن .. هذا ما سمحت به الورقة
ورقتي البيضاء

_ شكراً من صميم قلبي لكل من قرأني _


ورقتي البيضاء
 
عودة
أعلى