رحلة .. مع صحابة رسول الله

  • تاريخ البدء

المنسي

الاعضاء
رحلة .. مع صحابة رسول الله


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره



ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا



والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد



وعلى آله وصحبه وسلم



أخواتي أسمحوا لي أن أخذكم برحلة مع صحابة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فما أجمل أن نتدارس سيرهم


المحطة الأولى للرحلة



أولا لابد أن نتعرف على لفظ صحابي أو معنى كلمة صحابي



أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام



ما واجبنا تجاه الصحابة



الواجب علينا



** محبتهم

** واحترامهم

** والذود عن أعراضهم

** والسكوت عن ما جرى بينهم من القتال

** واتهام من سبهم بالنفاق

أخواتى سآخذكم اليوم الى المحطة الثانية من الرحلة

مع صحابي جليل قال عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

(( إن لكل أمة امينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))

وقال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

إن أدركني أجلي وأبوعبيدة حي استخلفته . .

وقال أيضا : أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ..

أنه أمين هذه الأمة

أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح

هو أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري

يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد أجداده ( فهر بن مالك )

وأمة من بنات عم أبيه ... أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر ..

كان - رضي الله عنه - طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية ..

أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية

ثم عاد ليشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها ...

غـــزوة بـــــدر

في غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلمّا

أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية ..

قال تعالى :

"( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو

عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان )" ...

غـــزوة أحـــد

يقول أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - :

( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا

توافينا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن

تتركني فأنزعها من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر فنزعها

وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )

غـــزوة الخبـــط

أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم – أبا عبيدة بن الجراحأميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من

الزاد سوى جراب تمر والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل

واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط )
أي ورق الشجرفيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة

الخبط ..

معركـــة اليـرمـــوك

في أثناء قيادة خالد - رضي الله عنه - معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -

رضي الله عنه - وتولى الخلافة بعده عمر - رضي الله عنه - ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح

أمين هذه الأمة وعزل خالد وصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمرفسأله خالد :

( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) ...

فأجاب أبوعبيدة :

( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )

وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام ..


مكانته ... أمين الأمة


قدم أهل نجران على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا ... فقال عليه الصلاة والسلام :

( لأبعثن - يعني عليكم - أمينا حق امين )

فتشوق أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ...

ولكن لينطبق عليهم وصف النبي - صلى الله عليه و سلم - " أمينا حق امين "

وكان عمر نفسه - رضي الله عليه - من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك ..

بل صار - كما قال يتراءى - أي يري نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم حرصا منه رضي الله عنه أن يكون أمينا حق أمين ...

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم - تجاوز جميع الصحابة وقال :

( قم يا أباعبيدة )

كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يجود بأنفاسه لو كان

أبوعبيدة بن الجراح حيا لا ستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )

تــواضعـــه

ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراءفجمعهم وخطب فيهم قائلا :

( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسوديفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه !! )

وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له :

( من ؟ ) ... قال : ( أبوعبيدة بن الجراح ) ...

وأتى أبوعبيدةوعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئاالا سيفه وترسه ورحله ، فسأله

عمر وهو يبتسم : ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟ )

فأجاب أبوعبيدة : ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل ) ...
طاعــون عمـــواس

حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد " طاعون عمواس " وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك ... فخشي عليه عمر من

الطاعون فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا :

( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الا متوجها الي .. واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا

متوجها الي ... فان لي حاجة اليك )

وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون ...

فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال :

( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ... فحللني من

عزمتك يا أمير المؤمنين )

ولما وصل الخطاب الى عمر بكى ... فسأله من حوله :

( هل مات أبوعبيدة ؟ ) ... فقال : ( كأن قد ) ... والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا

محالة ... اذ لا خلاص منه مع الطاعون ...

كان أبو عبيـدة - رضي الله عنه - في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ،فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا ...

مات أبوعبيـدة - رضي الله عنه - سنة ( 18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس ...

وقبره في غور الأردن ... رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى ...


 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواتى سآخذكم الى المحطة الثالثة من الرحلة مع صحابي جليل هو :

(( أبو هريرة الدوسي اليماني ))

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحافظ الصحابة ؛؛

اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا ، فقيل : اسمه عبد الرحمن بن صخر ، وقيل : عبد الرحمن بن غنم ، وقيل : عبد الله بن عائذ ، وقيل : عبد الله بن عامر ، وقيل غير ذلك ..

قال النووي في مواضع من كتبه : اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولاً ، وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولا مذكورة في الكنى للحاكم وفي الاستيعاب وفي تاريخ ابن عساكر

قال ابن حجر : وجه تكثره أنه يجتمع في اسمه خاصة عشرة أقوال مثلا ، وفي اسم أبيه نحوها ، ثم تركبت ولكن لا يوجد جميع ذلك منقولا ، فمجموع ما قيل في اسمه وحده نحو من عشرين قولا ..

ويقال : كان اسمه في الجاهلية عبد شمس ، وكنيته أبو الأسود فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وكناه أباهريرة ، وأخرج الترمذي بسند حسن عن عبيد الله بن أبي رافع قال : قلت لأبي هريرة : لم كنيت بأبي هريرة ؟ قال : كنت أرعى غنم أهلي وكانت لي هرة صغيرة فكنت أضعها بالليل في شجرة ، وإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة انتهى ..

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا أبا هر " ، وذكر الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح ..

قال ابن أبي داود : كنت أجمع سند أبي هريرة فرأيته في النوم وأنا بأصبهان ، فقال لي : أنا أول صاحب حدثت في الدنيا وقدأجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً .. وذكر أبو محمد بن حزم : أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسر ..

روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن : أبي بن كعب وأسامة بن زيد بن حارثة وبصرة بن أبي بصرة الغفاري وعمر بن الخطاب والفضل بن العباس وكعب الأحبار وأبي بكر الصديق وابنته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه : ابنه المحرر وابن عباس وابن عمروأنس وواثلة وجابر ومروان بن الحكم وقبيصة بن ذويب وسعيد بن المسيب وسلمان الأغر وقيس بن أبي حازم ومالك بن أبي عامر الأصبحي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وآخرون

قال البخاري : روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم ..

قال عمرو بن علي : كان مقدمه وإسلامه عام خيبر ، وكانت خيبر في المحرم سنة سبع .. وقال الأعرج عن أبي هريرة : إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله الموعد إني كنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملأ بطني ، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق ، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا فقال : " من يبسط رداءه حتى أقضى مقالتي ، ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئا سمعه مني " ،فبسطت بردة عليّ حتى قضى حديثه ، ثم قبضتها إليّ ، فوالذي نفسي بيده ما نسيت منه شيئا بعد .. رواه البخاري ومسلم ، وهو من علامات النبوة فإن أباهريرة كان أحفظ من كل من يروي الحديث في عصره ، ولم يأت عن أحد من الصحابة كلهم ما جاء عنه

ومن فضائله ما رواه النسائي في السنن أن رجلا جاء إلي زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال له : زيد عليك أبا هريرة فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله تعالى ونذكره إذ خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا فقال : عودوا للذي كنتم فيه قال زيد : فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ، ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إني أسألك ما سألك صاحبي ، وأسألك علما لا ينسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمين " فقلنا : يا رسول الله ، ونحن نسأل الله تعالى علما لا ينسى فقال : سبقكم بها الغلام الدوسي ، وقال طلحة بن عبيد الله أحد العشرة : ولا شك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع .. وقال ابن عمر : أبو هريرة خير مني وأعلم


وقال الربيع قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره .. وفي صحيح البخاري من طريق وهب بن منبه عن أخيه همام عن أبي هريرة قال : لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمر ، فإنه كان يكتب ولا أكتب .. وقال الحاكم أبو أحمد : كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزمهم له صحبة على شبع بطنه ، فكانت يده مع يده يدور معه حيث دار إلى أن مات ، ولذلك كثر حديثه .. وقد أخرج البخاري في الصحيح من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قلت : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : " لقد ظننت ألايسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث

وقال أبو نعيم : كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا له بأن يحببه إلى المؤمنين ، وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر قدم المدينة مهاجراً وسكن الصفة ..

وأخرج ابن أبي الدنيا في المحتضرين بسند صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : دخلت على أبي هريرة وهو شديد الوجع فاحتضنته ، فقلت : اللهم اشف أبا هريرة ، فقال : اللهم لا ترجعها قالها مرتين ، ثم قال : إن استطعت أن تموت فمت ، والله الذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه فيتمنى أنه صاحبه .. قال ابن حجر : وقد جاء هذا الحديث مرفوعا عن أبي هريرة عن عمير بن هانئ قال : كان أبو هريرة يقول : تشبثوا بصدغي معاوية اللهم لا تدركني سنة ستين .. وأخرج أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : لا تضربوا على فسطاطا ولا تتبعوني بمجمرة وأسرعوا بي

وقال ابن عيينة عن هشام بن عروة : مات أبوهريرة وعائشة سنة سبع وخمسين ، وفيها أرخه خليفة وعمرو بن علي وأبو بكر وجماعة .. وقال ضمرة بن ربيعة والهيثم بن عدي وأبو معشر : مات سنة ثمان .. وقال الواقدي وأبو عبيد وغيرهما : مات سنة تسع .
 

أبو بكر الصديق

إسلامــــــــــــــــــــــــــــــــــه



لقي أبو بكر - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه و سلم - فقال :
أحقّ ما تقول قريش يا محمد من تركِكَ آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءَنا ؟! ) ... فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إني رسول الله يا أبا بكر ، ونبّيه بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك الى الله بالحق ، فوالله إنه للحق أدعوك الى الله يا أبا بكر ، وحده لا شريك له ، ولا نعبد غيره ، و الموالاة على طاعته أهل طاعته ) .
وقرأ عليه القرآن فلم ينكر ، فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد ، و أقرّ بحقّ الإسلام
ورجع أبو بكر وهو مؤمن مُصَدّق ...
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كَبْوَة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عَتّم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه ).

أول خطيــــــــــــــــــــــــــــب

عندما بلغ عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلاً ، ألح أبو بكر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الظهور فقال الرسول : يا أبا بكر إنّا قليل )..

فلم يزل يلح حتى ظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد ، وكل رجل معه ، وقام أبو بكر خطيباً و رسول الله جالس ، وكان أول خطيب دعا الى الله عزّ وجل والى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...

وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوهم ضربا شديدا ، ووُطىءَ أبو بكر ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة ، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ، وأثّر على وجه أبي بكر حتى لا يعرف أنفه من وجهه ، وجاء بنو تيم تتعادى ، فأجلوا المشركين عن أبي بكر ، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته ، ورجعوا بيوتهم و قالوا .. والله لئن مات أبو بكـر لنقتلـن عُتبة ).

ورجعوا الى أبي بكر وأخذوا يكلمونـه حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال : ما فعـل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ )... فنالوه بألسنتهم وقاموا ...

أم الخيــــــــــــــــــــــــــر

ولمّا خلت أم الخير ( والـدة أبي بكر ) به جعـل يقول : ما فعل رسول الله - صلـى اللـه عليه وسلم-؟ ) .. قالت : والله ما لي علم بصاحبك )... قال : فاذهبي الى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه )... فخرجت حتى جاءت أم جميل ، فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟)... قالت : ما أعرف أبا بكر و لا محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك الى ابنك فعلت ؟)... قالت : نعم )... فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا ، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت : إنّ قوما نالوا منك هذا لأهل فسق ؟! وإنّي لأرجو أن ينتقـم اللـه لك )...

قال : فما فعل رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ؟)... قالت : هذه أمك تسمع ؟)...قال : فلا عين عليك منها )... قالت
: سالم صالح )... قال : فأين هو ؟)... قالت : في دار الأرقم )... قال :
فإن لله عليّ ألِيّة ألا أذوق طعاما أو شرابا أو آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )... فأمهَلَتا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانكب عليه يقبله وانكبّ عليه المسلمون ورقّ رسول الله فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمي ليس بي إلاّ ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي بَرّة بوالديها ، وأنت مبارك فادعها الى الله ، وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار )... فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعاها الى الله عزّ وجل ، فأسلمت فأقاموا مع رسول الله في الدار شهراً ، وكان حمزة يوم ضُرِب أبو بكر قد أسلم .

جهـــاده بمالــــــــــــــــــــه

انفق أبوبكر معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من العبودية ويخلصهم

من العذاب الذي كان يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ، فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة و أم عبيس ...

فنزل فيه قوله تعالى :"( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى "

منــــــزلته من الرســــــول


كان - رضي الله عنه - من أقرب الناس الى قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعظمهم منزلة عنده حتى قال فيه :

ان من أمَنِّ الناس علي في صحبته وماله أبوبكر ، و لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر)

كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة ، وأنه أول من يدخل معه الجنة فقد قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي )... وأنه صاحبه على الحوض فقد قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار )...
كما أن أبو بكر الصديق هو والد أم المؤمنين عائشة لذا كان عظيـم الإفتخـار بقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومصاهرته له وفي ذلك يقول : والذي نفسي بيـده لقرابة رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - أحبُّ إليّ من أن أصل قرابتي .

الإسراء والمعراج

حينما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة الى بيت المقدس ذهب الناس الى أبي بكر فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة !)... فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه )... فقالوا : بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ) فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يعجّبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء الى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ! فهذا أبعد مما تعجبون منه ) ...


ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟)... قال : نعم )... قال : يا نبي الله فاصفه لي ، فإني قد جئته )... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فرفع لي حتى نظرت إليه )... فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر : صدقت ، أشهد أنك رسول الله )... حتى إذا انتهى قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : وأنت يا أبا بكر الصديق )... فيومئذ سماه الصديق ...





الصحبـــــــــــــــــــــــــه

لقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثناء الهجرة الى المدينةالمنورة

فقال تعالى :"( ثاني اثنين اذ هما في الغار ، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا )"

كان أبو بكر رجلا ذا مال ، فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة


فقال له الرسول : لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً )... فطمع بأن يكون رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إنما يعني نفسه حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره
يعلفهما إعدادا لذلك ، وفي يوم الهجرة ، أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيت أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال : ما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الساعة إلا لأمر حدث )...


فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عند أبي بكر إلا أسماء وعائشة ، فقال الرسول : أخرج عني من عندك )... فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي !)

فقال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة )...

فقال أبو بكر : الصُّحبة يا رسول الله ؟)... قال : الصُّحبة )... تقول السيدة عائشة : فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ )... ثم قال أبو بكر : يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا )... فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط ، وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانت عنده يرعاهما لميعادهما ...





أبــــــــواب الجنـــــــــــة

عن أبا هريرة ‏قال :‏ ‏سمعت رسول الله ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏‏يقول :‏ ‏من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب‏ ‏- يعني الجنة - يا عبد الله هذا
خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ،
دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان
من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان )... فقال أبو بكر ‏: ‏ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة )... وقال : هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله )... قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا ‏‏أبا بكر )...







 
مناقبـــــه وكراماتـــــه

مناقب أبو بكر - رضي الله عنه - كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب : ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني )... وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي تخفى على غيره كحديث : أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ) ، ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه ، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإقراره على ذلك ...

وهو أول خليفة في الإسلام ، وأول من جمع المصحـف الشريـف ، وأول من أقام للناس حجّهـم في حياة رسـول اللـه - صلى اللـه عليـه
وسلم - وبعده ... وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر ، وفي
الإسلام امتنع عن قول الشعر ... كما أنه - رضي الله عنه - لم يفته أي مشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -... وقد قال له الرسول - صلى اللـه عليه وسلم - : أنت عتيق الله من النار ) ، فسمّي عتيقاً ...



وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال : كيف تفضِّلوني عليه ، وإنما أنا حسنة من حسناته !!)...


عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : ‏كنت جالسا عند النبي ‏-‏ صلى الله عليه وسلم - ‏‏إذ أقبل ‏‏أبو بكر‏ ‏آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي ‏-‏ صلى الله عليه وسلم -: ‏‏أما صاحبكم فقد ‏‏غامر ‏‏)... فسلم وقال : إني كان بيني وبين ‏‏ابن الخطاب ‏ ‏شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك )... فقال : يغفر الله لك يا ‏أبا بكر ‏)... ‏ثلاثا ، ثم إن ‏عمر ‏ندم ، فأتى منزل ‏أبي بكر ‏، ‏فسأل : أثم ‏أبو بكر ‏)... فقالوا : لا )... فأتى إلى النبي ‏-‏ صلى الله عليه وسلم - ‏‏فسلم ، فجعل وجه النبي‏ -‏ صلى الله عليه وسلم - ‏‏يتمعر ، حتى أشفق ‏‏أبو بكر ،‏ ‏فجثا ‏‏على ركبتيه فقال : يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين )... فقال النبي ‏- ‏صلى الله عليه وسلم -: ‏إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال ‏ أبو بكر‏ ‏صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )... مرتين فما أوذي بعدها


خلافــــــــــــــــــــــــته


وفي أثناء مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، اذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له : يا عمر لا حاجة لي في امارتكم !!)... فرد عليه عمر : أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)


جيـــــش اسـامـــــــــــه

وجَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب - واد على مسيرة ليلة من المدينة - قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : يا أبا بكر
رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة
؟!)... فقال : والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله
)... فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن
لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم )...
فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام ...





حــــــروب الـــــــــــــرده

عد وفـاة الرسـول - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ؟!)... فقال أبو بكر : الزكاة حقُّ المال )... وقال : والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها )... ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين ...



جيــوش العــــراق والشــــام

6ولمّا فرغ أبو بكر - رضي الله عنه
- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام و خالد بن الوليد الى العراق
، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل
في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام ...





استخــــلاف عمـــــــــــــــر

مّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال : إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه ،فاتق الله يا عمر بطاعته
، وأطعه بتقواه ، فإن المتقي آمن محفوظ ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه
إلا من عمل به ، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل ، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر
يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ ، وأن يحبط عمله ، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن
استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم ، وأن تصم بطنك من أموالهم ، وأن يخف لسانك
عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله )...



وفـــــــــــــــــــــــــــاته

ولد أبو بكر في مكة عام ( 51 قبل الهجرة ) ومات بالمدينة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة ( 13 هـ )... ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة )... حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال : رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ، وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناءً ، وأحوطهم على رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ، وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صُحْبة ،
وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً


هنا نصل الى نهاية محطتنا الرابعة وانتظروا المحطة الخامسة إن كان في العمر بقية

يتبع إن شاء الله
 
مع الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه
تعالوا نعيش سويا مع من فرق بين الحق والباطل


أخواتى سآخذكم اليوم الى المحطة الخامسة من الرحلة مع صحابي جليل هو

عمر بن الخطاب " الفاروق "

أحد العشرة المبشرين بالجنة

إذا ذُكِرت الشدّة في الحق ذُكِر ، وإن ذُكِر العَدْل ذُكِر ، وإن ذُكِر التواضع ذُكِر ، وإن ذُكرت الرّحمة بالمساكين ، فهو مَثَل ، وإذا ذُكِرت الفتوحات ذُكِر .. وإذا ذُكِر الخير ذُكِر عُمر الخير رضي الله عنه وأرضاه .


اسمـــــــــــه
عُمر بن الخطّاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العَدويّ .
يَجتمع نسبه مع رسول الله ص في كعب بن لؤي بن غالب .


كنــــــــــــــــيته

أبو حفص ، وهي كُنية ، وليس له ولد بهذا الاسم .


لقـــــــــــــــــبه

الفاروق . ولُقِّب به لأنه أظهر الإسلام بمكّة ، ففرّق الله بين الكفر والإيمان
وكان رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
يقول : اللهم أعزّ الإسلام بِعُمَر بن الخطاب . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني



مولـــــــــــــده

وُلِد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم


حياته في الجاهليـة
تعلّم القراءة والكتابة في الجاهلية .
وتحمّل المسؤولية صغيراً .
ونشأ نشأة غليظة شديدة ، لم يَعرف فيها ألوان التّرف ، ولا مظاهر الثروة ،
حيث دَفَعه أبوه " الخطّاب " في غلظة وقسوة إلى المراعي يَرعى إبله

وكان عمر رضي الله عنه يَرعى إبلاً لخالات له من بني مخزوم
ثم اشتغل بالتجارة مما جَعَله من أغنياء مكة ، ورَحَل صيفا إلى الشام ،
وشتاء إلى اليمن ، واحتلّ مكانة بارزة في المجتمع المكيّ الجاهليّ ، وأسهم
بشكل فعّال في أحداثه ، وساعَدَه تاريخ أجداده المجيد

قال ابن الجوزي
: كانت إليه السفارة في الجاهلية ، وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب
بعثوه سفيرا ، أو إن نَافَرَهم حيٌّ المفاخرة بعثوه مُفاخِراً ، ورَضُوا
به


صفاته الْخَلْقية والْخُلُقيّـة


قال ابن الجوزي : كان أبيض طوالا ، تعلوه حمرة ، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم .
وكان عمر رضي الله عنه رجلا حَكيما ، بليغاً ، حصيفاً ، قوياً ، حَليماً ، شريفاً ، قويّ الحجّة ، واضح البيان .


زوجاته رضي الله عنه

تزوّج في الجاهلية بـ زينب بنت مظعون ، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة
وتزوّج مليكة بنت جرول ، فَوَلَدَتْ له عبيد الله .
وتزوّج قُرَيبَة بنت أبي أمية المخزومي ، ففارقها في الهدنة .
وتزوّج أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فولدت له فاطمة .
وتزوّج جميلة بنت عاصم بن أبي الأقلح .
وتزوّج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
وتزوّج بعد ذلك أم كلثوم بنتت عليّ رضي الله وأمها فاطمة بنت النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
ورضي الله عنها ، وولدت له زيدا ورُقيّـة وتزوّج لُهْيَة – امرأة من اليمن – فولدت له عبد الرحمن الأصغر ، وقيل الأوسط . وقيل : هي أم ولد .

وقالوا : كانت عنده فُكيهة – أم ولد – فولدت له زينب .
وكان عمر رضي الله عنه يَتزوّج من أجل الإنجاب ، وإكثار الذرية ، فقد قال
رضي الله عنه : ما آتي النساء للشهوة ، ولولا الولد ما بالَيتُ ألاّ أرى
امرأة بِعيني .

وقال : إني لأُكْرِه نفسي على الجماع رجاء أن يُخرِج الله مِنِّي نسمة تُسبّحه وتذكره .


أولاده
جُملة أولاده ثلاثة عشر ولداً ، وهم :
زيد الأكبر ، وزيد الأصغر ، وعاصم ، وعبد الله ، وعبد الرحمن الأكبر ،
وعبد الرحمن الأوسط ، وعبد الرحمن الأصغر ، وعبيد الله ، وعياض ، وحفصة ،
ورقية ، وزينب ، وفاطمة رضي الله عنهم .



اسلامه رضى الله عنه
قال ابن الجوزي : قال علماء السِّيَر : أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة ، وهو ابن ست وعشرين سنة .
وعند البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر اجتمع
الناس عند داره ، وقالوا : صبأ عمر . وأنا غلام فوق ظهر بيتي ، فجاء رجل
عليه قباء من ديباج ، فقال : قد صبأ عمر ، فما ذاك ؟ فأنا له جار . قال :
فرأيت الناس تصدّعوا عنه . فقلت : من هذا ؟ قالوا : العاص بن وائل .
وروى البخاري عن سعيد بن زيد أنه قال : لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم .
وروى ابن الجوزي – بإسناده – إلى أنس بن مالك قال : خرج عمر متقلدا بسيفه
- أو قال بالسيف - فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : إلى أين تعمد يا عمر ؟
قال : أريد أن أقتل محمدا . قال : وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة ، وقد
قتلت محمدا ؟ قال : فقال عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت
عليه . قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا
دينك الذي أنت عليه . قال : فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من
المهاجرين يُقال له : خبّاب . قال : فلما سمع خباب حسّ عمر توارى في البيت
، فدخل ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ وكانوا يقرأون (طه) ،
فقالا : ما عدا حديا تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما ؟ قال :
فقال له ختنه : أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ قال : فوثب عمر
على ختنه فوطئه وطئا شديدا ، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة
فدمى وجهها ، فقالت - وهي غضبى - : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ اشهد
أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله . فلما يئس عمر قال : أعطوني
هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه . قال : وكان عمر يقرأ الكُتُب ، فقالت أخته
: إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فَقُم فاغتسل وتوضأ . قال : فقام عمر
فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ : ( طه ) حتى انتهى إلى قوله : (إِنَّنِي أَنَا
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي) قال : فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر ،
خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر ! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
لك ليلة الخميس : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام . قال : ورسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
في الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار قال : وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأُناس من أصحاب رسول الله ]فلما رأى حمزة وَجِل القوم من عمر قال حمزة : نعم فهذا عمر ، فإن يُرد الله بعمر خيرا يُسلِم ويتبع النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
، وإن يُرد غير ذلك يَكن قتله علينا هينا . قال : والنبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
داخل يُوحى إليه . قال : فخرج رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ، فقال : ما أنت منتهياً يا عمر حتى يُنْزِل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة . اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب . قال : فقال عمر : أشهد أنك رسول الله . فأسْلَمَ

وعند الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
قال : للهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بأبي جهل ، أو بعمر بن
الخطاب . قال : وكان أحبّهما إليه عمر . وصححه الألباني .



فضـــــــائلــــه
فضائله رضي الله عنه كثيرة جداً .
] قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن عمر رضي الله عنه : مُهاجري أوليّ بدريّ .
يعني أن عمر رضي الله عنه من أوائل المهاجِرين .
وهو بَدري أي أنه شهِد بَدر .
وقد قال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
عن أهل بدر : لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وَجَبَتْ لكم الجنة . رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غَفَرْتُ لكم .

وقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: إن الله جعل الحق على لسان عُمَرَ وقَلْبِه . رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وابن حبان وغيرهم .

ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه وافَقَ ربه في ثلاث .
قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام
إبراهيم مصلى فنزلت : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
) ، وآية الحجاب قلت : يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن ، فإنه
يُكلّمهن البر والفاجر ، فَنَزَلَتْ آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى
الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ، فَنَزَلَتْ
هذه الآية . رواه البخاري من حديث أنس ، ومسلم من حديث ابن عمر




وهذا من الإلهام الذي أشار إليه النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بقوله :


قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم . رواه البخاري ومسلم .


 
قال ابن وهب : تفسير مُحَدَّثُون مُلْهَمُون .
وعمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم

وهو المؤمن الذي شهِد له النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بالإيمان


قال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: بينما رجل راكب على بقرة الْتَفَتَتْ إليه فقالت : لم أُخْلَق لهذا ،
خُلِقْتُ للحِراثة . قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . وأخذ الذئب شاة
فتبعها الراعي فقال : الذئب من لها يوم السبع ، يوم لا راعي لها غيري ؟
قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . قال أبو سلمة : وما هما يومئذ في القوم
. رواه البخاري ومسلم .

وشِهد له رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بِقوّة الدِّين .


قال عليه الصلاة والسلام
: بينا أنا نائم رأيت الناس يُعْرَضُون عليّ وعليهم قُمُص ، منها ما يبلغ
الثُّدِيّ ، ومنها ما دون ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص
يَجُرّه . قالوا : فما أوّلت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدِّين . رواه
البخاري ومسلم .
[ وشهِد له النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بالعِلم .



قال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
:

بينا أنا نائم أُتِيتُ بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريّ يَخْرُج في
أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قالوا : فما أوّلته يا رسول الله
؟ قال : العِلم . رواه البخاري


وشهِد له بصواب الرأي .

صلى رسول الله]
رحلة .. مع صحابة رسول الله
العصر ، فقام رجل يُصلي فرآه عمر ، فقال له : اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَصْل . فقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: أحسن ابن الخطاب . رواه الإمام أحمد


وفي رواية عند الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب .

وصدّق رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
قول عمر رضي الله عنه .



روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر ، فقال : امرأة جاءت تبايعه
فأدخلتها الدولج ، فأصبتُ منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك لعلها مُغيّب
في سبيل الله . قال : أجل . قال : فائتِ أبا بكر فسأله . قال : فأتاه
فسأله ، فقال : لعلها مُغيب في سبيل الله . قال : فقال مثل قول عمر ، ثم
أتى النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

، فقال له مثل ذلك . قال : فلعلها مُغيب في سبيل الله ونزل القرآن : (
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) إلى
آخر الآية ، فقال : يا رسول الله إليّ خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره
بيده فقال : لا ولا نعمة عين بل للناس عامة ، فقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: صَدَقَ عمر


وشهِد له رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بالجنّة .

عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد ، فَذَكَرَ رجلٌ علياً عليه
السلام ، فقام سعيد بن زيد فقال : أشهد على رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

أني سمعته وهو يقول : عشرة في الجنة : النبي في الجنة ، وأبو بكر في الجنة
، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ،
والزبير بن العوام في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف
في الجنة ، ولو شئت لسمّيت العاشر . قال : فقالوا : من هو ؟ فَسَكَتْ .
قال : فقالوا : من هو ؟ فقال : هو سعيد بن زيد . رواه الإمام أحمد وأبو
داود .
وفي الصحيحين عن أبي موسى أن النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

دَخَلَ حائطاً وأمَرَنِي بِحِفْظِ الباب ، فجاء رجل يستأذن ، فقال : ائذن
له وبشّره بالجنة . فإذا أبو بكر ، ثم جاء عمر ، فقال : ائذن له وبشّره
بالجنة ، ثم جاء عثمان ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنة .


ورأى له النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
قصراً في الجنة .




روى البخاري ومسلم عن أبي هريره عن رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

أنه قال : بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر
، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لِعُمَرَ بن الخطاب ، فذكرت غيرة عمر فولّيت
مُدبِرا . قال أبو هريرة : فبكى عمر ونحن جميعا في ذلك المجلس مع رسول
الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
، ثم قال عمر : بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار ؟




ن
 
وعُمر رضي الله عنه هو العبقري القويّ في حياته وفي خلافته


قال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: أُرِيتُ في المنام أني أنزع بِدَلْوٍ بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر
فَنَزَعَ ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن
الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا يَفْرِي فَرْيِهُ حتى رَوي الناس ،
وضربوا بِعَطَن . رواه البخاري ومسلم .
وعمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين أُمِرنا أن نقدي بهم ، كما في قوله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي
وابن ماجه وغيرهم .
وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح
ومرتبته من أعلى مراتب الصحابة ، ولذلك لما سُئل رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال عمر بن العاص : فقلت : مِن
الرِّجَال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فَعَدّ
رجالا . رواه البخاري ومسلم .
روى البخاري من طريق محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي [ يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ] : أي الناس خير بعد رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان ،
قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين .
قال عبد الله بن سلمة : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : خير الناس بعد رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
أبو بكر ، وخير الناس بعد أبي بكر عمر . رواه ابن ماجه وصححه الألباني

وروى البخاري من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نُخَيِّر بين الناس في زمن النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
فنُخَيِّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم .

وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني لواقف في
قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب ، وقد وُضِعَ على سريره ، إذا رجل من خلفي
قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله ، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع
صاحبيك ، لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله
يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر
، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما . فَالْتَفَتُّ فإذا هو علي بن أبي
طالب . رواه البخاري
وفي رواية للبخاري :
قال ابن عباس :
وُضِعَ عُمر على سريره ، فتكنفه الناس يَدْعُون ويُصَلُّون قَبْلَ أن
يُرْفَع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي
طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر ، وقال : ما خَلّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى
الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ،
وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
يقول : ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر

وفي رواية له قال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبتَ رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتَ أبا بكر فأحسنت صحبته،
ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتهم فأحسنتَ صحبتهم ، ولئن فارقتهم
لتفارقنهم وهم عنك راضون .
وصَدق عليّ رضي الله عنه .. فكان عُمر رضي الله عنه مع النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
]في حياته وبعد مماته .

قال أنس بن مالك رضي الله عنه : صَعَدَ أُحُداً ، وأبو بكر وعمر وعثمان ،
فرجف بهم ، فقال : اثْبُت أُحُد ، فإنما عليك نبيّ وصِدّيق وشهيدان . رواه
البخاري .
فهذه شهادة النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

لصاحبيه ، فشهادته لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصِّدِّيق ، ولِعمر رضي
الله عنه بأنه يموت شهيدا ، وهكذا كان ، وكذلك بالنسبة لعثمان رضي الله
عنه .
وبينما رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

في حائط من حائط المدينة ، وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذ
استفتح رجل ، فقال : افتح وبشّره بالجنة . قال : فإذا أبو بكر ، ففتحت له
وبشرته بالجنة . قال : ثم استفتح رجل آخر ، فقال : افتح وبشّره بالجنة .
قال : فذهبت فإذا هو عمر ، ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر
قال : فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : افتح وبشّره بالجنة على
بَلْوَى تكون . قال : فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان . قال : ففتحت وبشّرته
بالجنة . قال : وقلت الذي قال ، فقال : اللهم صبراً ، أو : الله المستعان
. رواه البخاري ومسلم .
فهذا من صحبته للنبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
في حياته .



وأما بعد مماته

فقد جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول
رحلة .. مع صحابة رسول الله
الله ؟ فأشار بيده إلى القبر ، ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .

ولما سأل سالم بن أبي حفصة جعفرَ الصادق عن أبي بكر وعمر ، فقال : يـا
سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر
: يا سالم أيسُبُّ الرجل جــدّه ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد
رحلة .. مع صحابة رسول الله
يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبْرَأ من عدوهما .

فالشاهد هنا شهادة آل بيت النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
لِعمر رضي الله عنه ، واعتراف أهل الفضل بِفضل عُمر رضي الله عنه وعنهم

وكما أن مرتبة أبي بكر وعمر أعلى مراتب الصحابة فكذلك منازلهما في الجنة

قال رسول الله]
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين .

وقال عليه الصلاة والسلام : إن أهل الدرجات العُلَى يَراهم من أسفل منهم
كما يُرى الكوكب الطالع في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم
، وأنْعَمَـا . رواه الترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني .


قال مسلم البطين :


أنَّى تُعاتِب لا أبا لك عصبة *** عَلِقوا الفِرى وبَرَوا من الصديق

سفها تَبَرَّوا من وَزيرِ نَبِيِّهم *** تَبـّاً لمن يَـبْرا من الفـاروق
[
إني على رغم العِداة لقائل *** دانا بدين الصادق المصدوق


زاد سفيان عن مسلم البطين :


قول يصدقني به أهل التقى *** والعلم من ذي العرش والتوفيق


والاهما في الدِّين كل مهاجر *** صحب النبي وفاز بالتصديق


[رواه ابن جرير في تهذيب الآثار



وقال القحطاني في نونيته :
قُل إنّ خير الأنبياء محمد *** وأجلّ من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد *** وكذاك أفضل صحبه
رجلان قد خُلقا لنصر محمد *** بِدَمِي ونفسي ذانك الرجلان
فهما اللذان تظاهرا لنبينا *** في نصره وهما له صهران
بنتاهما أسنى نساء نبينا *** وهما له بالوحي صاحبتان
أبواهما أسنى صحابة أحمد *** يا حبذا الأبوان والبنتان
]وهما وزيراه اللذان هما هما *** لفضائل الأعمال مستبقان
وهما لأحمد ناظراه وسمعه *** وبِقُرْبِه في القبر مُضطجعان
كانا على الإسلام أشفق أهله *** وهما لِدِينِ محمدٍ جبلا
 
نعود سوياً ونكمل سيرة الفاروق عمربن الخطاب وما أروعها من سيرة عطرة

عَدْلـه رضي الله عنه
كان عمر رضي الله عنه الإمام العادل ، شهِد بذلك القاصي والدّاني ، حتى كان يُحسِب عمّاله لئلا يُظلَم أحد من رعيته .
فقد كان عمر رضي الله عنه يُحاسب عماله في الموسم .
وفي الصحيحين خبر محاسبته رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص – وكان على الكوفة –
وحاسَب سعيد بن زيد رضي الله عنه وغيره .


وبَلَغ من عَدْلِه أن أقام الحدّ على أقاربه ، فقد أقام الحدّ على قدامة
بن مظعون وقد شرب الخمر مُتأوِّلاً ، وقدامة هذا هو خال حفصة وعبد الله بن
عمر رضي الله عنهم .

وبَلغ عدله أن قضى بالحق لصاحبه وإن كان يهوديا .

روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب
اختصم إليه مسلم ويهودي ، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له ، فقال له
اليهودي : والله لقد قضيت بالحق .
وفي أخبار حصار بيت المقدس :

أنه " حين أعياهم صاحب إيليا وتحصّن منهم بالبلد وكثر جيشه فكتب الأرطبون
إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري ، أنت في قومك مثلي في قومي ، والله لا تفتح
من فلسطين شيئا بعد أجنادين فارجع ولا تغرّ فتلقى مثل ما لقي الذي قبلك من
الهزيمة ، فدعا عمرو رجلا يتكلم بالرومية فبعثه إلى أرطبون ، وقال : اسمع
ما يقول لك ، ثم ارجع فاخبرني ، وكتب إليه معه : جاءني كتابك وأنت نظيري
ومثلي في قومك لو أخطاتك خصلة تجاهلت فضيلتي ، وقد علمت أني صاحب فتح هذه
البلاد ، واقرأ كتابي هذا بمحضر من أصحابك ووزرائك ، فلما وصله الكتاب جمع
وزراءه وقرأ عليهم الكتاب ، فقالوا للأرطبون : من أين علمت أنه ليس بصاحب
فتح هذه البلاد ؟ فقال : صاحبها رجل اسمه على ثلاثة أحرف ، فرجع الرسول
إلى عمرو فاخبره بما قال ، فكتب عمرو إلى عُمر يستمده ويقول له إني أُعالج
حربا كؤدا صدوما ، وبلادا ادُّخِرت لك ، فرأيك . فلما وصل الكتاب إلى عمر
عَلِمَ أن عمراً لم يقل ذلك إلا لأمر عَلِمَه ، فَعَزَم عُمر على الدخول
إلى الشام لفتح بيت المقدس " [ البداية والنهاية ] .

لما
فرغ أبو عبيدة من دمشق كتب إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام أو
يَبْذُلون الجزية أو يُؤذنون بِحَرْب ، فأبَوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم
إليه ، فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ، ثم حاصر بيت
المقدس وضيّق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب ، فكتب إليه أبو عبيدة بذلك ، فاستشار عمر الناس
في ذلك فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم
لأنوفهم ، وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ليكون أخفّ وطأة على
المسلمين في حصارهم بينهم ، فهوى ما قال علي ، ولم يَهوَ ما قال عثمان ،
وسار بالجيوش نحوهم ، واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس بن
عبد المطلب على مقدمته ، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس
الأمراء كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان ، فترجّل أبو عبيدة وترجّل
عمر ، فأشار أبو عبيدة ليُقَبِّل يَدَ عُمر ، فهمّ عمر بتقبيل رجل أبي
عبيدة فكفّ أبو عبيدة فكفّ عمر ، ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس ،
واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث ، ثم دخلها .


فأنت ترى أن عمر رضي الله عنه استشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ
برأيه ، ثم استخلفه على المدينة حينما خَرَج إلى بيت المقدس .
فلو كان عليّ رضي الله عنه يَرى أنه أحق بالخلافة أو أنه لم يُبايِع هل كان يُشير بمثل هذا ، أو يتولّى أمراً كهذا ؟!
كيف يرضى أن يَخلِف من ليس بخليفة ؟!

وهذا يُشير إلى المودّة التي كانت بين عمر وبين عليّ رضي الله عنهما .

أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي السفر قال : رُئي على عليّ بُرد كان يكثر
لبسه . قال فقيل له : إنك لتكثر لبس هذا البرد . فقال : إنه كسانيه خليلي
وصفيي وصديقي وخاصّي عمر . إن عمر ناصح الله فنصحه الله ، ثم بكى .
وأقطَع عمرُ علياً ينبع .
وروى جعفر بن محمد ( الصادق ) عن أبيه أن عُمر جَعَل للحسين مثل عطاء عليّ ، خمسة آلاف

وحينما دخل عمر رضي الله عنه بيت المقدس ، وسلّموا له مفاتيحه صلّى في بيت المقدس حيث صلى رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
.


روى الإمام أحمد من طريق أبي سلمة قال : حدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم
قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب : أين ترى أن أصلي ؟
فقال إن أخذت عني صَلّيتَ خلف الصخرة ، فكانت القدس كلها بين يديك . فقال
عمر رضي الله عنه : ضاهيتَ اليهودية ، لا ، ولكن أُصَلِّي حيث صلى رسول
الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
، فتقدم إلى القبلة فصلى ، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه ، وكنس الناس .


وشَهِدَ رسولُ كِسرى بِعدل عمر حينما قال مقولته المشهورة : عدلت فأمنت فنِمت .
قال حافظ إبراهيم :
قد راع صاحب كسرى أن رأى عُمراً *** بين الرّعية عُطـلاً وهو راعيهـا
وعهـده بِملـوك الفُـرس أن لـها *** سُوراً من الجند والأحراس يَحميها
رآه مُستغرقـاً في نـومـه فـرأى *** فـيه الجلالـة في أسْـمى معانيها
فوق الثرى تحت ظلّ الدّوح مُشتمِلاً *** بِبُردة كـاد طـول العهد يُبليهـا
فَـهـان في عينـه مـا كـان يُكبِره *** من الأكاسِـر والدنيا بأيـديهـا
وقال قولَـة حـقّ أصبحت مَـثلاً *** وأصبح الجيل بعـد الجيل يَرويهـا
أمِنتَ لِمّـا أقمـتَ العـدل بينهم *** فَنمتَ نـوم قـرير العين هانيهـا

وشهِدت فارس والروم بِفضل عمر رضي الله عنه .
كيف ؟
هذه شهادة رسول كسرى .

وأما الروم النصارى فإنهم شهدوا بِفضل عُمر ، وأثبتوا خلافته بناء على
صِفته في كُتبهم ، فإنهم يَجدون في كُتُبهم صفة الذي يفتح بيت المقدس .
ولذلك رفضوا تسليم مفاتيح بيت المقدس إلا للذي يَجدون صفته في كُتُبهم .

ذكر ابن جرير في التاريخ فتح بيت المقدس ، فقال :

لما قدم عمر رحمه الله الجابية قال له رجل من يهود : يا أمير المؤمنين لا
تَرجِع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء . فبينا عمر بن الخطاب بها إذ
نظر إلى كردوس من خيل مقبل فلما دنوا منه سلّموا السيوف ، فقال عمر :
هؤلاء قوم يستأمنون فأمّنُوهم ، فأقبلوا فإذا هم أهل إيلياء فصالحوه على
الجزية وفتحوها له ، فلما فتحت عليه دعا ذلك اليهودي فقيل له إن عنده
لَعِلْماً ، قال : فسأله عن الدجال ، وكان كثير المسألة عنه ، فقال له
اليهودي : وما مسألتك عنه يا أمير المؤمنين ؟ فأنتم والله معشر العرب
تقتلونه دون باب لُـدّ ببضع عشرة ذراعا .

وعن سالم قال : لما دخل عمر الشأم تلقاه رجل من يهود دمشق فقال : السلام
عليك يا فاروق ، أنت صاحب إيلياء ، لا والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء
، وكانوا قد أشجَوا عمرا وأشجاهم ، ولم يقدر عليها ولا على الرملة ، فبينا
عمر معسكرا بالجابية فزع الناس إلى السلاح فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : ألا
ترى الخيل والسيوف ؟ فنظر فإذا كردوس يلمعون بالسيوف ، فقال عمر : مستأمنة
، ولا تُراعوا وأمّنوهم ، فأمنوهم وإذا هم أهل إيلياء ، فأعطوه واكتتبوا
منه على إيلياء وحيزها والرملة وحيزها ، فصارت فلسطين نصفين نصف مع أهل
إيلياء ونصف مع أهل الرملة ، وهم عشر كور ، وفلسطين تعدل الشأم كله .
تواضعه رضي الله عنه
نادى
عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة ، فلما اجتمع الناس وكبروا صعد المنبر ، فحمد
الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام ثم قال :

أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبضن لي القبضة
من التمر أو الزبيب فأظل يومي وأي يوم ! ثم نَزَل ، فقال له عبد الرحمن بن
عوف : يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قميت نفسك - يعني عِبت - فقال :
ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي قالت : أنت أمير المؤمنين ! فمن ذا
أفضل منك ؟ فأردت أن أعرّفها نفسها ! رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق .


وروى ابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : يرحم الله ابن
حنتمة ! لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في
يده ، وإنه ليعتقب هو وأسلم ، فلما رآني قال : من أين يا أبا هريرة ؟ قلت
: قريبا . قال : فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار ، فإذا صرم نحو
من عشرين بيتا من محارب ، فقال عمر : ما أقدمكم ؟ قالوا : الْجَهْد . قال
: فأخرجوا لنا جلد الميتة مشويا كانوا يأكلونه ، ورمّة العظام مسحوقة
كانوا يَسفّونها ، فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر ، فما زال يطبخ لهم حتى
شبعوا ، وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم
الجبانة ثم كساهم ، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك .

وروى من طريق حزام بن هشام عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب عام الرمادة
مرّ على امرأة وهي تعصد عصيدة لها ، فقال : ليس هكذا تعصدين ! ثم أخذ
المسوط فقال هكذا ، فأراها


وروى من طريق السائب بن يزيد قال : رأيت على عمر بن الخطاب إزارا في زمن
الرمادة فيه ست عشرة رقعة ، ورداؤه خمس وشبر ، وهو يقول : اللهم لا تجعل
هلكة أمة محمد على رجلي .

وروى من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : قال أنس بن مالك رضي
الله عنه : رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رَقَع بين
كتفيه برقاع ثلاث ، لَبّد بعضها فوق بعض .

وروى
من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : رأيت عمر بن الخطاب خرج
مخرجا لأهل المدينة رجل آدم طويل أعسر أيسر أصلع مُلبب بُرداً له قطريا ،
يمشي حافيا ، مُشرفا على الناس كأنه راكب على دابة .

وروى من طريق عياض بن خليفة قال: رأيت عمر عام الرمادة وهو أسود اللون ،
ولقد كان أبيض ، فيقال : مِمَّ ذا ؟ فيقول : كان رجلا عربيا ، وكان يأكل
السمن واللبن ، فلما أمحل الناس حرمهما ، فأكل الزيت حتى غير لونه ، وجاع
فأكثر .

وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من طريق قسامة بن زهير قال : وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة *** جهّز بنياتي وأمهنّه
اقسم بالله لتفعلنه
قال : فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي ؟
قال :
أُقْسِم أني سوف أمضينه
قال : فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي ؟
قال :
والله عن حالي لتسئلنه *** ثم تكون المسألات ثمة
والواقف المسئول بينهنّه *** إما إلى نار وإما إلى جنة
قال :
فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال : يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لِشِعْرِه ، والله ما أملك قميصاً غيره .
شدّتـه في الحقّ
قال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
لِعُمَر رضي الله عنه : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجّـاً إلا سلك فجّـاً غير فَجِّـك . رواه البخاري ومسلم .

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

قال لأبي بكر : متى توتر ؟ قال : أول الليل بعد العتمة . قال : فأنت يا
عمر ؟ قال : آخر الليل . قال : أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة ، وأما
أنت يا عمر فأخذت بالقوة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
وفي أسارى بدر أشار عمر رضي الله عنه على النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
أن يَقتلهم ، فقال : يا رسول الله أخرجوك وكذبوك ، قرّبهم فاضرب أعناقهم !


 
فقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: إن مثلك يا عمر كمثل نوح قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ
الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال : (وَاشْدُدْ
عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ)
رواه الإمام أحمد .
وتكرر كثيرا من عمر رضي الله عنه قوله في شأن المنافقين قوله : دعني أضرب عُنُقه !

روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا في غزاة
فَكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار
، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذاك رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

فقال : ما بال دعوى جاهلية ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين
رجلا من الأنصار ، فقال : دعوها فإنها منتنة . فسمع بذلك عبد الله بن أبي
فقال : فعلوها ! أما والله ( لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) فبلغ النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
، فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: دعْـه ! لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .


وقد وافق عُمر ربّـه تبارك وتعالى في ترك الصلاة على المنافقين .
روى البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه قال : لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دُعي له رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
ليصلي

عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتُ إليه فقلت : يا رسول
الله أتصلي على ابن أبي ، وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا ؟ أُعَدِّد عليه
قوله ، فتبسم رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

وقال : أخّر عَنّي يا عمر ، فلما أكثرت عليه قال : إني خَيِّرتُ فاخترت ،
لو أعلم أني إن زدت على السبعين يُغْفَر له لزدت عليها . قال فصلى عليه
رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

، ثم انصرف ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : ( ولا
تُصَلِّ على أحد منهم مات أبدا ) إلى : ( وهم فاسقون) قال : عجبت بعد من
جرأتي على رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
يومئذ ، والله ورسوله أعلم .


ولما بعث حاطب رضي الله عنه كتاباً لأهل مكة يُخبرهم بمسير النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
إليهم فبعث النبي من أتى بالكتاب ، فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ! فقال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله
ورسوله صلى الله عليه وسلم . أردت أن يكون لي عند القوم يَـدٌ يدفع الله
بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع
الله به عن أهله وماله ، فقال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

: صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله
والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ! فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله
اطّلع إلى أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت
لكم ، فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم . رواه البخاري ومسلم .
ولما قال رجل : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ! فقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل ،؟ قال عمر : دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق . رواه أبو داود ، وأصله في الصحيحين .


وفي يوم الحديبية لما جاء أبو جندل مُسلماً ، فقال أبو جندل : أي معشر
المسلمين ! أُرَدّ إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما قد لقيت ؟
وكان قد عذب عذابا شديدا في الله . قال عمر بن الخطاب : فأتيت نبي الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله

فقلت : ألستَ نبي الله حقا ؟ قال : بلى . قلت : ألسنا على الحق ، وعدونا
على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : فَلِمَ نُعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال
: إني رسول الله ، ولست أعصيه ، وهو ناصري .
قال الزهري : قال عمر : فعمِلتُ لذلك أعمالا . رواه البخاري .
وفي رواية للبخاري ومسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : فَنَزَلَ القرآن على رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بالفتح ، فأرسل إلى عمر ، فأقرأه إياه ، فقال : يا رسول الله أو فتح هو ؟ قال : نعم . فطابت نفسه ورجع

وهذا يدلّ على مكانة عمر رضي الله عنه في الإسلام ، وعلى اهتمامه
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بعمر رضي الله عنه .


ومن اهتمامه
رحلة .. مع صحابة رسول الله
بِعمر رضي الله عنه أنه كان يخصّه بالسؤال أحياناً .

ففي حديث جبريل ومجيئه إلى النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

قال عمر : ثم انْطَلَقَ ، فلبثت ملياً ، ثم قال لي : يا عمر أتدري من
السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
رواه مسلم .
أثره في الإسلام
ظهر أثر عمر الفاروق في الإسلام من أول إسلامه .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِزّة منذ أسلم عمر . رواه البخاري .
قال سعيد بن المسيب : أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة ، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة .
ومن أثره بذله وتضحيته .
فقد تصدّق عمر رضي الله عنه بِنصف ماله .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أَمَرَنا رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ، إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . قال : وأتى أبو بكر رضي الله عنه بِكُلّ ما عنده ، فقال له رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا أسابقك إلى شيء أبدا . رواه أبو داود .


ومن أثره الواضح حسمه لأمر البيعة يوم السقيفة .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها :

واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا : منا أمير
ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ،
فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلا
أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ، ثم تكلم أبو بكر
فتكلم أبلغ الناس ، فقال في كلامه : نحن الأمراء ، وأنتم الوزراء فقال
حباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر :
لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب دارا ، وأعربهم أحسابا
، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت
سيدنا ، وخيرنا ، وأحبنا إلى رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس .

وقالت عائشة رضي الله عنها : شخص بصر النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله

ثم قال : في الرفيق الأعلى ثلاثا ... قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة
إلا نفع الله بها ، لقد خوّف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردّهم الله بذلك
، ثم لقد بصّر أبو بكر الناس الهدى وعرّفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به
يَتْلُون : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) إلى ( الشاكرين )
. رواه البخاري .
مِــــن أعمـالــــه
جاهَد مع رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
فقد شهد بدرا والمشاهد بعدها .

وحسم النّزاع في سقيفة بني ساعدة ، فأُخمِدت الفتنة ، واجتمعت الكلمة .
وأشار على أبي بكر رضي الله عنه بِجمع القرآن .

روى البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه - وكان ممن يكتب الوحي
– قال : أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر :
إن عمر أتاني ، فقال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بالناس ، وإني أخشى
أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ،
وإني لأرى أن تَجْمَع القرآن . قال أبو بكر : قلت لِعُمَر : كيف أفعل شيئا
لم يفعله رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
؟ فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر .


فهذه أول مشورة لِجمع القرآن الكريم ، أشار بها عمر رضي الله عنه على
الخليفة الصِّدِّيق الصَّادِق ، فحفظ الله كتابه بهؤلاء الأخيار .
اعتماد مبدأ الشورى ، وهذا ليس تشريعا من عُمر ، وإنما أبرزه عمر رضي الله عنه وأظهره وعمِل به .

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قَدِم عيينة بن حصن بن
حذيفة فَنَزَل على بن أخيه الحرّ بن قيس ، وكان من النفر الذين يُدنِيهم
عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شبانا .

فالشاهد أن القرّاء أصحاب القرآن كانوا هم أصحاب مشورة عمر .
وعمر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة جَعَل الأمور شورى في الستة .
ومن مأثور قوله : لا خير في أمرٍ أُبرِم من غير شُورى .
وعُمر رضي الله عنه هو أوّل من دوّن الدواوين
قال ابن الجوزي :

ومن الحوادث في سنة خمس عشرة فرض العطاء وعمل الدواوين . أن عمر فَرَض
الفروض ودوّن الدواوين ، وأعطى العطاء على مقدار السابقة في الإسلام .

وقال أيضا :
وفرض لأزواج رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
عشرة آلاف عشرة آلاف .

وفُتِحت الفتوحات في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، ومن أعظمها وأهمّ÷ا فتح بيت المقدس [ إيلياء ] .
ومن الفتوحات التي تمّت في عهده رضي الله عنه فتح دمشق والقادسية وعامة فتوح الشام
وكثير من فتوح العراق وفتوحات المشرق كانت في زمن أمير المؤمنين عمر .
ففتوح أذربيجان وجُرجان وقندهار وكرمان وسجستان وخراسان كلها فُتحت في عهد عمر رضي الله عنه .
وكسَر الله الأكاسرة بِعمر بن الخطاب ، وأطفأ الله به نار المجوس .

فمن مثل عمر رضي الله عنه وأثره في الإسلام ؟


صِدقه ووضوحه رضي الله عنه
روى البخاري من طريق عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحبّ إلي من كل شيء إلا من نفسي ! فقال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك . فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي . فقال النبي
رحلة .. مع صحابة رسول الله
: الآن يا عمر .

بهذا الوضوح وبهذه الشفافية كان عمر رضي الله عنه يتعامل .

ومن وضوحه رضي الله عنه سرعة رجوعه للحق .

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه ، وكفر من كفر من العرب ،
فقال عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد
عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ فقال : والله لأقاتلن من
فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا


كانوا يؤدونها إلى رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
لقاتلتهم على منعها . قال عمر رضي الله عنه : فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق .



ومن ذلك : وقوفه عند حدود الله ، وعند كتاب الله .

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قَدِم عيينة بن حصن بن
حذيفة فَنَزَل على بن أخيه الحرّ بن قيس ، وكان من النفر الذين يُدنِيهم
عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شبانا ، فقال
عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه .
قال : سأستأذِن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له
عمر ، فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ! فو الله ما تُعطينا الجزل ،
ولا تَحكُم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همّ به ، فقال له الحر : يا أمير
المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه

رحلة .. مع صحابة رسول الله


: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين !
والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقّافاً عند كتاب الله .


مــدة خـلافتــه

قال ابن أبي عاصم :
وكانت خلافته عشر سنين وسبعة أشهر وأربع ليال .

وفاته رضي الله عنه
قال ابن أبي عاصم :
توفي سنة ثلاث وعشرين من مهاجر رسول الله
رحلة .. مع صحابة رسول الله
.


طعنه أبو لؤلؤة المجوسي – لعنه الله – وعُمر في صلاة الفجر يُصلي بالناس إماماً .
وهذا المجوسي الحاقد على الإسلام وأهله ، الغدّار الخائن يترضّى عنه الرافضة ويُسمونه ( بابا شجاع الدِّين ) !
وفي مقابلة الترضّي والتّرحّم على مجوسي قُتِل ومات على الكُفر يلعنون عُمر رضي الله عنه !

فأي تناقض كهذا التناقض ؟؟؟

هذه نُتف يسيرة من سيرة أمير المؤمنين حسن السِّيرة عمر بن الخطاب ، عمر الخير ، الْمُحَدَّث الْمُلْهَم .


" ورضي عن جميع الصحابة ، فترضَّ عنهم يا شيعي تُفْلِح ، ولا تدخل بينهم ،
فالله حكم عدل يفعل فيهم سابق علمه ورحمته وسعت كل شيء " قاله الذهبي في
سير أعلام النبلاء .
 
الى المحطة السادسة من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

(( عثمان بن عفان " ذي النورين "))



أحد العشرة المبشرين بالجنة

" ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة " حديث شريف
مـــــن هــــــو ؟
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي ، أحد العشرة المبشرين بالجنةوأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا علىيد أبي بكر الصديق ، توفي رسول الله وهو عنه راضٍصلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله كانت الفتنة الأولى في الإسلام
إســــــــلامــــه
كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة بقليل ، فكان من السابقين إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله الهجرة الأولى والثانية وقد قال رسول الله( إنّهما لأوّل من هاجرإلى الله بعد لوطٍ )...
( إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ )
وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم القرآن في ركعة ، وكان أخوه من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان...قال عثمان ( ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله ، وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ ، ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ رسول الله وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه ولاغَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل )...
الصـــــــــّلابــة
لمّا أسلم عثمان - رضي الله عنه - أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطاً ،
وقال ( أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدعَ ما أنت عليه من هذا الدين ) ...
فقال عثمان ( والله لاأدَعُهُ أبداً ولا أفارقُهُ ) ...
فلمّا رأى الحكم صلابتَه في دينه تركه ...
ذي النـــــوريـن

لقّب عثمان - رضي الله عنه - بذي النورين لتزوجه بنتيْ النبي صلى الله علية وسلم رقيّة ثم أم كلثوم ،
فقد زوّجه رسول الله ابنته رقيّة ، فلّما ماتت زوّجه أختها أم كلثوم
فلمّا ماتت تأسّف رسول الله على مصاهرته فقال ( والذي نفسي بيده لو كان عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان ) ...
سـهـــم بـــــَدْر
أثبت له رسول الله سهمَ البدريين وأجرَهم ، وكان غاب عنها لتمريضه زوجته رقيّة بنت رسول الله فقد قال الرسول ( إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه )
الحـــــــديـبـيـة
بعث الرسول عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة ، لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة ، واتفقت بيعة الرضوان في غيبته ، فضرب الرسول بشماله على يمينه وقال ( هذه يدُ عثمان ) ... فقال الناس ( هنيئاً لعثمان )...
جـهـــاده بمــالـه
قام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بنفسه وماله في واجب النصرة ، كما
اشترى بئر رومة بعشرين ألفاً وتصدّق بها ، وجعل دلوه فيها لدِلاِءِ
المسلمين ، كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفاً

كان الصحابة مع رسول الله في غزاةٍ ، فأصاب الناس جَهْدٌ حتى بدت الكآبة في وجوه المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ، فلما رأى الرسول ذلك قال ( والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزقٍ )...
فعلم عثمان أنّ الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربعَ عشرة راحلةً بما عليها من الطعام ، فوجّه إلى النبي منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال ( ما هذا ؟)...
قالوا أُهدي إليك من عثمان ... فعُرِفَ الفرحُ في وجه رسول الله والكآبة في وجوه المنافقين ، فرفع النبي يديه حتى رُؤيَ بياضُ إبطيْه ، يدعو لعثمان دعاءً ما سُمِعَ دعا لأحد قبله ولا بعده ( اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان )...

قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - دخل رسول الله عليَّ فرأى لحماً فقال ( من بعث بهذا ؟)... قلت عثمان ... فرأيت رسول الله رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان
جيـــش الـعُـسْــرة
وجهّز عثمان بن عفان - رضي الله عنه - جيش العُسْرَة بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً وخمسين فرساً ، واستغرق الرسول في الدعاء له يومها ، ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيه... فقد جاء عثمان إلى النبي بألف دينار حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره ، فجعل يقلبها ويقول ( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) مرتين
الحــــــــــــيـاء
قال رسول الله ( أشد أمتي حياءً عثمان )...

قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - استأذن أبو بكر على رسول الله وهو مضطجع على فراش ، عليه مِرْطٌ لي ، فأذن له وهو على حاله ، فقضى الله
حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له ، وهو على تلك الحال ، فقضى الله
حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله وأصلح عليه ثيابه وقال ( اجمعي عليك ثيابك ) ... فأذن له ، فقضى الله
حاجته ثم انصرف ، فقلت ( يا رسول الله ، لم أركَ فزِعْتُ لأبي بكر وعمر
كما فزعت لعثمان !!)...
فقال ( يا عائشة إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إنْ أذنْتُ له على تلك
الحال أن لا يُبَلّغ إليّ حاجته )... وفي رواية أخرى ( ألا أستحي ممن
تستحيي منه الملائكة )...
فـضـــــــــلـه
دخل رسـول الله على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال ( يا بنيّة أحسني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبهُ أصحابي بي خُلُقـاً )... وقال رسول الله ( مَنْ يُبغضُ عثمان أبغضه الله )... وقال ( اللهم ارْضَ عن عثمان )... وقال ( اللهم إن عثمان يترضّاك فارْضَ عنه )...

اختَصّه رسول الله بكتابة الوحي ، وقد نزل بسببه آيات من كتاب الله تعالى ، وأثنى عليه جميع
الصحابة ، وبركاته وكراماته كثيرة ، وكان عثمان - رضي الله عنه - شديد
المتابعة للسنة ، كثير القيام بالليل

قال عثمان - رضي الله عنه - ( ما تغنيّتُ ولمّا تمنّيتُ ، ولا وضعتُ يدي اليمنى على فرجي منذ بايعتُ بها رسول الله وما مرّت بي جمعة إلا وإعتقُ فيها رقبة ، ولا زنيتُ في جاهلية ولا إسلام ، ولا سرقت )
اللـهـم اشــهـد
عن الأحنف بن قيس قال انطلقنا حجّاجاً فمروا بالمدينة ، فدخلنا المسجد ،
فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ... فلم يكن بأسرع
من أن جاء عثمان عليه ملاءة صفراء قد منع بها رأسه فقال ( أها هنا علي
؟)... قالوا نعم ... قال ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن
رسول الله قال ( من يبتاع مِرْبدَ بني فلان غفر الله له ؟)... فابتعته بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً ، فأتيت رسـول الله فقلت ( إني قد ابتعته )... فقال ( اجعله في مسجدنا وأجره لك ) ؟... قالوا نعم

قال ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله قال ( من يبتاع بئر روْمة غفر الله له ) فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله فقلت ( إني قد ابتعتها )... فقال ( اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )؟... قالوا نعم

قال ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله نظر في وجوه القوم يوم ( جيش العُسرة ) فقال ( من يجهز هؤلاء غفر الله له )... فجهزتهم ما يفقدون خطاماً ولا عقالاً )؟... قالوا نعم

قال ( اللهم اشهد اللهم اشهد )... ثم انصرف
الخــــــــلافـة
كان عثمان - رضي الله عنه - ثالث الخلفاء الراشدين ، فقد بايعه المسلمون
بعد مقتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة 23 هـ ، فقد عيَّن عمر ستة
للخلافة فجعلوا الأمر في ثلاثة ، ثم جعل الثلاثة أمرهم إلى عبد الرجمن بن
عوف بعد أن عاهد الله لهم أن لا يألوا عن أفضلهم ، ثم أخذ العهد والميثاق
أن يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه وولاه ، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم أخذ
بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك ، فلما تمت البيعة أخذ عثمان بن عفان
حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم

ومن خُطبته يوم استخلافه لبعض من أنكر استخلافه أنه قال ( أمّا بعد ،
فإنَّ الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله ، وهاجرت
الهجرتين ، وبايعت رسول الله، والله ما غششْتُهُ ولا عصيتُه حتى توفاه الله ، ثم أبا بكر مثله ، ثم
عمر كذلك ، ثم استُخْلفتُ ، أفليس لي من الحق مثلُ الذي لهم ؟!)...
الخيـــــــــــــــــر
انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف درهم ، وحجّ بالناس عشر حجج متوالية ...

يتبع
 
الـفـتوح الإسـلامـية
لقد كان عهد عثمان رضي الله عنه مليئاً بالفتوحات، وهي تتمة لما كان أيام الخليفة السابق له وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولقد استمرت هذه الفتوحات في البر والبحر مدة عشرة أعوام إلا أن ما حدث في العامين التاليين لها من فتنة، قد جعلها تنسى , فطغت الفتنة حتى حسب الناس أن عهد عثمان لم يكن سوى فتنة واختلافات نشأت منذ بيعته , ودامت بقية حياته ، وانتهت باستشهاده..

كان أمير الشام معاوية بن أبي سفيان قد قام بغزو الروم , ووصل إلى عمورية قريباً من أنقرة اليوم، وكان معه من صحابة رسول الله صلى الله علية وسلم عبادة بن الصامت، وأبو أيواب الأنصاري خالد بن زيد، وأبو ذر الغفاري ،وشداد بن أوس...

وفتح المسلمون مناطق واسعة رغم قلة عدد جندهم بالنسبة إلى تلك الأراضي الشاسعة، وبالنسبة إلى أعداد أعدائهم الكبيرة ، وهذا ما جعلهم لا يتركون في المناطق التي يصالحونها إلا الجند القليل، ولا يبقون في البقاع التي يفتحونها إلا العدد الضئيل، وبخاصةٍ أنه كانت هناك جبهات مفتوحة، وثغوريجب حمايتها، ومراكز يجب الدفاع عنها والتجمع فيها للإمدادات في الأوقات اللازمة ..

كل هذا جعل عدد المسلمين قليلاً في البلاد المفتوحة حديثاً، وجعل أهلها يشحون في دفع الجزية، ويظنون أن بمقدورهم هزيمة المسلمين وقتالهم، وأن ما حدث معهم في المرة الأولى لم يكن سوى أخطاء ارتكبوها وقد عرفوها فيما بعد، ثم يتحسرون على عزهم الزائل وأيام مجدهم الخالية ، لذا كانوايتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين ونقض عهودهم معهم - هكذا النفس البشرية - ومن هنا كان نقض العهد كثيراً. .

وقد انتهز الفرس والروم في المناطق التي دخلها المسلمون وفاة خليفتهم عمربن الخطاب، ونقضوا العهد، وظنوا أن أمر المسلمين قد ضعف، ولكنهم فوجئوابأن قوة المسلمين على ما هي عليه لم تختلف أيام عمر عن أيام عثمان الخليفة الجديد، وقد أدب المسلمون خصومهم مرة ثانية.

الجبهة الغربية
:نقضت الإسكندرية عهدها عام 25 هـ، فسار إليها أمير مصر عمرو بن العاص، وقاتل أهلها وأجبرهم على الخضوع، والعودة إلى عهدهم.

وكان عمر بن الخطاب قد منع عمرو بن العاص من الانسياح في إفريقية بعدما فتح طرابلس، إلا أن عثمان بن عفان قد سمح بذلك، وأرسل عبدالله بن سعد بن أبي سرح على رأس قوة فاجتاز طرابلس، واستولى على سفن للروم كانت راسية هناك على الشاطىء , ثم واصل سيره في إفريقية والتقى بجيوشٍ للبيزنطيين عام 27 هـ في موقع يقال له ( سبيطلة ) في جنوب غربي القيروان التي لم تكن قدأسست بعد، وقد قَتَل عبد الله بن الزبير، وكان مع الغزاة في تلك الموقعة القائد البيزنطي ( جرجير)، وكان ذا أثر فعّال في الانتصار الذي أحرزه المسلمون على الروم، إلا أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد اضطر إلى عقد معاهدة للصلح مع البيزنطيين مقابل جزية سنوية يدفعونها على أن يخلي إفريقية، وكان ذلك الاضطرار بسبب سيره إلى مصر لمواجهة النوبة الذين هددوامصر من ناحية الجنوب...

وفي أيام عمر بن الخطاب ألح أمير الشام معاوية بن أبي سفيان على الخليفة عمر في غزو البحر وقرى الروم من حمص وقال : إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم، حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص : صف لي البحر وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه، فكتب إليه عمر : إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، إن ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلةً، والشك كثرةً، هم فيه كدودٍ على عودٍ،إن مال غرق، وإن نجا برق ,فلما قرأه عمر كتب إلى معاوية : "لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ".

فلما ولى عثمان لم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك ، وقال : لا تنتخب الناس، ولا تُقرع بينهم، خيّرهم، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه، ففعل، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي(1) حليف بني فزارة...

غزا معاوية قبرص وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة , وذلك عام 28 هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فلما وصل إلى قبرص كان معاوية على الناس جميعاً، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله

عبادة بن الصامت، والمقداد بن عمرو، وشداد بن أوس، وأبو ذر الغفاري، وكانت مع عبادة بن الصامت زوجه أم حرام.

وغزا حبيب بن مسلمة بعض أرض سورية التي كانت لا تزال بيد الروم وذلك عام 28هـ.


معركة ذات الصواري
:وفي عام 31 هـ جرت معركة بحرية حاسمة بين المسلمين والروم بالقرب من شواطئ كيليكيا، وهي التي تعرف بذات الصواري، وعرفت بذلك لأن صواري السفن ربطت بعضها مع بعض المسلمة والرومية، وذلك بعد أن أمن بعضهم بعضاً , واختارالروم قتال البحر، وكان قائد المسلمين أمير مصر عبد الله بن أبي سرح، وقائد الروم الإمبراطور نفسه قسطنطين الثاني الذي كان يقود أكثر من خمسمائة سفينة، ومع ذلك فقد فرّ من المعركة، وهزم الروم شرّ هزيمة.

وكانت صواري السفن من أشجار السرو والصنوبر , وهذا ما يدل على أهمية الأشجار والغابات لكلا الطرفين، وجبال تلك الشواطئ كانت مليئة بهذه الأنواع من الأشجار.

وفي عام 33 هـ غزا أمير الشام معاوية بن أبي سفيان حصن المرأة من أرض الروم قرب ثغر ملاطية.

ونقضت إفريقية العهد عام 33 هـ فسار إليها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح ففتحها ثانية ، وأجبر أهلها على الخضوع والعودة إلى دفع الجزية بعد ما منعوها
وهكذا فقد كانت الفتوحات أيام سيدنا عثمان بن عفان واسعة إذ أضافت بلاداً جديدة في أفريقية وأرمينيا , وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب , وضمت إلى ذلك فتوحات جديدة من بلاد السند وكابل وفرغانة.
الـفــــــــــــتـنـة
ويعود سبب الفتنة التي أدت إلى الخروج عليه وقتله أنه كان كَلِفاً بأقاربه وكانوا قرابة سوء ، وكان قد ولى على أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي السّرح فشكوه إليه ، فولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق باختيارهم له ، وكتب لهم العهد ، وخرج معهم مددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابنأبي السّرح ، فلمّا كانوا على ثلاثة أيام من المدينة ، إذ همّ بغلام عثمان على راحلته ومعه كتاب مفترى ، وعليه خاتم عثمان ، إلى ابن أبي السّرح يحرّضه ويحثّه على قتالهم إذا قدموا عليه ، فرجعوا به إلى عثمان فحلف لهم أنّه لم يأمُره ولم يعلم من أرسله ، وصدق - رضي الله عنه - فهو أجلّ قدراًوأنبل ذكراً وأروع وأرفع من أن يجري مثلُ ذلك على لسانه أو يده ، وقد قيل أن مروان هو الكاتب والمرسل !...ولمّا حلف لهم عثمان - رضي الله عنه - طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى عليهم، فطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، لأن النبي صلى الله علية وسلم كان قد قال له ( عثمان ! أنه لعلّ الله أن يُلبسَكَ قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه )...

الــحــــــــــصـار
فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة وساروا إليه فأغلق بابه دونهم ،فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً ، وكان يُشرف عليهم في أثناء المدّة ،ويذكّرهم سوابقه في الإسلام ، والأحاديث النبوية المتضمّنة للثناء عليه والشهادة له بالجنة ، فيعترفون بها ولا ينكفّون عن قتاله !!؟... وكان يقول ( إن رسول الله عهد إليّ عهداً فأنا صابرٌ عليه )... ( إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن )...وعن أبي سهلة مولى عثمان قلت لعثمان يوماً ( قاتل يا أمير المؤمنين )... قال ( لا والله لا أقاتلُ ، قد وعدني رسول الله أمراً فأنا صابر عليه )... واشرف عثمان على الذين حاصروه فقال ( يا قوم ! لا تقتلوني فإني والٍ وأخٌ مسلم ، فوالله إن أردتُ إلا الإصلاح ما استطعت ، أصبتُ أو أخطأتُ ، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعاً أبداً ، ولا تغزوا جميعاً أبداً ولا يقسم فيؤكم بينكم )... فلما أبَوْا قال ( اللهم احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ،ولا تبق منهم أحداً )... فقتل الله منهم مَنْ قتل في الفتنة ، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاءوا لمداهنتهم...

مـَقْــــــــــتـَلـه
وكان مع عثمان - رضي الله عنه - في الدار نحو ستمائة رجل
، فطلبوا منه الخروج للقتال ، فكره وقال ( إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها )... فدخلوا عليه من دار أبي حَزْم الأنصاري فقتلوه ، و المصحف بين يديه فوقع شيء من دمـه عليه ، وكان ذلك صبيحـة عيد الأضحـى سنة 35 هـ في بيته بالمدينةومن حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان أن عثمان أعتق عشرين عبداً مملوكاً ، ودعا بسراويل فشدَّ بها عليه ، ولم يلبَسْها في جاهلية ولا إسلام وقال ( إني رأيتُ رسول الله البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي اصبر ، فإنك تفطر عندنا القابلة )... فدعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقُتِلَ وهو بين يديهكانت مدّة
ولايته - رضي الله عنه وأرضاه - إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وأربعة عشر
يوماً ، واستشهد وله تسعون أو ثمان وثمانون سنة...ودفِنَ - رضي الله عنه - بالبقيع ، وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين فلم تنغلق إلى اليوم
يــــوم الجــــــمـل
في يوم الجمل قال علي بن أبي طالب -
رضي الله عنه - ( اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة فقلت ( إني لأستَحْيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله ( ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة )... وإني لأستحي من الله وعثمان على الأرض لم يدفن بعدفانصرفوا ، فلما دُفِنَ رجع الناس فسألوني البيعة فقلت ( اللهم إني مشفقٌ مما أقدم عليه )... ثم جاءت عزيمة فبايعتُ فلقد قالوا ( يا أمير المؤمنين ) فكأنما صُدِعَ قلبي وقلت ( اللهم خُذْ مني لعثمان حتى ترضى )
هذا وإن شاء الله وقدر لنا لقاء أخر فى محطة جديدة

 
الى المحطة السابعة من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

(( علي بن أبي طالب " كرم الله وجهه " ))أحد العشرة المبشرين بالجنة "
من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله
ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله " حديث شريف
مــن هــو؟



هو ابـن عم النبي ، ولد قبل البعثة النبوية بعشـر سنين
وأقام في بيت النبوة فكان أول من أجاب الى الاسلام من الصبيان ،
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وزوجته فاطمة الزهراء ابنة النبي ...
ووالد الحسن والحسين سيدي شباب الجنة ...
الرسول يضمه إليه
كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله

وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب رضوان الله وسلامه عليه ،
وهو يومئذ ابن عشر سنين ، فقد أصابت قريشاً أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا
عيال كثير فقال الرسول الكريم للعباس عمه : يا عباس ، إن أخاك أبا طالب
كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمـة ، فانطلق بنا إليه
فلنخفـف عنه من عياله ، آخذ من بنيـه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما عنه )
... فقال العباس ( نعم ) ...

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له ( إنا نريد أن نخفف من عيالك حتى
ينكشف عن الناس ما هم فيه ) ... فقال لهما أبو طالب ( إذا تركتما لي
عقيلاً فاصنعا ما شئتما ) ... فأخذ الرسول علياً فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه ، فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبياً ، فاتبعه علي - رضي الله عنه - وآمن به وصدقه ، وكان الرسول إذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكة ، وخرج علي معه مستخفياً من أبيه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات معا ، فإذا أمسيا رجعا ...
منزلته من الرسول
لمّا آخى الرسول بين أصحابه قال لعلي ( أنت أخي ) ... وكان يكتب لرسول الله ، وشهد الغزوات كلها ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول في أهله وقال له ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) ...
وكان مثالا في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد الا صرعه ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة قال فيه النبي ( من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ) ...
دعاه الرسول
وزوجته فاطمة وابنيه ( الحسن والحسين ) وجلَّلهم بكساء وقال ( اللهم هؤلاء
أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيراً ) ... وذلك عندما نزلت
الآية الكريمة ...

قال تعالى ( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت ) ...

كما قال ( اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة : إلى علي ، وعمّار وبلال ) ...
ليلــة الـهجــــرة
في ليلة الهجرة ، اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا الرسول في فراشه ، فأتى جبريل - عليه السلام - رسول الله فقال
( لا تبيت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ) ... فلما كانت عتمة
من الليل اجتمع المشركون على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما
رأى رسول الله مكانهم قال لعلي ( نم على فراشي ، وتَسَجَّ ببردي هذا
الحضرمي الأخضر فنم فيه ، فإنه لن يَخْلُصَ إليك شيء تكرهه منهم ) ...

ونام علي - رضي الله عنه - تلك الليلة بفراش رسول الله ، واستطاع الرسول من الخروج من الدار ومن مكة ، وفي الصباح تفاجأ المشركون بعلي في فراش الرسول الكريم وأقام علي - كرّم الله وجهه - بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله في قباء ...
أبــــو تــــراب
دخل ‏علي ‏‏على ‏فاطمة - رضي الله عنهما -‏ ‏، ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي

‏( ‏أين ابن عمك ) ... قالت ( في المسجد ) ... فخرج إليه فوجد رداءه قد
سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول (
اجلس يا ‏‏أبا تراب ) ... ‏مرتين ...
يـــوم خـيبــــــر
في غزوة خيبـر قال الرسـول

( لأُعْطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويُحبه الله ورسوله ،
يفتح الله عليه ، أو على يديه ) ... فكان رضي الله عنه هو المُعْطَى
وفُتِحَت على يديه ... ‏
خــــــلافـتـــــــه
لما استشهد عثمان - رضي الله عنه - سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة
والمهاجرين و الأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ، يعمل جاهدا على توحيد
كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى
...

ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول صلى الله علية وسلم

الى مكة المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من
ذلك عادت الى المدينة ، وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن
أبي طالب خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد
الله والزبير بن العوام - رضي الله عنهما - وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع
القصاص على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان - رضي الله عنه - ،
وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ، والانتظار حتى تهدأ نفوس
المسلمين ،وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على
ذلك واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم ...
معـركــة الـجمــــل
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك
السيدة عائشة - رضي الله عنها - ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ،
ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت
محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك
بدأت موقعة الجمل في شهر جمادي الآخرة عام 36 هجري ، وسميت بذلك نسبة الى
الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة - رضي الله عنها - خلال الموقعة ،
التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ، وقد أحسن علي - رضي الله عنه - استقبال
السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة ، بعد أن جهزها بكل
ما تحتاج اليه ، ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة في العراق ، واستقر بها ،
وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الاسلامية ...
مواجهــة معاويـة
قرر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية
بن أبي سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن
مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان - رضي الله عنه - ليقوم
معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى
مبايعته ، وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا ... فقرر المسير بقواته
اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة المسلمين ، والتقت قوات
الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما
القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري ) ...

وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه فرفعوا
المصاحف على ألسنة الرماح ، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها
وأمرهم بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه للموافقة على
وقف القتال وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر ... وفي رمضان عام 37
هجري اجتمع عمر بن العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ، وأبو موسى الأشعري
عن علي وأهل العراق ، واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر
رمضان من نفس العام ، وعادت قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ، فلما حان
الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية ، وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية ...
الخـــــــــوارج
أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا - رضي الله عنه -
على قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم
آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة ( النهروان )
عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب ...
وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية ...
اسـتـشهـــــاده
لم يسلم الخليفة من شر هؤلاء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي
ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة ، ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلاف
ويوحد كلمة المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل الأمة ، وحددوا لذلك ثلاثة
من بينهم لتنفيذ ما اتفقوا عليه ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف به ،
اذ تمكن من طعن علي - رضي الله عنه - بالسيف وهو خارج لصلاة الفجر من يوم
الجمعة الثامن عشر من رمضان عام أربعين هجرية بينما أخفق الآخران ...

وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا ( ان أعش فأنا
أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين ،
ولا تقتلوا بي سواه ، ان الله لا يحب المعتدين ) ... وحينما طلبوا منه أن
يستخلف عليهم وهو في لحظاته الأخيرة قال لهم ( لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم
بأموركم أبصر ) ... واختلف في مكان قبره ... وباستشهاده - رضي الله عنه -
انتهى عهد الخلفاء الراشدين ...


وإن شاء الله وقدر لنا لقاء أخر فى محطة جديدة
 
الى المحطة الثامنة من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

(( سعد بن أبي وقاص ))

أحد العشرة المبشرين بالجنة
"يا سعد ارم فداك أبي و امي " حديث شريف
مــن هــــو؟
سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق ...
فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول
فقد كان الرسول يعتز بهذه الخؤولة
فقد ورد أنه كان جالسا مع نفر من أصحابه
فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه "هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"...
اسلامـــــــه
كان سعد - رضي الله عنه - من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به ...
فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة ...
قال سعد ( بلغني أن رسول الله
يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...
فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...
فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد - رضي الله عنهم - ، وكان ابن سبع عشرة سنة ...
كما يقول سعد - رضي الله عنه - ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )...
ثـــورة أمـــه
يقول سعد - رضي الله عنه -
( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها ...
فأقبلت علي تقول ( يا سعد ... ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك ؟
والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي
ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر )
فقلت لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...
الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها ...
فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله
ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني
هذا بشيء )...
فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها ...

ونزل قوله تعالى " ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين
أن اشكر لي ولوالديك الي المصيروأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم
فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "
أحد المبشرين بالجنة
كان الرسول يجلس بين نفر من أصحابه ،
فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) ... وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت ...
وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له
( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )...
الــدعـــوة المجــابة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ،
وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول له
( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...
ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...
فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...
فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن
هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ،
فاجعله آية وعبرة )...
فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ،
حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت
تتخبطه حتى مات ...
أول دم هريق في الإسلام
في بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ،
إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ،
فضرب سعد - رضي الله عنه - يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام ...
أول سهم رمي في الإسلام
بعثه الرسول في سرية عبيدة بن الحارث - رضي الله عنه -
الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال
ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام ...
غــــــــــزوة أحــــــد
وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله
ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول يرمي جعل يحرضه
ويقول له ( يا سعد ... ارم فداك أبي وأمي )...
وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول
( ما جمع الرسول لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما ...
إمـــــرة الـجـيـــــش
عندما احتدم القتال مع الفرس ،
أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى
هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن
مالك الزهري )...
وقد ولاه عمر - رضي الله عنه - امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في
القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم ... وعبر
مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر
بموسم فيضانه
حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ،
كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه
أفواجا )...
وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة
الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في
مشهد رائع ، ونجاح باهر ...
ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ...
إمـــــارة العــــــراق
ولاه عمر - رضي الله عنهما - إمارة العراق ،
فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...
ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...
واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك
سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...
ويؤثر البقاء في المدينة ...
الستة أصحاب الشورى
و عندما حضرت عمر - رضي الله عنه - الوفاة بعد أن طعنه المجوسي ...
جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ،
وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )...
سعـــــــد والفتنـــــة
اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ،
وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...
فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...
فتركه ابن أخيه بسلام ...
وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)... فأجابه (
إني مررت بريح مظلمة فقلت أخ ... أخ ... وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...
فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ ... أخ... ولكن

قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ،
فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )...
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...
فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا - يعني علي بن أبي طالب - قال له
الرسول أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )...
وفـاتـــــــــــــه
وعمر سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كثيرا ...
وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير ...
حتي صار من أغنياء المسلمين وأثريائهم ، ويوم مات خلف وراءه ثروة غير قليلة ...
ومع هذا فإذا كانت وفرة المال وحلاله، قلما يجتمعان،
فقد أجتمعا بين يدي سعد ... إذا أتاه الله ، الكثير ، الحلال ، الطيب ...
في حجة الوداع ، كان هناك مع رسول الله ، وأصابه المرض ،
وذهب الرسول يعوده، فسأله سعد قائلاً :
يا رسول الله ، إني ذو مال ، ولا يرثني إلا أبنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ..؟
قال النبي : لا
قلت : فبنصفه ؟
قال النبي : لا
قلت : فبنصفه ؟
قال النبي : لا
قلت : فبثلثه ؟
قال النبي : نعم ، والثلث كثير ..
إنك أن تذر روثتك أغنياء ، خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ،
وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتي اللقمة تضعها في فم أمرأتك ...

لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر ...
واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ...
وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...
إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...
فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله كبيرا...
وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية ...
وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع

اللهم أجمعنا مع صحابة الرسول الكريم يوم العرض عليك

لنا لقاء اخر فى محطة جديدة فى هذة الرحلة المباركة
إن شاء الله ( أنتظرونا )
 
الى المحطة العاشرة من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

(( عبد الرحمن بن عوف ))

أحد العشرة المبشرين بالجنة

" يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك "
حديث شريف
مــن هــــو؟
عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، الصحابي الشهير،
وأحد العشرة المبشرين بالجنة وخؤولة رسول الله صل الله علية وسلم
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين فهو أصغر من النبي صل الله علية وسلم
بعشر سنين .
وكان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده، ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه
أنه كان يقال :" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثلث يقرضهم،
وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم".

وكان عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ،
عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ،
بل سارع الى الرسول صلى الله علية وسلم يبايعه
وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة
الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن
وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا
إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه
فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه ...
التــجــــــــــارة
كان - رضي الله عنه - محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال
ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول صل الله علية وسلم
بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،
فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي
فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...
فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح ...
حـــــــــــق الله
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ،
وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول صلى الله علية وسلم يقول
يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ،
فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة
وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ، وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام
، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة ...

وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ،
وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان
نصيبا من الوصية فأخذها وقال
( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة ) ...
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل
( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث
يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...
وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال ...
قافـلـــــة الايمـــــان
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ،
لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ،
وسألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -
( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له
فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...
فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )...

وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله
يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من
النبي أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة
وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...
ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها ...
الـخــــــــــــــوف
وثراء عبد الرحمن - رضي الله عنه - كان مصدر إزعاج له وخوف ،
فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته
وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة
إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ،
واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ،
ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا
وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )...
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ،
وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)...
قال ( لقد مات رسول الله وما شبع هو وأهل بيته
من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )...
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل
( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )...
الهروب مـن السلطة
كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى
الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا
( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال
( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ،
وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم
وقال له علي - كرم الله وجهه - ( لقد سمعت رسول الله
يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...
فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ،
ووافق الجميع على إختياره ...
وفــاتـــــــــــه
في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه - رضي الله عنه -
وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ،
فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول
وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ،
وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما
أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه ...
وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع
( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع
كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول
عبد الرحمن بن عوف في الجنة ) ...
يتبع إن شاء الله ولنا لقاء أخر فى محطة جديدة



 
أخواتى سآخذكم الى المحطة الحادية عشر من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

رحلة .. مع صحابة رسول الله
أحد العشرة المبشرين بالجنة


( حتى يجيء سعيد بن زيد فيُبايع فإنه سيد أهل البلد
إذا بايع بايع الناس )
مروان
مــن هــــو؟
سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ،
من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ،
ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ،
شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ،
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام
هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )...
والــــــــــــده
وأبوه - رضي الله عنه - ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها
ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد
الرسول صل الله علية وسلم فقال
( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت
وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟ )...
قال ( نعم ) .. واستغفر له ... وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ) ..

المبشرين بالجنة
روي عن سعيد بن زيد أنه قال قال رسول الله صل الله علية وسلم
( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ،
والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ،
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح ) ..
رضي الله عنهم أجمعين ...
الدعــــــوة المجابــــة
كان - رضي الله عنه - مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ،
فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ،
فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها ) ...
فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها ...
الـــــــولايـــــــــــة
كان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ،
ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ،
فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي
وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو
أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام ) ...
البيـعــــــــــــــة
كتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ،
فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟) ...
قال مروان
( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...
قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟) ...
وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع ) ...
قال ( انطلق فسأجيء فأبايع ) ...
فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك ) ...
قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام ) ...

فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت ) ...
وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ،
فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟) ...
قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ،
فإنها أوصت أن يُصلي عليها ) ...
فقال الشامي ( أستغفر الله ) ...
وفـــاتــــــــــــه
توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي وقاص
وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم أجمعين -


يتبع إن شاء الله وقدر ( مع محطة جديدة )


 
المحطة التاسعة من الرحلة وقد فاتتنى واعتذر وبشدة ولكم جميعاً كل الاحترام وسنعود بعدها
إن شاء الله الى المحطة الثانية عشر
المحطة التاسعة
مع صحابي جليل هو :

(( الزبيـر بن العوام ))
أحد العشرة المبشرين بالجنة


حواريّ رسول الله
" إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام " حديث شريف
مــن هــــو؟
هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب،
كنيته أبو عبد الله، حواري رسول الله
كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ،
وزوجته أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين "،
كانرفيع الخصال عظيم الشمائل ، وكان من أعظم الفرسان
وأشجعهم قال عنه عمر : الزبير ركن من أركان الدين.
اشتهر بالجود والكرم، وكان يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا
وروي عنه أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه خراج أرضه،
فما يدخل بيته منها درهما واحدا، بل يتصدق بذلك كله حتى مات مدينا .
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين اختارهم عمر للخلافة من بعده
الزبيـــر وطلحـــة
يرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة
والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من
العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول
ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ،
وتحدث عنهما الرسول قائلا
( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة )
أول سيف شهر في الإسلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ،
وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ،
وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ،
ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول قد قتل ،
فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار،
وفي أعلى مكة لقيه الرسول فسأله ماذا به ؟ ...
فأخبره النبأ ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب ...
إيمانـــه وصبــــره
كان للزبير - رضي الله عنه - نصيبا من العذاب على يد عمه ،
فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ،
ويناديه ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب ) ...
فيجيب الفتى الغض ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا ) ...
ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها
مع الرسول
غــــزوة أحـــــــــد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكروالزبير - رضي الله عنهما -
سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش
ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين ...
بنـــــو قـريظـــــــة
وفي يوم الخندق قال الرسول ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبربني قريظة ؟)...
فقال الزبير ( أنا )... فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير ( أنا )... فذهب ،
ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر ( أنا )... فذهب ،
فقال النبـي ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـرحَوَاريَّ وابن عمتي )...
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول
أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان
( والله لنذوقن ما ذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم ) ...
ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة
المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه ...
يــــوم حـنـيــــــن
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ،
أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ،
وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة ...
حبــــه للشهــــــادة
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فها هو يقول
( إن طلحة بن عبيدالله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ،
وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون ) ...
وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش
وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو
وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو
وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب
وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب
وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر
وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد
وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما ...
وصـيـتــــــــــــه
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه
أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي ) ...
وسأله عبد الله ( أي مولى تعني ؟) ... فأجابه ( الله ، نعم المولى ونعم النصير ) ...
يقول عبدالله فيما بعد ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه ) ...
موقعـــــة الجمــــل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي - رضي الله عنهم جميعا -
وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأرعثمان ،
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ...
طلحة والزبير في فريق وعليفي الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي - رضي الله عنه -
عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)...
ثم قال للزبير ( يا زبير نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله
ونحن بمكان كذا ، فقال لك يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟ ...
فقلت ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟ ...
فقال لك يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ) ...
فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لا أقاتلك ) ...
وأقلع طلحة و الزبير - رضي الله عنهما - عن الاشتراك في هذه الحرب ،
ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا
فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ،
وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ...
الشهــــــــــــــــادة
لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله
وسارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ،
لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا
( بشر قاتل ابن صفية بالنار ) ...
وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول
( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله ) ...
وبعد أن انتهى علي - رضي الله عنه - من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم
( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ...
ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله
يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )

 
أخواتى سآخذكم اليوم الى المحطة الثانية عشر من الرحلة
مع صحابي جليل هو :

( طلحة بن عبيد الله ))
أحد العشرة المبشرين بالجنة

من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض؛ فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله
حديث شريف
مــن هــــو؟
طلحة بن عبيـد الله بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد ...
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ،
وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ،
ونصحه باتباعه ...
وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ،
والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب
محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ،
فصحبه أبـو بكر الى الرسـول حيث أسلم
وكان من المسلمين الأوائل ...
ايـمــانــــــــــه
لقد كان طلحة - رضي الله عنه - من أثرياء قومه ...
ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة
وشهد المشاهد كلها مع الرسول الا غزوة بدر ،
فقد ندبه النبي ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ،
وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ،
فطمأنهما النبي بأن لهما أجر المقاتلين تماما ،
وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها ... وقد سماه الرسول الكريم
يوم أحُد ( طلحة الخير ) ...
وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ...
ويوم حنين ( طلحة الجود ) ...
بطولته يـــوم أحــد
في أحد ... أبصر طلحة - رضي الله عنه - جانب المعركة
الذي يقف فيه الرسول فلقيه هدفا للمشركين ،
فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله
فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول
يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول
وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر - رضي الله عنه -
عندما يذكر أحدا ( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي
فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح
" دونكم أخاكم ... " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة
ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه ) ...
وقد نزل قوله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا " ...

تلا رسول الله هذه الآية أمام الصحابة الكرام ،
ثم أشار الى طلحة قائلا ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ،
وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة ) ...
ما أجملها من بشرى لطلحة - رضي الله عنه - ، فقد علم أن الله سيحميه
من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب ...
عطائه وجوده
وهكذا عاش طلحة - رضي الله عنه - وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ،
مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ،
فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ،
فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ،
تقول زوجته سعدى بنت عوف ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ،
فسألته ما شأنك ؟ ... فقال المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني ...
وقلت له ما عليك ، اقسمه .. فقام ودعا الناس ،
وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما ) ...

وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع
وقال ( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله ) ...
فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها
حتى أسحر وما عنده منها درهما ...

وكان - رضي الله عنه - من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ،
وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل
( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ) ...
( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم ) ...
ويقول السائب بن زيد ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر
فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة ) ...
طلحـــــة والفتنــــة
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ،
ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان - رضي الله عنه - ، لا ...
لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة
هو والزبير لعلي - رضي الله عنهم جميعا - وخرجوا الى مكة معتمرين ،
ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ...

وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق
وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي - رضي الله عنه -
عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ،
وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟) ...
ثم قال للزبير ( يا زبير نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله
ونحن بمكان كذا ، فقال لك يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟ ...
فقلت ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟ ...
فقال لك يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ) ...
فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك ) ...
الشهــــــــــــادة
وأقلع طلحـة و الزبيـر - رضي الله عنهما - عن الاشتراك في هذه الحرب ،
ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ،
فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ،
وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ...

وبعد أن انتهى علي - رضي الله عنه - من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم
( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ...
ثم نظر الى قبريهما وقال
( سمعت أذناي هاتان رسول الله يقول
( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة ) ...
قبـــــــر طـلحــــــة
لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال
( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت ) ...قالها ثلاثاً ،
فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ،
فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ،
فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ،
وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك ...



يتبع إن شاء الله مع محطة جديدة فى هذة الرحلة المباركة
 
أخواتى سآخذكم الى المحطة الثالثة عشر من الرحلة
مع صحابي جليل هو

أبو ذر الغفاري

رضي الله عنه



" ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر " حديث شريف


مــن هــــو؟



هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها

مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ،
انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع في أيدي أحد من غفار ...
ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ

من أبي ذر - رضي الله عنه - ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية

ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، فما

سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال الى مكة ...


اســلامــــــــه



ودخل أبو ذر - رضي الله عنه - مكة متنكرا ، يتسمع الى أخبار أهلها
والدين الجديد ، حتى وجد الرسول في صباح أحد الأيام جالسا ،
فاقترب منه وقال ( نعمت صباحا يا أخا العرب ) ...
فأجاب الرسول صل الله علية وسلم ( وعليك السلام يا أخاه ) ...
قال أبوذر ( أنشدني مما تقول ) ...
فأجاب الرسول صل الله علية وسلم ( ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم ) ...
قال أبوذر ( اقرأ علي ) ... فقرأ عليه وهو يصغي،
ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر
( أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ...



وسأله النبي صل الله علية وسلم ( ممن أنت يا أخا العرب ) ...
فأجابه أبوذر ( من غفار ) ... وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول صل الله علية وسلم
واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف
سر العجب في وجه الرسول الكريم
فهو من قبيلة غفار ...
أفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! ...
وقال الرسول صل الله علية وسلم ( ان الله يهدي من يشاء ) ...
أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس
أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام ...


تمرده على الباطـل



وكان أبو ذر - رضي الله عنه - يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول صل الله علية وسلم
فور اسلامه بسؤال ( يا رسول الله ، بم تأمرني ؟) ...
فأجابه الرسول ] صل الله علية وسلم ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ) ...
فقال أبو ذر ( والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ) ...
هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته
( أشهد أن لا اله الا الله .. وأشهد أن محمدا رسول الله ) ...
كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ،
من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ،
وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ،
فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ،
ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر - رضي الله عنه -
امرأتين تطوفان بالصنمين ( أساف ونائلة ) وتدعوانهما ،
فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ،
فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح - رضي الله عنه -
مرة أخرى ( أشهد أن لا اله الا الله .. وأشهد أن محمدا رسول الله ) ...


اســــــلام غفــــــار



ويعود - رضي الله عنه - الى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله صل الله علية وسلم
وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ،
ثم يتوجه الى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها الى الحق وتسلم ، ومضت الأيام
وهاجر الرسول صل الله علية وسلم الى المدينة ، واذا بموكب كبير
يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر - رضي الله عنه -
أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول] صل الله علية وسلم
عجبا ودهشة ، و نظر اليهم وقال
( غفار غفر الله لها ... وأسلم سالمها الله ) ...
وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال
( ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر )...


غـــــــزوة تبـــــوك



وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول صل الله علية وسلم
وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم] صل الله علية وسلم
فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه ( لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ) ...
فقال الرسول صل الله علية وسلم
( دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ،
وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ) ...
وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ،
فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول صل الله علية وسلم
فقال الرسول ( كن أبا ذر ) ... وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر - رضي الله عنه -
يمشي صوب النبي صل الله علية وسلم فلم يكد يراه الرسول صل الله علية وسلم
حتى قال ( يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) ...


وصية الرسول له



ألقى الرسول صل الله علية وسلم على أبا ذر في يوم سؤال
( يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء ) ...
فأجاب قائلا ( اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي ) ...
فقال له الرسول صل الله علية وسلم( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ ... اصبر حتى تلقاني ) ...
وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين
يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار ...



جهــاده بلسانـــــه



ومضى عهد الرسول صل الله علية وسلم ومن بعده عهد أبو بكر وعمر
- رضي الله عنهما - ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ،
وجاء عصر عثمان - رضي الله عنه - وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ،
و تصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ،
رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ،
لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله صل الله علية وسلم
" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ " ...
فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ،
وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية
التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين
( بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ) ...




وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان
وجد أبو ذر - رضي الله عنه - فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ،
فصاح بأعلى صوته ( عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) ...
ثم ذكر وصية الرسول صل الله علية وسلم بوضع الأناة مكان الانقلاب ،
فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ،
جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره
الرسول ] صل الله علية وسلم في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه
( أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟) ...
ويجيب عنهم ( نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)،
ويعود بالسؤال ( أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية " ...



والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم .. يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ،
وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون " ...



فيقول معاوية ( لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ) ...
فيصيح أبو ذر ( لا ... بل أنزلت لنا ولهم ) ...
ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى الخليفة عثمان
- رضي الله عنه - ( ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ) ...
فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ،
ويقول للخليفة بعد حوار طويل ( لا حاجة لي في دنياكم ) ... وطلب الاذن بالخروج الى ( الربذة ) ...
وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا
( والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ،
أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) ...



فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب
[ليظلوا روادا للهدى ...
لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر
( لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا ) ...
كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال
( اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا ) ...
وعرضت عليه امارة العراق فقال
( لا والله ... لن تميلوا علي بدنياكم أبدا ) ...


اقتدائه بالرســـول


عاش أبو ذر - رضي الله عنه - مقتديا بالرسول صل الله علية وسلم

فهو يقول ( أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ،
وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني
ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو
كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من
لاحول ولا قوة الا بالله ) ... وعاش على هذه الوصية ،
ويقول الامام علي - رضي الله عنه -
( لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) ...


وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى



( والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ،
ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صل الله علية وسلم
قبل أن تحتزوا لأنفذتها ) ...
ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما
فقال له ( أليس لك ثوب غير هذا ؟ ...
لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟) ...
فأجابه أبو ذر ( يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني ) ...
قال له ( والله انك لمحتاج اليهما ) ... فأجاب أبو ذر ( اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ،
ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة،
ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟) ...



وفــاتـــــــــه



في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ،
وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها ( فيم البكاء والموت حق ؟) ...
فتجيبه بأنها تبكي
( لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !) ...
فيبتسم ويطمئنها ويقول لها
( لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صل الله علية وسلم [ ذات يوم وأنا
عنده في نفر من أصحابه يقول
( ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين ) ...
وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ،
وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ،
فاني والله ما كذبت ولا كذبت ) ... وفاضت روحه الى الله ،
وصدق ... فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب
رسول الله صل الله علية وسلم فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول
( صدق رسول الله صل الله علية وسلم
تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ) ...
وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره ...


لنا لقاء اخر إن شاء الله فى محطة جديدة
 
أخواتى مع المحطة الرابعة عشر

أبو موسى الأشعري
رضي الله عنه
" لقد أوتي أبوموسى مزمارا من مزامير آل داود " حديث شريف

من هو؟
انه عبـدالله بن قيـس المكني ب( أبي موسى الأشعري )، أمّهُ ظبية المكيّة بنت وهـب
أسلمت وتوفيـت بالمدينة ، كان قصيراً نحيفاً خفيف اللحيّـة ، غادر وطنه اليمـن الى
الكعبة فور سماعه برسـول يدعو الى التوحيد ، وفي مكة جلس بين يدي الرسول الكريم
وتلقى عنه الهدى واليقين ، وعاد الى بلاده يحمل كلمة اللـه

السفينة
قال أبو موسى الأشعري ( بلغنا مخرج رسول الله صل الله علية وسلم - ونحن
باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وأخوانِ لي أنا أصغرهما أحدهَما أبو
بُرْدة والآخر أبو رُهْم ، وبضع وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة ،
فألْقَتْنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافَقْنا جعفر بن أبي طالب
وأصحابه عنده ، فقال جعفر ( إنّ رسول الله صل الله علية وسلم بعثنا
وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا )فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً )

قدوم المدينة

قال رسول الله صل الله علية وسلم -لأصحابه ( يقدم عليكم غداً قومٌ هم
أرقُّ قلوباً للإسلام منكم )فقدِمَ الأشعريون وفيهم أبو موسى الأشعري ،
فلمّا دَنَوْا من المدينـة جعلوا يرتجـزون يقولـون ( غداً نلقى الأحبّـة ،
محمّـداً وحِزبـه ) فلمّا قدمـوا تصافحـوا ، فكانوا هم أوّل مَنْ أحدث
المصافحة
اتفق قدوم الأشعريين وقدوم جعفر وفتح خيبر ، فأطعمهم النبي صل الله علية وسلم من خيبر طُعْمة ، وهي معروفة ب طُعْمَة الأشعريين ، قال أبو موسى (
فوافَقْنا رسول الله - صل الله علية وسلم - حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ،
وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه ، إلا لأصحاب سفينتنا
مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معنا )

فضله
ومن ذلك اليوم أخذ أبوموسى مكانه العالي بين المؤمنين ، فكان فقيها حصيفا
ذكيا ، ويتألق بالافتاء والقضاء حتى قال الشعبي ( قضاة هذه الأمة أربعة
عمر وعلي وأبوموسى وزيد بن ثابت )وقال ( كان الفقهاء من أصحاب محمد
صل الله علية وسلم ستة عمر وعليّ وعبدالله بن مسعود وزيد وأبو موسى
وأبيّ بن كعب )

القرآن
وكان من أهل القرآن حفظا وفقها وعملا ، ومن كلماته المضيئة ( اتبعوا
القرآن ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن )وإذا قرأ القرآن فصوته يهز
أعماق من يسمعه حتى قال الرسـول - صل الله علية وسلم ( لقد أوتي أبو
موسى مزمارا من مزامير آل داود )وكان عمر يدعوه للتلاوة قائلا ( شوقنا
الى ربنا يا أبا موسى )

الصوم
وكان أبو موسى -رضي الله عنه- من أهل العبادة المثابرين وفي الأيام
القائظة كان يلقاها مشتاقا ليصومها قائلا ( لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا
يوم القيامة )وعن أبي موسى قال ( غزونا غزوةً في البحر نحو الروم ،
فسرنا حتى إذا كنّا في لُجّة البحر ، وطابت لنا الريح ، فرفعنا الشراع إذْ
سمعنا منادياً يُنادي ( يا أهل السفينة قِفُوا أخبرْكم )قال فقمتُ
فنظرتُ يميناً وشمالاً فلم أرَ شيئاً ، حتى نادى سبع مرات فقلتُ ( من هذا
؟ ألا ترى على أيّ حالٍ نحن ؟ إنّا لا نستطيع أن نُحْبَسَ )قال ( ألا
أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه ؟)قلتُ ( بلى )قال ( فإنّه من عطّش
نفسه لله في الدنيا في يومٍ حارّ كان على الله أن يرويه يوم القيامة
)فكان أبو موسى لا تلقاه إلا صائماً في يوم حارٍ

في مواطن الجهاد
كان أبوموسى -رضي الله عنه- موضع ثقة الرسول وأصحابه وحبهم ، فكان مقاتلا
جسورا ، ومناضلا صعبا ، فكان يحمل مسئولياته في استبسال جعل الرسول صل الله علية وسلم - يقول عنه ( سيد الفوارس أبوموسى )ويقول أبوموسى عن
قتاله ( خرجنا مع رسول الله في غزاة ، نقبت فيها أقدامنا ، ونقبت قدماي ،
وتساقطت أظفاري ، حتى لففنا أقدامنا بالخرق )وفي حياة رسول الله ولاه
مع معاذ بن جبل أمر اليمن


الامارة

وبعد وفاة الرسول - صل الله علية وسلم عاد أبوموسى من اليمن الى المدينة
، ليحمل مسئولياته مع جيوش الاسلام ، وفي عهد عمر ولاه البصرة سنة سبعَ
عشرة بعد عزل المغيرة ، فجمع أهلها وخطب فيهم قائلا ( ان أمير المؤمنين
عمر بعثني اليكم ، أعلمكم كتاب ربكم ، وسنة نبيكم ، وأنظف لكم طرقكم
)فدهش الناس لأنهم اعتادوا أن يفقههـم الأمير ويثقفهـم ، ولكن أن ينظـف
طرقاتهم فهذا ما لم يعهـدوه أبدا ، وقال عنه الحسن -رضي الله عنه- ( ما
أتى البصرة راكب خير لأهلها منه )فلم يزل عليها حتى قُتِلَ عمر -رضي
الله عنه-
كما أن عثمان -رضي الله عنه- ولاه الكوفة ، قال الأسود بن يزيد ( لم أرَ
بالكوفة من أصحاب محمدٍ صل الله علية وسلم علم من عليّ بن أبي طالب
والأشعري )

أهل أصبهان
وبينما كان المسلمون يفتحون بلاد فارس ، هبط الأشعري وجيشه على أهل أصبهان
الذين صالحوه على الجزية فصالحهم ، بيد أنهم لم يكونوا صادقين ، وانما
أرادوا أن يأخذوا الفرصة للاعداد لضربة غادرة ، ولكن فطنة أبي موسى التي
لم تغيب كانت لهم بالمرصاد ، فعندما هموا بضربتهم وجدوا جيش المسلمين
متأهبا لهم ، ولم ينتصف النهار حتى تم النصر الباهر

موقعة تستر
في فتح بلاد فارس أبلى القائد العظيم أبوموسى الأشعري البلاء الكريم ، وفي
موقعة التستر ( 20 هـ ) بالذات كان أبوموسى بطلها الكبير ، فقد تحصن
الهُرْمُزان بجيشه في تستر ، وحاصرها المسلمون أياما عدة ، حتى أعمل
أبوموسى الحيلةفأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي أغراه أبوموسى بأن يحتال
حتى يفتح باب المدينة ، ولم تكاد تفتح الأبواب حتى اقتحم جنود الطليعة
الحصن وانقض أبوموسى بجيشه انقضاضا ، واستولى على المعقل في ساعات ،
واستسلم قائد الفرس ، فأرسله أبوموسى الى المدينة لينظر الخليفة في
أمره

الفتنة

لم يشترك أبوموسى -رضي الله عنه- في قتال الا أن يكون ضد جيوش مشركة ، أما
حينما يكون القتال بين مسلم ومسلم فانه يهرب ولا يكون له دور أبدا ، وكان
موقفه هذا واضحا في الخلاف بين علي ومعاوية ، ونصل الى أكثر المواقف شهرة
في حياته ، وهو موقفه في التحكيم بين الامام علي ومعاوية ، وكانت فكرته
الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة ، راح ضحيتها الآلاف ،
فلابد من نقطة بدء جديدة ، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف
النزاع ، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه
ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن
العاص الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية

ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين
المسلمين دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا ( ما كنت لأتقدمك
وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا )وتقدم أبوموسى وقال ( يا
أيها الناس ، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها
، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار
الناس لأنفسهم من يرونه لها ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا
أمركم وولوا عليكم من أحببتم )وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية
كما تم الاتفاق عليه بالأمس ، فصعد المنبر وقال ( أيها الناس ، ان أباموسى
قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثبت
صاحبي معاوية ، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه ، وأحق الناس
بمقامه !!)
ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة ، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة ، وعاد من
جديد الى عزلته الى مكة الى جوار البيت الحرام ، يقضي هناك ما بقي له من
عمر وأيام

وفاته
ولمّا قاربت وفاته زادَ اجتهاده ، فقيل له في ذلك ، فقال ( إنّ الخيل إذا
قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها ، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك
) وجاء أجل أبو موسى الأشعـري ، وكست محياه اشراقة من يرجـو لقاء ربه
وراح لسانه في لحظات الرحيـل يـردد كلمات اعتاد قولها دوما ( اللهم أنت
السلام ، ومنك السلام )وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية

والى لقاء أخر إن شاء الله فى محطة جديدة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعيش اليوم إن شاء الله فى هذة الرحلة المباركة والمحطة الخامسة عشر مع صحابى جليل نعيش معه سويا ً لنرى مدى تحمله للأذى والتعذيب ( جمعنا الله وأياكم مع صحابة النبى الكريم فى جنات النعيم )

بلال بن رباح

مؤذن الاسلام ومزعج الأصنام

(انما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا ) بلال

من هو؟

بلال بن رباح الحبشي ( أبو عبد الله ) ، الشديد السمرة النحيف الناحل المفرط الطول
الكث الشعر ، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه اليه ، الا ويحني رأسه ويغض
طرفه ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل ( انما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا )
ذهب يوما -رضي الله عنه- يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما ( أنا بلال
وهذا أخي ، عبدان من الحبشة ، كنا ضالين فهدانا الله ، وكنا عبدين فأعتقنا الله ، ان
تزوجونا فالحمد لله ، وان تمنعونا فالله أكبر )

قصة إسلامه
انه حبشي من أمة سوداء ، عبدا لأناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمه احدى
امائهم وجواريهم ، ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه ، حين أخذ الناس في
مكة يتناقلوها ، وكان يصغي الى أحاديث سادته وأضيافهم ، ويوم إسلامه كان


الرسول صل الله علية وسلم
- وأبو بكر معتزلين في غار ، إذ مرّ بهما بلال

وهو في غنمِ عبد بن جُدعان ، فأطلع الرسول - صل الله علية وسلم رأسه من
الغار وقال ( يا راعي هل من لبن ؟)فقال بلال ( ما لي إلا شاة منها قوتي
، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم )فقال رسول الله ( إيتِ بها )
فجاء بلال بها ، فدعا رسول الله - صل الله علية وسلم - بقعبه ، فاعتقلها
رسول الله - صل الله علية وسلم - فحلب في القعب حتى ملأه ، فشرب حتى روي ،
ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر ، ثم احتلب حتى ملأه فسقى بلالاً حتى روي ،
ثم أرسلها وهي أحفل ما كانتْ
ثم قال ( يا غلام هل لك في الإسلام ؟ فإني رسول الله )فأسلم ، وقال (
اكتم إسلامك )ففعل وانصرف بغنمه ، وبات بها وقد أضعف لبنها ، فقال له
أهله ( لقد رعيت مرعىً طيباً فعليك به )فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما ،
ويتعلّم الإسلام ، حتى إذا كان اليوم الرابع ، فمرّ أبو جهل بأهل عبد الله
بن جدعان فقال ( إني أرى غنمك قد نمت وكثر لبنها ؟!)فقالوا ( قد كثر
لبنها منذ ثلاثة أيام ، وما نعرف ذلك منها ؟!)فقال ( عبدكم وربّ الكعبة
يعرف مكان ابن أبي كبشة ، فامنعوه أن يرعى المرعى )فمنعوه من ذلك
المرعى

إفتضاح أمره

دخل بلال يوماً الكعبة وقريش في ظهرها لا يعلم ، فالتفتَ فلم يرَ أحداً ،
أتى الأصنام وجعل يبصُقُ عليها ويقول ( خابَ وخسرَ من عبدكُنّ )فطلبته
قريش فهرب حتى دخل دار سيده عبد الله بن جُدعان فاختفى فيها ، ونادَوْا
عبد الله بن جدعان فخرج فقالوا ( أصبوتَ ؟!)قال ( ومثلي يُقال له هذا
؟! فعليَّ نحرُ مئة ناقةٍ للاَّتِ والعُزّى )قالوا ( فإنّ أسْوَدَك
صنَع كذا وكذا )
فدعا به فالتمسوه فوجدوه ، فأتوهُ به فلم يعرفه ، فدعا راعي ماله وغنمه
فقال ( من هذا ؟ ألم آمُرْك أن لا يبقى بها أحد من مولّديها إلا أخرجته
؟)فقال ( كان يرعى غنمك ، ولم يكن أحد يعرفها غيره )فقال لأبي جهل
وأمية بن خلف ( شأنكما به فهو لكما ، اصنَعا به ما أحببتُما )وتجثم
شياطين الأرض فوق صدر أمية بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبدانهم لطمة
جللتهم بالخزي والعار ، ويقول أمية لنفسه ( ان شمس هذا اليوم لن تغرب الا
ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق !!)

العذاب

وبدأ العذاب فقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى
جهنم قاتلة ، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر متسعر
كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه ، ويصيح به جلادوه (
اذكر اللات والعزى )فيجيبهم ( أحدأحد )
واذا حان الأصيـل أقاموه ، وجعلوا في عنقـه حبلا ، ثم أمروا صبيانهـم أن
يطوفوا به جبال مكـة وطرقها ، وبلال -رضي اللـه عنه- لا يقول سوى
(أحدأحد )قال عمّار بن ياسر ( كلٌّ قد قال ما أرادوا -ويعني
المستضعفين المعذّبين قالوا ما أراد المشركون- غير بلال )ومرَّ به ورقة
بن نوفل وهو يعذب ويقول ( أحدأحد)فقال ( يا بلال أحد أحد ، والله
لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً )أي بركة

الحرية

ويذهب اليهم أبوبكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم ( أتقتلون رجلا أن
يقول ربي الله ؟؟ )ثم يصيح في أمية ( خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا
)وباعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ، وأصبح بلال من الرجال الأحرار

الهجرة

و بعد هجرة الرسول - صل الله علية وسلم والمسلمين الى المدينة ، آخى
الرسول - صل الله علية وسلم - بين بلال وبين أبي عبيدة بن الجراح ، وشرع
الرسول للصلاة آذانها ، واختار بلال -رضي الله عنه- ليكون أول مؤذن
للاسلام

غزوة بدر

وينشب القتال بين المسلمين وجيش قريش وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة
يخوضها الاسلام ، غزوة بدر ، تلك الغزوة التي أمر الرسول صل الله علية وسلم

أن يكون شعارها ( أحدأحد )وبينما المعركة تقترب من نهايتها ،

لمح أمية بن خلف ( عبد الرحمن بن عوف ) صاحب رسول الله - صل الله علية وسلم - فاحتمى به وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته فلمحه
بلال فصاح قائلا ( رأس الكفر ، أمية بن خلف لا نجوت أن نجا ورفع
سيفه ليقطف الرأس الذي طالما أثقله الغرور والكبر فصاح به عبدالرحمن بن
عوف ( أي بلال انه أسيري )ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام
حمى أخيه في الدين فصاح بأعلى صوته في المسلمين ( يا أنصار الله ، رأس
الكفر أمية بن خلف لا نجوت أن نجا )وأقبلت كوكبة من المسلمين
وأحاطت بأمية وابنه ، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا ، وألقى
بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف نظرة طويلة ثم هرول عنه مسرعا
وصوته يصيح ( أحدأحد )

يوم الفتح

وعاش بلال مع الرسـول - صل الله علية وسلم

- يشهد معه المشاهـد كلها ،

وكان يزداد قربا من قلب الرسـول الذي وصفه بأته ( رجل من أهل الجنة ) وجاء فتح مكة ، ودخل الرسول - صل الله علية وسلم الكعبة ومعه بلال ،
فأمره أن يؤذن ، ويؤذن بلال فيا لروعة الزمان والمكان والمناسبة

فضله

قال رسول الله - صل الله علية وسلم

(إني دخلتُ الجنة ، فسمعت خشفةً بين

يديّ ، فقلتُ ( يا جبريل ! ما هذه الخشفة ؟)قال ( بلال يمشي أمامك
)وقد سأل الرسول - صل الله علية وسلم - بلال بأرْجى عمل عمله في الإسلام
فقال ( لا أتطهّرُ إلا إذا صليت بذلك الطهور ما كتِبَ لي أن أصلّيَ
)كما قال -عليه صل الله علية وسلم - ( اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة إلى
علي ، وعمّار وبلال )
وقال الرسول - صل الله علية وسلم - ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد أعطيَ
سبعة رفقاء نُجباء وزراء ، وإني أعطيتُ أربعة عشر حمزة وجعفر وعليّ وحسن
وحسين ، وأبو بكر وعمر والمقداد وحذيفة وسلمان وعمار وبلال وابن مسعود
وأبو ذرّ )
وقد دخل بلال على رسول الله - صل الله علية وسلم - وهو يتغدّى فقال رسول
الله صل الله علية وسلم - ( الغداءَ يا بلال )فقال ( إني صائم يا رسول
الله )فقال الرسول ( نأكلُ رِزْقَنَا ، وفضل رزقِ بلال في الجنة ،
أشعرتَ يا بلال أنّ الصائم تُسبّح عظامُهُ ، وتستغفر له الملائكة ما أكِلَ
عنده )
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال ( كيف تفضِّلوني عليه ، وإنما أنا حسنة من حسناته !!)

الزواج

جاء بني البُكير الى رسـول الله صل الله علية وسلم

- فقالوا ( زوِّج

أختنا فلاناً )فقال لهم ( أين أنتم عن بلال ؟)ثم جاؤوا مرّة أخرى
فقالوا ( يا رسول الله أنكِح أختنا فلاناً )فقال لهم ( أين أنتم عن
بلال ؟)ثم جاؤوا الثالثة فقالوا ( أنكِح أختنا فلاناً ) فقال ( أين
أنتم عن بلال ؟ أين أنتم عن رجل من أهل الجنة ؟) فأنكحوهُ
وأتى النبي صل الله علية وسلم - امرأة بلال فسلّم وقال ( أثمَّ بلال
؟)فقالت ( لا )قال ( فلعلّك غَضْبَى على بلال !)قالت ( إنه
يجيئني كثيراً فيقول قال رسول الله - صل الله علية وسلم ، قال رسول الله
صل الله علية وسلم )فقال لها رسول الله - صل الله علية وسلم - ( ما
حدّثك عني بلالٌ فقد صَدَقكِ بلالٌ ، بلالٌ لا يكذب ، لا تُغْضِبي بلالاً
فلا يُقبل منكِ عملٌ ما أغضبتِ بلالاً )

بلال من المرابطين

وذهب الرسول صل الله علية وسلم

الى الرفيق الأعلى ، ونهض بأمر المسلمين

من بعده أبوبكر الصديق ، وذهب بلال الى الخليفة يقول له ( يا خليفة رسول
الله ، اني سمعت رسول الله - صل الله علية وسلم يقول أفضل عمل المؤمن
الجهاد في سبيل الله )قال له أبو بكر ( فما تشاء يا بلال ؟) قال ( أردت
أن أرابط في سبيل الله حتى أموت )قال أبو بكر ( ومن يؤذن لنا ؟؟)قال
بلال وعيناه تفيضان من الدمع ( اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله )قال
أبو بكر ( بل ابق وأذن لنا يا بلال )قال بلال ( ان كنت قد أعتقتني
لأكون لك فليكن ما تريد ، وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له
)قال أبو بكر ( بل أعتقتك لله يا بلال )ويختلف الرواة في أنه سافر
الى الشام حيث بقي مرابطا ومجاهدا ، ويروي بعضهم أنه قبل رجاء أبي بكر
وبقي في المدينة فلما قبض وولى الخلافة عمر ، استأذنه وخرج الى الشام

الرؤيا

رأى بلال النبي صل الله علية وسلم

- في منامه وهو يقول ( ما هذه الجفوة

يا بلال ؟ ما آن لك أن تزورنا ؟)فانتبه حزيناً ، فركب الى المدينة ،
فأتى قبر النبي - صل الله علية وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرّغ عليه ، فأقبل
الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما فقالا له ( نشتهي أن تؤذن في السحر
!)فعلا سطح المسجد فلمّا قال ( الله أكبر الله أكبر )ارتجّت المدينة
فلمّا قال ( أشهد أن لا آله إلا الله )زادت رجّتها فلمّا قال ( أشهد أن
محمداً رسول الله )خرج النساء من خدورهنّ ، فما رؤي يومٌ أكثر باكياً
وباكية من ذلك اليوم

الآذان الأخير

وكان آخر آذان له يوم توفي رسول الله صل الله علية وسلم

- ، وعندما زار

الشام أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- توسل المسلمون اليه أن يحمل بلالا
على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ، ودعا أمير المؤمنين بلالا ، وقد حان وقت
الصلاة ورجاه أن يؤذن لها ، وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا
أدركوا رسول الله صل الله علية وسلم - وبلال يؤذن ، بكوا كما لم يبكوا من
قبل أبدا ، وكان عمر أشدهم بكاء

وفاته

ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد ورفاته تحت ثرى دمشق على الأغلب سنة عشرين للهجرة
 
الوسوم
الله رحلة رسول صحابة مع
عودة
أعلى