رحلة .. مع صحابة رسول الله

  • تاريخ البدء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
السادسة عشر وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع

سعد بن معاذرضي الله عنه

لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ "
حديث شريف

من هو؟

سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري سيد الأوس في عامه
الواحد والثلاثين أسلم ، واستشهد في عامه السابع والثلاثين
وبينهما قضى سعد بن معاذ زعيم الأنصار أياما شاهقة في
خدمة الله ورسوله

إسلامه

أرسل الرسول - صل الله علية وسلم مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم
المسلمين الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى ، وليدعو
غيرهم الى الايمان ، ويومئذ كان يجلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا
زعيمي قومهما يتشاوران بأمر الغريب الآتي ، الذي يدعو لنبذ دين الأباء
والأجداد وقال سعد ( اذهب الى هذا الرجل وازجره )وحمل أسيد حربته وذهب
الى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو أحد الذين سبقوا في الاسلام
، وشرح الله صدر أسيد للإسلام ، فأسلم أسيد من غير ابطاء وسجد لله رب
العالمين
وعاد أسيد الى سعد بن معاذ الذي قال لمن معه ( أقسم ، لقد جاءكم أسيد بغير
الوجه الذي ذهب به )وهنا استخدم أسيد ذكاءه ليدفع بسعد الى مجلس مصعب
سفير الرسول لهم ، ليسمع ما سمع من كلام الله ، فهو يعلم بأن أسعد بن
زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ ، فقال أسيد لسعد ( لقد حدثت أن بني حارثة
قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك )وقام
سعد وقد أخذته الحمية ، فحمل الحربة وسار مسرعا الى أسعد حيث معه مصعب
والمسلمين ، ولما اقترب لم يجد ضوضاء ، وانما سكينة تغشى الجماعة ، وآيات
يتلوها مصعب في خشوع ، وهنا أدرك حيلة أسيد
ولكن ماكاد أن يسمع القرآن حتى شرح الله صدره للاسلام ، وأضاء بصيرته ،
فألقى حربته بعيدا وبسط يمينه مبايعا ، وأسلم لرب العالمين ، فلمّا أسلم
قال سعد لبني عبد الأشهل ( كلامُ رجالِكم ونسائِكم عليّ حرام حتى تُسلموا
)فأسلموا ، فكان من أعظم الناس بركةً في الإسلام

غزوة بدر


جمع الرسول - صل الله علية وسلم
- أصحابه المهاجرين والأنصار ليشاورهم في

الأمر ، وكان يريد معرفة موقف الأنصار من الحرب ، فقال سعد بن معاذ ( يا
رسول الله ، لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ،
وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله
لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته
لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ،
إنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ،
فسر بنا على بركة الله )فسر الرسول - صل الله علية وسلم وقال ( سيروا
وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر الى
مصارع القوم )

غزوة الخندق

في غزوة الخندق اهتم الرسول صل الله علية وسلم

- برأي الأنصار بكل خطوة

يخطيها لأن الأمر يجري كله بالمدينة ، فكان يستشير سعد بن معاذ سيد الأوس
وسعد بن عبادة سيد الخزرج بكل الأمور التي تجد
لقد سمع الرسول - صل الله علية وسلم والمسلمين بأن بني قريظة قد نقضوا
عهدهم ، فبعث الرسول صل الله علية وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقال
لهم ( انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فان كان
حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على
الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس )فخرجوا حتى أتوهم ،
فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، وقالوا ( من رسول الله ؟ لا عهد بيننا
وبين محمد ولا عقد )فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه فقال له سعد بن عبادة
( دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة )ثم أقبلا على
الرسول - صل الله علية وسلم فسلموا وقالوا ( عضل والقارة ) أي كغدر عضل
والقارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله - صل الله علية وسلم ( الله أكبر
أبشروا يا معشر المسلمين )
تفاوض الرسول - صل الله علية وسلم - مع زعماء غطفان فأخبر سعد بن معاذ وسعد
بن عبادة في ذلك فقالا له ( يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك
الله به لابد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟)قال الرسول ( بل
شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس
واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما
)فقال له سعد بن معاذ ( يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على
الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن
يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا
له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ! والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا
نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ) قال الرسول صل الله علية وسلم ( فأنت و ذاك )فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من
الكتاب ثم قال ( ليجهدوا علينا )

إصابته

وشهدت المدينة حصارا رهيبا ، ولبس المسلمون لباس الحرب وخرج سعد بن معاذ
حاملا سيفه ورمحه ، فعن السيدة عائشة أنها كانت في حصن بني حارثة يوم
الخندق ، وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن ، وذلك قبل أن يُضرب الحجاب
عليهن ، فمرّ سعد وعليه درعٌ مقلّصة قد خرجت منها ذراعه وفي يده حربة وهو
يقول ( لبِّث قليلاً يَلْحَقِ الهَيْجَا حَمَـلْلا بأس بالموتِ إذا
حانَ الأجـلْ )فقالت أم سعد ( الْحَقْ يا بُنيّ قدْ واللـه أخرت
)فقالت عائشة ( يا أم سعد لوددتُ أنّ درعَ سعد أسبغ ممّا هي )فخافت
عليه حين أصيب السهم منه
وفي إحدى الجولات أصابه سهم في ذراعه من المشركين ، من رجل يُقال له ابن
العَرِقة ، وتفجر الدم من وريده وأسعف سريعا ، وأمر الرسول صل الله علية وسلم

- أن يحمل الى المسجد وأن تنصب له خيمة ليكون قريبا منه أثناء تمريضه

، ورفع سعد بصره للسماء وقال ( اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا
فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجهادهم من قوم أذوا رسولك ، وكذبوه
وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فاجعل ما أصابني اليوم
طريقا للشهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة )وكان بنو قريظة
مواليه وحلفاءَ ه في الجاهلية

الرسول يحكم سعد في بني قريظة

وأتى الرسول - صل الله علية وسلم

- بني قريظة بعد الخندق مباشرة ، وحاصرهم

خمساً وعشرين ليلة ، ثم حكّم الرسول صل الله علية وسلم - سعد بن معاذ
ببني قريظة ، فأتاه قومه ( الأوس ) فحملوه وأقبلوا معه الى الرسول - صل الله علية وسلم وهم يقولون ( يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك فإن الرسول
إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم )حتى دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال ( قدْ
آنَ لي أن لا أبالي في الله لَوْمَةَ لائِمٍ )
فلما أتوا الرسول -- صل الله علية وسلم قال الرسول ( قوموا إلى سيدكم
)فقاموا إليه فقالوا ( يا أبا عمرو ، إن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قد ولاك أمر مواليـك لتحكم فيهم )فقال سعد ( عليكم بذلك عهد
اللـه وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمـت ؟) قالوا ( نعـم )قال ( وعلى
مـن هـاهنـا ؟)في الناحية التي فيها رسول الله - صل الله علية وسلم وهو
معرض عن رسول الله إجلالا له ، فقال الرسول - صل الله علية وسلم - ( نعم
)قال سعد ( فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى
الذراري والنساء )قال الرسـول - صل الله علية وسلم ( لقد حكمت فيهم
بحكم اللـه من فوق سبعة أرقعة )ونفذ الرسول الكريم حكم سعد بن معاذ
فيهم

وفاة سعد
فلما انقضى أمر بني قريظة انفجر بسعد جرحه ، واحتضنه رسول اللـه -صلى
اللـه عليه وسلم- فجعلت الدماء تسيل على رسول اللـه ، فجاء أبو بكر فقال (
وانكسارَ ظَهْراهْ )فقال الرسـول - صل الله علية وسلم

( مَهْ )فقال

عمر ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
وقد نزل جبريل إلى النبي صل الله علية وسلم - فقال ( يا نبيّ الله مَنْ
هذا الذي فُتِحَتْ له أبواب السماء واهتزَّ له العرش ؟)فخرج رسول الله
صل الله علية وسلم - مسرعاً يجرّ ثوبه ، فوجد سعداً قد قَبِضَ

الجنازة
فمات سعد شهيداً بعد شهر من إصابته ، ويروى أن سعدا كان رجلا بادنا ، فلما
حمله الناس وجدوا له خفة فبلغ ذلك رسول الله صل الله علية وسلم

فقال (

إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ،
واهتز له العرش )وقال رسول الله - صل الله علية وسلم ( لقد نزل من
الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطئوا الأرض قبلُ )كما
يقول ( أبو سعيـد الخدري )-رضي اللـه عنه- ( كنت ممـن حفر لسعـد قبره ،
وكنا كلما حفرنا طبقة مـن تراب ، شممنا ريح المسك حتى انتهينا الى اللحد)
ولمّا انتهوا الى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر ، ورسول الله صل الله علية وسلم - واقفٌ على قدميه ، فلمّا وُضع في قبره تغيّر وجه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ، وسبّح ثلاثاً ، فسبّح المسلمون ثلاثاً حتى ارتجّ البقيع
، ثم كبّر رسول الله صل الله علية وسلم ثلاثاً ، وكبّر أصحابه ثلاثاً
حتى ارتجّ البقيع بتكبيره ، فسُئِلَ رسول الله - صل الله علية وسلم - عن
ذلك فقيل ( يا رسول الله رأينا بوجهك تغيّراً وسبّحت ثلاثاً ؟)قال (
تضايق على صاحبكم قبره وضُمَّ ضمةً لو نَجا منها أحدٌ لنَجا سعدٌ منها ،
ثم فرّج الله عنه )

فضل سعد

قال رسول الله صل الله علية وسلم

- عندما رأى ثوب ديباج ( والذي نفس محمد

بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا )وقد قال شرحبيل بن
حسنة ( أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك
فإذا هي مسك


 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
السابعة عشر وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع





سلمان الفارسي
رضي الله عنه

" سلمان منا أل البيت "
حديث شريف

من هو؟
سلمان الفارسي وكنيته ( أبو عبد الله ) رجلا من أصبهان من قرية ( جيّ ) ، غادر
ثراء والده بحثا عن خلاص عقله وروحه ، كان مجوسيا ثم نصرانيا ثم أسلم للـه
رب العالمين ، وقد آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين أبو الدرداء

قبل الإسلام
لقداجتهد سلمان -رضي الله عنه- في المجوسية ، حتى كان قاطن النار التي
يوقدها ولا يتركها تخبو ، وكان لأبيه ضيعة ، أرسله إليها يوما ، فمر
بكنيسة للنصارى ، فسمعهم يصلون وأعجبه ما رأى في دينهم وسألهم عن أصل
دينهم فأجابوه في الشام ، وحين عاد أخبر والده وحاوره فقال ( يا أبتِ مررت
بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله مازلت عندهم حتى
غربت الشمس ) قال والده ( أي بُني ليس في ذلك الدين خير ، دينُك ودين
آبائك خير منه )قال ( كلا والله إنه خير من ديننا )فخافه والده وجعل
في رجليه حديدا وحبسه ، فأرسل سلمان الى النصارى بأنه دخل في دينهم ويريد
مصاحبة أي ركب لهم الى الشام ، وحطم قيوده ورحل الى الشام
وهناك ذهب الى الأسقف صاحب الكنيسة ، وعاش يخدم ويتعلم دينهم ، ولكن كان
هذا الأسقف من أسوء الناس فقد كان يكتنز مال الصدقات لنفسه ثم مات ، وجاء
آخر أحبه سلمان كثيرا لزهده في الدنيا ودأبه على العبادة ، فلما حضره
الموت أوصى سلمان قائلا ( أي بني ، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا
عليه إلا رجلا بالموصل )
فلما توفي رحل سلمان الى الموصل وعاش مع الرجل الى أن حضرته الوفاة فدله
على عابد في نصيبين فأتاه ، وأقام عنده حتى إذا حضرته الوفاة أمره أن يلحق
برجل في عمورية
فرحل إليه ، واصطنع لمعاشه بقرات وغنيمات ، ثم أتته الوفاة فقال لسليمان (
يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه ، آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظلك
زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا ، يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين فإن
استطعت أن تخلص إليه فافعل ، وإن له آيات لا تخفى ، فهو لا يأكل الصدقة ،
ويقبل الهدية ، وإن بين كتفيه خاتم النبوة ، إذا رأيته عرفته )

لقاء الرسول
مر بسليمان ذات يوم ركب من جزيرة العرب ، فاتفق معهم على أن يحملوه الى
أرضهم مقابل أن يعطيهم بقراته وغنمه ، فذهب معهم ولكن ظلموه فباعوه ليهودي
في وادي القرى ، وأقام عنده حتى اشتراه رجل من يهود بني قريظة ، أخذه الى
المدينة التي ما أن رأها حتى أيقن أنها البلد التي وصفت له ، وأقام معه
حتى بعث الله رسوله وقدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فما أن
سمع بخبره حتى سارع اليه
فدخل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحوله نفر من أصحابه ، فقال لهم (
إنكم أهل حاجة وغربة ، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة ، فلما ذكر لي
مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به ) فقال الرسول -صلى الله عليه
وسلم- لأصحابه ( كلوا باسم الله ) وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا فقال
سليمان لنفسه ( هذه والله واحدة ، إنه لا يأكل الصدقة )
ثم عاد في الغداة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحمل طعاما وقال ( أني
رأيتك لا تأكل الصدقة ، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية )فقال
الرسول لأصحابه ( كلوا باسم الله ) وأكل معهم فقال سليمان لنفسه ( هذه
والله الثانية ، إنه يأكل الهدية )
ثم عاد سليمان بعد مرور زمن فوجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في البقيع
قد تبع جنازة ، وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة ، مرتديا الأخرى ، فسلم عليه
ثم حاول النظر أعلى ظهره فعرف الرسول ذلك ، فألقى بردته عن كاهله فاذا
العلامة بين كتفيه ، خاتم النبوة كما وصفت لسليمان فأكب سليمان على
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقبله ويبكي ، فدعاه الرسول وجلس بين يديه ،
فأخبره خبره ، ثم أسلم


عتـقه
وحال الرق بين سليمان -رضي الله عنه- وبين شهود بدر وأحد ، وذات يوم أمره
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكاتب سيده حتى يعتقه ، فكاتبه على
ثلاثمائة نخلة يجيبها له بالفقير وبأربعين أوقية ، وأمر الرسول الكريم
الصحابة كي يعينوه ،فأعانه الرجال بقدر ما عندهم من ودية حتى اجتمعت
الثلاثمائة ودية ، فأمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( إذهب يا سلمان
ففقّرها ، فإذا فرغت فأتني أنا أضعها بيدي )ففقرها بمعونة الصحابة حتى
فرغ فأتى الرسول الكريم ، وخرج معه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخذ
يناوله الودي ويضعه الرسول بيده ، فما ماتت منها ودية واحدة فأدى
النخيل
وأعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من بعض المغازي ذهب بحجم بيضة الدجاج
وقال له ( خُذْ هذه فأدِّ بها ماعليك يا سلمان )فقال ( وأين تقع هذه يا
رسول الله مما علي ؟)قال ( خُذها فإن الله عزّ وجل سيؤدي بها عنك
)فأخذها فوزنها لهم فأوفاهم ، وحرر الله رقبته ، وعاد رجلا مسلما حرا ،
وشهد مع الرسول غزوة الخندق والمشاهد كلها

غزوة الخندق

في غزوة الخندق جاءت جيوش الكفر الى المدينة مقاتلة تحت قيادة أبي سفيان ،
ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب ، وجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم-
أصحابه ليشاورهم في الأمر ، فتقدم سلمان وألقى من فوق هضبة عالية نظرة
فاحصة على المدينة ، فوجدها محصنة بالجبال والصخور محيطة بها ، بيد أن
هناك فجوة واسعة يستطيع الأعداء اقتحامها بسهولة
وكان سلمان -رضي الله عنه- قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب
وخدعها ، فتقدم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- واقترح أن يتم حفر خندق
يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة ، وبالفعل بدأ المسلمين في بناء
هذا الخندق الذي صعق قريش حين رأته ، وعجزت عن اقتحام المدينة ، وأرسل
الله عليهم ريح صرصر عاتية لم يستطيعوا معها الا الرحيل والعودة الى
ديارهم خائبين
وخلال حفر الخندق اعترضت معاول المسلمين صخرة عاتية لم يستطيعوا فلقها ،
فذهب سلمان الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مستأذنا بتغيير مسار الحفر
ليتجنبوا هذه الصخرة ، فأتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع سلمان وأخذ
المعول بيديه الكريمتين ، وسمى الله وهوى على الصخرة فاذا بها تنفلق ويخرج
منها وهجا عاليا مضيئا وهتف الرسول مكبرا ( الله أكبرأعطيت مفاتيح فارس
، ولقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وإن أمتي ظاهرة
عليها )
ثم رفع المعول ثانية وهوى على الصخرة ، فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة ،
وهتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الله أكبرأعطيت مفاتيح الروم ،
ولقد أضاء لي منها قصور الحمراء ، وإن أمتي ظاهرة عليها )ثم ضرب ضربته
الثالثة فاستسلمت الصخرة وأضاء برقها الشديد ، وهلل الرسول والمسلمون معه
وأنبأهم أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق
فوقها راية الله يوما ، وصاح المسلمون ( هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق
الله ورسوله

فضله
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( ثلاثة تشتاقُ إليهم الحُور العين عليّ وعمّار وسلمان )

حسبه

سُئِل سلمان -رضي الله عنه- عن حسبه فقال ( كرمي ديني ، وحَسَبي التراب ،
ومن التراب خُلقتُ ، وإلى التراب أصير ، ثم أبعث وأصير إلى موازيني ، فإن
ثقلت موازيني فما أكرم حسبي وما أكرمني على ربّي يُدخلني الجنة ، وإن خفّت
موازيني فما ألأَمَ حَسبي وما أهوَننِي على ربّي ، ويعذبني إلا أن يعود
بالمغفرة والرحمة على ذنوبي )

سلمان والصحابة

لقد كان إيمان سلمان الفارسي قويا ، فقد كان تقي زاهد فطن وورع ، أقام
أياما مع أبو الدرداء في دار واحدة ، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه-
يقوم الليل ويصوم النهار، وكان سلمان يرى مبالغته في هذا فحاول أن يثنيه
عن صومه هذا فقال له أبو الدرداء ( أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له؟)
فأجاب سلمان ( إن لعينيك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، صم وافطر ، وصلّ
ونام )فبلغ ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( لقد أشبع سلمان
علما )
وفي غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون ( سلمان منا )ووقف المهاجرون
يقولون ( بل سلمان منا ) وناداهم الرسول قائلا ( سلمان منا آل البيت
)
في خلافة عمر بن الخطاب جاء سلمان الى المدينة زائرا ، فجمع عمر الصحابة
وقال لهم ( هيا بنا نخرخ لاستقبال سلمان )وخرج بهم لإستقباله عند مشارف
المدينة
وكان علي بن أبي طالب يلقبه بلقمان الحكيم ، وسئل عنه بعد موته فقال ( ذاك
امرؤ منا وإلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ؟أوتي العلم
الأول والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، وكان بحرا لا
ينزف )

عطاؤه

لقد كان -رضي الله عنه- في كبره شيخا مهيبا ، يضفر الخوص ويجدله ، ويصنع
منه أوعية ومكاتل ، ولقد كان عطاؤه وفيرابين أربعة آلاف و ستة آلاف في
العام ، بيد أنه كان يوزعه كله ويرفض أن ينال منه درهما ، ويقول ( أشتري
خوصا بدرهم ، فأعمله ثم أبيعه بثلاثة دراهم ، فأعيد درهما فيه ، وأنفق
درهما على عيالي ، وأتصدق بالثالث ، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما
انتهيت )

الإمارة

لقد كان سلمان الفارسي يرفض الإمارة ويقول ( إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين فافعل )
في الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن وهو سائر بالطريق ، لقيه رجل
قادم من الشام ومعه حمل من التين والتمر ، وكان الحمل يتعب الشامي ، فلم
يكد يرى أمامه رجلا يبدو عليه من عامة الناس وفقرائهم حتى قال له ( احمل
عني هذا )000فحمله سلمان ومضيا ، وعندما بلغا جماعة من الناس فسلم عليهم
فأجابوا ( وعلى الأمير السلام )فسأل الشامي نفسه ( أي أمير يعنون
؟!)ودهش عندما رأى بعضهم يتسارعون ليحملوا عن سلمان الحمل ويقولون (
عنك أيها الأمير )فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي فسقط
يعتذر ويأسف واقترب ليأخذ الحمل ، ولكن رفض سلمان وقال ( لا حتى أبلغك
منزلك )
سئل سلمان يوما ( ماذا يبغضك في الإمارة ؟)فأجاب ( حلاوة رضاعها ، ومرارة فطامها )

زهده وورعه

هم سلمان ببناء بيتا فسأل البناء ( كيف ستبنيه ؟)وكان البناء ذكيا يعرف
زهد سلمان وورعه فأجاب قائلا ( لا تخف ، إنها بناية تستظل بها من الحر ،
وتسكن فيها من البرد ، إذا وقفت فيها أصابت رأسك ، وإذا اضطجعت فيها أصابت
رجلك )فقال سلمان ( نعم ، هكذا فاصنع )

زواجه

في ليلة زفافه مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته فلما بلغ البيت قال (
ارجعوا آجركم الله ) ولم يُدخلهم عليها كما فعل السفهاء ، ثم جاء فجلس
عند امرأته ، فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها ( هل أنت مطيعتني في
شيءٍ أمرك به )قالت ( جلستَ مجلسَ مَنْ يُطاع )قال ( فإن خليلي
أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله )فقام وقامت إلى
المسجد فصلّيا ما بدا لهما ، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من
إمرأته
فلمّا أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا ( كيف وجدتَ أهلك ؟)فأعرض عنهم ، ثم
أعادوا فأعرض عنهم ، ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال ( إنّما جعل الله
الستورَ والجُدُرَ والأبواب ليُوارى ما فيها ، حسب امرىءٍ منكم أن يسأل
عمّا ظهر له ، فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك ، سمعتُ رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول ( المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافران في الطريق
))

عهده لسعد

جاء سعد بن أبي وقاص يعود سلمان في مرضه ، فبكى سلمان ، فقال سعد ( ما
يبكيك يا أبا عبدالله ؟لقد توفي رسول الله وهو عنك راض ) فأجاب سلمان
( والله ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- عهد إلينا عهدا ، فقال ( ليكن حظ أحدكم من الدنيا
مثل زاد الراكب )وهأنذا حولي هذه الأساود-الأشياء الكثيرة- !)فنظر
سعد فلم ير إلا جفنة ومطهرة قال سعد ( يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهد
نأخذه عنك )فقال ( يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت ، وعند حكمك إذا
حكمت ، وعند يدك إذا قسمت )

وفاته
كان سلمان يملك شيئا يحرص عليه كثيرا ، ائتمن زوجته عليه ، وفي صبيحة
اليوم الذي قبض فيه ناداها ( هلمي خبيك الذي استخبأتك )فجاءت بها فإذا
هي صرة مسك أصابها يوم فتح جلولاء ، احتفظ بها لتكون عطره يوم مماته ، ثم
دعا بقدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته ( انضحيه حولي ، فإنه يحضرني الآن
خلق من خلق الله ، لايأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب )فلما فعلت قال
لها ( اجفئي علي الباب وانزلي )ففعلت ما أمر ، وبعد حين عادت فإذا روحه
المباركة قد فارقت جسده ، وكان ذلك وهو أمير المدائن في عهد عثمان بن عفان
في عام ( 35 هـ ) ، وقد اختلف أهل العلم بعدد السنين التي عاشها ، ولكن
اتفقوا على أنه قد تجاوز المائتين والخمسين
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
السابعة عشر وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياًمع



عمرو بن العاص
رضي الله عنه
" يا عمرو بايع فإن الإسلام
يَجُبُّ ما كان قبله
حديث شريف

من هو؟
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي وكنيته أبو عبدالله ، صحابي جليل
قبـل إسلامـه كان أحد ثلاثة في قريش أتعبـوا الرسـول -صلى اللـه عليه
وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه ، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل
لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى
" لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون "
وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله ، واختار اللـه
لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة ، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ

إسلامه
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع ( خالد بن الوليد ) قُبيل فتح مكة
بقليل ( شهر صفر سنة ثمان للهجرة ) وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة
ففي زيارته الأخيرة للحبشة إذ جاء عمرو بن أمية الضمري ، وقد كان رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ، فدخل على
النجاشي ثم خرج من عنده ، فقال عمرو لأصحابه ( هذا عمرو بن أمية ، ولو قد
دخلتُ على النجاشي فسألته إيّاه فأعطانيه فضربتُ عنقه ، فإذا فعلت به ذلك
رأت قريش أن قد أجزأتُ عنها حين قتلتُ رسول محمد )
قال عمرو راوياً للقصة فدخلتُ عليه فسجدتُ له كما كنت أصنـع فقال ( مرحباً
بصديقي ، أهديتَ لي من بـلادك شيئاً ؟)قلتُ ( نعم ؟ قد أهديت لك أدماً
كثيراً )ثم قربتهُ إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلتُ له ( أيها الملك ، قد
رأينا رجلاً خرج من عندك ، وهو رسول رجلٍ عدوّ لنا ، فأعطنيه لأقتله فإنه
قد أصاب من أشرافنا )فغضب النجاشي ثم مدَّ يدهُ فضرب بها أنفهُ ضربةً
ظننتُ أنه قد كسرَه
قلتُ ( لو انشقت الأرض لدخلتُ فيها فَرَقاً منه ) ثم قلت ( أيها الملك ،
والله لو ظننتُ أنك تكره هذا ما سألتكه ) فقال ( أتسألني أن أعطيك رسولَ
رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ؟) قلتُ ( أيّها الملك ،
أكذلك هو ؟ ) قال ( ويحك يا عمرو ، أطعني واتَّبِعهُ ، فإنه والله على
الحق ، وليظهرنّ على مَنْ خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده )
فقلتُ ( أتبايعني على الإسلام ؟) قال ( نعم )فبسط يَدَهُ فبايعتُهُ
على الإسلام ، ثم خرجتُ إلى أصحابي وقد حال رأيي عمّا كان عليه ، فكتمتُ
أصحابي إسلامي ، ثم خرجتُ عامداً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في
إسلامي ، فلقيـتُ خالد بن الوليد وهو مُقبـل من مكـة فقلتُ ( أين يا أبا
سليمان ؟) قال ( والله لقد استقام المِيْسَمُ -أي أن أمر رسول الله قد
اكتمل وصح بما نصره الله تعالى به- ، وإن الرجل لنبيّ ، أذهب والله أسلم !
حتى متى ؟؟) قلتُ ( فأنا والله ما جئتُ إلا للإسلام )
وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال
لأصحابه ( لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها )وتقدم خالد فبايع ،
وتقدم عمرو فقال ( إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي
) فأجابه الرسول الكريم ( يا عمرو بايع فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان
قبله )وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد


الشام
ثم بعث إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ( إني أردتُ أن أوجِّهك
وجهاً ، وأرغبُ لك رغبةً ) فقال عمرو ( أمّا المال فلا حاجة لي فيه ،
ووجّهني حيثُ شئتَ ) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( نِعِمّاً
بالمالِ الصالحِ للرجلِ الصالح ) ووجّه قِبل الشام ، وأمَرهُ أن يدعوَ
أخوال أبيه ( العاص ) من ( بَلِيّ ) إلى الإسلام ، ويستنفرهم إلى الجهاد ،
فشخص عمرو إلى ذلك الوجه
ثم كتب إلى رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- يستمـدّهُ ، فأمدّه بجيـش
فيهم أبو بكـر وعمـر ، وأميرهم أبو عبيـدة بن الجـراح فقـال عمرو ( أنا
أميركم ) فقال أبو عبيـدة ( أنتَ أميرُ مَنْ معك ، وأنا أمير من معي
) وكان معه المهاجرون الأولون ، فقال عمرو ( إنما أنتم مَدَدي فأنا
أميركم ) فقال له أبو عبيـدة ( تعلم يا عمرو أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- عَهِدَ إليّ فقال ( إذا قدِمْتَ على عمرو فتطاوَعَا ولا
تختلِفا ) ، فإن خالفتني أطعتُك ) قال ( فإني أخالفك ) فسلّم له أبو
عبيـدة ، وصلى خلفه

فضله
قال طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( إنّ
عمرو بن العاص لرشيد الأمر ) فقد صحب عمرو بن العاص رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ، واستعمله الرسول الكريم على غزوة ذات السلاسل ، وبعثه يوم
الفتح إلى سُواع صنم هُذيل فهدمه ، وبعثه أيضاً إلى جيفـر وعبـد ابْنَـي
الجلنـدا وكانا من الأزد بعُمان يدعوهما إلى الإسـلام ، فقُبِض رسـول
اللـه -صلى الله عليه وسلم- وعمرو بعُمان
كان فزعٌ بالمدينة فأتى عمرو بن العاص على سالم مولى أبي حذيفة وهو
مُحْتَبٍ بحمائل سيفِه ، فأخذ عمرو سيفه فاحتبى بحمائله ، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ( يا أيها الناس ! ألا كان مفزعكم إلى الله وإلى
رسوله ) ثم قال ( ألا فعلتم كما فَعَل هذان الرجلان المؤمنان )

ذات السلاسل
بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَمْراً على جيش ذات السلاسل ، إلى
لَخْم وجُذام وكان في أصحابه قِلّة فقال لهم عمرو ( لا يوقدنّ أحدٌ منكم
ناراً ) فشقّ ذلك عليهم ، فكلموا أبا بكر يُكلّم لهم عَمْراً فكلمه فقال
( لا يوقد أحدٌ منكم ناراً إلا ألقيته فيها)
فقاتل العدو فظهر عليهم ، فاستباح عسكرهم فقال له الناس ( ألا تتبعهم
؟) فقال ( لا ، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّةٌ يقتطعون
المسلمين ) فشكوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رجعوا فقال -صلى
الله عليه وسلم- ( صدقوا يا عمرو ) فقال له ( إنه كان في أصحابي قِلّة
فخشيتُ أن يرغب العدوّ في قتلهم ، فلمّا أظهرني الله عليهم قالوا
أنتبعُهُم ؟-فقلتُ أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون
المسلمين ) فكأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حمدَ أمرَهُ

الليلة الباردة
قال عمرو بن العاص لمّا بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام ذات
السلاسل ، فاحتلمتُ في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن
أهلك ، فتيممتُ ثم صليتُ بأصحابي صلاة الصبح ، فلمّا قدمنا على رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ذكرتُ ذلك له فقال ( يا عمرو ! صليتَ بأصحابك وأنتَ
جُنب ؟) قلتُ ( نعم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ! إني احتلمتُ
في ليلة باردةٍ شديدة البرد ، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك وذكرتُ
قول الله تعالى "( ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُم إنّ اللّهَ كان بِكُم رَحيماً )"( سورة النساء/29 )
فتيممتُ ثم صليتُ ، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقُلْ شيئاً

الإمارة
قُبِض رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- وعمرو بعُمان ، فخرج منها فقدم
المدينة ، فبعثه أبو بكر الصديق أحدَ الأمراء إلى الشام ، فتولى ما تولى
من فتحها وشهد اليرموك ، وولاه عمر بن الخطاب فلسطين وما والاها ، ثم كتب
إليه أن يسير إلى مصر فسار إليها ففتح مصر ، وولاه عمر مصر إلى أن مات ،
وولاه عثمان بن عفان مصر سنين ، ثم عزله واستعمل عليها عبد الله بن أبي
سَرْح ، فقدم عمرو المدينة فأقام بها
فلمّا نشِبَ الناس في أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسّبع
من أرض فلسطين ، حتى قُتِلَ عثمان -رضي الله عنه- ، فصار إلى معاوية فلم
يزل معه يُظهِرُ الطلبَ بدم عثمان ، وشهد معه صفين ، ثم ولاه معاوية مصر
فخرج إليها فلم يزل بها والياً ، وابْتنَى بها داراً ، ونزلها إلى أن مات
بها

حُبِّ الإمارة
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة ، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه
كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة ، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين
عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال ( ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي
على الأرض إلا أميرا ) والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق ، فمع كل
الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين ، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير
معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه ، وقد أولاه
عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياة أمير
المؤمنين
وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (
محمد بن مَسْلمة ) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه ، فيبقى له
نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر ، ولو علم
أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته
لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة

ذكاؤه ودهاؤه

كان عمـرو بن العاص حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ، حتى أن أمير
المؤمنين عمـر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة ، صـكّ كفيه عَجبا وقال (
سبحان الله ! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد )كما كان
عمرو بن العاص جريئا مِقْداما ، يمزج ذكائه بدهائه فيُظَنّ أنه جبان ، بيد
أنها سعة حيلة يُخرج بها نفسه من المآزق المهلكة ، وكان عمر بن الخطاب
يعرف ذلك فيه ، وعندما أرسله الى الشام قيل له ( إن على رأس جيوش الروم
بالشام أرطبونا ) أي قائدا وأميرا من الشجعان الدُّهاة ، فكان جواب أمير
المؤمنين ( لقد رمينا أرْطَبون الروم بأرْطَبون العرب ، فلننظر عمَّ
تنفَرج الأمور )
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم عمرو بن العاص على
أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر ولعل من أشهر
المواقف التي يظهر فيها دهاء عمرو موقف التحكيم بين عليا ومعاوية ، وموقفه
من قائد حصن بابليون

 
مُحَرِّر مِصْر

كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية ، وقد استغل الروم ثرواتها
وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم
فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا ، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات
الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم
فيه ،واتجه عمرو بن العاص سنة ( 18 هجري ) على رأس جيش من أربعة آلاف
مقاتل متجها الى مصر ، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير
المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون
لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه
ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى
أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية ، ولقد كان
-رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ، ليظل
القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان ، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار
وكبار أساقفتهم فقال ( إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به ، وإنه -عليه
الصلاة والسلام- قد أدّى رسالته ، ومضى بعد أن تركنا على الواضِحَة ، وكان
مما أمرنا به الإعذار الى الناس ، فنحن ندعوكم الى الإسلام ، فمن أجابنا
فهو مِنّا له مالنا وعليه ما علينا ، ومن لم يُجِبنا الى الإسلام عرضنا
عليه الجزْية وبذلنا له الحماية والمنعة ، ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح
علينا ، وأوصانا بأهلها خيرا فقال ( ستُفْتَح عليكم بعدي مصر ، فاسْتَوصوا
بِقِبْطها خيرا ، فإن لهم ذِمّة ورَحِما ) فإن أجبتمونا الى ما ندعوكم
إليه كانت لكم ذِمّة الى ذِمّة )
وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا ( إن الرّحِم التي
أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء )

حصن نابليون

أثناء حربه مع الرومان في مصر ، ( وفي بعض الروايات التاريخية أنها وقعت
في اليرموك ) ، دعاه أرطبون الروم وقائدهم لمحادثته ، وكان قد أعطى أوامره
لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن ، ودخل عمرو على القائد
لا يريبه منه شيء ، وانفض اللقاء ، وبينما هو في طريق الخروج لمح فوق
أسوار الحصن حركة مريبة حركّت فيه الحرص والحذر ، وعلى الفور تصرف بشكل
باهر
لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة ولم يثر شكوكه أمر ، وقال
للقائد ( لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه ، إن معي حيث يقيم أصحابي
جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام ، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا
دون مشورتهم ، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته
وجنوده ، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت ، ويكونوا من
الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة )
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر ، فليوافقه الآن
الرأي ، وإذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم ، أجهز
عليهم جميعا ، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده ، وألغيت خطة اغتيال عمرو ،
وودّع عمرو بحرارة ، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن ، وفي الصباح عاد
عمرو على رأس جيشه الى الحصن ممتطيا صهوة فرسه

بَطْريقِ غزّة

خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفرٍ من أصحابه ، عليه قِباءٌ عليه
صدأ الحديد وعمامة سوداء ، وفي يده رمح وعلى ظهره تُرْسٌ ، فلمّا طلع عليه
ضحك البطريق وقال ( ما كنت تصنع بحمل السلاح إلينا ؟) قال ( خفتُ أن
ألقى دونـك فأكـون قد فرّطـتُ ) فالتفت إلى أصحابه فقال بيده (( عقدَ
الأنملة على إبهامه )) أي يشير بها إليهم ثم قال ( مرحباً بك )وأجلسه
معه على سريره وحادثه ، فأطال ثم كلمه بكلام كثير ، وحاجّه عمرو ودعاه إلى
الإسلام
فلمّا سمع البطريق كلامَهُ وبيانهُ وأداءهُ قال بالرومية ( يا معشر الروم
أطيعوني اليوم وأعصوني الدهر ، أمير القوم ألا ترون أنّي كلما كلمته كلمةً
أجابني عن نفسه ، لا يقول أشاور أصحابي وأذكر لهم ما عرضتَ عليّ ، وليس
الرأي إلا أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا ، فتختلف العرب بينها ، وينتهي
أمرهم ، ويعفون من قتالنا ) فقال مَنْ حوله من الروم ( ليس هذا برأي
وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجلٌ من أصحابه يعرف كلام الروم ، فألقى إلى
عمرو ما قال الملك ( البطريق ) ثم قال الملك ( ألا تخبرني هل في أصحابك
مثلك يلبس ثيابك ويؤدي أداءك ؟) فقال عمرو ( أنا أكَلُّ أصحابي لساناً ،
وأدناهم أداءً ، وفي أصحابي مَنْ لو كلمته لعرفت أنّي لستُ هناك ) قال
( فأنا أحب أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتقدم والأداء حتى أكلمه
) فقال عمرو ( أفعل )
وخرج عمرو من عنـده فقال البطريق لأصحابه ( لأخالفَنّكم ، لئـن دخل
فرأيـتُ منه ما يقول لأضربَنّ عُنقَه )فلمّا خرج عمروٌ من الباب كبّر
وقال ( لا أعود لمثل هذا أبداً )وأتى منزله ، فاجتمع إليه أصحابه
يسألونه ، فخبّرهم خبره وخبر البطريق ، فأعظم القوم ذلك وحمدوا الله على
ما رزق من السلامة
وكتب عمرو بذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر ( الحمدلله على إحسانه
إلينا ، وإيّاك والتغرير بنفسك أو بأحدٍ من المسلمين في هذا أو شبهه ،
وبحسب العلج منهم أن يُكلّمَ في مكانٍ سواءٍ بينك وبينه ، فتأمن غائلته
ويكون أكسر )فلما قرأ عمرو كتاب عمر ترحّم عليه ثم قال ( ليس الأب
أبرُّ بولده بأبرَّ من عمر بن الخطاب برعيته )

التحكيم

في الخلاف بين علي ومعاوية نصل الى أكثر المواقف شهرة في حياة عمرو ، وهو
موقفه في التحكيم وكانت فكرة أبو موسى الأشعري ( المُمَثِّل لعلي )
الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة ، راح ضحيتها الآلاف ،
فلابد من نقطة بدء جديدة ، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف
النزاع ، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه
ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن
العاص ( مُمَثِّل معاوية )الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ
الراية لمعاوية
ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين
المسلمين دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا ( ما كنت لأتقدمك
وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا )وتقدم أبوموسى وقال ( يا
أيها الناس ، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها
، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار
الناس لأنفسهم من يرونه لها ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا
أمركم وولوا عليكم من أحببتم )جاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية
كما تم الاتفاق عليه بالأمس ، فصعد المنبر وقال ( أيها الناس ، ان أباموسى
قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه ،
وأثْبِت صاحبي معاوية ، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه ،
وأحق الناس بمقامه !!)
ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة ، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة فقد أنفذ أبو موسى الإتفاق وقَعَد عمرو عن إنفاذه

فضله
عن قبيصة بن جابر قال صحبتُ عمر بن الخطاب فما رأيتُ رجلاً أقرأ لكتاب
الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أحسسَ مُداراةٍ منه ، وصحبتُ طلحة بن
عبيد الله فما رأيتُ رجلاً أعطى لجزيلٍ عن غير مسألة منه ، وصحبت معاوية
بن أبي سفيان فما رأيتُ رجلاً أثقل حِلماً منه ، وصحبتُ عمرو بن العاص فما
رأيتُ رجلاً أبين طرفاً منه ، ولا أكرم جليساً ولا أشبه سريرة بعلانية منه
، وصحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب
منها إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلّها

حكمته

قال عمرو بن العاص ( أربعةٌ لا أمَلُّهُمْ أبداً ، جليسي ما فهم عنّي ،
وثوبي ما سترني ، ودابّتي ما حملتني ، وامرأتي ما أحسنتْ عِشْرتي )
وقال عمرو لابنه عبدالله ( يا بُنيّ سلطانٌ عادلٌ خيرٌ من مطر وابل ، وأسد
حَطوم خير من سلطان ظلوم ، وسلطان غشوم خيرٌ من فتنة تدوم ، يا بُنيّ زلّة
الرجل عظيم يُجبَر ، وزلة اللسان لا تُبقي ولا تذر ، يا بُنيّ استراحَ
مَنْ لا عقْلَ له فأرسلها مَثَلاً )
وقال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان ( يا أمير المؤمنين لا تكونَنّ
لشيءٍ من أمر رعيّتكَ أشدَّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها ،
ولطغيان اللئيم حتى تعمل في قمعه ، واستوحِشْ من الكريم الجائع ومن اللئيم
الشبعان ، فإن الكريم يصول إذا جاع ، واللئيم يصول إذا شبع )
وقال عمرو ( عجبتُ من الرجل يفرّ من القدر وهو مواقعه ، ومن الرجل يرى
القَذاةَ في عين أخيه ويَدع الجذعَ في عينيه ، ومن الرجل يخرج الضّغن من
نفس أخيه ويَدَع الضّغن في نفسه ، وما تقدمتُ على أمرٍ فلمتُ نفسي على
تقدُّمي عليه ، وما وضعتُ سرّي عند أحدٍ فلمتُه على أن أفشاه ، وكيف ألومه
وقد ضِقتُ به )

مرض الموت
لمّا نزل بعمرو بن العاص الموت قال له ابنه عبد الله ( يا أبَتِ إنك كنت
تقول عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه ؟ فصفْ لنا الموت
وعقلك معك )فقال ( يا بُنيّ الموتُ أجلُّ من أن يوصف ، ولكنّي سأصف لك
منه شيئاً ، أجدني كأنّ على عنقي جبال رَضْوَى -جبل في المدينة على سبع
مراحل- وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُّلاّء ، وأجدني كأنّ نَفَسي يخرج من
ثقب إبرةٍ )
وقيل أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال ( أيّ صاحب كنتُ
لكم ؟) قالوا ( كنتَ لنا صاحبَ صدقٍ ، تكرمنا وتعطينا وتفعلُ وتفعلُ
) قال ( إنّما كنتُ أفعل ذلك لتمنعوني من الموت -أي الإغتيال- هاهو ذا
قد نزل بي فاغنوه عنّي ) فنظـر القوم بعضهم إلى بعـض فقالوا ( والله ما
كنّا نحسبك تكلَّمُ بالعَوراء يا أبا عبدالله ، قد علمتَ أنّا لا نغني عنك
من الموت شيئاً )فقال ( أما والله لقد قُلتها وإنّي لأعلم أنّكم لا
تغنـون عنّي من المـوت شيئاً ، ولكن لأن أكـون لم أتخـذ منكم رجلاً قـط
يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا ، فيا ويح ابن أبي طالب إذْ يقول
حرسَ امرأً أجلُهُ )

وفاته
وفي ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين من الهجرة ، أدركت الوفاة عمرو بن العاص
بمصر حيث كان واليا عليها ، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال ( كنت
أول أمري كافرا ، وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت
لي النار ، ثم بايعت رسول الله ، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه ، ولا
أجلّ في عيني منه ، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت ، لأني لم أكن
أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل
الجنة ، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان ، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ )
وأوصى عمرو بن العاص ابنه عبد الله ( يا بُنيّ ، إذا مِتُّ فاغسلني غسلةً
بالماء ، ثم جففني في ثوب ، ثم اغسلني الثانية بماءٍ قراح ، ثم جففني في
ثوب ، ثم اغسلني الثالثة بماءٍ فيه شيء من كافور ، ثم جففني في ثوب ، ثم
إذا ألبستني الثياب فأزِرَّ عليّ فإني مُخاصم ، ثم إذا حملتني على السرير
فامش بي مشياً بين المشيتين وكنْ خلف الجنازة ، فإن مقدّمها للملائكة
وخلفها لبني آدم ، فإذا وضعتني في القبر ، فسُن عليّ التراب سنّاً -أي
اجعله مرتفعاً مستطيلاً على وجه الأرض-)
ثم رفـع بصره الى السماء في ضَراعـة مناجيا ربه الرحيم قائلا ( اللهم لا
بريء فأعْتـذِر ، ولا عزيز فأنْتَصر ، وإلا تُدْركني رحمتك أكن من
الهالكين )وظل في ضراعاته حتى صعدت الى الله روحه وكانت آخر كلماته لا
إله إلا الله وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه ، فقد دُفِنَ بالمُقطّم
مقبرة أهل مصر ، وهو سفح جبل
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
الثامنة عشر وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياًمع



ثابت بن قيس
خطيب رسول الله

" انك لست منهم بل تعيش حميداوتقتل شهيداويدخلك الله الجنة "
حديث شريف

الخوف

لمّا نزلت الآية الكريمة ( ان الله لا يحب كل مختال فخور )
أغلق ثابت باب داره وجلس يبكي وطال مكثه على هذه الحال ، حتى دعاه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-وسأله عن حاله ، فقال ثابت ( يا رسول الله ، اني
أحب الثوب الجميل ، والنعل الجميل وقد خشيـت أن أكون بهذا من المختاليـن
) فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يضحك راضيا ( انك لست منهم بل
تعيش بخيروتموت بخيروتدخل الجنة )
ولما نزل قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت
النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا
تشعرون )
أغلق ثابت -رضي الله عنه-عليه داره ، وطفق يبكي ، وافتقده الرسول -صلى
الله عليه وسلم- فسأل عنه ، ثم أرسل من يدعوه ، وجاء ثابت ،وسأله النبي عن
سبب غيابه ، فأجابه ( اني امرؤ جهير الصوت ، وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك
يا رسول الله ، واذن فقد حبط عملي ، وأنا من أهل النار ) وأجابه الرسول
-صلى الله عليه وسلم- ( انك لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل
شهيدا ويدخلك الله الجنة) فقال ( رضيتُ ببُشرى الله ورسوله ، لا
أرفعُ صوتي أبداً على رسول الله )فنزلت الآية الكريمة
قال تعالى ( إنَّ الذينَ يغُضُّونَ أصواتَهُمْ عند رسولِ الله أولئِكَ
الذَّينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُم للتَّقْوَى ، لهم مَّغْفِرةٌ وِأجْرٌ
عَظِيمٌ )

خطيب الإسلام

كان ثابت -رضي الله عنه- خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاسلام ،
وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية ، صادعة جامعة رائعة ، ففي عام الوفود أذن
له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يجيب على خطيب وفد ( بني تميم )
فبعض مما قال ثابت ( الحمد لله ، الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن
أمره ، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط الا من فضلهثم كان من قدرته أن
جعلنا أئمة ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمهم نسبا ، وأصدقهم حديث
وأفضلهم حسبا فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من
العالمين ثم كنا - نحن الأنصار - أول الخلق اجابة فنحن أنصار الله
، ووزراء رسوله )
جهاده

شهد ثابت -رضي الله عنه- مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- غزوة أحد
والمشاهد بعدها ، ولم يشهد بدراً ، وشهد بيعة الرضوان ، وكانت فدائيته من
طراز فريد
في حروب الردة ، كان في الطليعة دائما ، يحمل راية الأنصار ، ويضرب بسيف
لا يكبو وفي موقعة اليمامة ، رأى ثابت -رضي الله عنه- وقع الهجوم الذي
شنه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة فصاح بصوته ( والله ، ما
هكذا كنا نقاتل مع رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ) ثم ذهب غير
بعيد ، وعاد وقد تحنط ، ولبس أكفانه ، وصاح مرة أخرى ( اللهم اني أبرأ
اليك مما جاء به هؤلاء -يعني جيش مسيلمة- وأعتذر اليك مما صنع هؤلاء
) يعني تراخي المسلمين في القتال وانضم اليه سالم مولى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وكان يحمل راية المهاجرين ، وحفر الاثنان لنفسيهما
حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين ، وأهالا الرمال عليها حتى غطت وسط كل
منهما

الشهادة

وهكذا وقفا طودين شامخين ، نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق
الحفرة ، في حين نصفهما الأعلى -صدرهما وجبهتهما وذراعاهما- يستقبلان جيوش
الوثنية والكذب ، وراحا يضربان بسيفيهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة
حتى استشهدا في مكانهما ، وكان مشهدهما -رضي الله عنهما- هذا أعظم صيحة
أسهمت في رد المسلمين الى مواقعهم ، حيث جعلوا من جيش مسيلمة ترابا تطؤه
الأقدام

الوصية

ويروى أنه بعد استشهاد ثابت -رضي الله عنه- مر به أحد المسلمين حديثي
العهد بالاسلام ، فأخذ درعه الثمين ظنا منه أنها من حقه وبينما أحد
المسلمين نائم أتاه ثابت -رضي الله عنه- في منامه ، فقال له ( أوصيك بوصية
، فاياك أن تقول هذا حلم فتضيعه ، اني لما استشهدت بالأمس ، مر بي رجل من
المسلمين ، فأخذ درعي وان منزله في أقصى الناس ، وفرسه يُستَن في طوله ،
وقد كفأ على الدرع بُرمه ، وفوق البُرمه رَحْلاً ، فأت خالدا ، فمره أن
يبعث فيأخذها ، فاذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر ، فقل له
ان علي من الدين كذا وكذا ، فليقم بسداده ) فلما استيقظ الرجل من نومه ،
أتى خالد بن الوليد ، فقص عليه رؤياه ، فأرسل خالد من يأتي بالدرع ،
فوجدها كما وصف ثابت ، ولما رجع المسلمون الى المدينة ، قص المسلم على
الخليفة الرؤيا ، فأنجز وصية ثابت -رضي الله عنه-!!
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
التاسعة عشر وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع





جعفر بن أبي طالب
أبي المساكين ذي الجناحين

" لا أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم قدوم جعفر "
حديث شريف

من هو؟

جعفر بن أبي طالب ، أبو عبد الله ، ابن عم رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أخو
علي بن أبي طالب ، وأكبر منه بعشر سنين ، أسلم قبل دخول النبـي -صلى الله عليه
وسلم- دار الأرقم ، آخذا مكانه العالي بين المؤمنين المبكرين بعد واحد وثلاثين انساناً
وأسلمـت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميـس ، وحملا نصيبهما من الأذى
والاضطهاد في شجاعة وغبطة فلما أذن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين
بالهجرة الى الحبشـة خرج جعفر وزوجـه حيث لبثا بها سنين عدة ، رزقـا خلالها
بأولادهما الثلاثة

جعفر في الحبشة

ولما رأت قريش أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمنوا واطمأنوا
بأرض الحبشة ، قرروا أن يبعثوا عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص
محملين بالهدايا للنجاشي وبطارقته عله يخرج المسلمين من دياره وحط
الرسولان رحالهما بالحبشة ، ودفعوا لكل بطريق بهديته وقالوا له ما يريدون
من كيد بالمسلمين ، ثم قدما الى النجاشي هداياه وطلبا الأذن
برؤياه وقالا له ( أيها الملك ، انه قد ضوى الى بلدك منا غلمان سفهاء ،
فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن
ولا أنت ، وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم
لتردهم اليهم ، فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه
) فأرسل النجاشي صاحب الايمان العميق والسيرة العادلة الى المسلمين
وسألهم ( ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني
ولا في دين أحد من الملل ؟)
فكان الذي اختاره المسلمين للكلام جعفر -رضي الله عنه- فقال ( أيها الملك
، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ،
ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى
بعث الله الينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه ، وأمانته وعفافه ، فدعانا
الى الله لنوحده ونعبده ، ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ،
وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئا
، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا
وفتنونا عن ديننا ، ليردونا الى عبادة الأوثان ، ، فخرجنا الى
بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك
أيها الملك ) فقال النجاشي ( هل معك مما جاء به الله من شيء ) فقال
له جعفر ( نعم ) وقرأ عليه من صدر سورة مريم ، فبكى النجاشي وبكت
أساقفته ، ثم قال النجاشي ( ان هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة
واحدة ! انطلقا فلا والله لا أسلمهم اليكما ، ولا يكادون )
وفي اليوم التالي كاد مبعوثي قريش للمسلمين مكيدة أخرى ، اذ قال عمرو
للنجاشي ( أيها الملك انهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما ، فأرسل
اليهم فسلهم عما يقولون )فأرسل الى المسلمين يسألهم فلما أتوا اليه ،
أجاب جعفر -رضي الله عنه- ( نقول فيه الذي جاءنا به نبينا -صلى الله عليه
وسلم- فهو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول
) فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا قول الحق ومنح المسلمين الأمان
الكامل في بلده ، ورد على الكافرين هداياهم

العودة من الحبشة

قدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح
خيبر ، حملهم النجاشي في سفينتين ، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين
عينيه والتزمه وقال ( ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر
!) وامتلأت نفس جعفر روعة بما سمع من أنباء اخوانه المسلمين الذين خاضوا
مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- غزوة بدر وأحد وغيرهما

أبو المساكين

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لجعفر ( أشبهتَ خلقي وخُلُقي ) وكان
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسميه ( أبا المساكين ) ، يقول أبو هريرة
( إن كنتُ لألصق بطني بالحصباء من الجوع ، وإن كنت لاستقرىء الرجل الآية
وهي معي كي ينقلب بي فيُطعمني ، وكان أخيرُ الناس للمساكين جعفر بن أبي
طالب ، كان ينقلب بنا فيُطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليُخرج إلينا
العكّة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعَقُ ما فيها )

الشهادة

وفي غزوة مؤتة في جمادي الأول سنة ثمان كان لجعفر -رضي الله عنه- موعدا مع
الشهادة ، فقد استشهد زيد بن حارثة -رضي الله عنه- وأخذ جعفر الراية
بيمينه وقاتل بها حتى اذا ألحمه القتال رمى بنفسه عن فرسه وعقرها ثم قاتل
الروم حتى قتل وهو يقول
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
علي اذ لاقيتها ضرابها
أن جعفر -رضي الله عنه- أخذ الراية بيمينه فقطعت ، فأخذها بشماله فقطعت ،
فاحتضنها بعضديه حتى قتل ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك
جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء

الحزن على جعفر

تقول السيدة عائشة ( لمّا أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- الحزن ) فعندما أتاه نعي جعفر دخل الرسول الكريم على امرأته
أسماء بنت عُميس وقال لها ( ائتني ببني جعفر ) فأتت بهم فشمّهم ودمعت
عيناه فقالت ( يا رسول الله بأبي وأمي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابـه
شيء ؟) فقال ( نعم أصيبـوا هذا اليوم ) فقامت تصيحُ ، ودخلت فاطمـة
وهي تبكي وتقول ( وَاعمّاه !!) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (
على مثل جعفر فلتبكِ البواكي ) ورجع الرسول إلى أهله فقال ( لا تغفلوا
آلَ جعفر ، فإنّهم قد شُغِلوا )
وقد دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ذلك همٌّ شديد حتى أتاه جبريل
عليه السلام فأخبره أن الله تعالى قد جعل لجعفر جَناحَين مضرّجَيْنِ بالدم
، يطير بهما مع الملائكة

فضله
قال أبو هريرة ( ما احتذى النِّعَال ولا ركب المطَايا بعد رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أفضل من جعفر) كما قال عبد الله بن جعفر ( كنت إذا سألت
علياً شيئاً فمنعني وقلت له بحقِّ جعفر ؟! إلا أعطاني ) وكان عمر بن
الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر قال ( السلام عليك يا ابن ذي الجناحين


 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة والمحطة
العشرون وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع


الحسن بن علي بن أبي طالب
سيد شباب الجنة

"اللهـم إني أحـبُّ حسنـاً فأحبَّـه
وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه "
حديث شريف

من هو؟
الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد ، ولدته فاطمة في المدينة
سنة ( 3هـ ) ، وهو أكبـر أبنائها ، كان عاقلاً حليماً محباً للخير
وكان أشبه أهل النبي بجده النبي -صلى الله عليه وسلم-

كرم النسب

قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف ( من أكرم الناس أباً
وأماً وجدّاً وجدّة وخالاً وخالةً وعمّاً وعمّةً )\ فقام النعمان بن
عجلان الزُّرَقيّ فأخذ بيد الحسن فقال ( هذا ! أبوه عليّ ، وأمّه فاطمة ،
وجدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجدته خديجة ، وعمّه جعفر ، وعمّته
أم هانىء بنت أبي طالب ، وخاله القاسم ، وخالته زينب ) فقال عمرو بن
العاص ( أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت ؟) قال ابن العجلان ( يا بن
العاص أمَا علمتَ أنه من التمس رضا مخلوق بسخط الخالق حرمه الله أمنيّته ،
وختم له بالشقاء في آخر عمره ، بنو هاشم أنضر قريش عوداً وأقعدها سَلَفاً
، وأفضل أحلاماً )


حب الرسول له

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحسن على عاتقه ( اللهـم إني أحـبُّ
حسنـاً فأحبَّـه ، وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه ) وكان الرسول -صلى الله
عليه وسلم- يصلي ، فإذا سجد وثب الحسنُ على ظهره وعلى عنقه ، فيرفع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- رفعاً رفيقاً لئلا يصرع ، قالوا ( يا رسول الله
، رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد )قال ( إنه ريحانتي
من الدنيا ، وإن ابني هذا سيّد ، وعسى الله أن يصلح به بين فئتيـن
عظيمتيـن )


الهيبة والسؤدد

كان الحسن -رضي الله عنه- أشبه أهل النبي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ،
فقد صلّى أبو بكر الصديق صلاة العصر ثم خرج يمشي ومعه عليّ بن أبي طالب ،
فرأى الحسن يلعبُ مع الصبيان ، فحمله على عاتقه و قال ( بأبي شبيه بالنبيّ
، ليس شبيهاً بعليّ )وعلي يضحك
كما قالت زينب بنت أبي رافع رأيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أتت بابنيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شكواه الذي توفي
فيه فقالت ( يا رسول الله ! هذان ابناك فورّثْهُما ) فقال ( أما حسنٌ
فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي )


أزواجه
كان الحسن -رضي الله عنه- قد أحصن بسبعين امرأة ، وكان الحسن قلّما تفارقه
أربع حرائر ، فكان صاحب ضرائر ، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري
وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم ، فطلقهما ، وبعث إلى كلِّ واحدة منهما
بعشرة آلاف وزقاقٍ من عسل متعة ، وقال لرسوله يسار بن أبي سعيد بن يسار
وهو مولاه ( احفظ ما تقولان لك )فقالت الفزارية ( بارك الله فيه وجزاه
خيراً )وقالت الأسدية ( متاع قليل من حبيب مفارقٍ )فرجع فأخبره ،
فراجع الأسدية وترك الفزارية
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال عليُّ ( يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا
الحسن بن عليّ ، فإنه مطلاق ) فقال رجل من همدان ( والله لنزوِّجَنَّهُ
، فما رضي أمسك ، وما كره طلّق )


فضله

قال معاوية لرجل من أهل المدينة ( أخبرني عن الحسن بن علي ) قال ( يا
أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند
ظهره ، فلا يبقى في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل له شرف إلاّ
أتاه ، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ، ثم ينهض فيأتي أمهات
المؤمنين فيُسلّم عليهن ، فربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله ، ثم يروح
فيصنع مثل ذلك ) فقال ( ما نحن معه في شيء )
كان الحسن -رضي الله عنه- ماراً في بعض حيطان المدينة ، فرأى أسود بيده
رغيف ، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة ، إلى أن شاطره الرغيف ، فقال له
الحسـن ( ما حَمَلك على أن شاطرتـه ؟ فلم يعاينه فيه بشـيء ) قال (
استحت عيناي من عينيه أن أعاينـه ) أي استحياءً من الحسـن ، فقال له (
غلام من أنت ؟) قال ( غلام أبان بن عثمان ) فقال ( والحائط ؟)أي
البستان ، فقال ( لأبان بن عثمان ) فقال له الحسن ( أقسمتُ عليك لا
برحتَ حتى أعود إليك ) فمرّ فاشترى الغلام والحائط ، وجاء الى الغلام
فقال ( يا غلام ! قد اشتريتك ؟) فقام قائماً فقال ( السمع والطاعة لله
ولرسوله ولك يا مولاي ) قال ( وقد اشتريت الحائط ، وأنت حرٌ لوجه الله ،
والحائط هبة مني إليك ) فقال الغلام ( يا مولاي قد وهبت الحائط للذي
وهبتني له )


حكمته
قيل للحسن بن علي ( إن أبا ذرّ يقول الفقرُ
أحبُّ إلي من الغنى ، والسقم أحبُّ إليّ من الصحة ) فقال ( رحِمَ الله
أبا ذر ، أما أنا فأقول ( من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنه في
غير الحالة التي اختار الله تعالى له ، وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما
تصرّف به القضاء )
قال معاوية للحسن بن عليّ ( ما المروءة يا أبا محمد ؟) قال ( فقه الرجل في دينه ، وإصلاح معيشته ، وحُسْنُ مخالَقَتِهِ )
دعا الحسنُ بن عليّ بنيه وبني أخيه فقال (
يا بنيّ وبني أخي ، إنكم صغارُ قومٍ يوشك أن تكونوا كبارَ آخرين ،
فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه ، فليكتبهُ وليضعه
في بيته )


عام الجماعة
بايع أهل العراق الحسن -رضي الله عنه- بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة ( 40هـ
) ، وأشاروا عليه بالمسير الى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان ، فزحف
بمن معه ، وتقارب الجيشان في موضع يقال له ( مسكن ) بناحية الأنبار ، ولم
يستشعر الحسن الثقة بمن معه ، وهاله أن يقْتتل المسلمون وتسيل دماؤهم ،
فكتب إلى معاوية يشترط شروطاً للصلح ، ورضي معاوية ، فخلع الحسن نفسه من
الخلافة وسلم الأمر لمعاوية في بيت المقدس سنة ( 41هـ ) وسمي هذا العام (
عام الجماعة ) لاجتماع كلمة المسلمين فيه ، وانصرف الحسن -رضي الله عنه-
الى المدينة حيث أقام


الحسن ومعاوية
قال معاوية يوماً في مجلسه ( إذا لم يكن الهاشمـيُّ سخيّاً لم يشبه حسبه ،
وإذا لم يكن الزبيـري شجاعاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن المخزومـي تائهاً
لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الأمـوي حليماً لم يشبه حسبه ) فبلغ ذلك
الحسن بن علي فقال ( والله ما أراد الحق ، ولكنّه أراد أن يُغري بني هاشـم
بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجون إليه ، ويُغري آل الزبيـر بالشجاعة
فيفنوا بالقتل ، ويُغري بني مخـزوم بالتيه فيبغضهم الناس ، ويُغري بني
أميـة بالحلم فيحبّهم الناس !!)

مرضه

قال عبد الله بن الحسين إن الحسن كان سُقِيَ ، ثم أفلتَ ، ثم سُقِيَ
فأفلتَ ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال الطبيب وهو
يختلف إليه ( هذا رجلٌ قد قطع السُّمُّ أمعاءه ) فقال الحسين ( يا أبا
محمد خبّرني من سقاك ؟) قال ( ولِمَ يا أخي ؟ ) قال ( اقتله ، والله
قبل أن أدفنـك ، أولا أقدرُ عليه ؟ أو يكون بأرضٍ أتكلّف الشخـوص إليه
؟) فقـال ( يا أخـي ، إنما هذه الدنيا ليالٍ فانية ، دَعْهُ حتى ألتقـي
أنا وهو عنـد الله ) فأبى أن يُسمّيَهُ ، قال ( فقد سمعتُ بعضَ من يقول
كان معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أن يسقيَهُ سُمّاً )


بكاؤه

لمّا أن حَضَرَ الحسن بن علي الموتُ بكى بكاءً شديداً ، فقال له الحسين (
ما يبكيك يا أخي ؟ وإنّما تَقْدُمُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،
وعلى عليّ وفاطمة وخديجة ، وهم وُلِدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان النبي
-صلى الله عليه سلم- ( أنك سيّدُ شباب أهل الجنة ) وقاسمت الله مالَكَ
ثلاث مرات ، ومشيتَ الى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرّةً
حاجّاً) وإنما أراد أن يُطيّب نفسه ، فوالله ما زاده إلا بكاءً
وانتحاباً ، وقال ( يا أخي إني أقدِمُ على أمرٍ عظيم مهول ، لم أقدم على
مثله قط )


وفاته

توفي الحسن -رضي الله عنه- في سنة ( 50هـ ) ، وقد دُفِنَ في البقيع ،
وبكاه الناس سبعة أيام نساءً وصبياناً ورجالاً ، رضي الله عنه
وأرضاه وقد وقف على قبره أخوه محمد بن عليّ وقال ( يرحمك الله أبا محمد
، فإن عزّت حياتك لقد هَدَتْ وفاتك ، ولنعم الروحُ روحٌ تضمنه بدنك ،
ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك ، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف
أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام
ورضعت ثدي الإيمان ، وطبت حيّاً وميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك
فلا نشك في الخيرة لك ، رحمك الله )


 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة

وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع



الحسين بن عليّ بن أبي طالب

سيد شباب الجنة

"حُسين مني وأنا مِنْ حُسين ، أحَبَّ الله تعالى مَنْ
أحبَّ حُسيناً ، حُسينٌ سِبْطٌ من الأسباط "
حديث شريف

من هو؟
الإبن الثاني لفاطمة الزهراء ، ولد بالمدينة ونشأ في بيت النبوة
وكنيته أبو عبد الله

حُبَّ الرسول له

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( حُسين مني وأنا مِنْ حُسين ، أحَبَّ
الله تعالى مَن أحبَّ حُسيناً ، حُسينٌ سِبْطٌ من الأسباط ) كما قال
الرسول الكريم ( اللهم إني أحبه فأحبّه )وعن أبي أيوب الأنصاري قال
دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسن والحسين يلعبان بين يديه
وفي حِجْره ، فقلت ( يا رسول الله أتحبُّهُما ) قال ( وكيف لا أحبُّهُما
وهما ريحانتاي من الدنيا أشمُّهُما ؟!) وقال الرسول -صلى الله عليه
وسلم- ( من أراد أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة ، فلينظر الى الحسين بن
عليّ
كما قالت زينب بنت أبي رافع رأيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أتت بابنيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شكواه الذي توفي
فيه فقالت ( يا رسول الله ! هذان ابناك فورّثْهُما ) فقال ( أما حسنٌ
فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي )


فضله

مرَّ الحسيـن -رضي الله عنه- يوماً بمساكين يأكلون في الصّفّة ، فقالوا (
الغـداء )000فنزل وقال ( إن الله لا يحب المتكبريـن ) فتغدى ثم قال لهم
( قد أجبتكم فأجيبوني )قالوا ( نعم ) فمضى بهم الى منزله فقال لرّباب
( أخرجي ما كنت تدخرين )

الحسن والحسين

جرى بين الحسـن بن علي وأخيه الحسيـن كلام حتى تهاجرا ، فلمّا أتى على
الحسـن ثلاثة أيام ، تأثم من هجر أخيه ، فأقبل إلى الحسيـن وهو جالس ،
فأكبّ على رأسه فقبله ، فلمّا جلس الحسـن قال له الحسيـن ( إن الذي منعني
من ابتدائك والقيام إليك أنك أحقُّ بالفضل مني ، فكرهت أن أنازِعَكَ ما
أنت أحقّ به )

البيعة

توفي معاوية نصف رجب سنة ستين ، وبايع الناس يزيد ، فكتب يزيد للوليد مع
عبد الله بن عمرو بن أويس العامري ، وهو على المدينة ( أن ادعُ الناس ،
فبايعهـم وابدأ بوجوه قريـش ، وليكن أول من تبدأ به الحسيـن بن عليّ ، فإن
أمير المؤمنين رحمه اللـه عهد إليّ في أمره للرفق به واستصلاحه ) فبعث
الوليد من ساعته نصف الليل الى الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ،
فأخبرهما بوفاة معاوية ، ودعاهما الى البيعة ليزيد ، فقالا ( نصبح وننظر
ما يصنع الناس )
ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير ، وهو يقول ( هو يزيد الذي نعرف ،
والله ما حدث له حزم ولا مروءة ) وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمـه
الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسـه ، فقال الوليد ( إن هجنَا بأبي عبـد
الله إلا أسداً ) فقال له مروان أو بعض جلسائه ( اقتله ) قال ( إن ذلك
لدم مضنون في بني عبد مناف )

من المدينة الى مكة

وخرج الحسين وابن الزبير من ليلتهما الى مكة ، وأصبح الناس فغدوا على
البيعة ليزيد ، وطُلِبَ الحسين وابن الزبير فلم يوجدا ، فقدِما مكة ، فنزل
الحسين دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم الزبير الحِجْرَ ، ولبس
المغافريَّ وجعل يُحرِّض الناس على بني أمية ، وكان يغدو ويروح الى الحسين
، ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول ( هم شيعتك وشيعة أبيك )

الخروج الى العراق

بلغ ابـن عمـر -رضي الله عنه- أن الحسيـن بن علـيّ قد توجّه الى العـراق
، فلحقه على مسيـرة ثلاث ليال ، فقـال لـه ( أيـن تريد ؟) فقال ( العراق
) وإذا معه طوامير كتب ، فقال ( هذه كتبهم وبيعتهم ) فقال ( لا تأتِهم
) فأبى ، قال ابن عمر ( إنّي محدّثك حديثاً إن جبريل أتى النبي -صلى
الله عليه وسلم- فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يردِ
الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والله لا يليها
أحد منكم أبداً ، وما صرفها الله عنكم إلاّ للذي هو خير )فأبى أن يرجع
، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال ( استودِعُكَ الله من قتيل )

وقال ابن عباس -رضي الله عنه- للحسين ( أين
تريد يا بن فاطمة ؟)قال ( العراق و شيعتي ) فقال ( إنّي لكارهٌ لوجهك
هذا ، تخرج الى قوم قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك حتى تركهم سَخْطةً ومَلّة
لهم ، أذكرك الله أن لا تغرّر بنفسك )
وقال أبو سعيد الخدري ( غلبني الحسين بن عليّ على الخروج ، وقد قُلت له اتّق الله في نفسك ، والزم بيتك ، فلا تخرج على إمامك )
وكتبـت له عمـرة بنت عبـد الرحمن تعظـم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره
بالطاعـة ولزوم الجماعة ، وتخبره إنه إنما يُساق إلى مصـرعه وتقول ( أشهد
لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( يُقتل
حسينٌ بأرض بابل )فلمّا قرأ كتابها قال ( فلابدّ لي إذاً من مصرعي
ومضى

مقتله

وبلغ يزيد خروج الحسين -رضي الله عنه- ، فكتب الى عبيد الله بن زياد عامله
على العراق يأمره بمحاربته وحمله إليه ، إن ظفر به ، فوجّه عُبيد الله
الجيش مع عمر بن سعيد بن أبي وقاص ، وعدل الحسين الى ( كربلاء )، فلقيه
عمر بن سعيد هناك ، فاقتتلوا ، فقُتِلَ الحسين رضوان الله عليه ورحمته
وبركاته في يوم عاشوراء ، العاشر من محرم سنة إحدى وستين

السماء تبكي

قال ابن سيرين ( لم تبكِ السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين
بن عليّ ) وعن خلف بن خليفة عن أبيه قال ( لمّا قُتِلَ الحسين اسودت
السماء ، وظهرت الكواكب نهاراً ، حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب
الأحمر ) وقالت أم خلاّد ( كنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإن الشمس
تطلع محمَّرة على الحيطان والجُدر بالغداة والعشيّ ) وكانوا لا يرفعون
حجراً إلاّ يوجد تحته دمٌ !!

الرؤى

استيقظ ابن عباس من نومه ، فاسترجع وقال ( قُتِلَ الحسين والله ) فقال
له أصحابه ( كلا يا ابن عباس ، كلا ) قال ( رأيت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ومعه زجاجة من دم فقال ( ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعـدي ؟
قتلوا ابني الحسيـن ، وهذا دمه ودم أصحابه ، أرفعها الى الله عزّ وجلّ) فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه ، وتلك الساعة ، فما لبثوا إلاّ أربعة
وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قُتِل ذلك اليوم وتلك الساعة!!

الدفن

وقد نقل رأسه ونساؤه وأطفاله إلى ( يزيد ) بدمشق ، واختُلفَ في الموضع
الذي دُفِنَ فيه الرأس ، فقيل في دمشق ، وقيل في كربلاء مع الجثة ، وقيل
في مكان آخر


 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نعود سويا ً فى هذة الرحلة المباركة

وكما تعودنا لكل محطة روعتها وجمالها مع صاحبها لنذهب سوياً مع


زيـد بن ثابت
جامع القرآن

"لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت
كان من الراسخين في العلم "
ابن عباس

من هو

زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من المدينة ، يوم قدم الرسول -صلى الله عليه
وسلم- للمدينـة كان يتيمـاً ( والده توفي يوم بُعاث ) و سنه لا يتجاوز إحدى عشرة
سنة ، وأسلـم مع أهلـه وباركه الرسول الكريم بالدعاء

الجهاد

صحبه أباؤه معهم الى غزوة بدر ، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده لصغر
سنه وجسمه ، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه الى الرسول -صلى الله
عليه وسلم-يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم ، ونظر
إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاكرا وكأنه يريد الإعتذار ، ولكن (
رافع بن خديج ) وهو أحدهم تقدم الى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض
بها قائلا ( إني كما ترى ، أجيد الرمي فأذن لي ) فأذن الرسول -صلى الله
عليه وسلم- له ، وتقدم ( سمرة بن جندب ) وقال بعض أهله للرسول ( إن سمرة
يصرع رافعا )فحياه الرسول وأذن له
وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر ، وبذلوا جهدهم
بالرجاء والدمع واستعراض العضلات ، لكن أعمارهم صغيرة ، وأجسامهم غضة ،
فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة ، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في
سبيل الله بدءا من غزوة الخندق ، سنة خمس من الهجرة
وكانت مع زيد -رضي الله عنه- راية بني النجار يوم تبوك ، وكانت أولاً مع
عُمارة بن حزم ، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- منه فدفعها لزيد بن
ثابت فقال عُمارة ( يا رسول الله ! بلغكَ عنّي شيءٌ ؟)قال الرسول ( لا
، ولكن القرآن مقدَّم )

العلم

لقد كان -رضي الله عنه- مثقف متنوع المزايا ، يتابع القرآن حفظا ، ويكتب
الوحي لرسوله ، ويتفوق في العلم والحكمة ، وحين بدأ الرسول -صلى الله عليه
وسلم- في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي ، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها
، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز يقول زيـد ( أُتيَ
بيَ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- مَقْدَمه المدينة ، فقيل ( هذا من بني
النجار ، وقد قرأ سبع عشرة سورة )فقرأت عليه فأعجبه ذلك ، فقال (
تعلّمْ كتاب يهـود ، فإنّي ما آمنهم على كتابي )ففعلتُ ، فما مضى لي
نصف شهـر حتى حَذِقْتُـهُ ، فكنت أكتب له إليهم ، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له )

حفظه للقرآن

منذ بدأ الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل ، والرسول
-صلى الله عليه وسلم- يتلو ، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع ،
والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة ، يحتفظون بالآيات مسطورة ، وكان منهم
علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عباس ،
وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين وبعد أن تم النزول كان الرسول -صلى
الله عليه وسلم- يقرؤه على المسلمين مرتبا سوره وآياته
وقد قرأ زيد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله
فيه مرتين ، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليه ، وشَهِدَ العرضة الأخيرة ، وكان
يُقرىء الناس بها حتى مات

بداية جمع القرآن

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شغل المسلمون بحروب الردة ، وفي
معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا ، فما أن هدأت نار
الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب الى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن
يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ واستخار
الخليفة ربه ، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له ( إنك شاب عاقل
لانتهمك ) وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة
ونهض زيد -رضي الله عنه- بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها ، يقابل ويعارض
ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا وقال زيد في عظم المسئولية ( والله
لو كلفوني نقل جبل من مكانه ، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن
) كما قال ( فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب
وصدور الرجال ) وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف

المرحلة الثانية في جمع القرآن

في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناس جدد عليه ، مما
أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة
تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين ، فقرر عثمان
والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف ، فقال عثمان (
مَنْ أكتب الناس ؟) قالوا ( كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن
ثابت ) قال ( فأي الناس أعربُ ؟)قالوا ( سعيد بن العاص ) وكان سعيد
بن العاص أشبه لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال عثمان (فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ )
واستنجدوا بزيـد بن ثابت ، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من
بيت حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وباشروا مهمتهم الجليلة ، وكانوا دوما
يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل رحمهم الله أجمعين

فضله

تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عاليا ، وصار موضع احترام
المسلمين وتوقيرهم فقد ذهب زيد ليركب ، فأمسك ابن عباس بالركاب ، فقال
له زيد ( تنح يا بن عم رسول الله ) فأجابه ابن عباس ( لا ، فهكذا نصنع
بعلمائنا ) كما قال ( ثابت بن عبيد ) عن زيد بن ثابت ( ما رأيت رجلا
أفكه في بيته ، ولا أوقر في مجلسه من زيد )
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستخلفه إذا حجّ على المدينة ، وزيد
-رضي الله عنه- هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك ، وهو أحد أصحاب
الفَتْوى الستة عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت ، فما
كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض
والقراءة ، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً
قال ابن سيرين ( غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين ، بالقرآن والفرائض )

وفاته

توفي -رضي الله عنه- سنة ( 45 هـ ) في عهد معاوية
 
عبد الله بن العباس
حَبْرُ هذه الأمّة

نِعْمَ ترجُمانُ القرآنِ أنتَ "
حديث شريف

من هو؟

يُشبه ابن عباس ( عبد الله بن الزبير ) في أنه أدرك الرسول -صلى الله عليه
وسلم- وعاصره وهو غلام ، ومات الرسول الكريم قبل أن يبلغ ابن عباس سن
الرجولة لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كلّ خامات رجولته ومباديء حياته من
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علّمه الحكمة الخالصة ، وبقوة إيمانه و
خُلُقه وغزارة عِلمه اقْتعَد ابن عباس مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول

طفولته

هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ،
وكنّيَ بأبيه العباس ، وهو أكبر ولده ولد بمكة ، والنبي -صلى الله عليه
وسلم- وأهل بيته بالشعب من مكة ، فأتِيَ به النبي فحنّكه بريقه ، وذلك قبل
الهجرة بثلاث سنين ، وعلى الرغم من أنه لم يجاوز الثالثة عشر من عمره يوم
مات الرسول الكريم ، فأنه لم يُضيُّـع من طفولته الواعيـة يوما دون أن
يشهد مجالس الرسـول ويحفظ عنه ما يقول ، فقد أدناه الرسـول -صلى اللـه
عليه وسلم- منه وهو طفل ودعا لـه ( اللهم فقّهْه في الدين وعَلّمه التأويل
)فأدرك ابن عباس أنه خُلِق للعلم والمعرفة

فضله

رأى ابن العباس جبريل -عليه السلام- مرّتين عند النبي -صلى الله عليه
وسلم- ، فهو ترجمان القرآن ، سمع نجوى جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم-
وعايَنَه ، ودعا له الرسول الكريم مرّتين ، وكان ابن عبّاس يقول ( نحن أهل
البيت ، شجرة النبوّة ، ومختلف الملائكة ، وأهل بيت الرسالة ، وأهل بيت
الرّحمة ، ومعدن العلم )وقال ( ضمّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وقال ( اللهم علِّمه الحكمة )
قال ابن عساكر ( كان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة ، جسيماً وسيماً ،
صبيح الوجه ، له وفرة يخضب الحناء ، وكان يُسمّى الحَبْرُ والبحر ، لكثرة
علمه وحِدّة فهمه ، حَبْرُ الأمّة وفقيهها ، ولسان العشرة ومنطيقها ،
محنّكٌ بريق النبوة ، ومدعُوّ له بلسان الرسالة ( اللهم فقّهه في الدين ،
وعلّمه التأويل )
وعن عمر قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( إنّ أرْأفَ أمّتي بها أبو
بكر ، وإنّ أصلبَها في أمر الله لعمر ، وإنّ أشدّها حياءً لعثمان ، وإنّ
اقرأها لأبيّ ، وإنّ أفرضَها لزَيَد ، وإنْ أقضاها لعليّ ، وإنّ أعلمَها
بالحلال والحرام لمعاذ ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذرّ ، وإنّ أميرَ هذه الأمة
أبو عبيدة بن الجراح ، وإنْ حَبْرَ هذه الأمة لعبد الله بن عبّاس )
وكان عمـر بن الخطاب -رضي اللـه عنه- يحرص على مشورته ، وكان يلقبه ( فتى
الكهـول ) وقد سئل يوما ( أنَّى أصَبْت هذا العلم ؟) فأجاب ( بلسان
سئول ، وقلب عقول )وكان عمر إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عبّاس
( إنّها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها )ثم يأخذ
بقوله قال ابن عبّاس ( كان عمـر بن الخطاب يأذن لأهل بـدرٍ ويأذن لي
معهم ) فذكـر أنه سألهم وسأله فأجابـه فقال لهم ( كيف تلومونني عليه بعد
ما ترون ؟!)
وكان يُفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات

عِلْمه

وبعد ذهاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، حرص ابن عباس
على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول
نفسه ، فهو يقول عن نفسه ( أن كُنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )
كما يصور لنا اجتهاده بطلب العلم فيقول ( لما قُبِض رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قلت لفتى من الأنصار ( هَلُـمَّ فَلْنَسأل أصحاب رسول الله
فإنهم اليوم كثيـر )فقال ( يا عَجَبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس
يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله ما ترى ؟) فترك ذلك وأقبلت أنا
أسأل أصحاب رسول الله ، فإن كان لَيَبْلُغني الحديث عن الرجل ، فآتي إليه
وهو قائل في الظهيرة ، فأتوسَّد ردائي على بابه ، يسْفي الريح عليّ من
التراب ، حتى ينتهي من مَقيله ويخرج فيراني فيقول ( يا ابن عم رسول الله
ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك ؟) فأقول ( لا ، أنت أحق بأن أسعى
إليك ) فأسأله عن الحديث وأتعلم منه ) وهكذا نمت معرفته وحكمته وأصبح
يملك حكمة الشيوخ وأناتهم
وعن عبد الله بن عباس قال ( كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار ، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ، وما نزل من القرآن في ذلك ، وكنتُ لا آتي أحداً منهم
إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل
إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة ، فقال ( نزل سبعٌ وعشرون
سورة ، وسائرها بمكة )
وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع ، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فيقول ( ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟) ومع ابن
عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول وعن ابن عبّاس قال ( ذللْتُ طالباً لطلب
العلم ، فعززتُ مطلوباً )
مما قيل بابن عباس

قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عبّاس ( إنّه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ ، لعقله وفطنته بالأمور )
وصفه سعد بن أبي وقاص فقال ( ما رأيت أحدا أحْضَر فهما ، ولا أكبر لُبّا ،
ولا أكثر علما ، ولا أوسع حِلْما من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر يدعوه
للمعضلات ، وحوله أهل بدْر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس ولا
يُجاوز عمر قوله )
وقال عنه عُبيد الله بن عتبة ( ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن عباس ، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء
أبي بكر وعمر وعثمان منه ، ولا أفْقَه في رأي منه ، ولا أعْلم بشعر ولا
عَربية ، ولا تفسير للقرآن ولا بحساب وفريضة منه ، ولقد كان يجلس يوما
للفقه ، ويوما للتأويل ، ويوما للمغازي ، ويوما للشعر ، ويوما لأيام العرب
وأخبارها ، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له ، ولا سائلا سأله إلا وجد
عنده عِلما )
وقال عُبيد الله بن أبي يزيد ( كان ابن عبّاس إذا سُئِلَ عن شيءٍ ، فإن
كان في كتاب الله عزّ وجلّ قال به ، وإنْ لم يَكُن في كتاب الله عزّ وجل
وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء قال به ، فإن لم يكن من
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيءٌ قال بما قال به أبو بكر وعمر ،
فإن لم يكن لأبي بكر وعمر فيه شيء قال برأيه )
ووصفه مسلم من البصرة ( إنه آخذ بثلاث ، تارك لثلاث ، آخذ بقلوب الرجال
إذا حدّث ، وبحُسْن الإستماع إذا حُدِّث ، وبأيسر الأمرين إذا خُولِف ،
وتارك المِراء ومُصادقة اللئام وما يُعْتَذر منه )
قال مجاهد ( كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه ) وكان عطاء يقول (
قال البحرُ وفعل البحر ) وقال شقيق ( خطب ابن عباس وهو على الموسم ،
فافتتح سورة البقرة ، فجعل يقرؤها ويفسّر ، فجعلت أقول ما رأيت ولا سمعت
كلامَ رجلٍ مثله ، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ )

تنوع ثقافته

حدَّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال لقد رأيت من ابن عباس مجلسا ، لو أن جميع
قريش فخُرَت به لكان لها به الفخر ، رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق
بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب ، فدخلت عليه فأخبرته
بمكانهم على بابه ، فقال لي ( ضَعْ لي وضوءاً ) فتوضأ وجلس ، و قال (
اخرج إليهم ، فادْعُ من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله ) فخرجت
فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم
وزادهم ، ثم قال لهم ( إخوانكم )فخرجوا ليُفسِحوا لغيرهم ، ثم قال لي (
اخرج فادْعُ من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام ) فخرجت فآذَنْتُهم ،
فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال (
إخوانكم )فخرجوا ثم قال لي ( ادْعُ من يريد أن يسأل عن الفرائض
)فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا
أخبرهم وزادهم ، ثم قال لي ( ادْعُ من يريد أن يسأل عن العربيّة والشّعر
)فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم
وزادهم

دليل فضله

كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم ،
وكان يسأله ، فقال عمر ( أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله
)فسألهم عن هذه السورة
إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ ** ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً )سورة النصر آية (1،2)
قال بعضهم ( أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في
دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه ) فقال عمر ( يا ابن عبّاس ، ألا
تكلّم ؟)قال ( أعلمه متى يموتُ ، قال
إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ
والفتح فتح مكة
ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً
فهي آيتُكَ من الموت
فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً )
ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها ، فقال بعضهم ( كُنّا نرى أنّها في
العشر الأوسط ، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر ) وقال بعضهم ( ليلة
إحدى وعشرين ) وقال بعضهم ( ثلاث و عشريـن ) وقال بعضهم ( سبع وعشريـن
) فقال بعضهم لابـن عباس ( ألا تكلّم !) قال ( الله أعلم ) قال ( قد
نعلم أن الله أعلم ، إنّما نسألك عن علمك ) فقال ابن عبّاس ( الله وترٌ
يُحِبُّ الوترَ ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ ، وخلق الأرض
سبعاً ، وخلق عدّة الأيام سبعاً ، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً ، ورمي الجمار
سبعاً ، وبين الصفا والمروة سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل رزقه من
سبعٍ )
قال عمر ( وكيف خلق الإنسان من سبعٍ ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟)قال ابن عباس ( إن الله يقول ولقَد خَلَقْنا الإنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين ** ثم جَعَلنَاهُ
نُطْفَةً في قرارٍ مَكين ** ثُمّ خَلقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا
العَلَقةَ مُضْغَةً فخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَونا العِظامَ
لَحْماً ثُمّ أنشَأناهُ خَلقَاً آخَرَ فتباركَ اللّهُ أحْسَنُ الخالقِين
) سورة المؤمنون آية (12-14)
ثم قرأ
أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّاً ** ثم شقَقْنَا الأرضَ شَقّاً ** فأنْبَتْنا
فيها حَبّاً ** وعِنَباً وقَضْباً ** وزَيْتوناً و نخلاً ** وحدائِقَ
غُلباً ** وفاكِهَةً وأبّاً )سورة عبس آية (25-31)
وأمّا السبعة فلبني آدم ، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام ، وأمّا ليلة
القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين



 
المنطق والحُجّة

بعث الإمام علي -كرم الله وجهه- ابن عباس ذات يوم الى طائفة من الخوارج ،
فدار بينه وبينهم حوار طويل ، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب فقد سألهم
ابن عباس ( ماذا تنقمون من علي ؟) قالوا ( ـ نَنْقِم منه ثلاثا أولاهُن
أنه حكَّم الرجال في دين الله ، والله يقول إن الحكْمُ إلا لله ، والثانية
أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيا ولا غنائم ، فلئن كانوا كفارا فقد
حلّت له أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم ، والثالثة
رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين ا
وأخذ ابن عباس يُفَنّد أهواءهم فقال ( أمّا قولكم إنه حَكّم الرجال في دين الله فأي بأس ؟

إن الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتُلوا الصَّيْد وأنتم حُرُم ،
ومن قتَله منكم مُتَعمدا فجزاء مِثلُ ما قَتَل من النعم يحكم به ذوا عَدْل
منكم )
فَنَبئوني بالله أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى ، أم
تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟! وأما قولكم إنه قاتل فلم يسْبُ ولم يغنم
، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْياً ويأخذ
أسلابها غنائم ؟؟وأما قولكم أنه رضى أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين
حتى يتم التحكيم ، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية ، إذ راح يُملي
الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش فقال للكاتب ( اكتب هذا ما قاضى عليه
محمد رسول الله)فقال مبعوث قريش ( والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما
صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك ، فاكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد
الله ) فقال لهم الرسول ( والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم )ثم
قال لكاتب الصحيفة ( اكتب ما يشاءون ، اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد
الله )
واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز ، وما
كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم ، وخروجهم من
خُصومة الإمام علي

أخلاق العلماء

لقد كان ابن عباس -رضي الله عنه- حَبْر هذه الأمة يمتلك ثروة كبيرة من
العلم ومن أخلاق العلماء ، وكان يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذي
يفيض به علمه ، وكان معاصروه يقولون ( ما رأينا بيتا أكثر طعاما ، ولا
شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس )وكان قلبه طاهر لا يحمل
الضغينة لأحد ويتمنى الخير للجميع ، فهو يقول عن نفسه ( إني لآتي على
الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم ، وإني
لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو
له ، ومالي عنده قضية ، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به
ومالي بتلك الأرض سائِمَة )وهو عابد قانت يقوم الليل ويصوم الأيام وكان
كثير البكاء كلما صلى وقرأ القرآن
ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال ( لا تفْعل يا ابن عمّ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- )قال ( هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا
)فقال له زيد ( أرني يديك فأخرج يديه فقبّلهما وقال ( هكذا أمرنا
أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- )

موقفه من الفتنة

لقد كان لابن عباس أراء في الفتنة بين علي ومعاوية ، أراء ترجو السلام لا
الحرب ، والمنطق لا القَسْر ، على الرغم من أنه خاض المعركة مع الإمام علي
ضد معاوية ، فقد شهد مع علي ( الجمل ) و ( صفين ) ، لأنه في البداية كان
لابد من ردع الشقاق الذي هدد وحدة المسلمين ، وعندما هَمّ الحسين -رضي
اللـه عنه- بالخروج الى العـراق ليقاتل زيادا ويزيـد ، تعلّق ابن عباس به
واستماتَ في محاولـة منعه ، فلما بلغه نبأ استشهاده ، حـزِنَ عليه ولزم
داره

البصرة

وكان ابن عباس أمير البصرة ، وكان يغشى الناس في شهر رمضان ، فلا ينقضي
الشهر حتى يفقههم ، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم
بكلام يروعهم ويقول ( مَلاكُ أمركم الدّين ، ووصلتكم الوفاء ، وزينتكم
العلم ، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف ، إن الله كلّفكم الوسع ،
اتقوا الله ما استطعتم )

الوصية

قال جُندُب لابن عباس ( أوصني بوصية قال ( أوصيك بتوحيد الله ، والعمل
له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال
منك مقبول ، وإلى الله مرفوع ، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً
، فصلّ صلاة مودّع ، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر ، فإنّك من أهل
القبور ، وابكِ على ذنبك ، وتُبْ من خطيئتك ، ولتكن الدنيا أهون عليك من
شِسْعِ نَعْلَيك ، وكأنّ قد فارقتها ، وصرت إلى عدل الله ، ولن تنتفع بما
خلّفت ، ولن ينفعك إلا عملك )

اللسان

قال ابن بُرَيْدة ( رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه ، وهو يقول ( وَيْحَكَ ،
قُلْ خيراً تغنمْ أوِ اسكتْ عن شرّ تسلم ، وإلا فاعلم أنك ستندم ) فقيل
له ( يا ابن عباس ! لم تقول هذا ؟قال ( إنّه بلغني أنّ الإنسان ليس
على شيءٍ من جسده أشدَّ حنقاً أو غيظاً يوم القيامة منه على لسانه ، إلا
قال به خيراً أو أملى به خيراً )

المعروف

وقال ابن عبّاس ( لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة تعجيله ، وتصغيرُه عنده
وسَتْرُهُ ، فإنه إذا عجَّله هيّأهُ ، وإذا صغّرهُ عظّمَهُ ، وإذا سَتَرهُ
فخّمَهُ )

معاوية وهرقل

كتب هرقل إلى معاوية وقال ( إن كان بقي فيهم من النبوة فسيجيبون عمّا
أسألهم عنه ) وكتب إليه يسأله عن المجرّة وعن القوس وعن البقعة التي لم
تُصِبْها الشمس إلا ساعة واحدة ، فلمّا أتى معاوية الكتاب والرسول ، قال (
هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلى يومي هذا ؟) فطوى الكتاب وبعث به إلى
ابن عباس ، فكتب إليه ( إنّ القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرّة
باب السماء الذي تنشق منه ، وأمّا البقعة التي لم تُصبْها الشمس إلا ساعة
من نهار فالبحر الذي انفرج عن بني إسرائيل )

وفاته

وفي آخر عمره كُفَّ بصره ، وفي عامه الحادي والسبعين دُعِي للقاء ربه العظيم ، ودُفِنَ في مدينة الطائف سنة ( 68 هـ )
 
زيد بن الخطاب
رضي الله عنه

"رحم الله زيداً ، سبقني إلى الحسنين
أسلم قبلي ، واستشهد قبلي "
عمر بن الخطاب

من هو؟

زيد بن الخطاب هو الأخ الأكبر لعمر بن الخطاب ، سبقه الى الإسلام ، وسبقه الى
الشهادة ، كان إيمانه بالله تعالى إيمانا قويا ، ولم يتخلف عن الرسول -صلى
الله عليه وسلم- في مشهد ولا في غزاة

غزوة أحد

في كل مشهد كان زيد -رضي الله عنه- يبحث عن الشهادة أكثر من النصر ، ففي
يوم أحد وحين حمي القتال بين المسلمين والمشركين ، سقط درعه منه ، فرآه
أخوه عمر فقال له ( خذ درعي يا زيد فقاتل بها ) فأجابه زيد ( إني أريد
من الشهادة ما تريده يا عمر ) وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة

يوم اليمامة

لقد كان زيد بن الخطاب يتحرق شوقا للقاء ( الرّجال بن عنفوة ) وهو المسلم
المرتد الذي تنبأ به الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوما حين كان جالسا مع
نفر من المسلمين حيث قال ( إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد
) وتحققت النبوة حين ارتد ( الرّجال ) ولحق بمسيلمة الكذاب ، وكان خطره
على الإسلام أكبر من مسيلمة نفسه ، لمعرفته الجيدة بالإسلام والقرآن
والمسلمين
وفي يوم اليمامة دفع خالد بن الوليد بلواء الجيش الى زيد بن الخطاب ،
وقاتل أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ، ومالت المعركة في بدايتها على
المسلمين ، وسقط منهم شهداء كثيرون ، ورأى زيد مشاعر الخوف عند المسلمين
فعلا ربوة وصاح ( أيها الناس ، عَضُوا على أضراسكم ، واضربوا في عدوكم ،
وامضوا قدما ، والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله ، أو ألقاه سبحانه فأكلمه
بحجتي ) ونزل من فوق الربوة عاضا على أضراسه ، زاما شفتيه لايحرك لسانه
بهمس ، وتركز مصير المعركة لديه في مصير ( الرّجال ) وهناك راح يأتيه
من يمين ومن شمال حتى أمسكه بخناقه وأطاح بسيفه رأسه المغرور ، وهذا أحدث
دمارا كبيرا في نفوس أتباع مسيلمة ، وقوّى في الوقت ذاته عزائم
المسلمين

استشهاده

رفع زيد بن الخطاب يديه الى السماء مبتهلا لربه شاكرا نعمته ، ثم عاد الى
سيفه وصمته ، وتابع القتال والنصر بات للمسلمين ، هنالك تمنى زيد-رضي الله
عنه- أن يختم حياته بالشهادة ، وتم له ما أراد فقد رزقه الله
بالشهادة وبينما وقف عمر بن الخطاب يستقبل مع أبوبكر العائدين الظافرين
، دنا منه المسلمون وعزّوه بزيد ، فقال عمر ( رحم الله زيدا ، سبقني إلى
الحسنين ، أسلم قبلي ، واستشهد قبلي )


 
أبي بن كعب
سيد المسلمين

" ليُهْنِكَ العِلْمُ أبا المنذر " حديث شريف

من هو؟

أبي بن كعب بن قيس بن عُبيدالنجّار - أبو منذر - الأنصاري الخزرجي
كان قبل الإسلام حَبْراً من أحْبار اليهود ، مطلعاً على الكتب القديمة ولمّا
أسلم كان في كتاب الوحي ، شهد العقبـة و بدرا وبقية المشاهـد وجمع
القرآن في حياة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وكان رأساً في العلم
وبلغ في المسلمين الأوائل منزلة رفيعة ، حتى قال عنه عمر بن الخطاب
( أبي سيد المسلمين )

كتابة الوحي

كان أبي بن كعب في مقدمة الذين يكتبون الوحي ويكتبون الرسائل ، وكان في
حفظه القرآن وترتيله وفهم أياته من المتفوقين ، قال له رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ( يا أبي بن كعب ، اني أمرت أن أعرض عليك القرآن ) وأبي
يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انما يتلقى أوامره من الوحي هنالك
سأل الرسول الكريم في نشوة غامرة ( يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، وهل
ذكرت لك باسمي ؟ ) فأجاب الرسول - صلى الله عليه وسلم- ( نعم ، باسمك
ونسبك في الملأ الأعلى )كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( أقـرأ
أمتي أبَيّ )

علمه

سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما ( يا أبا المنذر ، أي أية من كتاب
الله أعظم ؟) فأجاب قائلا ( الله ورسوله أعلم ) وأعاد النبي -صلى الله
عليه وسلم- سؤاله ( يا أبا المنذر ، أي أية من كتاب الله أعظم ؟)وأجاب
أبي ( الله لا اله الا هو الحي القيوم ) فضرب الرسول -صلى الله عليه
وسلم- صدره بيده ، وقال له والغبطة تتألق على محياه ( ليُهْنِكَ العلم أبا
منذر )
وعن أبي بن كعب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى بالناس ، فترك آية
فقال ( أيُّكم أخذ عليّ شيئاً من قراءتي ؟)فقال أبيُّ ( أنا يا رسول
الله ، تركتَ آية كذا وكذا )فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( قد
علمتُ إنْ كان أحدٌ أخذها عليّ فإنّكَ أنت هو )
وقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب ( يا أمير المؤمنين إني تلقيتُ القرآن ممن تلقّاه من جبريل وهو رطب )

زهده

وعن جُندب بن عبد الله البجلي قال أتيت المدينة ابتغاء العلم ، فدخلت مسجد
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا الناس فيه حَلَقٌ يتحدّثون ، فجعلت
أمضـي الحَلَقَ حتى أتيتُ حلقـةً فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قـدم
من سفر فسمعته يقول ( هلك أصحاب العُقـدة ورب الكعبـة ، ولا آسى عليهم
) أحسبه قال مراراً فجلست إليه فتحدّث بما قُضيَ له ثم قام ، فسألت
عنه بعدما قام قلت ( من هذا ؟) قالوا ( هذا سيد المسلمين أبي بن كعب
) فتبعته حتى أتى منزله ، فإذا هو رثُّ المنزل رثُّ الهيئة ، فإذا هو
رجل زاهد منقطعٌ يشبه أمره بعضه بعضاً

ورعه وتقواه

قال أبي بن كعب ( يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إني أكثر الصلاة عليك
، فكم أجعل لك في صلاتي ؟) قال ( ما شئت ، وإن زدت فهو خيرٌ ) قال (الرُّبـع ؟) قال ( ما شئـت ، وإن زدت فهو خيرٌ ) قال ( أجعلُ النصـف)؟ قال ( ما شئـت ، وإن زدت فهو خيرٌ )قال ( الثلثيـن ؟) قال
( ما شئـت ، وإن زدت فهو خيرٌ ) قال ( اجعـل لك صلاتي كلّها ؟) قال (إذاً تُكفـى همَّك ويُغفَر ذنبُك )
وبعد انتقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، ظل أبي على
عهده في عبادته وقوة دينه ، وكان دوما يذكر المسلمين بأيام الرسول -صلى
الله عليه وسلم- ويقول ( لقد كنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووجوهنا
واحدة ، فلما فارقنا اختلفت وجوهنا يمينا وشمالا ) وعن الدنيا يتحدث
ويقول ( ان طعام ابن آدم ، قد ضرب للدنيا مثلا ، فان ملحه وقذحه فانظر الى
ماذا يصير ؟)وحين اتسعت الدولة الاسلامية ورأى المسلمين يجاملون ولاتهم
، أرسل كلماته المنذرة ( هلكوا ورب الكعبة ، هلكوا وأهلكوا ، أما اني لا
آسى عليهم ، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين )وكان أكثر ما يخشاه
هو أن يأتي على المسلمين يوما يصير بأس أبنائهم بينهم شديد

وقعة الجابية

شهد أبـي بن كعـب مع عمـر بن الخطاب وقعة الجابيـة ، وقد خطـب عمـر
بالجابية فقال ( أيها الناس من كان يريـد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أبـيَّ
بن كعـب )

الدعوة المجابة

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال قال عمر بن الخطاب ( اخرجوا بنا إلى أرض
قومنا ) قال فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخَّر الناس ، فهاجت سحابة
، فقال أبيُّ ( اللهم اصرف عنّا أذاها ) فلحقناهم وقد ابتلّت رحالهم ،
فقال عمر ( أمَا أصابكم الذي أصابنا ؟) قلت ( إن أبا المنذر دعا الله
عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها ) فقال عمر ( ألا دعوتُمْ لنا معكم ؟!)

الوصية

قال رجلٌ لأبي بن كعب ( أوصني يا أبا المنذر ) قال ( لا تعترض فيما لا
يعنيك ، واعتزل عدوَّك ، واحترس من صديقك ، ولا تغبطنَّ حيّاً إلا بما
تغبطه به ميتاً ، ولا تطلب حاجةً إلى مَنْ لا يُبالي ألا يقضيها لك )

مرضه

عن عبـد الله بن أبي نُصير قال عُدْنا أبي بن كعـب في مرضه ، فسمع
المنادي بالأذان فقال ( الإقامة هذه أو الأذان ؟) قلنا ( الإقامـة
) فقال ( ما تنتظرون ؟ ألا تنهضون إلى الصلاة ؟) فقلنا ( ما بنا إلا
مكانك ) قال ( فلا تفعلوا قوموا ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
صلى بنا صلاة الفجر ، فلمّا سلّم أقبل على القوم بوجهه فقال ( أشاهدٌ فلان
؟ أشاهدٌ فلان ؟) حتى دعا بثلاثة كلهم في منازلهم لم يحضروا الصلاة فقال
( إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما
لأتوهما ولو حَبْواً ، واعلم أنّ صلاتك مع رجلٍ أفضل من صلاتك وحدك ، وإن
صلاتك مع رجلين أفضل من صلاتك مع رجل ، وما أكثرتم فو أحب إلى الله ، وإن
الصفّ المقدم على مثل صف الملائكة ، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه ، ألا وإن
صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحدَه أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين)
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما مِنْ شيءٍ يصيب المؤمن في جسده إلا
كفَّر الله عنه به من الذنوب ) فقال أبي بن كعب ( اللهم إنّي أسألك أن
لا تزال الحُمّى مُضارِعةً لجسدِ أبيٌ بن كعب حتى يلقاك ، لايمنعه من صيام
ولا صلاة ولا حجّ ولا عُمرة ولا جهاد في سبيلك ) فارتكبته الحمى فلما
تفارقه حتى مات ، وكان في ذلك يشهد الصلوات ويصوم ويحج ويعتمر ويغزو

وفاته

توفـي -رضي الله عنه- سنة ( 30هـ ) ، يقول عُتيّ السعـديّ قدمت المدينة
في يـوم ريحٍ وغُبْـرةٍ ، وإذا الناس يموج بعضهم في بعـض ، فقلت ( ما لي
أرى الناس يموج بعضهم في بعض ؟) فقالـوا ( أما أنـت من أهل هذا البلـد
؟) قلت ( لا ) قالوا ( مات اليـوم سيد المسلمين ، أبيّ بن كعب )

 
أسامة بن زيد
الحب بن الحب

"ان أسامة بن زيد لمن أحب الناس الي ، واني لأرجو أن يكون من صالحيكم ، فاستوصوا به خيرا"
حديث شريف

من هو؟

أسامـة بن زيـد بن حارثة بن شراحيـل الكَلْبي ، أبو محمد ، من أبناء الإسلام الذين
لم يعرفوا الجاهلية أبدا ،ابن زيد خادم الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- الذي آثـر
الرسـول الكريم على أبيه وأمه وأهله والذي وقف به النبـي على جموع من أصحابه
يقول ( أشهدكم أن زيدا هذا ابني يرثني وأرثه ) وأمه هي أم أيمن مولاة رسـول
الله وحاضنته ، ولقد كان له وجه أسود وأنف أفطس ولكن مالكا لصفات عظيمة قريبا
من قلب رسول الله

حب الرسول له

عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت عثَرَ أسامة على عتبة الباب فشَجَّ
جبهتَهُ ، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمصُّ شجّته ويمجُّه ويقول
( لو كان أسامة جارية لكسوتُهُ وحلّيتُهُ حتى أنفِقَهُ )
كما قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- ( ما ينبغي لأحد أن يُبغِضَ أسامة
بن زيد بعدما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( من كان يُحِبُّالله ورسوله ، فليحبَّ أسامة )
وقد اشترى الرسول -صلى الله عليه وسلم- حَلّةً كانت لذي يَزَن ، اشتراها
بخمسين ديناراً ، ثم لبسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلس على
المنبر للجمعة ، ثم نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكسا الحُلّةأسامة بن زيد
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثاً فأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن
بعض الناس في إمارته فقال -صلى الله عليه وسلم- ( إن تطعنوا في إمارته فقد
كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة ،
وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده )

نشأته وايمانه

على الرغم من حداثة سن أسامة -رضي الله عنه- الا أنه كان مؤمنا صلبا ،
قويا ، يحمل كل تبعات دينه في ولاء كبير ، لقد كان مفرطا في ذكائه ، مفرطا
في تواضعه ، وحقق هذا الأسود الأفطس ميزان الدين الجديد ( ان أكرمكم عند
الله أتقاكم ) فهاهو في عام الفتح يدخل مكة مع الرسول -صلى الله عليه
وسلم- في أكثر ساعات الاسلام روعة


الدروس النبوية

قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعامين خرج أسامة أميرا على سرية
للقاء بعض المشركين ، وهذه أول امارة يتولاها ، وقد أخذ فيها درسه الأكبر
من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهاهو يقول ( فأتيت النبي -صلى الله
عليه وسلم- وقد أتاه البشير بالفتح ، فاذا هو متهلل وجه ، فأدناي منه ثم
قال ( حدثني ) فجعلت أحدثه ، وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا
وأهويت اليه بالرمح ، فقال ( لا اله الا الله ) فطعنته فقتلته ، فتغير وجه
رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- وقال ( ويحك يا أسامة ! فكيف لك بلا
اله الا اللـه ؟ ويحك يا أسامة ! فكيف لك بلا اله الا الله ؟) فلم
يزل يرددها علي حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الاسلام
يومئذ من جديد ، فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله الا الله بعد ماسمعت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
أهمَّ قريش شأن المرأة التي سرقت ، فقالوا ( من يكلّم فيها رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ؟) فقالوا ( ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حبّ
رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ؟) فكلّمه أسامة فقال رسـول اللـه
-صلى اللـه عليه وسلم- ( لم تشفعْ في حدّ من حدود الله ؟) ثم قام النبـي
-صلى الله عليه وسلم- فاختطب فقال ( إنّما أهلك الله الذين من قبلكم أنهم
إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ،
وأيْمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يَدَها )

جيش أسامة

وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد بن حارثة الى الشام ،
وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء
والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وخرج مع أسامة المهاجرون الأولون ،
وكان ذلك في مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخير ، فاستبطأ الرسول
الكريم الناس في بعث أسامة وقد سمع ما قال الناس في امرة غلام حدث على جلة
من المهاجرين والأنصار ! فحمدالله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- (
أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في امارته لقد قلتم في
امارة أبيه من قبله ، وانه لخليق بالامارة ، وان كان أبوه لخليقا لها )
فأسرع الناس في جهازهم ، وخرج أسامة والجيش ، وانتقل الرسول الى الرفيق
الأعلى ، وتولى أبو بكر الخلافة وأمر بانفاذ جيش أسامة وقال ( ما كان لي
أن أحل لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وخرج ماشيا ليودع
الجيش بينما أسامة راكبا فقال له ( يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن
) فرد أبوبكر ( والله لا تنزل ووالله لا أركب ، وما علي أن أغبر قدمي في
سبيل الله ساعة ) ثم استأذنه في أن يبقى الى جانبه عمر بن الخطاب قائلا
له ( ان رأيت أن تعينني بعمر فافعل ) ففعل وسار الجيش وحارب الروم وقضى
على خطرهم ،وعاد الجيش بلا ضحايا ، وقال المسلمون عنه ( ما رأينا جيشا
أسلم من جيش أسامة

أسامة والفتنة

وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية التزم أسامة حيادا مطلقا ، كان يحب
عليا كثيرا ويبصر الحق بجانبه ، ولكن كيف يقتل من قال لا اله الا
الله وقد لامه الرسول في ذلك سابقا! فبعث الى علي يقول له ( انك لو
كنت في شدق الأسد ، لأحببت أن أدخل معك فيه ، ولكن هذا أمر لم أره
) ولزم داره طوال هذا النزاع ، وحين جاءه البعض يناقشونه في موقفه قال
لهم ( لا أقاتل أحدا يقول لا اله الا الله أبدا ) فقال أحدهم له ( ألم
يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ؟)فأجاب أسامة
( أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله )

وفاته
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة ، وفي أواخر خلافة معاوية ، أسلم
-رضي الله عنه- روحه الطاهرة للقاء ربه ، فقد كان من الأبرار
المتقين فمات بالمدينة وهو ابن ( 75 )
 
أسَيْد بن حُضَيْر
رضي الله عنه

" نعم الرجل أسيد بن حضير "
حديث شريف

من هو؟

أسَيْد بن الحُضَير بن سمّاك الأوسي الأنصاري أبوه حضير الكتائب زعيم
الأوس ، وكان واحدا من أشـراف العـرب في الجاهلية وورث أسيد عن
أبيـه مكانته وشجاعته وجـوده ، فكان قبل اسلامـه من زعماء المدينة
وأشـراف العـرب ، ورماتها الأفذاذ ، كان أحد الاثني عشـر نقيباً حيث
شهد العقبـة الثانية ، وشهد أحداً وثبت مع الرسـول الكريم حيث انكشف
الناس عنه وأصيب بسبع جراحات

اسلامه

أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم
المسلمين الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى ، وليدعو
غيرهم الى الايمان ، ويومئذ كان يجلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا
زعيمي قومهما يتشاوران بأمر الغريب الآتي ، الذي يدعو لنبذ دين الأباء
والأجداد وقال سعد ( اذهب الى هذا الرجل وازجره )
وحمل أسيد حربته وذهب الى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو أحد
الذين سبقوا في الاسلام ، ورأى أسيد جمهرة من الناس تصغي باهتمام لمصعب
-رضي الله عنه- ، وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته ، فقال له مصعب ( هل لك في أن
تجلس فتسمع ، فان رضيت أمرنا قبلته ، وان كرهته كففنا عنك ما تكره
فقال أسيد الرجل الكامل بعد غرس حربته في الأرض ( لقد أنصفت ، هات ماعندك )
وراح مصعب يقرأ من القرآن ، ويفسر له دعوة الدين الجديد ، حتى لاحظ
الحاضرين في المجلس الاسلام في وجه أسيد قبل أن يتكلم ، فقد صاح أسيد
مبهورا ( ما أحسن هذا الكلام وأجمله ، كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في
هذا الدين ؟) فقال له مصعب (تطهر بدنك ، وثوبك وتشهد شهادة الحق ، ثم
تصلي ) فقام أسيد من غير ابطاء فاغتسل وتطهر ، ثم سجد لله رب
العالمين

اسلام سعد

وعاد أسيد الى سعد بن معاذ الذي قال لمن معه ( أقسم ، لقد جاءكم أسيد بغير
الوجه الذي ذهب به ) وهنا استخدم أسيد ذكاءه ليدفع بسعد الى مجلس مصعب
سفير الرسول لهم ، ليسمع ما سمع من كلام الله ، فهو يعلم بأن أسعد بن
زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ ، فقال أسيد لسعد ( لقد حدثت أن بني حارثة
قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك ) وقام
سعد وقد أخذته الحمية ، فحمل الحربة وسار مسرعا الى أسعد حيث معه مصعب
والمسلمين ، ولما اقترب لم يجد ضوضاء ، وانما سكينة تغشى الجماعة ، وآيات
يتلوها مصعب في خشوع ، وهنا أدرك حيلة أسيد ، وما كاد أن يسمع حتى شرح
صدره للاسلام ، وأخذ مكانه بين المؤمنين السابقين

قراءة القرآن

وكان الاستماع الى صوت أسيد -رضي الله عنه- وهو يرتل القرآن احدى المغانم
الكبرى ، وصوته الخاشع الباهر أحسن الناس صوتاً ، قال قرأت ليلة سورة
البقرة ، وفرس مربوط ويحيى ابني مضطجع قريب منّي وهو غلام ، فجالت الفرس
فقمتُ وليس لي همّ إلا ابني ، ثم قرأتُ فجالتِ الفرسُ فقمتُ وليس لي همّ
إلا ابني ، ثم قرأتُ فجالت الفرسُ فرفعتُ رأسي فإذا شيء كهيئة الظلّة في
مثل المصابيح مقبلٌ من السماء فهالني ، فسكتُ
فلمّا أصبحتُ غدوتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته ، فقال (
اقرأ أبا يحيى ) فقلت ( قد قرأتُ فجالتِ الفرس فقمتُ وليس لي همّ إلا
ابني ) فقال -صلى الله عليه وسلم- ( اقرأ أبا يحيى )فقلتُ ( قد قرأتُ
فجالت الفرس ؟) فقال ( اقرأ أبا يحيى ) فقلت ( قد قرأتُ فرفعتُ رأسي
فإذا كهيئة الظلّة فيها المصابيح فهالني )فقال -صلى الله عليه وسلم- (
تلك الملائكة دَنَوْا لصوتك ، ولو قرأتَ حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون
إليهم

فضله

عن أنس بن مالك قال ( كان أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر عند رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- في ليلة ظلماء حِنْدِس ، فتحدّثنا عنده حتى إذا خرجا
أضاءتْ عَصَا أحدهما فمشيا في ضوئها ، فلمّا تفرَّق لهما الطريق أضاءت
لكلّ واحدٍ منهما عَصَاه فمشى في ضوئها )

القصاص

كان أسيد رجلاً صالحاً مليحاً ، فبينما هو عند رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يُحدّث القومَ ويُضحكهم ، فطعن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في
خاصرته ، فقال ( أوجَعْتَني !)قال ( اقتصَّ ) قال ( يا رسول الله
عليك قميصٌ ولم يكن عليّ قميص فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قميصه ، فاحتضنَهُ ثم جعل يقبّل كشحتَهُ فقال ( بأبي أنت وأمي يا رسول
الله أردت هذا )

غزوة بدر

لقي أسيد بن الحضير رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- حين أقبل من بدر ،
فقال ( الحمدُ للـه الذي أظفرك وأقرَّ عينك ، واللـه يا رسـول اللـه ما
كان تخلّفي عن بدر ، وأنا أظنّ أنك تلقى عدوّاً ، ولكن ظننتُ أنّها العير
، ولو ظننتُ أنّه عدوّ ما تخلّفت ) فقال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه
وسلم- ( صدقت )

غزوة بني المصطلق

كان يتمتع -رضي الله عنه- بحلم وأناة وسلامة في التقدير ،ففي غزوة بني
المصطلق أثار عبدالله بن أبي الفتنة ، فقد قال لمن معه من أهل المدينة (
لقد أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما
بأيديكم لتحولوا الى غير دياركم ، أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن
الأعز منها الأذل ) سمع هذا الكلام الصحابي الجليل زيد بن أرقم وقد كان
غلاما فأخبر الرسول -صلىالله عليه وسلم- بذلك ، وتألم الرسول كثيرا ،
وقابله أسيـد فقال له الرسـول الكريـم ( أوما بلغـك ما قال صاحبكـم
) قال ( وأي صاحـب يا رسـول اللـه ) قال ( عبداللـه بن أبي ) قال (
وما قال ؟) قال الرسـول ( زعم أنه ان رجع الى المدينة ليخرجن الأعـز
منها الأذل ) فقال أسيـد ( فأنت يا رسول الله تخرجه منها ان شئت ، هو
والله الذليل وأنت العزيز ) ثم قال ( يا رسـول الله ، ارفق به ، فوالله
لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ، فانه ليرى أنك قد
استلبته ملكا )

يوم السقيفة

وفي يوم السقيفة ، اثر وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث أعلن فريق من
الأنصار على رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة ، وطال الحوار ، واحتدم
النقاش ، كان موقف أسيد وهو الزعيم الأنصاري موقفا واضحا وحاسما ، فقد قال
للأنصار من قومه ( تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من
المهاجرين ، فخليفته اذن ينبغي أن يكون من المهاجرين ، ولقد كنا أنصار
رسول الله ، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته ) فكانت كلماته بردا
وسلاما

وفاته

في شهر شعبان عام عشرين للهجرة مات أسيد -رضي الله عنه- ، وأبى أمير
المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه ، وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب
جثمان مؤمن عظيم وقد هلك أسيد -رضي الله عنه- وترك عليه أربعة آلاف درهم
دَيْناً ، وكان ماله يُغِلُّ كل عامٍ ألفاً ، فأرادوا بيعه ، فبلغ ذلك عمر
بن الخطاب فبعث إلى غرمائه فقال ( هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفاً فتستوفون
في أربع سنين ؟) قالوا ( نعم يا أمير المؤمنين ) فأخروا ذلك فكانوا
يقبضون كل عامٍ ألفاً


 
معاذ بن جبل
رضي الله عنه

" وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل
حديث شريف

من هو؟
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري وكنيته أبو عبدالرحمنأسلم وعمره ثماني
عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا
فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه- وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله
عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه
وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية

قربه من الرسول

لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة فأخذ
عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم
بشرعه وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا
القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود وسالم مولى أبي حذيفـة وأبي ومعاذ
بن جبل ) وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام
معاذ بن جبل)
قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا
تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن
عبادتك )ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق فقد لقيه الرسول -صلى
الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟) قال ( أصبحت
مؤمنا حقّا يا رسول الله ) قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة
إيمانك ؟) قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا
أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا
أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ،
وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون
فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)

ارساله الى اليمن
وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة
فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)قال معاذ ( بكتاب الله )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)قال معاذ ( بسنة رسول الله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )

فضله
لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في
بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )
ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً
للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام)
دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ
وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي
الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ،
فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا
حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد
الله ؟) قال ( أنا معاذ بن جبل )
ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول
يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء
تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟) قال ( مُعاذ بن
جبل ) فوقع في نفسي حُبُّه )
كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )

حُبّ العلم

كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان
يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً
) وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني
) فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟) قال الرجل ( إني على طاعتك
لحريص ) فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا
تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم ) وكان يرى
العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله
بالعلم حتى تعْمَلوا ) وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما
لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع
مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )

طهارته

مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي
بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى
فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض
مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ،
ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه
، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه
حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض
حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر ) وذهبا
معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك
شيئاً )فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب ) فما كان أبو
بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق

أمانته وورعه

كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم
ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قياموعاد الى زوجـه
بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما
جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟ فقال معاذ ( لقد كان معي
رقيب يقظ يحصي علي )فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك ) وشاعت
ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر ةفأرسل الى معاذ وسأله (أنا أرسلت
معك رقيبا) فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا وقصدت
بالرقيب الله عزوجل ) فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)

معلما ثم واليا للشام
وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير
المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم
القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم) فأرسل
اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فلما مات
أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ
عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب
يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟ لقلت
سمعت نبيك يقول إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم
)وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا

طاعون عمواس
أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا
بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق ) ثم جعل ينظر الى
السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك
تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار
، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ،
اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )ثم فاضت روحه بعيدا عن
الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله وكانت وفاته في السنة السابعة
عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة
 
أبو الدرداء

الحكيم

"الناس ثلاثة ، عالم ، ومتعلم ، والثالث همج لا خير فيه " أبو الدرداء

من هو

يوم اقتنع أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاسلام دينا ، وبايع الرسول -صلى الله عليه
وسلم- على هذا الديـن ، كان تاجر ناجحا من تجار المدينة ، ولكنه بعد الايمان بربـه
يقول " أسلمت مع النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- وأنا تاجر ، وأردت أن تجتمع لي
العبـادة والتجارة فلم يجتمعا ، فرفضـت التجارة وأقبلت على العبادة ، وما يسرنـي
اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، حتى لو يكون حانوتي على باب
المسجد ، ألا اني لا أقول لكم ان اللـه حرم البيع ، ولكني أحـب أن أكون من الذين لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله )

جهاده ضد نفسه

لقد كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- حكيم تلك الأيام العظيمة ، تخصصه
ايجاد الحقيقة ، فآمن بالله ورسوله ايمانا عظيما ، وعكف على ايمانه مسلما
اليه نفسه ، واهبا كل حياته لربه ، مرتلا آياته "

ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
كان -رضي الله عنه- يقول لمن حوله ( ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها
عند باريكم ، وأنماها في درجاتكم ، وخير من أن تغزو عدوكم ، فتضربوا
رقابهم ويضربوا رقابكم ، وخير من الدراهم والدنانير ذكر الله ، ولذكر
الله أكبر )

ومضات من حكمته وفلسفته

سئلت أمه -رضي الله عنه- عن أفضل ما كان يحب ، فأجابت ( التفكر والاعتبار
)وكان هو يحض اخوانه دوما على التأمل ويقول ( تفكر ساعة خير من عبادة
ليلة )وكان -رضي الله عنه- يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى لثرواتهم
فيقول ( اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب ) ، فسئل عن شتات القلب فأجاب (
أن يكون لي في كل واد مال ) فهو يمتلك الدنيا بالاستغناء عنها ، فهو
يقول ( من لم يكن غنيا عن الدنيا ، فلا دنيا له )
كان يقول ( لا تأكل الا طيبا ولا تكسب الا طيبا ولا تدخل بيتك الا طيبا )
ويكتب لصاحبه يقول ( أما بعد ، فلست في شيء من عرض الدنيا ، الا وقد
كان لغيرك قبلك ، وهو صائر لغيرك بعدك ، وليس لك منه الا ماقدمت لنفسك ،
فآثرها على من تجمع له المال من ولدك ليكون له ارثا ، فأنت انما تجمع
لواحد من اثنين اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله ، فيسعد بما شقيت به ،
واما ولد عاص ، يعمل فيه بمعصية الله ، فتشقى بما جمعت له ، فثق لهم بما
عند الله من رزق ، وانج بنفسك )
وانه ليقول ( ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، و يكثر علمك ، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى )
عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة ، وشوهد أبا الدرداء وهو
يبكي ، فسأله جبير بن نفير ( يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله
فيه الاسلام وأهاه ؟)فأجاب أبوالدرداء ( ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق
على الله اذا هم تركوا أمره ،بينماهي أمة قاهرة ظاهرة ، لها الملك ،
تركت أمر الله ، فصارت الى ما ترى فقد كان يرى الانهيار السريع
للبلاد المفتوحة ،وافلاسها من الروحانية الصادقة والدين الصحيح
وكان يقول ( التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله فان لله
نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ،
ويؤمن روعاتكم)
في خلافة عثمان ، أصبح أبو الدرداء واليا للقضاء في الشام ، فخطب بالناس
يوما وقال ( يا أهل الشام ، أنتم الاخوان في الدين ، والجيران في الدار ،
والأنصار على الأعداء ، و لكن مالي أراكم لا تستحيون ؟؟تجمعون مالا
تأكلون ، وتبنون مالا تسكنون ، وترجون مالا تبلغون ، قد كانت القرون من
قبلكم يجمعون فيوعون ، ويؤملون فيطيلون ، ويبنون فيوثقون ، فأصبح جمعهم
بورا ، وأملهم غرورا ، وبيوتهم قبورا أولئك قوم عاد ، ملئوا ما بين عدن
الى عمان أموالا وأولادا ) ثم ابتسم بسخرية لافحة ( من يشتري مني تركة
أل عاد بدرهمين ؟!)

تقديسه للعلم
كان -رضي الله عنه- يقدس العلم كثيرا ، ويربطه بالعبادة ، فهو يقول ( لا
يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما ، و لن يكون بالعلم جميلا ، حتى يكون به
عاملا )كما يقول ( ما لي أرى علماءكم يذهبون ، و جهالكم لا يتعلمون
؟؟ ألا ان معلم الخير والمتعلم في الأجر سواء ، ولا خير في سائر الناس
بعدهما )ويقول -رضي الله عنه- ( ان أخشى ما أخشاه على نفسـي أن يقال لي
يـوم القيامـة علـى رؤوس الخلائق يا عويمر ، هل علمت ؟؟فأقول
نعمفيقال لي فماذا عملت فيما علمت ؟؟

وصيته

ويوصي أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاخاء خيرا ، ويقول ( معاتبة الأخ خير
لك من فقده ، ومن لك بأخيك كله ؟أعط أخاك ولن له ، ولا تطع فيه حاسدا
فتكون مثله ، غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده وكيف تبكيه بعد الموت ، وفي
الحياة ما كنت أديت حقه؟
ويقول رضي الله عنه وأرضاه ( اني أبغض أن أظلم أحدا ، ولكني أبغض أكثر
وأكثر ، أن أظلم من لا يستعين علي الا بالله العلي الكبير )
هذا هو أبو الدرداء ، تلميذ النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وابن الاسلام الأول ، وصاحب أبي بكر وعمر ورجال مؤمنين


 
اسعد الله قلوبكم وامتعها بالخير دوماً
تقبل مروري المتواضع على موضوعك الجميل
تحياتي وتقديري​
 
رحلة .. مع صحابة رسول الله
 
الوسوم
الله رحلة رسول صحابة مع
عودة
أعلى