لنتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

كلمــة حــول الغـزوات
كلمــة حــول الغـزوات :

كانت كلمة الحرب تعني في الجاهلية القتل والفتك والإحراق والتدمير والنهب والسلب وهتك الأعراض والإفساد في الأرض ، وإهلاك الحرث والنسل دون رحمة ولا هوادة ، فلما جاء الإسلام غير هذا المعنى تغييراً تاماً ، فجعل الحرب سبيلاً لنصرة المظلومين ، وكبت الظالمين ، ووسيلة لبسط الأمن والسلام على الأرض ، وذريعة لإقامة العدل ، وإنقاذ الضعفاء من براثن الأقوياء ولإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
ولم تكن من شيمة العرب أن يخضعوا لأحد ، مهما طال القتال ، ومهما غلا الثمن ، فقد دام القتال بين بكر وتغلب في حرب البسوس أربعين عاماً ، وكانت ضحيتها حوالي سبعين ألف مقاتل ، ولم يخضع أحدهما للآخر ، ودامت حروب الأوس والخزرج أكثر من مائة عام ، ولم يخضع أحدهما للآخر ، فهذه هي شيمة العرب قبل الإسلام : مواصلة الحروب ، وعدم الخضوع للعدو .
ثم جاء النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالإسلام فواجهته العرب بنفس الأسلوب ، وجروه إلى ساحة القتال ، ولكنه واحههم بأسلوب آخر حكيم ، حتى فتح قلوبهم قبل أن يفتح بلادهم ، وإذا قارنت حصائد غزواته ونتائجها بنتائج حروب الجاهلية ترى عجباً عجباً ، فمجموع من قتل في جميع غزواته وحروبه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من المسلمين والمشركين واليهود والنصارى هم في حدود ألف قتيل فقط ، والمدة التي استغرقتها هذه الغزوات لا تزيد على ثمانية أعوام ، ولكنه في هذه الفترة القليلة ، وبإهراق هذا القدر القليل من الدم أخضع الجزيرة العربية كلها تقريباً ، وبسط الأمن والسلام في أقصى ربوعها وأرجائها ـ أترى أن هذا يمكن بقوة السيف ؟ ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتفانون في الحروب لأمور تافهة ، ويضحون بالآلاف بعد الآلاف دون أن يتصور منهم الخضوع ؟ كلا . بل إنها نبوة ورحمة ، ورسالة وحكمة . ودعوة ومعجزة ، وفضل من الله ونعمة .

 
حج أبي بكر الصديق – رضي الله عنه
حج أبي بكر الصديق :

كان العرب يزعمون أنهم على دين إبراهيم – عليه السلام – ومن الشعائر التي كانوا متمسكين بها من هذا الدين حج البيت الله الحرام ، فكانوا يقيمون الحج كل عام ، ويهتمون به أيما اهتمام ، وكانوا قد أدخلوا فيه عدداً من البدع والتغييرات ، فلما فتح رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
مكة سنة ثمان وأمر عليها عتاب بن أسيد قام عتاب بالحج ، فحج معه المسلمون والمشركون كما كانوا يحجون في الجاهلية ، لم يغير منه شئ ، فلما كان عام القابل – العام التاسع من الهجرة – أرسل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أبا بكر الصديق t أميراً على الحج ، ليقيم بالناس المناسك ، فخرج في أواخر ذي القعدة سنة 9هـ في ثلاثمائة من أهل المدينة ، ومعه عشرون بدنة لرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وخمس لنفسه .

ثم نزلت أوائل سورة براءة بنبذ العهد لجميع المشركين الذين لم يوفوا بعودهم ، وأن يمهل هؤلاء ومن لا عهد له أربعة أشهر ، يسيحون خلالها في الأرض كيفما يشاءون ، حتى يعلموا أنهم غير معجزي الله وأن الله مجزي الكافرين ، وأمر بإتمام العهود إلى مدتها للمشركين الذين ينقضوها ، ولم يظاهروا على المسلمين أحداً .
فأرسل بها النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
علي بن أبي طالب ليبلغها الناس يوم الحج الأكبر ، وقال : لا يبلغ عني إلا رجل مني ، فلحق علي أبا بكر بضجنان أو بالعرج ، فقال له أبو بكر : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور . فكان يصلي وراء أبي بكر .

وأقام أبو بكر t للناس حجهم ، فلما كان يوم النحر قام علي t عند الجمرة فقرأ على الناس أوائل سورة براءة ، وفيها ما سبق من نبذ العهود ، والإمهال ، والإتمام ، وبعث أبو بكر t رجالاً ينادون : ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
 
الوفــود والدعـاة والعمال
الوفــود والدعـاة والعمال :

كان العرب ينتظرون نتيجة الصراع القائم بين قريش والنبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وكانوا يعتقدون أن الباطل لا يمكن أن يسيطر على المسجد الحرام بالقوة والفتح ، ولم تكن قصة أصحاب الفيل عنهم ببعيدة ، فلما أكرم الله رسوله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بإدخاله في المسجد الحرام ، وبتسليطه على كفار مكة ، ولم يبق عندهم أدنى شك في كونه رسولاً حقاً ، فبدأت القبائل العربية تتوافد إليه تترى . تؤمن برسالته وتقر بطاعته ، وأخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . وخلال فترة قصيرة اتسعت رقعة الدولة الإسلامية من ساحل البحر الأحمر إلى ساحل الخليج العربي ، ومن مناطق جنوب الأردن ومشارف الشام إلى سواحل اليمن وعمان ، وأخذ النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ينظم أمور هذه البلاد الشاسعة ، فيرسل الدعاة وينصب الولاة ، ويبعث جباة الصدقات ، ويوفر ما يحتاج إليه نظام العباد والبلاد من القضاة والعمال ، وسنمر بشئ من كل ذلك حسب المقام قريباً إن شاء الله .

والوفود التي توافدت إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يزيد عددها على سبعين وفداً ، حسب ما ذكره عامة أهل السير ، وقد حاول بعض أهل العلم استقصاء هذه الوفود – سواء ثبتت الرواية بها أو لم تثبت – فأبلغها قريباً من مائة وفد .

وكانت الوفادة إليه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قد بدأت قبل الفتح ، وقد توافد إليه البعض في أوائل سنوات الهجرة ، بل قد جاءه بعض الوفود قبل الهجرة ، إلا أن الوفادة العامة ، وفي صورة متوالية مستمرة إنما وقعت بعد الفتح في السنة التاسعة ، وقد امتدت إلى السنة العاشرة ، بل وإلى ما بعدها أيضاً ، ولذلك سميت السنة التاسعة بسنة الوفود .

ومعظم هذه الوفود كان أعضاؤها سادات القبائل ، ورؤساءها ، ورجالا من أهل الحل والعقد منها ، وربما توافد الرجل وحده ، أو توافد ومعه رهط صغير .
أما الغرض المطلوب من الوفادة فكان يختلف من وفد على وفد ، فمنهم من جاء يريد رد السبايا والمأخوذين ، كما تقدم في وفد هوازن ، ووفد تميم ، ومنهم من جاء يريد الأمان لنفسه فقط ، أو لنفسه وقومه كليهما ، ومنهم من جاء يفاخر ويباهي ، أو يناظر ويجادل ، ومنهم من جاء يطلب رد الجيش الإسلامي كيلا يهجم على قومه ، ومنهم من جاء يقر بالطاعة والجزية ، ومنهم من جاء يبدي رغبته في الإسلام ، ويبدى رجاء ذلك من قومه ، ومنهم من جاء مسلماً طائعاً ممثلاُ لقومه ، يرغب في معرفة تعاليم الإسلام وأحكامه .
وكان رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يقابل هذه الوفود بما جبله الله عليه من البشاشة وكرم الأخلاق ، فيجيزهم بما يرضيهم ، ويرغبهم في الإسلام ، ويعلمهم الإيمان والشرائع ليعلموا من وراءهم ، وكانت هذه الوفود أعظم وصلة لإظهار الدين بين الأعراب في البوادي ، فقد كانت نتائج هذه الوفادات ، مع تنوعها واختلاف أغراضها ، إسلام المتوافدين ، ثم إسلام قومهم عاجلاً أو بعد فترة قصيرة ، ولم يشذ عن ذلك إلا البعض فقط ، مثل بني حنيفة ومسيلمة الكذاب ، وفيما يلي تذكر بعض الوفود المهمة .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد عبد القيس :
كانوا من سكان شرق الجزيرة العربية ، ومن أول من أسلم خارج المدينة ، فإن أول مسجد أقيمت فيه الجمعة بعد مسجد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هو مسجدهم بقرية جواثي بالبحرين ، وقد توافد بنو عبد القيس مرتين ، مرة في السنة الخامسة من الهجرة ، ومرة في سنة الوفود ، والوافدون في المرة الأولى كانوا ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلاً ، فلما وصلوا المدينة ورأوا النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
رموا بأنفسهم عن الركائب بباب المسجد ، وتبادروا إليه يسلمون عليه ، وكان فيهم عبدالله بن عوف الأشج ، وكان أصغرهم سناً ، فتخلف عند الركائب حتى أناخها ، وجمع المتاع ، وأخرج ثوبين أبيضين فلبسهما ، ثم جاء هونا حتى سلم على رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فقال له رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .

وكان النبيr قد قال قبل وصولهم إلى المدينة : سيطلع عليكم ركب هم خير أهل المشرق ، لم يكرهوا على الإسلام ، وقد أنضوا الركائب ، وأفنوا الزاد ، اللهم اغفر لعبد القيس . فلما جاؤوه قال ": مرحبا بكم غير خزايا ولا ندامى ".
سألوه عن أمر فصل يعملون به ، ويخبرون به من وراءهم ، فأمرهم بأربع :
1. شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
2. وإقام الصلاة .
3. وإيتاء الزكاة .
4. وصوم رمضان .
ولم يكن قد فرض الحج إذ ذاك فلم يأمر به ، وطلب منهم أن يعطوا من المغنم الخمس ، ونهاهم عما يسكر من الأشربة ، وكانوا يكثرون منها ، ونهاهم أيضاً عن الأواني التي كانوا ينتبذون فيها .
أما الوفادة الثانية فكان فيها أربعون رجلاً ، فيهم الجارود بن العلاء العبدي ، كان نصرانياُ فأسلم ، وحسن إسلامه
 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفود ضمام بن ثعلبة من بني سعد بن بكر :
كان رجلاً جافياً من أهل البادية ، ذا غديرتين ، وقدم المدينة فأناخ بعيره في المسجد ، وعقله ، ثم قال : أيكم ابن عبدالمطلب ؟ فدلوه عليه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فدنا منه وقال : يا محمد ! إني سائلك ، فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد علي في نفسك ، فقال :" سل ما بدا لك ".

فقال : أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال : " صدق "
قال : فمن خلق السماء ؟ قال :" الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : "الله" . "قال" : فمن نصب هذه الجبال ، وجعل فيها ما جعل ؟ قال :"الله "
قال : فبالذي خلق السماء ، وخلق الأرض ، ونصب هذه الجبال ، الله أرسلك ؟ قال :" نعم " .
قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ، قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك . الله أمرك بهذا ؟ قال :" نعم " .
قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ، قال :" صدق " . قال : فبالذي أرسلك . الله أمرك بهذا ؟ قال :" نعم " . قال : فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم "
قال : وزعم رسولك أن علينا صوم رمضان في سنتنا ، قال : " صدق " قال : فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم "
قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً . قال : " صدق "
[ قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " ] .
ثم ولى . فقال : والذي بعثك بالحق ، ولا أزيد عليهن ، ولا أنقض منهن . فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:
" لئن صدق ليدخلن الجنة " .

ولما رجع إلى قومه وقد خلع الأنداد ، وأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، ما أمسى من قومه رجل ولا امرأة إلا مسلماً ، وبنوا المساجد ، وأذنوا بالصلاة ، فلم يكن وافد أفضل من ضمام بن ثعلبة .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد عذرة وبلى :
وفي شهر صفر سنة 9هـ قدم اثنا عشر رجلاً بني عذرة ، وذكروا قرابتهم من قصي ، ونصرتهم له في إخراج بني بكر وخزاعة من مكة ، فرحب بهم النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وبشرهم بفتح الشام ، ونهاهم عن السؤال الكاهنة ، وذبائح النصب ، وقد أسلموا وأقاموا أياماً ثم رجعوا .
وعلى إثرهم جاء وفد بلى – وفي ربيع الأول سنة 9هـ فأسلموا وأقاموا ثلاثاً ثم رجعوا .
 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد بني أسد بن خزيمة :
قدم عشرة منهم في أول سنة تسع ، ورسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المسجد مع أصحابه ، فسلموا ، وقال متكلمهم : يا رسول الله ! إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثاً ، فأسلمنا ولم نقاتلك ، كما قاتلك بنو فلان ، ونحن لمن وراءنا سلم ، فأنزل الله : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

وسألوه عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من العيافة ، وهي زجر الطير – والكهانة ، وضرب الحصباء ، فنهاهم عن ذلك ، وسألوه عن الرمل ، فقال : علمه نبي ، فمن صادف مثل علمه فذاك وإلا فلا . ومعلوم أن المصادفة مستحيلة المعرفة ، وكل هذه الأعمال من التخرص على الغيب ، ومكث أهل الوفد أياماً يتعلمون الفرائض ، ثم انصرفوا وقد أجيزوا
 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفـد تجيب :
تجيب فرع من قبيلة كندة . وقد جاء هؤلاء بصدقات قومهم مما فضل عن فقرائهم ، فسر بهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وأكرم مثواهم ، وقال أبوبكر t : ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا ، فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" إن الهدى بيد الله فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان " .

وكانوا يسألون عن القرآن والسنن يتعلمونها ، ثم أرادوا الرجوع فأجازهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بأفضل ما كان يجيز به الوفود ، وسألهم هل بقى منهم أحد ، قالوا : غلام خلفناه في رحلنا ، هو أحدثنا سنا ، قال : أرسلوه فأقبل وقال : يا رسول الله ! أنا من الرهط الذين أتوك آنفا ، فقضيت حاجتهم فاقض حاجتي . قال : وما حاجتك ؟ قال : تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي . فدعا له بذلك ، وأمر له بمثل جائزة أصحابه ، فكان أقنع الناس ، وثبت في الردة على الإسلام ، ووعظ قومه فثبتوا عليه .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد بني فزارة :
جاء هذا الوفد بعد مرجعه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من تبوك ، في بضعة عشر رجلاً ، مقرين بالإسلام ، وهم مسنتون ، فسألهم النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
عن بلادهم فشكوا جدبها ، وقالوا : فادع الله لنا ربك يغيثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربك إليك ، فقال : سبحان الله ، ويلك هذا ، أنا أشفع إلى ربي ، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ؟ لا إله إلا هو العلي العظيم ، وسع كرسيه السماوات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الحديث . ثم صعد المنبر ، ودعا الله ، حتى أغاثهم بالمطر الغزير والرحمة التامة .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفــد نجــران :
نجران منطقة كبيرة على حدود اليمن ، طولها مسيرة يوم للراكب السريع ، كانت تشمل على ثلاث وسبعين قرية ، فيها عشرون ومائة ألف مقاتل ، كلهم على دين النصارى ، فكتب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى أسقفهم يدعوهم إلى الإسلام ، فلما قرأ الكتاب فزع ، واستشار خاصتهم ثم عامتهم ، فاستقر رأيهم على إرسال وفد يعالج القضية ، فأرسلوا وفداً يتكون من ستين رجلاً ، فجاؤوا النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقد لبسوا حللاً من حبرة يجرونها ، وأردية من حرير ، وخواتيم من ذهب ، فلم يكلمهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فأشار عليهم بعض كبار الصحابة أن يغيروا حللهم ، ويضعوا خواتيمهم ، ففعلوا ، فكلمهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، ودعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ، وقالوا : كنا مسلمين قبلكم . فقال لهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: يمنعكم عن الإسلام ثلاث : عبادتكم الصليب . وأكلكم لحم الخنزير . وزعمكم أن لله ولداً .

قالوا : فمن مثل عيسى ؟ خلق من غير أب . فأنزل الله في ذلك : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ{59} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ{60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ{61} .
فتلاها عليهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ودعاهم إلى المباهلة ، فطلبوا منه فرصة ، واستشاروا فيما بينهم ، فقالوا : إن كان نبياً ولا عناه لا يبقى منا شعر ولا ظفر إلا هلك ، فرضوا بإعطاء الجزية . وهي ألف حلة في صفر ، وألف حلة في رجب ، مع كل حلة أوقية ، وجعل لهم الذمة والأمان ، والحرية في الدين ، ثم قالوا : أرسل معنا رجلاً أميناً ، فأرسل معهم أبا عبيدة عامر بن الجراح ، فسمى بأمين هذه الأمة ,

وفي عودتهم إلى نجران أسلم اثنان منهم ، ثم بدأ الإسلام يفشو فيهم حتى أسلم جمع منهم .
 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد أهل الطائف :
سبق أن النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حاصر أهل الطائف بعد غزوة حنين ، ثم تركهم في أماكنهم ، ورجع ، فلما رجع تبع أثره عروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، ثم رجع ودعا قومه إلى الإسلام – وكان أحب إليهم من أبكارهم ، فظن أنهم يطيعونه – فرموه بالنبل من كل جانب حتى قتلوه ، ثم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، فبعثوا عبد ياليل بن عمرو ، ومعه خمسة آخرون من أشرافهم ، وذلك في رمضان سنة 9هـ فلما قدموا المدينة ضرب عليهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قبة في ناحية المسجد ليسعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا .

ومكثوا يختلفون إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، يدعوهم إلى الإسلام ، وهم لا يسلمون ، حتى طلبوا منه أن يسمح لهم بالزنا وشرب الخمر وأكل الربا ، وأن لا يهدم اللات ، ويعفيهم عن الصلاة ، وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم ، فأبى ، وأخيراً رضخوا له ، وأسلموا واشترطوا أن يتولى هو بهدم اللات ، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم أبداً . فقبل ذلك .

وكان عثمان بن أبي العاص الثقفي أصغرهم سناً ، فكانوا يختلفونه في رحالهم ، فكان إذا رجعوا يذهب إلى النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يستقرؤه القرآن ، وإذا رأه نائماً استقرأ أبا بكر ، حتى حفظ شيئاً كثيراً من القرآن ، وهو يكتم ذلك عن أصحابه ، فلما أسلموا أمره عليهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لحرصه على الإسلام وقراءة القرآن وتعلم الدين .

ورجع الوفد إلى قومه عنهم إيمانه ، وخوفهم الحرب والقتال ، وقالوا : جئنا رجلاً فظاً غليظاً قد ظهر بالسيف ، ودان له الناس ، فعرض علينا أموراً شديدة ، وذكروا ما تقدم من ترك الزنا والخمر والربا وغيرها ، وإلا يقاتلهم ، فأخذتهم النخوة ، واستعدوا للقتال يومين أو ثلاثة أيام ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فقالوا للوفد : ارجعوا فأعطوه ما سأل . فقال الوفد : قد قاضيناه وأسلمنا فأسلم ثقيف .
وبعث رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة الثقفي في رجال إلى الطائف ليهدموا اللات ، فكسروها وهدموا بنيانها .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد بني عامر بن صعصعة :
كان في هذا الوفد عدو الله عامر بن الطفيل الذي غدر بأصحاب بئر معونة ، وأربد بن قيس وجابر بن أسلم ، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم ، وقد تأمر عامر وأربد بن قيس على اغتيال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فلما قدموا المدينة دعاهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى الإسلام ، فقال عامر وهو المتكلم عن الوفد : أخيرك بين خصال ثلاث : يكون لم أهل السهل ولي أهل المدر . أو أكون خليفتك من بعدك ، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر ، وألف شقراء . فرفض رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كل ذلك ، وقال : اللهم اكفني عامراً واهد قومه .

ودار أربد ، وحينما كان عامر يتكلم ، خلف النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، واخترط سيفه شبراُ ، ثم حبس الله يده فلم يقدر على سله .

فلما رجعوا وكانوا ببعض الطريق نزل عامر عند امرأة من قومه من بني سلول ، ونام في بيتها ، فبعث الله عليه الطاعون ، وأخذته غدة في حلقه ، فقال : أغدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ؟ ائتوني بفرسي ، فركب فمات على فرسه .
وأما أربد فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتها ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ] وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [ .
وقد روى قصتهما موئلة بن جميل الصحابي – أحد رجال قبيلتهما بني عامر – وكان هو أيضاً قد أتى النبيr فأسلم وهو ابن عشرين سنة ، وبايعه ، ومسح يمينه ، وساق إبله إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فصدقها بنت لبون ، ثم صحب بعده أبا هريرة ، وعاش في الإسلام مائة سنة ، وكان يسمى ذا اللسانين لأجل فصاحته .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد بني حنيفة :
كانت وفادتهم سنة 9هـ وكانوا سبعة عشر رجلاً ، فيهم مسيلمة الكذاب ، ونزلوا في بيت رجل من الأنصار ، ثم جاءوا النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فأسلموا ، أما مسيلمة فيقال : إنه أيضاً أسلم معهم ، ويقال : إنه تخلف ولم يحضر ، وقال : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته .

وكان النبي r قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن الأرض ، فوقع في يديه سواران من ذهب ، فكبروا عليه وأهماه ، فأوحى إليه أن انفخهما ، فنفخهما فذهبا ، فأولهما كذابين يخرجان من بعده .
فجاء رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
مسيلمة ، وفي يده
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قطعة من جريد ، ومعه ثابت بن قيس ، فوقف عليه في أصحابه ، فكلمه ، فقال له مسيلمة : إن شئت خلينا بينك وبين الأمر ، ثم جعلته لنا بعدك ، فقال : لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكما ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله . والله إني لأراك الذي أريت فيه ما أريت . وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني ، ثم انصرف .

ورجع الوفد فلبث مسيلمة يسيراً ثم ادعى أنه أشرك في الأمر مع النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وادعى النبوة ، ولفق السجعات ، وأحل لقومه الخمر والزنا ، وافتتن به قومه ، وتفاقم أمره ، حتى توفي رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وهو على ذلك ، فازداد قومه افتتاناً به ، فأرسل إليه أبو بكر t الجيوش بقيادة خالد بن الوليد ، فجرت بينه وبين المسلمين حروب شديدة ، قتل فيها مسيلمة ومعظم جنوده ، وقضي على فتنته ، وكان الذي قتله وحشي بن حرب قاتل حمزة – رضي الله تعالى عنه .

أما الكذاب الثاني الذي أريه النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فهو الأسود العنسي ، وسنأتي على ذكره .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفود رسول ملوك حمير ، وبعث معاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري :

وبعد مرجعه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من تبوك قدم مالك بن مرة الرهاوي ، يحمل معه كتاب ملوك حمير ، وهم : الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد الكلال ، والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان . وكانوا قد أسلموا وأرسلوه بذلك ، فكتب إليهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كتاباً بين لهم فيه ما لهم وما عليهم ، وأعطى الذمة للمعاهدين .

ثم أرسل إليهم معاذ بن جبل في رجال من أصحابه ، على الكورة العلياء من جهة عدن بين السكون والسكاسك ، وكان قاضياً وحاكماً في الحروب ، وعاملاً على أخذ الصدقة والجزية ، ويصلي بهم الصلوات الخمس ، وبعث أبا موسى الأشعري t على الكورة السفلى ، زبيد ومأرب وزمع والساحل ، وقال : يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا .
وقد مكث معاذ باليمن حتى توفي رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، أما أبو موسى الأشعري t فقدم عليه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في حجة الوداع

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد همدان وبعث خالد وعلي :

همدان قبيلة مشهورة باليمن ، وقد وفدها سنة 9هـ بعد مرجعه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من تبوك ، وفيهم مالك بن النمط ، وكان شاعراً مجيداً ، فقال :

حلفت برب الراقصات إلى منى صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها أشـد علـى أعدائـه مـن محمد
فكتب لهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كتاباً وأقطعهم فيه ما سألوه ، واستعمل مالك ابن النمط على من أسلم من قومه ، ثم بعث خالد بن الوليد يدعو بقيتهم إلى الإسلام ، فمكث فيهم ستة أشهر ولم يسلموا ، ثم بعث إليهم علي بن أبي طالب ، وأمره أن يقفل خالداً ففعل ، وقرأ عليهم كتاباً لرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا ، فكتب البشارة إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فخر ساجداً . ثم رفع رأسه فقال :" السلام على همدان ، والسلام على همدان ".

 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفد بني عبد المدان :
ثم بعث رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
خالد بن الوليد في ربيع الآخر سنة 10هـ إلى بني عبد المدان بنجران من أرض اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، فإن أبوا قاتلهم ، فلما قدم إليهم بعث الركبان في كل وجه ، يدعون إلى الإسلام ، وكتب بذلك إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فأرسل إليه أن يقدم بوفدهم ففعل ، ولما اجتمعوا به
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قال لهم : بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا : كنا نجتمع ولا نتفرق ، ولا نبدأ أحداً بظلم ، قال : صدقتم ، وأمر عليهم قيس بن الحصين . ورجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو صدر ذي القعدة . ثم أرسل إليهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتاباً . وهو كتاب مشهور جداً .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
إسلام بني مذحج :

بني مذحج وهي أيضاً قبيلة يمانية ، أرسل إليهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
علي بن أبي طالب في رمضان سنة 10هـ ليدعوهم إلى الإسلام ، وأمره أن لا يقاتلهم حتى يقاتلوه ، فلما انتهى إليهم ، ولقي جموعهم دعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ورموا المسلمين بالنبل ، فصف على مع أصحابه ، وقاتلهم حتى هزمهم ، فكف عن طلبهم قليلاً ، ثم لحقهم ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا ، وبايعه رؤساؤهم ، وقالوا : نحن على من وراءنا من قومنا ، وهذه صدقاتنا ، فخذ منها حق الله ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فوافاه بمكة في حجة الوداع .

وفد أزد شنوءة :
هي أيضاً قبيلة مشهورة في جهة اليمن ، توافدوا برئاسة صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلموا ، فأمره عليهم ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك .
 
الوفــود والدعـاة والعمال
وفود جرير بن عبدالله البجلي وهدم ذي الخلصة :

وقدم على رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
جرير بن عبدالله البجلي ، وهو من مشاهير الصحابة ، وكان لقبيلته بجيلة وخثعم صنم ومعبد كبير يسمونه ذا الخلصة ، يضاهون به الكعبة ، فكانوا يقولون للكعبة الكعبة الشامية ، ولمعبدهم الكعبة اليمانية ، فقال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يوماً لجرير : ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ فشكا إليه أنه لا يثبت على الخيل ، فضرب بيده الكريمة في صدره وقال : اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً ، فلما يسقط بعد ذلك عن فرس .

ونفر جرير إلى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه أحمس – فرع من بجلية – فخرب ذلك البيت ، وأحرقه ، وتركه مثل الجمل الأجرب ، وبعث أبا أرطاة إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يبشره بذلك ، فدعا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالبركة لخيل أحمس ورجالها ، خمس مرات .

 
الوفــود والدعـاة والعمال
ظهور الأسود العنسي وقتله :

وبينما استتب الأمن والإسلام في اليمن ، وعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
متوافرون في جميع جهاته إذ ظهر الأسود العنسي من بلدة كهف حنان في سبعمائة مقاتل ، يدعي لنفسه النبوة والأمر ، وتقدم إلى صنعاء واحتلها ، ثم تفاقم أمره ، واشتدت فتنته ، وقوي ملكه ، حتى انحاز عمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى أرض الأشعريين ، وعامله المسلمون بالتقية ، واستمر ذلك ثلاثة أشهر ، أو أربعة أشهر ، ثم احتال عليه فيروز الديلمي وزملاؤه من الفرس ، وكانوا قد أسلموا ، فقتله فيروز ، واحتز رأسه ، ورماه خارج الحصن فانهزم أصحابه ، وظهر الإسلام وأهله ، وتراجع نواب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى أعمالهم ، وكتبوا بذلك إليه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
.

وكان قتله قبل وفاة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بيوم وليلة ، فأتاه الوحي ، فأخبر به أصحابه ، ثم وصل الكتاب في زمن أبي بكر الصديق t .

 
حجة الـوداع
حجة الـوداع :

ولما تم إبلاغ الدعوة في أنحاء الجزيرة العربية ، وأوجد الله طائفة من المؤمنين تكفل بحفظها وبإبلاغها إلى أقصى أرض الله ، قدر الله أن يري رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ثمار جهده المتواصل قبل أن ينتقل إلى الله ، فأكرمه الله بحج بيته المكرم في ذي الحجة سنة 10هـ .

ولما أراد
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الحج أذن به في الناس ، فاجتمع بالمدينة بشر كثير ، فلما كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وهو اليوم السادس والعشرون منه ، ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وانطلق من المدينة بعد صلاة الظهر ، حتى بلغ ذا الحليفة قبل أن يصلي العصر ، فصلاها بها ركعتين ، ثم بات بها ، فلما أصبح قال : أتاني الليلة آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل عمرة في حجة ، وكان هذا إباحة للعمرة في أيام الحج ، وكان أهل الجاهلية يرونها من أفجر الفجور .

ثم اغتسل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قبل الظهر ، وتطيب في رأسه وبدنه بطيب فيه مسك . ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، وأهل بالحج والعمرة في مصلاه ، وقرن بينهما ، فقال : " اللهم لبيك عمرة وحجاً ، ثم لبى : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ". وكان أحياناً يقول :" لبيك إله الحق " .

ثم خرج من المصلى فركب القصواء ، وأهل مرة أخرى ، فلما استوت به بالبيداء أهل أيضاً ، وأشعر هديه بعد الصلاة وقلدها بذي الحليفة .
ثم واصل سيره حتى دنا من مكة ، فبات بذي طوى ، وصلى به الفجر ، ثم اغتسل ومضى حتى دخل المسجد الحرام ، وذلك صباح يوم الأحد لأربع مضين من ذي الحجة ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ثم أقام بأعلى مكة عند الحجون ، ولم يعد إلى الطواف ، وبقى في إحرامه ، لأنه كان قارناً جمع بين إحرامي الحج والعمرة ، لكونه قد ساق الهدي ، وأمر كل من ساق معه الهدي أن يبقى في إحرامه ، وأما من لم يسق معه الهدي فأمره أن يقصر رأسه بعد الطواف والسعي ، ويحل حلالاً تاماً ، ويجعل عمله هذا عمرة ، سواء كان قد أحرم بنية الحج أو العمرة أو كليهما . وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ، ولأحللت ، فحل من لم يكن معه هدي .
ثم توجه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يوم التروية – وهو اليوم الثامن من ذي الحجة – إلى منى ، وأحرم للحج كل من كان قد حل ، فصلى بمنى خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، وصلى الرباعية منها ركعتين قصراً ، ثم أجاز من منى بعدما طلعت الشمس حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، فلما زالت الشمس ركب القصواء وأتى وادي عرنة وقد اجتمع الناس حوله فقام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، وأوصى بتقوى الله ، ثم قال فيما قال : " أيها الناس ! اسمعوا قولي . فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ، وأن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شئ من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث [ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتله هذيل ] وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربنا ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس :" اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد "!

وقد بين في هذه الخطبة عدة أمور أخرى ، فلما فرغ منها نزل عليه قوله تعالى " ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [ . فكان يوم نعمة وسعادة وشكر .
وأذن بلال بعد الخطبة ثم أقام فصلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالناس الظهر ركعتين ، ثم أقام فصلى العصر ركعتين ، جمعهما في وقت الظهر جمعاً مقدماً . ولم يصل بينهما شيئاً . ثم أتى الموقف فجعل بطن ناقته إلى الصخرات ، واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاًَ حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، ثم دفع حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً .

ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر مبكراً ، ثم أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ودعا وكبر وهلل ووحد حتى أسفر جداً .
ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس حتى أتى الجمرة الكبرى ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها . ولم يزل يلبي حتى رمى الجمرة ، فلما رماها قطع التلبية ، ووقف عند هذه الجمرة يقول :" خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ".
ثم أتى منزله بمنى فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم نحر علي بقية المائة ، وهي سبع وثلاثون بدنة . ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر وطبخت ، فأكلوا من لحمها وشربوا من مرقها .
وبعد فراغه من النحر دعا الحلاق ، فأعطاه شقه الأيمن فحلق ، فقسمه بين الناس من شعره وشعرتين ، ثم حلق الأيسر فأعطاه لأبي طلحة .
ثم لبس ثيابه ، وتطيب قبل أن يطوف ، ثم ركب حتى أتى البيت ، فطاف طواف الإفاضة ، ولم يطف بين الصفا والمروة ، وصلى الظهر ، وأتى على بني عبدالمطلب ، وهم يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب ! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلواً فشرب منه .
ثم رجع
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى منى فمكث بها ليالي التشريق 11، 12 ، 13 ، من ذي الحجة – يرمي الجمرات الثلاث كل يوم إذا زالت الشمس ، يبدأ بالجمرة الصغرى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى كذلك .

وقد خطب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
خطبة يوم النحر ، ثم خطبة في أوسط أيام التشريق . أكد فيها ما سبق في خطبة عرفة وزاد عليها ، وقد نزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق قبل الخطبة

وفي اليوم الثالث عشر – وهو يوم النفر الثاني ، وثالث أيام التشريق ، وكان يوم الثلاثاء – نفر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من منى وبعد رمي الجمرات ، فنزل بالأبطح ، وصلى هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وبعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر ليعمرها من التنعيم ، فأحرمت وقضت عمرتها ، ثم جاءته بالأبطح سحراً ، وكان
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قد رقد به رقدة . فلما جاءته آذن بالرحيل ، وركب إلى البيت فطاف به طواف الوداع ، وصلى صلاة الفجر ، ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة ، وقد خرج من أسفل مكة ، ولما قرب من المدينة ولاحت له معالمها كبر ثلاثاً ثم قال :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، آيبون تائبون ، عابدون ، ساجدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ".

 
الوسوم
الله الوفاة الولادة حتى سيرته صلى عليه كاملة لنتعلم من وسلم
عودة
أعلى