لنتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

عـــام الحـــزن
وفاة أبي طالب :
أما مرض أبي طالب فلم يزل يشتد به حتى حضرته الوفاة . ودخل عليه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: " أي عم ! قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله " . فقالا : يا أبا طالب ! أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما قال : على ملة عبد المطلب .

فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: " لأستغفرن لك مالم أنه عنك " فنزلت :} مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ { [ 28:113]

وكانت وفاته في شهر رجب أو رمضان سنة عشر من النبوة ، وذلك بعد الخروج من الشعب بستة أشهر ، وقد كان عضداً وحرزاً لرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وحصناً احتمت به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء ، ولكنه بقي على ملة الأجداد فلم يفلح كل الفلاح .

قال العباس للنبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: ما أغنيت عن عمك ؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك . قال :" هو في ضحضاح من النار ، ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار " .


 
عـــام الحـــزن
خديجة إلى رحمة الله :
ولم يندمل جرح رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
على وفاة أبي طالب حتى توفيت أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وذلك في رمضان من نفس السنة العاشرة بعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام فقط . وكانت وزير صدق لرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
على الإسلام ، آزرته على إبلاغ الرسالة ، وآسته بنفسها ومالها ، وقاسمته الأذى والهموم . قال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" آمنت بي حين كفر بي الناس ، وصدقتني حين كذبني الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها ".
وورد في فضائلها أن جبريل – عليه السلام – أتى النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقال : يا رسول الله ! هذه خديجة قد آتت ، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرء عليها السلام من ربها ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .
وكان النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يذكرها دائماً ، ويترحم عليها ، وتأخذ به الرأفة والرقة لها كلما ذكرها ، وكان يذبح الشاة فيبعث في أصدقائها . لها مناقب جمة وفضائل كثيرة .
 
عـــام الحـــزن
تراكم الأحزان :
واشتد البلاء على رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من قومه بعد موت عمه أبي طالب وزوجة خديجة – رضي الله عنها – فقد تجرءوا عليه ، وكاشفوه بالأذى ، وطفق التي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يتأثر بشدة بكل ما يحدث ، ولو كان أصغر وأهون مما سبق . حتى إن سفيها من سفهاء قريش نثر التراب على رأسه ، فجعلت إحدى بناته تغسله وتبكي ، وهو يقول لها : لا تبكي يا بنية ! فإن الله مانع أباك ، ويقول بين ذلك : ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب .
 
عـــام الحـــزن
زواجه بسودة ثم بعائشة رضي الله عنهما :
وفي شوال – بعد الشهر الذي توفيت فيه خديجة – تزوج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بسودة بنت زمعة – رضي الله عنها – وكانت تحت ابن عمها : السكران بن عمرو t وكانا من السابقين الأولين إلى الإسلام . وقد هاجرا إلى الحبشة ، ثم رجعا إلى مكة ، فتوفي بها السكران بن عمرو ، فلما حلت تزوجها النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وبعد أعوام وهبت نوبتها لعائشة .
أما زواجه بعائشة – رضي الله عنها – فكان أيضاً في شهر شوال ولكن بعد سودة بسنة ، تزوجها بمكة وهي بنت ست سنين ، ودخل بها في المدينة في شهر شوال في سنة الأولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين ، وكانت أحب أزواجه r إليه ، وأفقه نساء الأمة . لها مناقب جمة وفضائل وافرة .
 
رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في الطائف
الرسول في الطائف :
وفي هذه الظروف قصد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته ، أو وينصروه ، فخرج إليها ماشياً على قدميه ، ومعه مولاه زيد بن حارثة ، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام حتى بلغ الطائف . ونزل على ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، فدعاهم إلى الإسلام وإلى نصرته
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
على تبليغه ، فلم يستجيبوا له ، بل ردوا عليه أسوء رد ، فتركهم وقصد الآخرين ، ودعاهم إلى قبول الإسلام ونصرته ، ولم يزل ينتقل من رئيس إلى رئيس ، فلم يترك أحداً من أشرافهم إلا وكلمه ، وقضى في ذلك عشرة أيام ، لكن لم يجب له أحد ، بل قالوا له : اخرج من بلدنا ، وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم وعبيدهم ، فلما تهيأ وخرج وقفوا له في صفين ، وأخذوا يسبونه ويشتمونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه وقدميه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وحتى اختضب نعلاه بالدم . وكان زيد بن الحارثة t يقيه بنفسه ، ويدافع عنه ، فأصابه شجاج في رأسه ، واستمرت هذه السفاهة حتى وصل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف فدخل فيه ، فلما دخل فيه انصرفوا عنه .

وجلس النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في الحائط تحت ظل حبلة من عنب ، متعمداً إلى جدار ، وقد أثر في نفسه ما لاقاه ، فدعا بالدعاء المشهور :

" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس . يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني . أم إلى عدو ملكته أمري . إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك . أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
ورآه ابنا ربيعة في هذا الحال فأخذتهما رقة . وأرسلا إليه بقطف من عنب مع مولى لهم نصراني اسمه عداس ، فلما مد النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يده ليتناوله قال : بسم الله " ثم أكل . فقال عداس ، هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد

فقال له النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ "

فقال : نصراني ، من أهل نينوي .
فقال : " من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ "
فقال : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي ". وقرأ عليه قصة يونس عليه السلام – من القرآن ، فأسلم عداس على ما يقال .

ثم خرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من الحائط ، وتقدم في طريقه إلى مكة ، وهو كئيب حزين مهموم ، حتى إذا بلغ قرن المنازل ، أظلته سحابة فيها جبريل ومعه ملك الجبال ، فرفع
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
رأسه ، فناداه جبريل ، قال : أن الله بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت . ثم سلم ملك الجبال وقال : يا محمد ! ذلك ، فما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين – وهما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله – فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .

وأفاق رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من همه بمجئ هذا النصر ، وتقدم في طريقه إلى مكة حتى نزل بنخلة ، وأقام بها أياماً ، وأثناء إقامته بها صرف الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، وقد آمنوا به ، ولم يشعر بهم رسول الله
r حتى نزل بذلك القرآن : آيات من سورة الأحقاف ، وآيات من رسول الجن .

وبعد أيام خرج رسول الله r من نخلة يريد مكة ، وهو يرجو من الله الفرج والمخرج ، ويخشى من قريش الشر والبطش ، فأحب أن يحتاط لنفسه ، فلما دنا من مكة مكث بحراء ، وبعث رجلاً إلى بن شريق ليجيره ، فأعتذر بأنه حليف ، والحليف لا يجير ، فأرسل إلى سهيل بن عمرو ، فاعتذر بأنه من بني عامر بن لؤي ، وهم لا يجيرون على بني كعب بن لؤي ، فأرسل إلى المطعم بن عدي ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف أخي هاشم بنم عبد مناف جد النبي r وعبد مناف أعز بطن في قريش ، فقال المطعم : نعم . وتسلح هو وبنوه ، ثم أرسل إلى رسول الله r فجاء ودخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت ، وصلى ركعتين ، ثم انصرف إلى بيته ، والمطعم بن عدي وأولاده محدقون برسول الله r بالسلاح . وكان المطعم قد أعلن في قريش أنه أجار محمداً ، فقبلوا ذلك منه .

 
جدال المشركين وطلبهم الآيات
جدال المشركين وطلبهم الآيات :
وكان من جملة جدال المشركين أنهم كانوا يطلبون من رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الآيات تعجيزاً وعناداً ، وقد تكرر ذلك منهم مراراً في أوقات مختلفة ، فمن ذلك أنهم اجتمعوا مرة في المسجد الحرام ، واستشاروا بينهم ، ثم أرسلوا إلى النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك .

وحيث إن النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كان حريصاً على رشدهم غاية الحرص ، كما قال الله تعالى :
} فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً { [ 186] فقد جاءهم سريعاً يرجو إسلامهم ، فقالوا : إنك تخبرنا أن الرسل كانت لهم آيات ، كانت لموسى عصا ، ولثمود الناقة ، وكان عيسى يحيي الموتى ، فأتنا بآية كما أرسل الأولون .

وكانوا يظنون أن من خواص الرسل أنهم يقدرون على إحداث مثل هذه الخوارق والمعجزات متى شاءوا ، كما يقدر عامة الناس على أعمالهم الطبيعية .
فاقترحوا عليه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، أو يسير عنهم الجبال ، ويبسط لهم البلاد ، ويجري فيها الأنهار ، أو يبعث من مضى من آبائهم حتى يشهدوا بأنه رسول :
}
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً{90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً{91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ والملائكة قَبِيلاً{92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ { [ 17: 9093]

وقد أبدوا رغبتهم في الإسلام إذا أتى النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بما اقترحوه } وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا
{ [ 6:910] فدعا الله أن يريهم ما طلبوه ، ورجا إسلامهم ، فجاء جبريل وخيره بين أن يريهم الله ما طلبوه فمن كفر بعد ذلك منهم عذبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ، وبين أن يفتح لهم باب التوبة والرحمة ، فقال : بل باب التوبة والرحمة ، فلما اختار النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هذا أنزل الله عليه جواب مقترحات المشركين فقال له :} قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً { [ 17: 93 ]

والمعنى قل لست أقدر على إحداث الخوارق والإتيان بالمعجزات ، لأن القدرة على ذلك أمر يختص بالله سبحانه وتعالى ، وهو منزه من أن يكون له شريك في قدرته ، وإنما أنا بشر ، كما أنكم بشر ، فلست أقدر عليه كما أنكم لا يقدرون عليه . وإنما الذي امتزت به فيما بينكم هو أنني رسول ، ويوحي إلي ، وأنتم لستم برسل ، وليس يوحى إليكم ، فالذي طلبتموه من الآيات ليس في يدي ولا تحت تصرفي ، وإنما هو إلى الله – عز وجل – إن شاء أظهرها لكم ، ويؤيدني بها عليكم ، وإن شاء أخرها عنكم ، وفي ذلك مصلحتكم .
وقد أكد الله هذا المعنى في سورة الأنعام فقال : } قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ الله وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ { [ 6:109] أي إن الأنبياء والرسل ليسوا بالذين يأتون بالخوارق والمعجزات ، وإنما الله – سبحانه وتعالى – هو الذي يأتي بها . وهو إنما يظهرها على أيدي الأنبياء والمرسلين تكريماً لهم ، وتأييداً وإثباتاً نبوتهم ورسالتهم .
ثم بين الله – سبحانه وتعالى – أنه لو أراهم وأظهر لهم ما طلبوه من الآيات لا يؤمنون به . مع كونهم قد أقسموا بالله جهد أيمانهم ليؤمنن به ، فقال :} وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ { وقال : } وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً{ [ 13: 31]
وفي ثنايا مثل هذه الآيات أشار الله تعالى إلى سنة من سننه ، وهي أن القوم إذا طلبوا آية معينة ، ثم لم يؤمنوا بها إذا جاءتهم فإنهم يهلكون ولا يمهلون . وسنة الله لا تتغير ولا تتبدل ، وقد علم الله أن معظم قريش يؤمنون فيما بعد . فلذلك لم يأت لهم بما اقترحوه من الآيات الخاصة التي مضى ذكرها قريباً .
 
جدال المشركين وطلبهم الآيات
شق القمر :
كأن قريشاً لما رأوا أن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لم يجبهم إلى ما اقترحوه من الآيات الخاصة ظنوا أن طلب الآيات أحسن وسيلة لتعجيزه وإسكاته . ولإقناع عامة الناس بأنه متقول ، وليس برسول ، فتقدموا خطوة أخرى ، وقرروا أن يطلبوا منه آية بغير تعيين ، ليتبين للناس عجزه ، فلا يؤمنوا به ، فجاءوا إليه ، وقالوا له : هل من آية نعرف بها أنك رسول الله ؟

فسأل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ربه أن يريهم آية . فأراهم القمر قد انشق فرقتين : فرقة فوق الجبل – أي جبل أبي قبيس – وفرقه دونه ، حتى رأوا حراء بينهما ، فقال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" اشهدوا " .

ورأت قريش هذه الآية جهاراً ، بوضوح ، ولوقت طويل ، فسقط في أيديهم وبهتوا ، ولكنهم لم يؤمنوا ، بل قالوا : هذا سحر ابن أبي كبشة ، لقد سحرنا محمد ، فقال رجل : إن كان قد سحركم فإنه لا تستطيع أن يسحر الناس كلهم ، فانتظروا ما يأتيكم به السفار ، فجاء السفار فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه . ولكن قريشاً مع ذلك أصروا على كفرهم واتبعوا أهواءهم .
وكأن انشقاق القمر كان كالتمهيد لما هو أكبر وأهم حدثاً من ذلك ، وهو الإسراء والمعراج ، فإن رؤية القمر هكذا منشقاً بعين اليقين تسهل على الذهن قبول إمكان الإسراء والمعراج والله أعلم .

 
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج :
المراد بالإسراء توجه النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، والمراد بالمعراج صعوده
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى العالم العلوي ، وكان ذلك بجسده الشريف وروحه الأطهر .

والإسراء مذكور في القرآن في قوله – تعالى : } سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { . [17:1]
أما المعراج فقيل : هو مذكور في سورة النجم من آياتها السابعة إلى الثامنة عشرة . وقيل :المذكور في هذه الآيات غير المعراج .
واختلف في وقت الإسراء والمعراج ، فقيل : هو السنة التي بعث فيها النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقيل : سنة خمس من النبوة . وقيل : في 27 رجب سنة عشر من النبوة .

وقيل : في 17 رمضان سنة اثنتي عشرة من النبوة . وقيل : في المحرم ، وقيل : في 17 ربيع الأول سنة 13 من النبوة .
أما تفصيل القصة فملخص الروايات الصحيحة : أن جبريل – عليه السلام – جاء بالبراق – وهو دابة فوق الحمار ، ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه – والنبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالمسجد الحرام ، فركبه حتى أتى بيت المقدس ومعه جبريل ، فربطه بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخل المسجد ، فصلى فيه ركعتين . أم فيهما الأنبياء . ثم أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن . فاختار اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ، هديت وهديت أمتك . أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .

ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبريل ففتح له ، فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه ، فرد عليه السلام ، ورحب به ، وأقر بنبوته ، وعن يمينه أسودة إذا نظر إليهم ضحك – وهي أرواح السعداء – وعن يساره أسودة إذا نظر إليهم بكى . وهي أرواح الأشقياء .
ثم عرج على السماء الثانية فاستفتح له جبريل ففتح . فرأى فيها أبني الخالة يحيى بن زكريا ، وعيسى ابن مريم – عليهما السلام – فسلم عليهما ، فردا عليه ورحبا به وأقرا بنبوته .
ثم عرج إلى السماء الثالثة ، فرأى فيها يوسف عليه السلام . وكان قد أعطى شطر الحسن . فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس – عليه السلام – فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنوبته .
ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران – عليه السلام – فسلم عليه فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران – عليه السلام – فسلم عليه – فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته . فلما جاوزه بكى . فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لأن غلاماً بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .
ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم – عليه السلام – فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته . وكان مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، وهو بيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه .
ثم رفع إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال – أي الجرار الكبيرة – ثم غشيها فراش من ذهب ، وغشيها من أمر الله ما غشيها ، فتغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها .
ثم عرج به إلى الجبار – جل جلاله ، فدنا منه ، حتى كان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة . فرجع حتى مر على موسى فقال : بم أمرك ربك ؟ قال : بخمسين صلاة ، قال : أمتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فالتفت إلى جبريل . فأشار أن نعم إن شئت . فرجع فوضع عنه عشراً . ثم مر بموسى فسأله فأخبره فأشار عليه بسؤال التخفيف . فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله – عز وجل – حتى جعلها خمساً . ثم مر بموسى فأشار بالرجوع وسؤال التخفيف . وقال : الله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: قد استحييت من ربي ، ولكني أرضى وأسلم . فلما بعد نودي أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، هي خمس وهن خمسون ، لا يبدل القول لدي .

ثم رجع عليه السلام من ليلته إلى مكة المكرمة ، فلما أصبح في قومه أخبرهم بما أراه الله – عز وجل – من آياته الكبرى ، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه ، فمنهم من صفق . ومنهم من وضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً . وسعى رجال إلى أبي بكر الصديق ، وأخبروه الخبر . فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق . قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك . أصدقه على خبر السماء في غدوة أو روحة ، فسمي الصديق .
وقام الكفار يمتحنونه فسألوه أن يصف لهم بيت المقدس . ولم يكن رآه قبل ذلك . فجلاه الله له حتى عاينه ، فطفق يخبرهم عن آياته ، يصفه لهم باباً باباً وموضعاً موضعاً ، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه ، بل قالوا : أما النعت فو الله لقد أصاب .
وسألوه عن عير لهم قادمة من الشام . فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ووقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها ، وكان الأمر كما قال ، ولكن أبى الظالمون إلا كفورا .
وصبيحة يوم الإسراء جاء جبريل وعلم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها ، وكانت الصلاة قبل ذلك ركعتين في الصباح . وركعتين في السماء .

 
عرض الإسلام على القبائل والأفراد
عرض الإسلام على القبائل والأفراد :

كان من دأب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
منذ أمره الله بالجهر بالدعوة أنه كان يخرج في موسم الحج أيام أسواق العرب إلى منازل القبائل فيدعوهم إلى الإسلام .
وأشهر أسواق العرب في الجاهلية وأقربها إلى مكة ثلاثة : عكاظ ومجنة وذو المجاز ، وعكاظ قرية بين نخلة والطائف . كانوا يقيمون بها السوق من أول شهر ذي القعدة إلى عشرين منه . ثم ينتقلون منها إلى مجنة ، فيقيمون بها السوق إلى نهاية شهر ذي القعدة ، وهي موضع في وادي مر الظهران أسفل مكة . وأما ذو المجاز فهو خلف جبل عرفه أي خلف جبل الرحمة ، وكانوا يقيمون هناك السوق من أول ذي الحجة إلى الثامن منه ، ثم يتفرغون لأداء مناسك الحج .
وممن أتاهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ودعاهم إلى الإسلام ، وعرض عليهم نفسه ليؤوه وينصروه : بنو عامر بن صعصعة . وبنو محارب بن خصفة ، وبنو فزارة ، وغسان ، ومرة ، وبنو حنيفة ، وبنو سليم ، وبنو عبس ، وبنو نصر ، وبنو البكاء ، وكندة ، وكلب . وبنو الحارث بن كعب . وعذرة ، والحضارمة . فلم يستجب له منهم أحد .
ولكنهم اختلفوا في أساليب ردودهم . فنهم من رد عليه رداً جميلاً ، ومنهم من اشترط لنفسه أن تكون له الرئاسة بعده . ومنهم من قال : أسرتك وعشيرتك أعلم بك ، حيث لم يتبعوك . ومنهم من رد عليه رداً قبيحاً . وكان بنو حنيفة رهط مسيلمة الكذاب أقبحهم رداً .
 
عرض الإسلام على القبائل والأفراد
المؤمنون غير أهل مكة :
وقدر الله أن يؤمن رجال من غير أهل مكة في الزمن الذي كانت الدعوة تمر فيه بأصعب مراحلها في مكة ، فكانوا كجذوة أمل أضاءت في الظلام اليأس . فمنهم :
1-[FONT=&quot] [/FONT] سويد بن الصامت – كان شاعراً لبيباً ، من سكان يثرب ، يسمى بالكامل ، لشرفه وشعره . أتى مكة حاجاً أو معتمراً . فدعاه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى الإسلام ، فعرض هو على رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حكمة لقمان ، فعرض عليه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
القرآن فأسلم ، وقال : إن هذا قول حسن . قتل في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث .
2-[FONT=&quot] [/FONT] إياس بن معاذ – كان غلاماً حدثاً من سكان يثرب ، قدم مكة في أوائل سنة 11 من النبوة ، في وفد من الأوس كانوا يلتمسون الحلف من قريش على الخزرج ، فجاءهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ودعاهم إلى الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس : هذا والله خير مما جئتم له . فرمى أبو الحيسر – أحد أعضاء الوفد – تراب البطحاء في وجه إياس ، وقال : دعنا عنك ، لقد جئنا لغير هذا ، فسكت ، ولم يلبث بعد رجوعهم إلى يثرب أن هلك ، وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته . ولا يشك قومه أنه مات مسلماً .
3-[FONT=&quot] [/FONT] أبو ذر الغفاري – بلغ إليه خبر مبعث النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بسبب إسلام سويد بن الصامت وإياس بن معاذ . فأرسل أخاه إلى مكة ليأتي بالخبر . فذهب ورجع ، ولم يشفه ، فخرج بنفسه حتى نزل بمكة في المسجد الحرام . وبقي فيه نحو شهر ، يشرب ماء زمزم ، وهو طعامه وشرابه ، ولا يسأل عن النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أحداً خوفاً على نفسه ، ثم استتبعه علي رضي الله عنه حتى دخل به على النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فطلب منه أبو ذر أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه فاسلم مكانه ، ثم جاء إلى المسجد الحرام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . فانقض عليه قريش ، وضربوه مثل ما ضربوه بالأمس . وأنقذه العباس كما أنقذه بالأمس .
ورجع أبو ذر إلى مساكن قومه بني غفار . فلما هاجر النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة هاجر إليها
4-[FONT=&quot] [/FONT] طفيل بن عمرو الدوسي – كان شاعراً لبيباً ، رئيس قبيلته دوس في ناحية اليمن . قدم مكة سنة 11 من النبوة . فاستقبله أهل مكة . وحذروه من النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حتى حشا أذنه الكرسف حين جاء إلى المسجد الحرام ، كي لا يسمع منه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
شيئاً . وكان
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قائماً يصلى عند الكعبة ، فوقع في أذنه منه شئ ، فاستحسنه ، فقال في نفسه : إني لبيب وشاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان حسناً قبلته ، وان كان قبيحاً تركته .
فلما انصرف النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى بيته تبعه حتى دخل بيته ، وذكر قصته ، وطلب منه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن يعرض عليه أمره ، فعرض عليه الإسلام ، وتلا عليه القرآن فأسلم وشهد شهادة الحق ، وقل : إني مطاع في قومي ، وراجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية ، فدعا له . فلما قرب من قومه استنار وجهه كالمصباح . فدعا الله أن يجعله في غير وجهه ، فتحول النور إلى سوطه . فلما دخل على قومه دعاهم إلى الإسلام ، فأسلم أبوه وزوجته ، وأبطأ القوم ، لكنه لما هاجر إلى المدينة بعد الحديبية كان معه سبعون أو ثمانون بيتاً من قومه .
5-[FONT=&quot] [/FONT] ضماد الأزدي – من أزد شنوءة من اليمن ، كان يرقي من الجنون والجن والشياطين . فجاء مكة فسمع سفهاء يقولون : إن محمداً مجنون ، فجاء ليرقيه . فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: أن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ومن يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فاستعاد ضماد هذه الكلمات ثلاث مرات ، ثم قال : سمعت قول الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، لقد بلغن قاموس البحر ، هات يدك أبايعك على الإسلام ، فبايعه .
 
عرض الإسلام على القبائل والأفراد
الإسلام في المدينة :
611 ستة سعداء من أهل يثرب كلهم من الخزرج وهم :
أسعد بن زرارة .
عوف بن الحارث بن رفاعة ( عوف بن عفراء )
رافع بن مالك بن العجلان .
قطبة بن عامر بن حديدة .
عقبة بن عامر بن نابي .
جابر بن عبدالله بن رئاب .
جاء هؤلاء للحج في جملة من جاء سنة 11 من النبوة ، وكان أهل يثرب يسمعون من اليهود حينما ينالون منهم في الحرب ونحوها ، أن نبياً سيبعث الآن ، قد أظل زمان بعثته ، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كانوا بعقبة منى مر بهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ليلاً ، وهم يتكلمون ، فلما سمع الصوت عمدهم حتى لحقهم ، وقال : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : موالي اليهود ؟ أي حلفاؤهم – قالوا : نعم ، قال: أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا :بلى ! فجلسوا معه ، فشرح لهم حقيقة الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، ودعاهم إلى الله – عز وجل – فقال بعضهم لبعض : تعملون والله إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود ، فلا تسبقنكم إليه ، فأسرعوا إلى الإسلام . وقالوا : إنا قد تركنا قومنا وبينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك . ووعده القيام بالدعوة إلى دينه ، والمقابلة في الحج القادم .
 
بيعة العقبة
بيعة العقبة الأولى :
فلما كان حج العام المقبل – سنة 12 من النبوة – قدم اثنا عشر رجلاً ، منهم عشرة من الخزرج ، واثنان من الأوس ، فأما العشرة من الخزرج فخمسة منهم هم الذين جاءوا في الماضي غير جابر بن عبدالله بن رئاب وخمسة آخرون هم :
معاذ بن الحارث ( معاذ بن عفراء ) .
ذكوان بن عبد القيس .
عبادة بن الصامت .
يزيد بن ثعلبة .
العباس بن عبادة بن نضلة .
وأما الاثنان من الأوس فهما :
أبو الهيثم بن التيهان .
عويم بن ساعدة .
اجتمع هؤلاء برسول الله r بعقبة منى ، فعلمهم الإسلام ، وقال لهم : تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف . فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فستره الله ، فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ، فبايعوه على ذلك .
 
بيعة العقبة
دعوة الإسلام في يثرب :
فلما رجعوا إلى يثرب بعث معهم مصعب بن عمير t ليقرئهم القرآن ويفقههم في الدين ، ونزل مصعب بن عمير على أبي أمامة أسعد بن زرارة . ونشطا في نشر الإسلام . وبينما هما بستان إذ رئيس الأوس سعد بن معاذ لا بن عمه أسيد بن خضير : ألا تقوم إلى هذين الرجلين الذين أتيا يسفهان ضعفائنا ، فتزجرهما ، فأخذ أسيد حربته ، وأقبل إليهما ، فلما رآه أسعد قال لمصعب : هذا سيد قومه ، قد جاءك فاصدق الله فيه .
وجاء أسيد فوقف عليهما وقال : ما جاء بكما إلينا ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال مصعب : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكرهه ، فقال : أنصفت . وركز حربته وجلس ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وتلا عليه القرآن ، فاستحسن أسيد دين الإسلام واعتنقه ، وشهد شهادة الحق .
ثم رجع أسيد ، واحتال ليرسل إليهما سعد بن معاذ ، فقال له : كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأساً . وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت ، ثم قال : وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، لأنه ابن خالتك ، فيريدون أن يخفروك .
فغضب سعد ، وقام إليهما متغيظاً ، ففعل معه مصعب مثل ما فعل مع أسيد ، فهداه الله للإسلام ، فأسلم وشهد شهادة الحق ، ثم رجع إلى قومه ، فقال : يا بني عبد الأشهل ! كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً . قال . فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ، فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة ، إلا رجل واحد اسمه الأصيرم ، وتأخر إسلامه إلى يوم أحد ، ثم أسلم وقتل شهيداً في سبيل الله قبل أن يسجد لله سجدة .
وعاد مصعب بن عمير إلى مكة قبل حلول موعد الحج يحمل بشائر مثل هذا الفوز .
 
بيعة العقبة
بيعة العقبة الثانية :
وفي موسم الحج سنة 13 من النبوة قدم كثير من أخل يثرب من المسلمين والمشركين . وقد قرر المسلمون أن لا يتركوا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بمكة يطوف في جبالها ، ويطرد ويخاف ، فاتصلوا به سراً . واتفقوا على عقد اجتماع سري في أوسط أيام التشريق ليلاً في الشعب الذي عند جمرة العقبة .
فلما جاء الموعد ناموا في رحالهم مع قومهم ، حتى إذا مضى ثلث الليل الأول أخذوا يتسللون ، فيخرج الرجل والرجلان حتى اجتمعوا عند العقبة ، وهم ثلاثة وسبعون رجلاً ، اثنان وستون من الخزرج ، وأحد عشر من الأوس ، ومعهم امرأتان : نسيبة بنت كعب من بني نجار ، وأسماء بنت عمرو من بني سلمة . وجاءهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ومعه عمه عباس بن عبد المطلب . كان على دين قومه ، ولكن أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ، ويتوثق له .
وكان العباس أول من تكلم ، فقال لهم : أن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لا يزال في عز من قومه . ومنعة في بلده ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإلا فمن الآن فدعوه .
فأجاب المتكلم عنهم – وهو البراء بن معرور – وقال : نريد الوفاء والصدق وبذل الأرواح دون رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فتكلم يا رسول الله ! فخذ لنفسك ولربك ما أحببت .
فتكلم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فتلا القرآن ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام واشترط لربه :
1-[FONT=&quot] [/FONT] أن يعبدوه وحده ، ولا يشركوا به شيئاً .
واشترط لنفسه ولربه أيضاً أنهم قالوا له على ما نبايعك ؟ فقال :
2-[FONT=&quot] [/FONT] على السمع والطاعة في النشاط والكسل .
3-[FONT=&quot] [/FONT] وعلى النفقة في العسر واليسر .
4-[FONT=&quot] [/FONT] وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
5-[FONT=&quot] [/FONT] وعلى أن تقوموا في الله ، لا تأخذكم في الله لومة لائم
6-[FONT=&quot] [/FONT] وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبنائكم . ولكم الجنة .
7-[FONT=&quot] [/FONT] وفي رواية عن عبادة ( بايعناه ) على أن لا ننازع المر أهله .
فأخذ بيده
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
البراء بن معرور وقال : نعم . والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع عنه أزرنا . فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة – أي السلاح – ورثناها كابراً عن كابر.
فقاطعه أبو الهيثم بن التيهان قائلاً : يا رسول الله ! إن بيننا وبين الرجال حبالاً – أي عهوداً وروابط – وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟
فتبسم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
وفي هذه اللحظة الحاسمة تقدم العباس بن عبادة بن نضلة وقال : هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن ، فإنه خزي الدنيا والآخرة ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة .
قالوا : فإنا نأخذه ، على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف ، فمالنا بذلك يا رسول الله !
قال : الجنة .
قالوا : ابسط يدك .
فبسط يده . فقاموا ليبايعوه . فأخذ بيده أسعد بن زرارة ، وقال : رويداً يا أهل يثرب ! إنا نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه ، وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله .
قالوا : يا أسعد ! أمط عنا يدك ، فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها ، فقاموا إليه رجلاً رجلاً وبايعوه . وكان أسعد بن زرارة هو أول المبايعين على أرجح الأقوال . وقيل : بل أبو الهيثم بن التيهان . وقيل : بل البراء بن معرور .
أما بيعة المرأتين فكانت قولاً بدون مصافحة .
 
بيعة العقبة
اثنا عشر نقيبا :
وبعد البيعة طلب منهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن يخرجوا اثني عشر نقيباً يكونون عليهم . ويكفلون المسئولية عنهم ، فاخرجوا تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس . أما من الخزرج فهم :

1- سعد بن عبادة بن دليم .
2- أسعد بن زرارة بن عدس .
3- سعد بن الربيع بن عمرو .
4- عبدالله بن رواحة بن ثعلبة .
5- رافع بن مالك بن العجلان .
6- البراء بن معرور بن صخر .
7- عبدالله بن عمرو بن حرام .
8- عبادة بن الصامت بن قيس .
9- المنذر بن عمرو بن خنيس .
· وأما من الأوس فهم :
10- أسيد بن حضير بن سماك .
11- سعد بن خيثمة بن الحارث .
12- رفاعة بن عبد المنذر بن زبير – وقيل : أبو الهيثم بن التيهان .
فلما تم اختيارهم قال لهم رسول
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة

الحواريين لعيسى ابن مريم ، وأنا كفيل على قومي ، قالوا : نعم .
هذه هي بيعة العقبة الثانية ، وكانت حقاً أعظم بيعة وأهمها في حياة الرسول
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
تغير بها مجرى الأحداث وتحول خط التاريخ .

ولما تمت البيعة وكاد الناس ينفضون اكتشفها أحد لشياطين ، وصاح بأنفذ صوت سمع قط : يا أهل الأخاشب – المنازل – هل لكم في محمد ، والصباة معه . قد اجتمعوا على حربكم . فقال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك . وأمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم فرجعوا وناموا حتى أصبحوا .

وصباحاً جاءت قريش إلى خيام أهل يثرب ليقدموا الاحتجاج إليهم ، فقال المشركون : هذا خبر باطل ، ما كان من شئ . وسكت المسلمون ، فصدقت قريش المشركون ورجعوا خائبين . وأخيراً تأكد لدى قريش أن الخبر صحيح ، فأسرع فرسانهم في طلب أهل يثرب ، فأدركوا سعد فأخذوه وربطوه وضربوه وجروا شعره حتى أدخلوه مكة ، فخلصه المطعم بن عدي والحارث بن حرب . إذ كان يجير لهما قوافلهما بالمدينة ، وأراد الأنصار أن يكروا إلى مكة إذ طلع عليهم سعد قادماً ، فرحلوا إلى المدينة سالمين .
 
هجرة المسلمين إلى المدينة
هجرة المسلمين إلى المدينة :
بعد هذه البيعة – بيعة العقبة الثانية – بدأت هجرة عامة المسلمين إلى المدينة ، بينما كان بعض الصحابة قد هجر قبلها . وقد أري رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
دار هجرة المسلمين وأخبرهم بها . قال : رأيت أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلى – أي ظني – إلى اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، وفي رواية : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين ، فإما أن يكون هجر أو يثرب
وأول من هاجر أبو سلمة المخزومي زوج أم سلمة . خرج مع زوجته وابنه . فمنعها قومها منه ، وانتزع آل أبي سلمة ولده منها . فانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة ، وذلك قبل بيعة العقبة بنحو سنة ثم أطلقوا زوجته بعد نحو سنة فلحقت به .
وهاجر بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة وزوجته ليلى بنت أبي حثمة ، وعبدالله بن أم مكتوم ، فلما تمت لبيعة تتابع المسلمون في الهجرة ، وكانوا يتسللون خفية ، وخشية قريش ، حتى هاجر عمر بن الخطاب ، فخرج علنا ، وتحدى قريشاً فلم يجترئ أحد على الوقوف في وجهه . وقدم المدينة في عشرين من الصحابة .
وهاجر المسلمون كلهم إلى المدينة ، ورجع إليها عامة من كان بأرض الحبشة . ولم يبق بمكة منهم إلا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد بن حارثة وقليل من المستضعفين الذين لم يقدروا على الهجرة ، وتجهز أبو بكر للهجرة : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه عليه ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ، استعداداً لذلك.



لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
 
هجرة المسلمين إلى المدينة
قريش في دار الندوة وقرارهم بقتل النبي :
وجن جنون قريش لما رأوا أن المسلمين وجدوا دار حفظ ومنعة ، ورأوا في هجرتهم واجتماعهم بالمدينة خطراً على دينهم وكيانهم وتجارتهم ، فاجتمعوا في دار الندوة صباح يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة ، وليدرسوا خطة تفيد التخلص من هذا الخطر . خاصة وأن صاحب الدعوة
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لا يزال في مكة ، ويخشى أن يخرج منها في عشية أو ضحاها . وقد حضر الاجتماع وجوه بارزة من سادات قريش . وحضره أيضاً إبليس في صورة شيخ جليل من أهل نجد بعد أن استأذنهم .

وطرحت القضية على المجتمعين ، فقال أبو الأسود نخرجه من أرضنا ، ونصلح أمرنا ، ولا نبالي أين ذهب .
قال الشيخ النجدي : إنكم ترون حسن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال ، فإذا خرج فلا غرو أن يحل على حي من العرب فتجتمع حوله الجموع ، فيطأكم بهم في بلادكم ، ثم يفعل بكم ما أراد . رؤا فيه رأيا غير هذا.
قال أبو البختري: احسبوه وأغلقوا عليه الباب ، حتى يدركه ما أدركه الشعراء قبله من الموت .
قال الشيخ النجدي : والله لئن حبستموه ليخرجن أمره إلى أصحابه، وهم يفضلونه على الآباء والأبناء، فأوشكوا أن يثبوا عليكم، وينزعوه منكم، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوا على أمركم ، فانظروا في غير هذا الرأي.
قال الطاغية أبو جهل: إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد، نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسبياً وسيطاً فينا، ونعطي كلا منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إلي ويضربوه ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فيفترق دمه في القبائل، فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب قريش كلهم، فيرضون بالدية فنعطيها لهم .
قال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل : هذا الرأي الذي لا أري غيره .
وأقر المجتمعون هذا الرأي، وانفضوا ، واخذوا يستعدون ويرتبون أنفسهم لتنفيذ هذا القرار.
 
هجرة المسلمين إلى المدينة
بين تدبير قريش وتدبير الله سبحانه وتعالى :
ومن طبيعة مثل هذا الاجتماع السرية للغاية، وأن لا يبدو على السطح الظاهر أي حركة تخالف اليوميات، وتغاير العادات المستمرة، حتى لا يشم احد رائحة التآمر والخطر، ولا يدور في خلد أحد أن هناك غموضاً ينبئ عن الشر.
وكان هذا مكراً من قريش، ولكنهم ما كروا بذلك الله سبحانه وتعالى ، فخيبهم من حيث لا يشعرون، فقد نزل جبريل وأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم بمؤامرة قريش فقال: له في الهجرة، وحدد له وقت الخروج، وبين له خطة الرد على مكر قريش فقال "لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه" .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نحر الظهيرة ، حين يستريح الناس في بيوتهم، وإلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأبرم معه أمور الهجرة، فجهزا الراحلتين إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابرم معه أمور الهجرة ، فجهزا الراحلتين أحث الجهاز واستأجرا عبدالله بن أريقط الليثي – وكان على دين قريش – ليكون دليلاً لهما في الطريق ، وكان هادياً ماهراً بالطرق . وواعداه جبل ثور بعد ثلاث ليال . ثم استمر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في أعماله اليومية حسب المعتاد ، حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش .

وكان من عادة الرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن ينام في أوائل الليل بعد صلاة العشاء ، ويخرج في النصف الأخير من الليل إلى المسجد الحرام ، ويصلي فيه صلاة التهجد – قيام الليل – فأضجع علياً t على فراشه تلك الليلة ، وأخبره بأنه لا يصيبه مكروه ، فلما نام عامة الناس وهدأ الليل جاء المتآمرون سراً إلى بيت رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وطوقوه ، ورأوا على بن أبي طالب t نائماً على فراشه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
متسجياً ببرده الحضرمي الأخضر ، فظنوه محمداً
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فأخذوا يختالون زهواً ، ويرصدونه حتى إذا قام وخرج يثبوا عليه .

وكان هذا جواب مكرهم من الله سبحانه وتعالى يقول تعالى :} وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ { . [ 8:30]
 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
خروجه من البيت :
وخرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من بيته وهم مطوقون به ، فذر تراب البطحاء على رؤوسهم ، وهو يتلو قوله سبحانه وتعالى :} وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ { [ 36:9] . فأخذ الله بأبصارهم فلم يشعروا به
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ومضى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى بيت أبي بكر ، ومن خوخة في داره خرجا حتى لحقا بغار ثور قبل بزوغ الفجر ، على بعد نحو خمسة أميال في اتجاه اليمن.

 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
ثلاث ليال في الغار :
ولما انتهيا إلى الغار دخله أبو بكر أولاً حتى إذا كان فيه شئ يصيبه هو دونه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فكسحه ووجد فيه ثقوباً فسدها بشق إزاره ، وبقى جحر أو جحران ألقمهما رجليه ، ثم دخل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فنام في حجره ، ولدغ أبو بكر في رجله ، ولكنه لم يتحرك لمكان رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فذهب الألم .

وكمنا في الغار ثلاث ليال ، وكان عبدالله بن أبي بكر يبيت عندهما ، وكان شاباً فطناً ذكياً ، فيخرج من عندهما حتى يصبح في قريش كأنه بات بمكة ، وكان يسمع مكائد قريش وأخبارهم فكان يأتيهما بها حين يختلط الظلام .
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم ، فكان يأتيهما بها حين تذهب ساعة من الليل . فيبيتان في لبنها ، ثم ينعق بها في غلس ، ويتبع بها أثر عبدالله بن أبي بكر ليعفي عليه .
أما قريش فبقيت فتيانها منتظرين قيام رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وخروجه حتى أصبحوا ، فلما أصبحوا قام علي من فراش رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فسقط في أيديهم وسألوه عن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقال : لا علم لي به ، فضربوه وسحبوه إلى الكعبة ، وحبسوه ساعة ، ولكن بدون جدوى . ثم جاءوا إلى البيت أبي بكر وسألوا ابنته أسماء عنه فقالت : لا أدري ، فلطمها الخبيث أبو جهل لطمة طرح منها قرطها . ثم أرسلوا الطلب في كل جهة ، وجعلوا مائة ناقة عن كل واحد منهما لمن يأتي بهما حيين أو ميتين .

وقد وصلوا في الطلب إلى باب الغار بحيث لو طأطأ أحدهم رأسه ونظر إلى قدميه لرأهما . حتى اشتد حزن أبي بكر t على رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

فقال : ما ظنك يا أبو بكر باثنين الله ثالثهما . لا تحزن إن الله معنا .
 
الوسوم
الله الوفاة الولادة حتى سيرته صلى عليه كاملة لنتعلم من وسلم
عودة
أعلى