لنتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

أحــداث وغــزوات
غزوة بدر الموعد :
ذكرنا أن أبا سفيان كان قد تواعد في أحد على حرب في العام القادم ، فلما دخل شهر شعبان سنة 4هـ ، خرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى بدر حسب الموعد ، وأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان ، وكان معه ألف وخمسمائة مقاتل ، وعشرة أفراس ، وأعطى اللواء على بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة عبدالله بن رواحة .
أما أبا سفيان فإنه خرج في ألفي مقاتل ، وخمسين فرساً ، حتى انتهى إلى مر الظهران ، ونزل على مجنة – ماء مشهور في تلك الناحية – وكان قد أخذه الرعب منذ خروجه ، فقال لأصحابه : لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر ، وتشربون فيه اللبن ، وهذا عام جدب ، وإني راجع فارجعوا ، فرجعوا ولم يبدوا أي معارضة .
وقد باع المسلمون أيام إقامتهم ببدر ما كان معهم من أموال التجارة ، وربحوا درهمين بدرهم ، ثم رجعوا وقد هابهم كل عدو ، وساد الأمن في كل جانب ، حتى مضى أكثر من سنة ولم يجترئ الأعداء على أن يحركوا ساكناً ، واستطاع رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بفضل هذا الأمن أن يتفرغ لتأمن أقصى الحدود ، حتى خرج لتأديب قطاع الطرق إلى دومة الجندل في ربيع الأول سنة 5هـ فبسط الأمن والسلام في كل جانب .
 
غزوة الأحزاب
غزوة الأحزاب :
كاد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
والمسلمون يتفرغون لنشر دينهم ، وإصلاح أحوالهم ، بعد أن ساد الهدوء بفضل ما اتخذه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من الخطط الحكيمة ، فلم يحصل بعد غزوة بني النضير أي مواجهة تذكر ، لفترة تجاوز سنة ونصف سنة ، ولكن تلك هي اليهود – الذين سماهم المسيح عليه السلام : حيات وأولاد الأفاعي – لم يرقهم أن يستريح المسلمون ، فهم بعد ما استقروا بخيبر ، واطمأنوا بها أخذوا يدبرون المؤامرات ، ويتحركون وراء الستار ، حتى نجحوا في جلب جيش عرمرم من قبائل العرب ضد أهل المدينة .
يقول أهل السير : إن عشرين رجلاً من سادتهم وزعمائهم خرجوا إلى قريش ، يحرضونهم على غزو المدينة ، ووعدوهم بالنصر ، فأجابت لهم قريش ، ثم ذهبوا إلى غطفان ، فأجابوا ، ثم طافوا في القبائل فأجاب عدد منها ، ثم حركوا هؤلاء القوم جميعاً تحت خطة منسقة حتى يصل الجميع إلى أطراف المدينة في زمن واحد .
 
غزوة الأحزاب
الشورى وحفر الخندق :
وبلغ خبر تجمعهم وتحركهم إلى المدينة ، فاستشار رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أصحابه ، فأشار سلمان الفارسي t بحفر الخندق ، فاستحسنوه واتفقوا عليه .
وحيث إن المدينة تحيط به اللابات أي الحرات – وهي الحجارة السود – من الشرق والغرب والجنوب ، ولا تصلح لدخول العساكر إلا جهة الشمال فإن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
اختار في تلك الجهة أضيق مكان بين الحرة الغربية والشرقية – وهو نحو ميل – فوصل الحرتين بحفر الخندق في هذا المكان ، وبدأ هذا الخندق في جهة المغرب من شمال جبل سلع ، ووصله في الشرق برأس ممتد من حجارة الحرة الشرقية عند أطم الشيخين .
وقد وكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا أربعين ذراعاً ، واشترك معهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في حفر الخندق ونقل التراب ، وكانوا يرتجزون فيجيب ، ويرتجز فيجيبون ، وقد كابدوا أثناء حفره أنواعاً من المشقة ، ولا سيما شدة البرد ، وشدة الجوع ، وكان يؤتي لهم بملء كف من الشعير ، فيصنع بدسم يفوح منها الريح ، فيأكلونه ، وهو يصعب مروره على الحلق ، وشكوا إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الجوع ، وأروه على بطونهم حجراً حجراً كانوا قد ربطوه ، فأراهم على بطنه حجرين .
وقد وقعت أثناء الحفر بعض الآيات ، رأى جابر شدة الجوع في رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فلم يصبر ، فذبح بهيمة له ، وطحنت امرأته صاعاً من شعير ، ثم دعا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
سراً ، في نفر من أصحابه ، فقام رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بجميع أهل الخندق ، وهم ألف ، فأكلوا وشبعوا وما زالت البرمة تغط ، والعجين يخبز ، وذهبت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر لأبية وخاله فبدده رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فوق ثوب ، ودعا أهل الخندق ، فأكلوا ورجعوا ، والتمر يسقط من أطراف الثوب .
وعرضت لجابر وأصحابه أثناء الحفر كدية شديدة ، فنزل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وضربها بالمعول ، فعادت كثيباً أهيل ، أي رملاً لا يتمسك ، وعرضت لبراء وأصحابه صخرة ، فنزل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقال – بسم الله ثم ضرب ضربة بالمعول فقطع قطعة ، وخرج منها ضوء ، فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ، وإني لأنظر إلى قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضرب الثانية وبشر بفتح فارس ، ثم الثالثة وبشر بفتح اليمن ، وانقطعت الصخرة .
 
غزوة الأحزاب
بين طرفي الخندق :
وأقبلت قريش ومن تبعهم في أربعة آلاف ، ومعهم ثلاثمائة فرس ، وألف بعير ، يرأسهم أبو سفيان ، ويحمل لواءهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، فنزلوا بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة . وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد في ستة آلاف ، فنزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد ، وكان قدوم هذا الجيش العرمرم إلى أسوار المدينة بلاء شديداً ومخيفاً جداً ، كما قال الله – تعالى :] إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً[ فثبت الله المؤمنين ، كما قال ] وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [ ( 33: 22) ، أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقالوا : ] مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [
واستخلف رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
– على المدينة ابن أم مكتوم ، وجعل النساء والذرارى في الآطام ، ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع وتحصنوا به ، والخندق بينهم وبين الكفار .
وبعد أن استقر المشركون وتهيأوا تقدموا نحو المدينة ، فلما اقتربوا من المسلمين فوجئوا بخندق عريض يحول بينهم وبين المسلمين ، فبهتوا ، وقال أبو سفيان : تلك مكيدة ما عرفتها العرب ، فأخذوا يدورون حوله في طيش وغضب ، يطلبون نقطة يعبرون منها ، والمسلمون يرشقونهم بالنبل ، حتى لا يقتربوا منه ، فيتمكنوا من الاقتحام ، أو من إهالة التراب وبناء الطريق عليه .
واضطر المشركون إلى فرض الحصار على المدينة ، بينما لم يكونوا مستعدين له ، إذ لم يكن ذلك في حسابهم عند الخروج ، فأخذوا يخرجون في النهار يحاولون عبور الخندق ، والمسلمون يجابهون لهم على طول الخط ، يناضلون ويرامون بالحجارة ، وقد كثف المشركون جهودهم مراراً ، وأداموها طول النهار ، واضطر المسلمون إلى الاستمرار في الدفاع ، حتى فاتت منهم ومن رسول الله ]
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
[ الصلوات ، ولم يتمكنوا من أدائها إلا بعد غروب الشمس ، أو قريباً من ذلك ، ولم تكن صلاة الخوف قد شرعت حينذاك .
وفي أحد الأيام خرج نفر من فوارس المشركين فيهم عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب ، وغيرهم ، فقصدوا مكاناً ضيقاً من الخندق ، واقتحموه ، وجالت بهم خيلهم في الساحة التي بين الخندق وجبل سلع ، فخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين ، فحال بينهم وبين المكان الذي اقتحموا منه الخندق ، فدعا عمرو بن عبد ود إلى المبارزة ، وكان جريئاً فاتكا ، فأغضبه علي حتى نزل من الفرس ، فتجاولا و تصاولا حتى قتله علي ، وانهزم الباقون وقد ملأهم الرعب ، حتى ترك عكرمة رمحه ، وسقط نوفل بن عبدالله في الخندق فقتله المسلمون .
وأصيب أثناء المراماة عدد قليل من الطرفين ، وبلغ عدد قتلى المشركين عشرة ، وقتلى المسلمين ستة .
وأصيب سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله ، فدعا الله أن يبقيه إن كان قد بقى من حرب قريش شئ ، وإلا فيجعل موته في هذا الجرح ، ثم قال : في دعائه :
" ولا تمتني حتى تقر عيني من قريظة "
 
غزوة الأحزاب
غدر بني قريظة وأثره على سير الغزوة :
وكانت قريظة في عهد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقد سبق ذكره – فجاء حيي بن أخطب سيد بني النضير ، أثناء هذه الغزوة ، إلى كعب بن أسد سيد بني قريظة فحسن له الغدر ، وأغراه على نقض العهد ، فنقض كعب العهد ، وقام إلى جانب قريش والمشركين .
وكانت قريظة في جنوب المدينة ، والمسلمون في شمالها ، ولم يكن من يحول بين قريظة وبين نساء المسلمين وذراريهم ، فكان الخطر عليهم شديداً ، وبلغ الخبر رسول الله r فأرسل مسلمة بن أسلم في مائتين وزيد بن حارثة في ثلاثمائة لحراسة ذراري المسلمين ، وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في رجال من الأنصار يستجلون له الخبر ، فوجدوا اليهود على أخبث ما يكونون ، فقد جاهروا بالسب والعداوة ، ونالوا من رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وقالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد ، فرجعوا وقالوا لرسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
عضل وقارة : " يعني أن قريظة على غدر كغدر عضل وقارة بأصحاب الرجيع "
وتفطن الناس ، فاشتد خوفهم كما قال الله تعالى ] إِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [ . ونجم النفاق حتى قال بعضهم : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمل على نفسه أن يذهب إلى الغائط ، وقال آخرون : ] يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [ ، وأراد فريق منهم الفرار فاستأذنوا النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقالوا محتالين : ] إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [ ، وما هي بعورة .
قلق رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حين بلغه غدرهم ، فتقنع بالثوب واضطجع ، ومكث هكذا طويلاً ، ثم نهض وقال : الله أكبر ، وبشر المسلمين بالفتح والنصر .
وأراد أن يرسل إلى عيينة بن حصن ليصالحه على ثلث ثمار المدينة ، وينسحب هو بغطفان ، فأبى ذلك سيدا الأنصار : سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، وقالا : كنا نحن وهؤلاء على الشرك ، ولم يطمعوا أن يأكلوا منها ثمرة ، فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف ، فصوب رأيهما .
 
غزوة الأحزاب
تخاذل الأطراف ونهاية الغزوة :
ولله في خلقه شئون ، فقد جاء أثناء هذه الظروف القاسية نعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو من غطفان ، وكان صديقاً لقريش واليهود ، فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ، فقال : أنت رجل واحد ، وماذا عسى أن تفعل ، ولكن خذل عنا ما استطعت ، فإن الحرب خدعة .
فذهب نعيم إلى قريظة ، فلما رأوه أكرموه ، فقال : تعرفون ودي لكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ، وإني محدثكم حديثاً فاكتموه عني ، قالوا : نعم ، قال : قد رأيتم ما وقع لبني قينقاع ، والنضير ، وقد ظاهرتم قريشاً وغطفان ، وهم ليسوا مثلكم ، فالبلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره ، وأما بلدهم وأموالهم ونساؤهم فبعيدة ، فهم إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا لحقوا ببلادهم ، وتركوكم ومحمداً ينتقم منكم كيف يشاء ، قالوا : فما العمل ؟ قال : لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن .
قالوا : لقد أشرت بالرأي .
ثم توجه نعيم إلى قريش واجتمع برؤسائهم ، وقال : تعلمون ودي لكم ونصحي إليكم ، قالوا : نعم . قال : فإني محدثكم حديثاً فاكتموه عني ، قالوا : نفعل ، قال : فإن يهود قد ندموا على نقضهم عهد محمد ، وخافوا أن ترجعوا وتتركوهم معه ، فراسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن ، ويدفعونها إليه ، ثم يوالونه عليكم ، فرضي بذلك ، فاحذروهم ، وإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ، ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك .
وبهذا التدبير الحكيم تشككت النفوس وتشققت ، وأرسل أبو سفيان وفداً إلى قريظة يدعوهم إلى القتال غداً ، فقالوا ، إن اليوم يوم السبت ، ولم يصبنا ما أصابنا إلا من التعدي فيه ، ثم إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن منكم ، لكي لا تتركونا وتذهبوا إلى بلادكم ، فقالت قريش وغطفان : صدقكم والله نعيم ، وأرسلت قريش إلى اليهود تقول لهم : لا نرهنكم أحداً ، واخرجوا للقتال . فقالوا صدقكم والله نعيم . فخارت عزائم الفريقين وتخاذلوا .
أما المسلمون فكانوا يدعون :" اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا " ، وابتهل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى ربه – عز وجل : " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم " .. فأرسل الله عليهم ريحا وجنوداً من الملائكة ، فزلزلوهم وقذفوا في قلوبهم الرعب ، وكفأت الريح قدورهم ، وقلعت خيامهم ، وضربهم البرد القارس حتى لم يقر لهم قرار ، وبدءوا يتهيأون للرحيل .
وأرسل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حذيفة t إليهم ، ليأتي بخبرهم ، فذهب ودخل بينهم ، ثم رجع ، ولم يجد مس البرد ، بل كأنه كان في حمام – الذي يغتسلون فيه الماء الحميم أي الحار – فلما رجع أخبر برحيل القوم ونام . فلما أصبح المسلمون رأوا ساحة القتال من جهة الكفار ليس فيها داع ولا مجيب ، فقد ] ورَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً [ ..
كانت بداية هذه الغزوة في شوال سنة 5هـ ، ونهايتها بعد نحو شهر في ذي القعدة ، وكانت أكبر محاولة قام بها أعداء الإسلام لضرب المدينة ، وللقضاء عليها ، وعلى الإسلام والمسلمين ، ولكن الله خيبهم ، ورد كيدهم في نحورهم ، وكان فشلهم بمجموع هذه القوات يعني أن الطوائف الصغيرة والمتفرقة أولى أن لا تجترئ على التوجه إلى المدينة ، وقد أخبر بذلك النبي r فقال :الآن نغزوهم ، لا يغزونا ، نحن نسير إليهم .
 
غزوة بني قريظة
غزوة بني قريظة :
ورجع رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من الخندق ونزع السلاح والثياب ، وبينما هو يغتسل في بيت أم سلمة جاءه جبريل – عليه السلام – وأمره بالنهوض إلى بني قريظة ، وقال : إني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم ، وأقذف في قلوبهم الرعب ، ثم سار في موكبه من الملائكة
أما رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فأعلن في الناس : من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب ، وقدمه في جماعة إليهم ، فلما رأوه سبوا الرسول
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقالوا قبيحاً ، وبادر المسلمون في الخروج ، وأدركت بعضهم العصر في الطريق فمنهم من صلى ، ومنهم من أخر حتى وصل إلى بني قريظة ، وخرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في موكب المهاجرين والأنصار حتى نزل على بئر من آبارهم اسمها : " أنا " .
وألقى الله في قلوبهم الرعب ، فتحصنوا في حصونهم ، ولم يجترءوا على القتال ، وحاصرهم المسلمون بشدة ، فلما طال عليهم الحصار أرادوا أن يستشيروا بعض حلفائهم من المسلمين ، فطلبوا من رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أن يرسل إليهم أبا لبابة ليستشروه ، فأرسله ، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا : أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم . وأشار بيده إلى حلقه ، يريد أنه الذبح ، ثم تنبه أنه بإشارته هذه خان الله ورسوله ، فمضى على وجهه حتى أتى المسجد النبوي ، وربط نفسه بسارية من سواريه ، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بيده ، فلما بلغ رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
خبره قال : أما إنه لو جاءني لا ستغفرت له . أما إذا فعل ما فعل فنتركه حتى يقضي الله فيه .
ومع طول الحصار انهارت معنويات بني قريظة ، حتى نزلوا بعد خمس وعشرين ليلة على حكم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فاعتقل الرجال ، وجعل النساء والذراري بمعزل عنهم في ناحية ، وطلب حلفاؤهم الأوس أن يحسن إليهم ، كما فعل ببني قينقاع حلفاء الخزرج ، فقال : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى . قال : فذاك إلى سعد بن معاذ . قالوا : قد رضينا .
وكان سعد في المدينة للجرح الذي أصابه أثناء غزوة الخندق ، فجاءوا به راكباً على حمار ، فلما قرب من رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قال : قوموا إلى سيدكم ، فقالوا إليه ، وأحاطوا به من جانبيه ، يقولون : يا سعد ! أحسن في مواليك ، وهو ساكت لا يجيب ، فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم . فلما سمعوا ذلك رجع بعضهم إلى المدينة ونعى إليهم القوم .
ولما نزل سعد ، وأخبر بنزول قريظة على حكمه ، حكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات . وقد كان هذا الحكم أيضاً طبقاً لشريعة اليهود ، بل أرف ق وأرحم من حكم شريعتهم
وعلى إثر هذا القضاء الذي قضى به سعد بن معاذ أتى ببني قريظة إلى المدينة ، فحبسوا في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة ، ثم ذهب بهم إلى هذه الخنادق أرسالاً أرسالاً ، وضربت أعناقهم فيها ، وكانوا أربعمائة ، وقيل : ما بين الستمائة إلى السبعمائة .
وقتل معهم حيى بن أخطب سيد بني النضير ، وكان من زعماء اليهود العشرين الذين حرضوا قريشاً وغطفان على غزوة الأحزاب ، ثم كان قد جاء إلى قريظة ، وأغراهم على نقض العهد ، حتى غدروا بالمسلمين في أحرج ساعة من حياتهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه أن يكون معهم ، يصيبه ما يصيبهم ، فكان معهم في حصونهم أثناء الحصار والاستسلام حتى القتل .
وقد أسلم نفر من بني قريظة قبل النزول فلم يتعرض لهم ، واستوهب بعضهم فتركوا وأسلموا . وقتلت امرأة من نسائهم ، لأنها كانت قد طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته ، وجمع السلاح والأموال فكانت ألفاً وخمسمائة سيف ، وثلاثمائة درع ، وألفى رمح ، وخمسمائة ترس وحجفة ، وأثاثاً كثيراً ، وآنية وجمالاً وشياهاً ، فخمس كل ذلك مع النخل والسبي ، فأعطى للراجل سهماً وللفارس ثلاثة أسهم ، سهماً لنفسه وسهمين لفرسه .
وأرسلت السبايا إلى نجد فابتيع بها السلاح ، واصطفى النبي e منها ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خناقة ، فيقال : إنه تسرى بها ، ويقال : أعتقها وتزوجها ، فتوفيت بعد حجة الوداع .
ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة سعد بن معاذ ، وكان في خيمة في المسجد النبوي ، ليعوده النبي e من قريب ، فمرت عليه شاة فانتقض جرحه ، وانفجر من لبته ، فسال الدم الغزير حتى توفي لأجله ، وحملت جنازته الملائكة مع المسلمين ، واهتز لموته عرش الرحمن .
ومضى على أبي لبابة ست ليال تأتيه امرأته فتحله للصلاة ، ثم يعود فيربط نفسه بالجذع ، ثم نزلت توبته في بيت أم سلمة t فبشرته بها ، فثار الناس ليطلقوه فأبى حتى يطلقه رسول الله e ففعل حين مر به لصلاة الصبح .
وقد قام المسلمون بعد غزوة بني قريظة بعدة أعمال عسكرية أهمها ما يأتي :
 
غزوة بني قريظة
مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق :
هو تاجر أهل الحجاز ، ورئيس يهود خيبر ، وأحد كبار المحركين والمؤلبين للأحزاب على أهل المدينة ، فلما تفرغ المسلمون من الأحزاب وقريظة انتدب لقتله خمسة من رجال الخزرج ، ليحوزوا شرفاً مثل شرف الأوس حين قتلوا كعب ابن الأشراف .
ووصل هؤلاء إلى حصنه في جهة خيبر حين غربت الشمس ، فقال قائدهم عبدالله بن عتيك : مكانكم ، فإني منطلق ومتلطف للبواب ، لعلي أدخل ، فأقبل حتى دنا من الباب ، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته ، فهتف به البواب : يا عبدالله ! إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب .
فدخل عبد الله بن عتيك ، وكمن حتى نام الناس ، فأخذ المفاتيح ، وفتح الباب ليسهل له الهروب عند الحاجة ، ثم توجه إلى بيت أبي رافع ، فكان كلما فتح باباً أغلقه من داخل حتى لو علم به الناس لا يصلون إليه حتى يقتل أبا رافع ، فلما انتهى إلى بيته فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا يدري أين هو ، فناداه : يا أبا رافع ! قال : من هذا ؟ فأهوى نحو الصوت وضربه ضربة بالسيف ، وهو دهش ، فما أغنت شيئا ، فخرج ثم جاء مغيراً صوته ، كأنه يغيثه ، وقال : ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال لأمك الويل ، إن رجلاً في البيت ضربني بالسيف ، فعمد إليه وضربه ضربة أثخنته ، ولم يقتله ، فوضع السيف في بطنه وتحامل عليه حتى أخذ في ظهره ، ثم خرج يفتح الأبواب باباً باباُ ، والليل مقمر ، وبصره ضعيف ، فظن أنه وصل إلى الأرض ، فقدم رجله فوقع من السلم ، فأصيبت رجله فعصبها بعمامته ، واختفى عند الباب ، فلما صاح الديك قام رجل على سور الحصن وقال : أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فعرف أنه مات ، فأتى أصحابه ، ورجعوا ، فلما انتهوا إلى رسول الله e حدثوه ، ومسح رسول الله e رجله فكأنه لم يشتكها قط .
 
غزوة بني قريظة
أسر ثمامة بن أثال سيد اليمامة :
كان ثمامة من أشد الناس كراهية لرسول الله e ولدينه الإسلام ، حتى خرج متنكراً في المحرم سنة 6هـ يريد اغتيال النبي e بأمر مسيلمة الكذاب ، وكان النبي e قد أرسل محمد بن مسلمة في ثلاثين راكباً لتأديب بني بكر بن كلاب في ناحية ضرية بعد على بعد سبع ليال من المدينة في طريق البصرة ، فلما كانوا راجعين وجدوا ثمامة في الطريق فأسروه ، وجاءوا به إلى المدينة ، وربطوه بسارية من سواري المسجد ، فمر به النبي e فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال عندي خير يا محمد ! إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل ، تعط منه ما شئت فتركه ، ثم مر به اليوم الثاني ، ودار نفس الحديث ، ثم اليوم الثالث كذلك ، فقال : أطلقوا ثمامة ، فأطلقوه ، فاغتسل وأسلم ، وقال : والله ما كان على ظهر الأرض من وجه أبغض إلى من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى ، ووالله ما كان على وجه الأرض من دين أبغض إلى من دينك ، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلى .
وفي العودة ذهب ثمامة إلى مكة معتمراً فلامته قريش على إسلامه ، فقال : والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فلما انصرف منع بيع الحنطة لأهل مكة فجهدوا حتى كتبوا إلى النبي e يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى يسمح ببيع الطعام لهم ، ففعل e .
 
غزوة بني قريظة
غزوة بني لحيان :
بنو لحيان هم الذين كانوا قتلوا المسلمين بالرجيع ، وكانوا متوغلين في الحجاز إلى حدود عسفان . فأخر رسول الله e أمرهم ، حتى إذا تخاذلت الأحزاب واطمأن من الأعداء استعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وخرج إليهم في الربيع الأولسنة 6هـ ، في مائتين من الصحابة ومعهم عشرون فرساً ، وأسرع السير إليهم حتى بلغ بطن غران ، واد بين أمج وعسفان ، حيث كان مصاب أصحابه ، فترحم عليهم ، ودعا لهم ، وأقام في ذلك المكان يومين ، أما بنو لحيان ففروا في رءوس الجبال ، فلم يجد منهم أحداً ، وأرسل عشرة فوارس إلى عسفان لتسمع بهم قريش فيداخلهم الرعب ، فذهبوا إلى كراع الغميم ، ثم رجع رسول الله e إلى المدينة بعد أن غاب عنها أربع عشرة ليلة .
 
غزوة بني قريظة
سرية العيص وإسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله :
في جمادي الأولى سنة 6هـ أرسل رسول الله e زيد بن حارثة إلى العيص ، في مائة وسبعين راكباً ، يعترضون عيراً لقريش قادمة من الشام ، كان يرأسها أبو عاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله e ، فأخذها المسلمون ، وأخذوا ما فيها ، وأسروا رجالها ، وأفلت أبو العاص فجاء على المدينة ، واستجار بزينب ، وسألها أن تطلب من رسول الله e أن يرد عليه أموال العير ففعلت ، ورد عليه كل شئ ، الصغير والكبير والقليل والكثير .
وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين تجارة ومالاً وأمانة ، فرجع إلى مكة ، وأدى الأمانات إلى أهلها ، ثم أسلم وهاجر ، فرد عليه رسول الله e زينب بالنكاح الأول ، وذلك بعد ثلاث سنوات ونيف ، ولم تكن آية تحريم المسلمات على الكفار نزلت إلى ذلك الوقت ، فكان النكاح باقياً على حاله .
هذا ، وقد أرسل رسول الله e عدة سرايا خلال هذه الفترة ، وكان لها أثر بالغ في كبح جماح العدو ، وإخماد شره ، واستتباب الأمن وبسط السلام إلى أماكن بعيدة ، ثم نقل إليه e ما أدى إلى قيامه بغزوة بني المصطلق .
 
غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع
غزوة بني المصطلق:
بنو المصطلق فرع من قبيلة خزاعة ، وكانت عامة بطون خزاعة ممالئين لرسول الله e ناصحين له ، ولكن كان هذا الفرع منها ممالئاً لقريش ، وقد نقل إلى رسول الله e أنهم يستعدون لقتاله ، فبعث بريدة بن الحصيب لتحقيق هذا الخبر ، فتأكد لديه صحته ، فاستعمل على المدينة زيد بن حارثة ، وقيل : غيره ، وأسرع في الخروج إليهم ، ليباغتهم بالهجوم ، ومعه سبعمائة من الصحابة ، وكان بنو المصطلق نازلين على ماء يسمى بالمريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فأغار عليهم وهم غارون ، فقتل بعضهم ، وسبى ذراريهم ، وأخذ أموالهم ، وذلك لليلتين من شعبان سنة 6هـ ، وقيل : 5هـ ، وكان في السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق ، فلما قدم e المدينة أعتقها وتزوجها بعد أن أسلمت ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا ، وقالوا : أصهار رسول الله e فكانت أعظم النساء بركة على قومها .
تلك هي غزوة بني المصطلق بإيجاز ، ليس فيها ما يستغرب ، لكن وقعت خلالها حادثتان مؤلمتان استغلهما المنافقون لإثارة الفتن والاضطراب في المجتمع الإسلامي ، وحتى في البيت النبوي
 
غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع
الأولى قول رأس المنافقين :
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل :
وسبب ذلك أن رجلاً من خلفاء المهاجرين وآخر من خلفاء الأنصار ازدحما على ماء المريسيع ، فضرب المهاجري الأنصاري ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، واجتمع ناس من الطرفين ، فبادرهم رسول الله e وقال :" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة " فعاد الناس إلى رشدهم ورجعوا .
وكانت جماعة من المنافقين قد خرجت في هذه الغزوة ، ولم تخرج من قبل ، ومعهم رئيسهم عبدالله لن أبي ، فلما بلغه الخبر استشاط غضباً ، وقال : أو قد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما عُدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، أراد بالأعز نفسه ، وبالأذل رسول الله e العياذ بالله – وأخذ يدبر لذلك الفتن ، حتى قال لرفقائه : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم لتحولوا إلى غير داركم .
وكان معهم حينما قال ما قال شاب مؤمن قوي الإيمان : زيد بن أرقم لم يصبر على هذا الهراء حتى أبلغ الخبر رسول الله e ، فدعا e ابن أبي ، وسأله عن ذلك ، فحلف أنه لم يقل شيئاً مما بلغه ، فأنزل الله سورة المنافقين ، وفضحه إلى يوم الدين .
وكان ابن هذا المنافق – واسمه أيضاً عبدالله – مؤمناً خالصاً ، فوقف على نقب المدينة مستلاً سيفه ، وقال لأبيه رأس المنافقين : والله لا يجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله e ، فإنه العزيز وأنت الذليل ، وبلغ ذلك رسول الله e فأرسل إليه أن يأذن له ، فخلى سبيله وبهذه الحكمة انتهت هذه الفتنة .
 
غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع
الحادثة الثانية قول المنافقين بالإفك :
وحديث ذلك أن النبي eنزل في عودته من تلك الغزوة منزلاً حين دنا من المدينة ، ثم آذن بالرحيل ليلاً ، وكانت معه عائشة – رضى الله عنها ، فخرجت لحاجتها ، فلما رجعت التمست صدرها فرأت أنها فقدت عقدها ، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه حتى وجدته ، وارتحل الجيش ، وحملوا هودجها على بعيرها ظناً منهم أنها فيه ، ولم ينكروا خفة الهودج لكونهم جماعة ، ولكونها خفيفة ، ورجعت عائشة إلى منازلهم فلم تجد أحداً ، فقعدت هناك على أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها إلى هذا المكان ، فغلبت عيناها حتى نامت .
وكان أحد الصحابة – وهو صفوان بن المعطل السلمي t قد بات من وراء الجيش ، وكان كثير النوم فلم يستيقظ إلا مؤخراً ، فسلك سبيل الجيش ، فلما رأى سواد إنسان نائم ، فلما قرب منه عرف أنها عائشة ، لأنه كان رآها قبل الحجاب ، فقال : أنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله e ؟ لم يقل كلمة غير ذلك ، واستيقظت عائشة – رضى الله عنها – بسماع صوته ، فخمرت وجهها بجلبابها ، وقرب صفوان راحلته ، وأناخها فركبت ، وأمسك هو زمام الناقة يمشي أمامها ، حتى وصل إلى الجيش ، وهم نازلون في نحر الظهيرة .
ولما رأى ذلك عدو الله ابن أبي وجد متنفساً من كرب النفاق والحقد ، فاتهمها بالفجور إفكاً وزوراً ، واخذ يستحكي ذلك ، ويستوشيه ، ويجمعه ويفرقه ، ويشيعه ويذيعه ، وكان أصحابه يتقربون به إليه ، فلما قدموا المدينة أفاضوا فيه ، حتى انخدع عدد من المؤمنين .
ومرضت عائشة – رضى الله عنها – حين قدمت المدينة ، وطال مرضها نحو شهر ، فكانت المدينة تموج بقول أهل الإفك ، وهي لا تعلم شيئاً ، وإنما كان يريبها أنها لم تكن ترى اللطف الذي كانت تراه من رسول الله e حين تشكتي ، فكان e يدخل عليها فيسلم ويقول : كيف تيكم ؟ ثم يرجع ولا يجلس عندها .
وكان eطوال هذه الفترة ساكتاً لا يتكلم ، فلما استلبث الوحي طويلاً استشار أصحابه ، فأشار علي بن أبي طالب بفراقها تلويحاً ، وأشار أسامه وغيره بإمساكها ، وأنها كالتبر الخالص ، فقام e على المنبر واستعذر من رجل بلغ أذاه في أهله – وكانت الإشارة إلى عبدالله ابن أبي – فأظهر سيد الأوس رغبته في قتله ، فأخذت الحمية سيد الخزرج ، لأن ابن أبي كان منهم ، فتثاور الحيان حتى خفضهم رسول الله e .
وخرجت عائشة رضى الله عنها ذلك اليوم لحاجتها ليلاً ، وقد نقهت من المرض ، ومعها أم مسطح ، فعثرت في مرطها ، فدعت على ابنها مسطح ، فاستنكرت ذلك عائشة ، فأخبرتها الخبر ، وأن ابنها ممن يقول بقولهم ، فرجعت عائشة فاستأذنت رسول الله eوأتت أبويها ، فلما تأكد لديها الخبر جعلت تبكي وتبكي حتى بكت ليلتين ويوماً ، لم تكتحل أثناءها بنوم ، ولم يرقأ لها دمع ، حتى ظنت وظن أبواها أن البكاء فالق كبدها .


وجاءها رسول الله e صباح الليلة الثانية فجلس وتشهد وقال :
أما بعد يا عائشة ! فإنه بلغني عنك كذا كذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه .
وحينئذ قلص دمعها ، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا ، فلم يدريا ما يقولان ، فقالت : والله لقد علمت لقد سمعت بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم أني برئية – والله يعلم أني بريئة – لا تصدقونني ، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعلم أني منه بريئة – لتصدقوني ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف : ] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [ .
ثم تحولت واضطجعت ، ونزل الوحي ساعته ، فسرى عن رسول الله e ، وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال :" يا عائشة ! أما الله فقد برأك " . فقالت لها أمها : قومي إليه ، فقالت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله .
والذي أنزله الله – تعالى – في براءتها عشر آيات في سورة النور بداية من قوله تعالى :
] إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ .

إلى آخر الآية العشرين :
ثم خرج رسول الله e إلى الناس فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل الله من براءتها ، فلما نزل أمر برجلين وأمرأة من المؤمنين الخالصين فجلدوا ، كل واحد ثمانين جلدة ، وهم : حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثه ، وحمنة بنت جحش ، زلت أقدامهم فأفاضوا في الإفك ، وأما رأس المنافقين الذي تولى كبره ، ورفقته ، فلم يعاقبوا في هذه الحياة الدنيا ، ولكنهم سيقفون بين يدي الله يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
 
عمرة الحديبية
الخروج للعمرة والنزول بالحديبية :
أري رسول الله e في المنام ، وهو في المدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين ، فأخبر بذلك المسلمين ، وأخبر أنه يريد العمرة ، واستنفر الأعراب الذين حوله ، فأبطأوا ، وظنوا أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً ، وتخلصوا قائلين : شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا .
وخرج رسول الله e يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ ، في ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار، وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لم يخرج محارباً بل معتمراً . فلما بلغ ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة .
ثم سار حتى بلغ عسفان ، فجاءه عينه ، وأخبره أن قريشاً مجمعون على القتال ، وصد المسلمين عن البيت الحرام ، وكانت قريش قد نزلوا بذي طوى ، وأرسلوا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم ، قريباً من عسفان ، وليسد الطريق النافذ إلى مكة ، وجمعوا الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله e هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ، أو يقصد البيت ، فمن صده يقاتله ؟ فقال أبو بكر t : جئنا معتمرين ، ولا مقاتلين ، فمن حال بيننا وبين البيت قاتلناه ، فقبل النبي e هذا الرأي .
ورأى خالد المسلمين في الصلاة الظهر ، وهم يركعون ويسجدون فقال : لقد كانوا على غرة ، لو كنا حملنا عليهم ، ثم قرر أن يهجم أثناء صلاة العصر ، فأنزل الله صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، ففاتته الفرصة .
وأخذ رسول الله e طريقاً آخر غير طريقهم ، فسلك ذات اليمين من أسفل مكة ، حتى بلغ ثنية المرار مهبط الحديبية ، فلما بلغها بركت ناقته ، فزجروها فلم تقم فقالوا : خلأت القصواء ، فقال : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها فوثبت ، فتقدم حتى نزل بالحديبية .
وجاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة – وكانوا ناصحين لرسول الله e فأخبره أن قريشاً مستعدون لقتاله وصده عن البيت الحرام ، فأخبره رسول الله e أنه ما جاء إلا للعمرة ، وما جاء للقتال ، وأنه مستعد للهدنة والصلح ، ولكن إن أبت قريش إلا القتال فإنه يقاتلهم حتى تقطع عنقه ، أو ينفذ الله أمره .
 
عمرة الحديبية
بين رسول الله e وقريش :


ولما رجع بديل أبلغ ذلك قريشاً ، فأرسلوا مكرز بن حفص ، فقال له رسول الله e مثل ما قال لبديل ، فأرسلوا سيد الأحابيش : الحليس بن عكرمة ، فلما أشرف على المسلمين قال لهم رسول الله e : هذا من قوم يعظمون الهدي فابعثوه ، ففعلوا واستقبلوه يلبون ، فلما رأى الحليس ذلك قال : سبحان الله ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، أتحج لخم وجذام وحمير ، ويمنع عن البيت ابن عبد المطلب ؟ هلكت قريش ورب البيت ، إن القوم أتوا معتمرين ، فلما سمعت قريش منه ذلك قالوا : اجلس إنما أنت أعرابي ، ولا علم لك بالمكايد .
ثم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي ، فجاء وكلم ، فقال له رسول الله e مثل ما قال لبديل . فقال : أي محمد ! أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، أي الهزيمة بك ، فإني أرى حولك أوباشاً من الناس جديرون أن يتركوك ويفروا ، فقال له ابو بكر : امصص بظر اللات . أنحن نفر عنه ! فلم يستطع أن يرد على أبي بكر ، لإحسان أبي بكر إليه من قبل .
وكان عروة يأخذ لحية النبي e حين يكلم ، فكان المغيرة بن شعبة يضرب يده بنعل السيف ويقول : أخر يدك عن لحية رسول الله e فقال له عروة : أي غدر ! ألست أسعى في غدرتك .
وكان المغيرة ابن أخي عروة ، وكان قتل قوماً وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم . فلم يقبل منه رسول الله e إلا الإسلام ، وكان عروة يسعى في ذلك . فأشار بغدرته إلى هذة القضية .
ورأى عروة تعظيم الصحابة للنبي e ، فلما رجع قال لقريش : أي قوم ! لقد وفدت على الملوك : على كسرى وقيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهة وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه . وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .
وخلال المفاوضات تسلل في الليل طائفة من شباب قريش الطائشين : سبعون أو ثمانون ، فهبطوا من جبل التنعيم إلى معسكر المسلمين ، وأرادوا بذلك القضاء على محاولات الصلح ، ولكن المسلمين ألقوا عليهم القبض ، ثم أطلقهم النبي e وعفا عنهم ، فكان له أثره على إلقاء الرعب في قلوبهم قريش ، وميلهم إلى الصلح ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مكة مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ . ( 48/ 24)
أري رسول الله e في المنام ، وهو في المدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين ، فأخبر بذلك المسلمين ، وأخبر أنه يريد العمرة ، واستنفر الأعراب الذين حوله ، فأبطأوا ، وظنوا أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً ، وتخلصوا قائلين : شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا .
وخرج رسول الله e يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ ، في ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار، وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لم يخرج محارباً بل معتمراً . فلما بلغ ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة .
ثم سار حتى بلغ عسفان ، فجاءه عينه ، وأخبره أن قريشاً مجمعون على القتال ، وصد المسلمين عن البيت الحرام ، وكانت قريش قد نزلوا بذي طوى ، وأرسلوا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم ، قريباً من عسفان ، وليسد الطريق النافذ إلى مكة ، وجمعوا الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله e هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ، أو يقصد البيت ، فمن صده يقاتله ؟ فقال أبو بكر t : جئنا معتمرين ، ولا مقاتلين ، فمن حال بيننا وبين البيت قاتلناه ، فقبل النبي e هذا الرأي .
ورأى خالد المسلمين في الصلاة الظهر ، وهم يركعون ويسجدون فقال : لقد كانوا على غرة ، لو كنا حملنا عليهم ، ثم قرر أن يهجم أثناء صلاة العصر ، فأنزل الله صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، ففاتته الفرصة .
وأخذ رسول الله e طريقاً آخر غير طريقهم ، فسلك ذات اليمين من أسفل مكة ، حتى بلغ ثنية المرار مهبط الحديبية ، فلما بلغها بركت ناقته ، فزجروها فلم تقم فقالوا : خلأت القصواء ، فقال : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها فوثبت ، فتقدم حتى نزل بالحديبية .
وجاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة – وكانوا ناصحين لرسول الله e فأخبره أن قريشاً مستعدون لقتاله وصده عن البيت الحرام ، فأخبره رسول الله e أنه ما جاء إلا للعمرة ، وما جاء للقتال ، وأنه مستعد للهدنة والصلح ، ولكن إن أبت قريش إلا القتال فإنه يقاتلهم حتى تقطع عنقه ، أو ينفذ الله أمره .
 
عمرة الحديبية
عثمان بن عفان رسولا إلى قريش ، وبيعة الرضوان :

وحينئذ قرر رسول الله e إرسال رسول إلى قريش يؤكد لهم أنه ما جاء إلا للعمرة ، فأرسل عثمان بن عفان t ، وأمره أيضاً أن يأتي المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة ، فيبشرهم بقرب الفتح ، وأن الله مظهر دينه ، حتى لا يستخفي في مكة أحد بالإيمان .
ودخل عثمان y في مكة في جوار أبان بن سعيد الأموي ، فبلغ الرسالة وعرضوا عليه أن يطوف بالبيت ، فأبى أن يطوف ورسول الله e ممنوع .
وحبست قريش عثمان t ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم ، ثم يرسلوه مع الجواب – وشاع بين المسلمين أنه قتل . وقتل الرسول يعني الإعلان عن الحرب ، فلما سمع رسول الله e ذلك قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس وهو تحت شجرة ، أن يبايعوه على القتال ، فثار الناس إليه ، وبايعوه – بحماس – على الموت ، وعلى أن لا يفروا ، وأخذ رسول الله e إحدى يديه بالأخرى ، وقال : هذه عن عثمان ، ولما انتهت البيعة جاء عثمان t . وأنزل الله في فضل هذه البيعة ] لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ ( 48 : 18 ) . ومن هنا سميت هذه البيعة ببيعة الرضوان .
 
عمرة الحديبية
عقد الصلح :
وسمعت قريش بهذه البيعة فداخلهم رعب عظيم ، وأسرعوا بإرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فجاء وتكلم طويلاً حتى قبل منه رسول الله e الشروط الآتية :
1- أن رسول قريش eيرجع مع المسلمين هذا العام ، ولا يدخل مكة ويدخلها العام القابل . فيقيم بها ثلاثة أيام ، ولا يكون معه من السلاح إلا بالسيف في القراب .
2- توضع الحرب بين الفريقين عشر سنين .
3- من أراد أن يدخل في عهد محمد e دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .
4- من التجأ من قريش على المسلمين يرده المسلمون إلى قريش ، ومن التجأ من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش إلى المسلمين .
ثم دعا علياً وأملى عليه أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل : ما ندري ما الرحمن . اكتب : باسمك اللهم . فأمره رسول الله e أن يكتب ذلك ، ثم أملى : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله . فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبدالله .
فقال : أني رسول الله وإن كذبتموني . وأمر علياً أن يمحو ذلك ، ويكتب محمد بن عبدالله ، فامتنع علي عن المحو ، فمحاه e بيده الشريفة ، وكتبت نسختان ، نسخة لقريش ، ونسخة للمسلمين .
 
عمرة الحديبية
قضية أبي جندل :

وبينما الكتاب يكتب جاء أبو جندل – وهو ابن سهيل بن عمرو ممثل قريش في هذا الصلح – وهو يحجل في قيوده ، فطلب سهيل رده ، فقال النبي e إنا لم نقض الكتاب بعد ، فقال : إذن لا أقاضيك ، فقال e :" فأجزه لي " قال : لا . وضرب سهيل أبا جندل ، وصاح أبو جندل : يا معشر المسلمين ! أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فقال e اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً " ، وأغرى عمر بن الخطاب أبا جندل ليقتل أباه سهيلاً فلم يفعل .
 
عمرة الحديبية
حل المسلمين من عمرة وحزنهم على قضية الصلح :

ولما فرغ رسول الله e من قضية الكتاب قال للمسلمين : قوموا فانحروا ، فما قام أحد . حتى قالها ثلاث مرات فما قام أحد ، فدخل على أم سلمة وذكر لها ذلك ، فأشارت أن يقوم هو فينحر بدنه ويحلق رأسه ، ولا يكلم أحداً ، ففعل ، وقد نحر جملاً لأبي جهل كان في أنفه برة من فضة ، ليغيظ به المشركين ، فلما رأى الناس قاموا فنحروا وحلقوا ، وكاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ، وقد نحروا الإبل عن سبعة والبقرة عن سبعة .

وكان حزن المسلمين لسببين : الأول رجوعهم بغير عمرة ، والثاني عدم المساواة بين الطرفين . فالمسلمون يردون من جاء إليهم ، وقريش لا يردون ، فطمأنهم رسول الله e عن الأول بأنهم سوف يعتمرون العام القادم ، فالرؤيا صادقة ، وفي هذا الجزء من الصلح مراعاة لمشاعر الفريقين ، وطمأنهم عن الثاني بأن من ذهب منا إليهم فقد أبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
وكان قوله eهذا مبنياً على نظره البعيد ، فإن جماعة من المسلمين لما تزل في الحبشة ، ولم يكن ينطبق عليهم هذا العهد ، فكان يمكن اللجوء إليهم للمحبوسين في مكة ، ولكن ظاهر العهد كان في صالح قريش ، فلما يزل له أثر شديد في أعماق مشاعر المسلمين ، حتى جاء عمر بن الخطاب ، وقال : يا رسول الله ! ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى . قال . أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ! إني رسول الله e . ولست أعصيه . وهو ناصري ولن يضيعني أبداً .
ثم انطلق عمر متغيظاً إلى أبي بكر فقال له ما قال لرسول الله e ، وأجابه أبو بكر بما أجاب به رسول الله e . ثم قال لعمر : فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه لعلى الحق .
ثم أنزل الله – تعالى : ] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً [ الآيات . فأرسل رسول الله eإلى عمر ، فأقرأه إياها فقال : يا رسول الله ! أو فتح هو ؟ قال : نعم فطابت نفسه ، ورجع .
ثم ندم عمر على ما فرط منه ، فعمل لأجله أعمالاً : لم يزل يتصدق ويصوم ويصلي ويعتق حتى رجا الخير .
 
الوسوم
الله الوفاة الولادة حتى سيرته صلى عليه كاملة لنتعلم من وسلم
عودة
أعلى