لنتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

عمرة الحديبية
قضية النساء المهاجرات :
وبعد إبرام الصلح ، والحل من العمرة ، جاءت نسوة مؤمنات ، فطلب أولياؤهن الكفار من رسول الله e أن يردهن ، فامتنع عن ذلك ، بدليل أنهن لم يدخلن في العهد ، وأنزل الله : ] يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن . إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر .... [ [ الممتحنة : 10 ] . فحرم المؤمنات على الكفار ، والكافرات على المؤمنين .

فكان رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يمتحن هؤلاء المهاجرات بما أمر في قوله – تعالى :

} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ { [ الممتحنة :12 ] . فمن أقرت بهذه الشروط قال لها : قد بايعتك – كلاماً دون مصافحة ، ولم يكن يردهن ، وطلق المسلمون أزواجهم الكافرات ، وفرقوا بين المسلمات وأزواجهن الكفار .
 
عمرة الحديبية
دخول خزاعة في عهد المسلمين :

واختارت خزاعة أن يكونوا مع رسول الله e في هذا الميثاق ، فدخلوا في عهده _ وقد كانوا خلفاء بني هاشم من زمن الجاهلية _ ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، فكانوا هم السبب في فتح مكة ، وسيأتي .
 
عمرة الحديبية
حل قضية المستضعفين :
أما المسلمين المعذبون في مكة ، فانفلت منهم رجل اسمه أبو بصير ، وجاء إلى المدينة ، فأرسلت قريش رجلين إلى النبي e ليرده ، فرده ، فلما نزل بذي الحليفة قتل أبو بصير أحدهما، وفر الآخر حتى انتهى إلى النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، وقال : قتل صاحبي وإني لمقتول . وجاء أبو بصير فزجره النبي e ، فعرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، أي ساحله ، وانفلت أبو جندل فلحق به ، فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم جماعة ، وأخذت تعترض كل عير لقريش تخرج إلى الشام ، فتهجم عليها وتأخذ أموالها ، فأرسلت قريش إلى النبي e تناشده الله والرحم أن يستقدمهم إلى المدينة ، فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل إليهم فقدموا ، وانحلت المشكلة .

 
عمرة الحديبية
أثر الصلح :

كان لهذا الصلح أثر كبير في تسيير الدعوة الإسلامية ، فقد وجد المسلمين فرصه اللقاء بعامة العرب ، ودعوتهم إلى الله ، فدخل الناس في الإسلام بكثرة ، وبلغ عددهم في عامين ما لم يبلغ خلال تسعة عشر عاماً ، وقد جاء كبار قريش وخلاصتها : عمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد ، وعثمان بن طلحة إلى رسول الله e ، طائعين راغبين ، يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويبايعونه على الإسلام ، ويبذلون له كل ما يملكون من غال ورخيص ، ويفدونه بالنفوس والأرواح ، والمواهب والقدرات ، وقد قال رسول الله e ، حينما جاءوا :" إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها " .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
مكاتبة الملوك والأمراء :

ولما عاد رسول الله e من عمرة الحديبية ، وقد أبرم الصلح مع قريش ، وأمن جانبهم ، بدأ بإرسال الكتب إلى الملوك والأمراء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ويذكرهم بمضاعفة مسئولياتهم ، وهذه هي تلك الكتب بإيجاز :
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتابه إلى النجاشي أصحمة بن الأبجر ملك الحبشة :

كتب فيه :
" بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة . سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الإسلام ، فإني أنا رسوله ، فأسلم تسلم : ] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئأ ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ . فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك " .
وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري ، فلما أخذه النجاشي وضعه على عينيه ، ونزل عن سرير ، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب ، وكتب إلى النبي e بإسلامه وبيعه ، وزوج أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان بالنبي e وأصدقها من عنده أربعمائة دينار ، وأرسلها والمهاجرين في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري ، فقدم بهم والنبي e بخيبر .
مات النجاشي هذا في رجب سنة 9هـ فنعاه النبي e يوم وفاته ، وصلى عليه صلاه الغائب . وخلفه على الحبشة نجاشي آخر ، فكتب إليه يدعوه إلى الإسلام . ولا يدري هل أسلم هذا الثاني أو لم يسلم ؟

 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتابه إلى المقوقس ملك الإسكندرية :

وكتب النبي e كتاباً إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية وهو :
" بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط . سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط ، ] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله . فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ .
وبعث الكتاب مع حاطب بن أبي بلتعة ، فكلمه حاطب وأبلغه الكتاب ، فأكرمه المقوقس ، ووضع الكتاب في حق من عاج ، وختم عليه ، واحتفظ به ، وكتب إلى النبي e يقر فيه بأن نبياً قد بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، ولكنه لم يسلم ، وأهدى جاريتين : مارية وسيرين ، وكان لهما في القبط مكان عظيم . وأهدى كسوة ، وبغلة اسمها دلدل ، فاختار النبي e مارية لنفسه ، والبغلة لركوبه ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت t.
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتابه إلى كسرى أبرويز ملك فارس :
كتب إليه " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة :
] لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين [ فأسلم تسلم ، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك " .

وبعث الكتاب مع عبدالله بن حذافة السهمي ، وأمره أن يدفعه على عظيم البحرين ، ليدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرئ عليه الكتاب مزقه ، وقال : عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي . فلما بلغ ذلك رسول الله e قال : " مزق الله ملكه " ووقع كما قال . فقد انهزم جيشه أمام الروم هزيمة منكرة ، ثم انقلب عليه ابنه شيرويه ، فقتله وأخذ ملكه ، ثم استمر فيه التمزق والفساد إلى أن استولى عليه الجيش الإسلامي في زمن عمر بن الخطاب t ، ثم لم تقم لهم قائمة .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى قيصر ملك الروم :

" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، وأسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين :
] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك بع شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ ".
وبعث الكتاب مع دحية بن خليفة الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ، ليدفعه إلى قيصر ، وكان قيصر قد جاء من حمص إلى بيت المقدس ماشياً على قدميه ، شكراً لله تعالى على ما حصل له من الفتح والانتصار على الفرس ، فلما جاءه الكتاب أرسل رجاله ليأتوا برجل من العرب يعرف النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، فوجدوا أبا سفيان في ركب من قريش ، فأتوا بهم إلى هرقل ، فدعاهم هرقل في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، فسألهم أيهم أقرب إليه e نسباً ، فأخبروه بأنه أبو سفيان ، فأدناه منه وأجلس بقية الناس وراءه ، وقال لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل – أي النبي e فإن كذبني فكذبوه . فاستحيى أبو سفيان أن يكذب .

وسأله هرقل : كيف نسبه فيكم ؟
فقال : هو فينا ذو نسب .
فقال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟
قال : لا .
قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟
قال : بل ضعفاؤهم .
قال : أيزيدون أم ينقصون ؟
قال : بل يزيدون .
قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قال : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قال : لا .
وهنا تمكن أبو سفيان من إدخال كلمة مريبة فقال :
ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها .
قال : فهل قاتلتموه ؟
قال : نعم .
قال : الحرب بيننا وبينه سجال . ينال منا وننال منه .
قال : وماذا يأمركم ؟
قال : يقول : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
قال هرقل معلقاً على هذا الحوار : ذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وذكرت أنه لم يقل أحد منكم هذا القول قبله . قلت : فلو كان كذلك لقلت : رجل يأتم بقول قيل قبله .
وذكرت أنه لم يكن من آبائه من ملك ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه .
ذكرت أنكم لم تكونوا تتهمونه بالكذب ، فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس . ويكذب على الله .
وذكرت أن ضعفاء الناس اتبعوه ، وهم أتباع الرسل .
وذكرت أنهم يزيدون . وكذلك أمر الإيمان حتى يتم .
وذكرت أنه لا يرتد منهم أحد ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئاً ، ونهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظنه منكم . فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه . ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه .
ثم دعا الكتاب فقرأه ، فارتفعت الأصوات وكثر اللغط . فأخرج أبا سيفان ومن معه ، فلما خرج أبو سفيان قال لأصحابه : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، ولم يزل أبو سفيان موقناً بعده بظهور أمر رسول الله e حتى وفقه الله للإسلام .
وأجاز هرقل دحية بن خليفة الكلبي بمال وكسوة . ثم رجع إلى حمص ، فأذن لعظماء الروم في دسكرة له ، وأمر بأبوابها فأغلقت . ثم قال : يا معشر الروم ! هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم ؟ فتتابعوا هذا النبي ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة ، فلما رأى قيصر نفرتهم قال : ردوهم علي ، فقال لهم : إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت . فسجدوا له ورضوا عنه .
ويتبين من هذا أن قيصر عرف النبي e وصدق نبوته تمام المعرفة ، ولكن غلب عليه حب ملكه فلم يسلم ، وباء بإثمه وإثم رعيته كما قال النبي e

أما دحية بن خليفة الكلبي فإنه لما كان بحسمي في طريقه راجعاً إلى المدينة قطع عليه الطريق رجال من بني جذام ، وانتهبوه ، حتى لم يتركوا معه شيئاً ، فلما بلغ المدينة ، وأخبر رسول الله e ، وبعث إليهم زيد بن حارثة في خمسمائة مقاتل ، فأغاروا وقتلوا وغنموا ألف بعير ، وخمسة آلاف شاة ، وسبوا مائة من النساء والصبيان ، وأسرع زيد بن رفاعة الجذامي ، وأحد رؤسائهم ، إلى المدينة – وكان أسلم هو ورجال من قومه ، ونصروا دحية حين قطع الطريق عليه – فرد عليه رسول الله e الغنائم والسبى .

 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني :

وكتب رسول الله e كتابا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق من قبل قيصر . وهاك نص الكتاب :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر : سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله وصدق ، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له ، يبقى لك ملكك ".
وبعث الكتاب مع شجاع بن وهب الأسدي – من أسد بن خزيمة – فلما قرأ الكتاب رمى به ، وقال : من ينزع ملكي مني ؟ واستعد ليرسل جيشاً يغزو المسلمين ، وقال لشجاع بن وهب : أخبر صاحبك بما ترى ، واستأذن قيصر في حرب رسول الله e فثناه قيصر عن عزمه ، فأجاز الحارث شجاع بن وهب بالكسوة والنفقة ، ورده بالحسنى .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى أمير بصري :
وكتب e كتابا إلى أمير بصري :
يدعوه إلى الإسلام ، وبعث الكتاب مع الحارث بن عمير الأزدي t ، فلما بلغ مؤتة – من عمل البلقاء في جنوب الأردن – تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فضرب عنقه .
وكان هذا أشد عمل عدواني تجاه الرسل ،فلم يقتل لرسول الله e رسول غيره ، وقد وجد e على ذلك وجداً شديداً ، حتى أفضى ذلك إلى معركة مؤته ، وسنأتي على ذكرها .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة :


وكتب e كتابا إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة . وهو :

" بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى هوذة بن على . سلام على من اتبع الهدى ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر ، فأسلم تسلم ، وأجعل لك ما تحت يديك " .
وبعث الكتاب مع سليط بن عمرو العامري . فأكرمه وأجازه ، وكساه من نسيج هجر ، وكتب في الجواب :
" ما أحسن ما تدعوا إليه وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهابني ، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك " .
فلما بلغ ذلك رسول الله e قال : لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت . باد وباد ما في يديه ، فمات منصرف رسول الله e من فتح مكة .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى ملك البحرين :

وكتب رسول الله e كتابا إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين ،
دعاه فيه إلى الإسلام ، وبعث هذا الكتاب مع العلاء بن الحضرمي ، فأسلم المنذر ، وأسلم بعض أهل البحرين ، وبقى الآخرون على دينهم من اليهودية أو المجوسية ، فكتب المنذر يخبر بذلك رسول الله e ويستفتيه ، فكتب إليه يأمره أن يترك للمسلمين ما أسلموا عليه ، ويأخذ من اليهود والمجوس الجزية ، وأنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك .
 
مكاتبة الملوك والأمراء
كتاب النبي إلى ملكي عمان :

وكتب رسول الله e كتابا إلى ملكي عمان جيفر وأخيه وهو :
" بسم الله الر حمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي . سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوكم بدعاية الإسلام ، أسلما تسلما ، فإني رسول الله e إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين . فإنكما إن أقرر بالإسلام وليتكما ، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل ، وخيل تحل بساحتكما ، وتظهر نبوتي على ملككما "
وبعث الكتاب مع عمرو بن العاص t ، فلما قدم عمان لقي عبد بن الجلندي ، فسأله عبد عما يدعو إليه ، فقال : إلى الله وحده لا شريك له ، وتخلع ما عبد من دونه ، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله . وبعد حوار جرى بينهما سأله عبد عما يأمر به . فقال : يأمر بطاعة الله وينهى عن معصيه ، ويأمر بالبر وصلة الرحم . وينهى عن الظلم والعدوان والزنا وشرب الخمر ، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب .
قال عبد : ما أحسن هذا الذي يدعو إليه ، لو كان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ، لكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنباً – تابعاً .
قال عمرو : إن أسلم أخوك ملكه رسول الله e على قومه ، فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم ، فقال : إن هذا لخلق حسن ، ثم سأله عن الصدقة فأخبره بتفاصيلها ، فلما ذكر المواشي قال : ما أرى قومي يرضون بهذا .
ثم إن عبداً أوصل عمراً إلى أخيه جيفر ، فأعطاه الكتاب فقرأه ، ثم أعطاه لأخيه ، وسأل عمراً عما فعلته قريش . فأخبره أنهم أسلموا ، وأنه إن أسلم يسلم ، وإلا وطئته الخيل وتبيد خضراءه .
وأرجأ جيفر أمره إلى غد ، فلما كان الغد أبدى القوة والصمود ، ولكنه خلا بأخيه واستشاره ، فلما كان بعد الغد أسلم هو وأخوه ، وخليا بين عمرو وبين أخذه الصدقة ، وكانا عوناً على من خالفه .
أرسل هذا الكتاب إلى عبد وجيفر بعد فتح مكة . وأما بقية الكتب فقد أرسلت بعد عودته e من الحديبية .
 
بين المسلمين وبقية الأطراف
بين المسلمين وبقية الأطراف :

كان عهد الحديبية ميثاقاً ينص على وضع الحرب عشر سنين ، وبفضل هذا العهد أمن رسول الله e من أكبر عدو له في جزيرة العرب ، وهم قريش ، وتفرغ لتصفية الحساب مع أخبث عدو له مكراً وكيداً وغدراً وإغراء للأحزاب . وهم اليهود . وكانوا متمركزين في خيبر وما وراءها في جهة الشمال . وبينما هو يستعد للخروج إليهم حدثت حادثة أخرى خفيفة ، وهي غزوة الغابة .
 
بين المسلمين وبقية الأطراف
غزوة الغابة :

وبيان ذلك ان رسول الله e كان قد أرسل لقاحة لترعى في جهة الغابة بناحية أحد ، وكان معها غلامه رباح والراعي وسلمة بن الأكوع ، وكانت مع سلمة فرس لأبي طلحة ، فأغار عبدالرحمن بن عيينة الفزاري على الإبل ، فقتل الراعي ، واستاق الإبل أجمع ، فأعطى سلمة فرسه رباحاً ليسرع إلى المدينة ، ويخبر بالحادث ، وقام هو على أكمة ، فاستقبل المدينة ، وصاح بأعلى صوته : يا صباحاه ، ثلاث مرات . ثم خرج في آثار القوم يرميهم بالنبل ويرتجز :
خذها ، أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فلم يزل يرميهم ويعقربهم ، وإذا رجع إليه منهم فارس جلس في أصل شجرة ورماه ، ودخلوا في مضيق جبل فعلاه ، وأخذ يرديهم بالحجارة ، فلم يزل كذلك حتى تركوا الإبل كلها ، ولكنه لم يزل يتبعهم ويرميهم بالحجارة ، فلم يزل كذلك حتى تركوا الإبل كلها ، لكنه لم يزل يتبعهم ويرميهم حتى ألقوا ثلاثين برداً وثلاثين رمحاً يستخفون ، فكان يجعل عليها أكواماً من الحجارة ليعرف بها .
وجلسوا في متضايق ثنية ، فجلس ابن الأكوع على رأس قرن ، فصعد إليه أربعة ، فقال : هل تعرفونني ؟ أنا سلمة بن الأكوع ، لا أطلب منكم رجلاً إلا أدركته ، ولا يطلبني فيدركني ، فرجعوا .
وبعد حين رأى سلمة فوارس رسول الله e يتخللون الشجر ، أولهم أخرم ، ثم قتادة ، ثم المقداد ، فجاءوا ، والتقى أخرم وعبد الرحمن ، فعقر أخرم فرس عبدالرحمن ، وطعنه عبدالرحمن فقتله ، وتحول على فرسه ، فلحقه أبو قتادة ، وقتله طعناً وفر الباقون ، فطاردهم هؤلاء الفوارس ، ومعهم سلمة يعدو على رجليه ، ووصلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يسمى بذي قرد ، وكان قد نزل به العدو ليشرب منه ، وهم عطاش ، فأجلاهم عنه سلمه برميه ، ولحق به رسول الله e والفوارس عشاء ، فقال : يا رسول الله ، والقوم عطاش ، فلو بعثتني في مائة رجل أخذت بأعناقهم وسرحهم فقال : يا ابن الأكوع ! ملكت فأسجع – أي تلطف – ثم قال : إنهم ليقرون الآن في بني غطفان . وأعطاه سهم الراجل والفارس ، وأردفه على العضباء . وقال : خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا أبو سلمة .
وقعت هذه الغزوة قبل خروجه e إلى خيبر بثلاثة أيام . وقد استعمل فيها على المدينة ابن مكتوم . وأعطى اللواء للمقداد .
 
غزوة خيبر
غزوة خيبر :

وفي المحرم سنة سبع من الهجرة خرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى خيبر ، وجاء من تخلف عن الحديبية ليؤذن له فنادى في الناس أن لا يخرجوا معه إلا رغبة في الجهاد ، أما الغنيمة فلا يعطى لهم منه شيء . فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة ، وكانوا ألفاً وأربعمائة ، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري .

ثم سلك الجادة المعروفة الموصلة إلى خيبر ، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر ، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر من جهة الشام ، ليحول بينهم وبين فرارهم إلى الشام .
وبات الليلة الأخيرة قريباً من خيبر ، ولم تشعر به اليهود ، فلما أصبح صلى الفجر بغلس ، ثم ركب هو والمسلمون متجهين إلى مساكن خيبر ، أما اليهود فقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ليعلموا في أرضهم وهم لا يعلمون ، فلما رأوا الجيش رجعوا هاربين يقولون : محمد ، والله محمد والخميس . فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: " الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " .

وخيبر على بعد 171 كيلومتراً شمالي المدينة وكانت مساكنها منقسمة إلى ثلاثة أشطر : النطاة ، والكتيبة ، والشق . فالنطاة ثلاثة حصون : حصن ناعم ، وحصن الصعب بن معاذ ، وحصن قلعة الزبير . والشق حصنان : حصن أبي ، وحصن النزار . والكتيبة ثلاثة حصون : حصن القموص ، وحصن الوطيح ، وحصن السلالم .
وكانت في خيبر حصون وقلاع أخرى صغيرة لم تكن تبلغ مبلغ هذه الحصون في القوة والمناعة .
 
غزوة خيبر
فتح النطاة :
عسكر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
شرقي حصون النطاة بعيداً عن مدى النبل ، وبدأ القتال بفرض الحصار على حصن ناعم ، وكان حصناً منيعاً ، رفيعاً صعب المرتقى وكان خط الدفاع الأول لليهود ، وفيه بطلهم مرحب الذي كان يعد بألف رجل ، فوقعت المراماة بين الفريقين أياماً . ثم بشرهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالفتح . قال : " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " ، فبات المهاجرون والأنصار كلهم يتمنى أن يعطاها ، فلما أصبح قال : أين علي ؟ قالوا : هو يشتكي عينيه ، فأرسل إليه فأتى به ، فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرئ ، كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم .

وكان اليهود قد نقلوا نساءهم وذراريهم إلى حصن الشق ليلاً ، وقرروا البروز للقتال في ذلك الصباح ، فلما ذهب إليهم علي t وجدهم متجهزين للقتال ، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورفضوا ، ودعا مرحب إلى المبارزة ، وهو يخطر بسيفه ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع ، وهو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب عامر ليتناول بسيفه ساق اليهودي ، وكان سيفه قصيراً ، فلما يصل إليه ، بل رجع إلى عامر فأصاب ركبته ، فمات بسببه فيما بعد ، فقال النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فيه : إن له لأجرين ، إنه لجاهد مجاهد ، قل عربي مشى بها – أي بالأرض – مثله .

أما مرحب فبرز له علي وهو يرتجز :
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
وضرب رأس مرحب فقتله ، ثم خرج أخوه ياسر يدعو إلى المبارزة ، فبرز له الزبير بن العوام ، وألحقه بأخيه ، ثم دار القتال المرير ، قتل فيه عدد من سراة اليهود ، وانهارت معنوياتهم ، فانكشفوا عن مواقفهم ، وتبعهم المسلمون حتى دخلوا الحصن بالقوة ، وانهزم اليهود إلى الحصن الذي يليه ، وهو حصن الصعب وقد غنم المسلمون من حصن ناعم كثيراً من الطعام والتمر والسلاح.

ثم حاصر المسلمون حصن الصعب تحت قيادة الحباب بن المنذر ، ودام الحصار ثلاثة أيام ، وفي اليوم الثالث دعا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالفتح والغنيمة ، ثم ندب المسلمين بالهجوم فهاجموا بشدة ، ووقع البراز والقتال ، ودارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة اليهود ، وافتتح المسلمون الحصن قبل أن تغرب الشمس ، فوجدوا فيه غنائم كثيرة من الطعام ، وكان أكثر الحصون طعاماً وودكاً ، وأعظمها غناء للمسلمين ، وكان المسلمون قبل ذلك في جماعة شديدة حتى ذبح ناس الحمر ، فنهى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
عن لحومها ، وأمر بالقدور فأكفئت ، وهي منصوبة على النيران تطبخ فيها تلك اللحوم .

ولاذ اليهود بقلعة الزبير وتحصنوا فيها ، وهي ثالث الحصون وآخرها في شطر النطاة ، أما المسلمين ففرضوا عليهم الحصار ، وفي اليوم الرابع دل يهودي على جداول ماء كان يستقي منها اليهود فقطعها المسلمون عنهم ، فخرجوا وقاتلوا قتالاً شديداً ، ثم انهزموا إلى شطر الشق وتحصنوا بحصن أبى .
 
غزوة خيبر
فتح الشق :

وتبعهم المسلمون حتى حاصروهم ، فخرجوا مستعدين لأشد القتال ، وبرز أحد أبطالهم يطلب المبارزة فقتل . ثم برز آخر فقتل ، قتله أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ، فلما قتله أسرع إلى اقتحام القلعة ، واقتحم معه المسلمون ، فجرى القتال داخل القلعة ساعة ، ثم فر اليهود إلى الحصن الثاني : حصن النزار ، وهو آخر الحصنين في هذا الشطر ، وغنم المسلمون في حصن أبي أثاثاً كثيراً ومتاعاً وغنماً وطعاماً .
ثم تقدموا وحاصروا حصن النزار ، وكان على رأس جبل لا سبيل إليه ، وقد تمنع أهله أشد التمنع ، وكانوا على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحامه ، ولذلك أقاموا فيه مع الذراري والنساء ، وقاموا أشد المقاومة ، رمياً بالنبل والحجارة ، فنصب المسلمون المنجنيق ، فوقع في قلوبهم الرعب ، وهربوا إلى شطر الكتيبة دون أن يعانوا شدة تذكر ، ووجد المسلمون غنائم فيها أواني من نحاس وفخار ، فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
اغسلوها واطبخوا فيها .

 
غزوة خيبر
فتح الكتيبة :
وتقدم المسلمون إلى حصن القموص ، أول حصون الكتيبة ، فحاصروه أربعة عشر يوماً أو عشرين يوماً .
ثم يقال : إن اليهود طلبوا الأمان .
ويقال : إن المسلمين فتحوا الحصن عنوة ، وفر اليهود إلى الحصنين الباقيين : الوطيح والسلالم ، فلما سار إليهما المسلمون ليحاصروهما طلب اليهود الأمان على أن يخرجوا من خيبر وأراضيها بنسائهم وذراريهم ، فعاهدهم على ذلك ، وسمح لهم بأن يأخذوا من الأموال ما حملت ركابهم ، إلا الصفراء والبيضاء – أي الذهب والفضة – والكراع والحلقة – أي الخيل والسلاح ، وتبرؤ منهم الذمة إن كتموا شيئاً ، ثم سلموا الحصون الثلاثة أو الحصنين ، فغنم المسلمون مائة درع ، وأربعمائة سيف ، وألف رمح ، وخمسمائة قوس عربية ، وصحفاً من التوراة أعطوها لمن طلبها .
وغدر بالعهد كنانة بن أبي الحقيق وأخوه ، فغيبا كثيراً من الذهب والفضة والجواهر ، فبرئت منهما الذمة ، وقتلاً لغدرتهما ، وكانت صفية بنت حيي بن أخطب تحت كنانة ، فجعلت في السبى .
 
الوسوم
الله الوفاة الولادة حتى سيرته صلى عليه كاملة لنتعلم من وسلم
عودة
أعلى