لنتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة

هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
في الطريق إلى المدينة :
في ليلة الاثنين غرة ربيع الأول سنة 1هـ جاء الدليل عبدالله بن أريقط الليثي بالراحلتين إلى جبل ثور حسب الموعد ، فارتحل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وأبو بكر ، وصحبهما عامر بن فهيرة ، وسلك بهما الدليل في اتجاه الجنوب نحو اليمن حتى أبعد ، ثم اتجه إلى الغرب نحو ساحل البحر الأحمر ، ثم اتجه إلى الشمال على مقربة من الساحل ، وسلك طريقاً لا يسلكه الناس إلا نادراً .

وواصلوا السير تلك الليلة ، ثم النهار إلى نصفه ، حتى خلا الطريق ، فاستراح النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
تحت ظل صخرة ، واستكشف أبو بكر ما حوله ، وجاء راع فاستحلب منه أبو بكر ، فلما استيقظ النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
سقاه حتى رضي ، ثم ارتحلوا .

وفي اليوم الثاني مرا بخيمتي أم معبد وكانت بالمشلل في ناحية قديد على بعد نحو 130كيلو متراً من مكة ، فسألاها هل عندها شئ ؟ فاعتذرت عن القرى وأخبرت أن الشاء عازب – أي بعيدة المرعى والكلأ – وكانت في جانب الخيمة شاة خلفها الجهد عن قطيع الغنم ، ولم تكن فيها قطرة من لبن ، فاستأذن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ليحلبها ، فلما حلبها درت باللبن حتى امتلأ منه إناء كبير يحمله الرهط بمشقة ، فسقاه أم معبد حتى رويت ، ثم سقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب ، ثم حلب فيه ثانياً ، حتى ملأ الإناء ، وتركه عندها وارتحلوا .

وجاء زوجها فتعجب حين رأى اللبن ، وسألها عنه ، فأخبرته الخبر ، ووصفت النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من مفرقه إلى قدمه ومن كلامه إلى أطواره وصفاً دقيقاً جداً ، فقال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.

وفي اليوم الثالث سمع أهل مكة صوتاً بدأ من أسفلها ومر حتى خرج من أعلاها ، وتبعوه فلم يروا شخصه يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيـمتي أم معبد
هما نـــزلا بالبر وارتحـــــلا به وأفلح مع أمسـى رفيق محمد
فيا لقــصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجارى وسودد
ليهن بني كعب مــكان فـتاتهم ومقـعدها للمؤمنـين بمرصد
ثم لما جاوزا قديداً تبعهما سراقة بن مالك بن جعشم المد لجي ، على فرس له ، طمعا في جائزة قريش ، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى خر عنها ، ثم قام واستقسم بالأزلام : يضرهم أم لا ؟ فخرج الذي يكره ، ولكنه عصى الأزلام وركب حتى إذا دنا منهم بحيث يسمع قراءة رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هو لا يلتفت ، أبوبكر يكثر الالتفاف – ساخت يدا فرسه في الأرض حتى بلغتا الركبتين وخر عنها ، ثم زجرها فنهضت فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة صار لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان ، فا ستقسم بالأزلام فخرج الذي يكره ، وداخله رعب عظيم ، وعلم أن أمر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
سيظهر ، فناداهم بالأمان ، فوقفوا حتى جاءهم ، فأخبر النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بما قررته قريش ، وما يريد بهما الناس ، وعرض عليه الزاد والمتاع فلم يأخذ منه شيئاً ، وطلب منه أن يخفي أمره عن الناس . واستكتبه سراقة كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتبه في أديم . ورجع سراقة فقال لمن وجده في الطلب : قد استبرأت لكم الخبر ، قد كفيتم ما ههنا حتى أرجعهم .

وفي الطريق لقيه بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في سبعين راكبا فأسلم هو ومن معه ، وصلوا خلفه صلاة العشاء الآخرة .
ولقيهما في بطن ريم – اسم واد الزبير بن العوام في ركب من المسلمين كانوا قافلين من الشام ، فكساهما الزبير ثياباً بياضاً .
 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
النزول بقباء :
وفي يوم الاثنين – الثامن من شهر ربيع الأول سنة 14 من النبوة – وهي السنة الأولى من الهجرة – نزل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بقباء .

وكان أهل المدينة حينما سمعوا بخروج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يخرجون كل غداة إلى الحرة ، حتى يردهم حر الظهيرة . فانقلبوا يوماً بعد طول الانتظار ، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب ! هذا جدكم – أي حظكم – الذي تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلاح ، وسمعت فيهم الوجبة والتكبير فرحاً بقدوم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وخرجوا للقائه بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف بقباء .

ولما نزل بقباء جلس صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يحيى أبا بكر t ظنا منه أنه هو الرسول
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لظهور الشيب في شعره – حتى أصابت رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الشمس ، فظلل عليه أبو بكر بردائه ، فعرف الناس رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
.

ونزل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بقباء على كلثوم بن الهدم ، وقيل : على سعد بن خيثمة ، ومكث بها أربعة أيام ، أسس أثناءها مسجد قباء ، وصلى فيه ، فلما كان اليوم الخامس – يوم الجمعة – ركب بأمر الله ، أبو بكر ردفه ، وأرسل إلى أخواله بني النجار ، فجاءوا متقلدين السيوف ، فسار نحو المدينة ، وهم حوله وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم في بطن الوادي ، وهم مائة رجل .

 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
الدخول في المدينة :
ثم اتجه نحو المدينة ، وقد زحف الناس للاستقبال ، وارتجت البيوت والسكك بالتحميد والتقديس ، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن :
طلـــع البدر علينا مـن ثنيات الـوداع وجـب الشكـر علينا مــــــا دعــــــــــــــــــا لله داـــــــع أيهـا المبعـوث فينا جئت بالمر المطــــــــــــــــــــــاع
وكان رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام ناقته يقولون : هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة ، فكان يقول لهم : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فلما وصلت الناقة إلى موضوع المسجد النبوي بركت ، فلم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول فنزل عنها . فجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم ، وبادر أبو أيوب الأنصاري t فأدخل رحله في بيته . فجعل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يقول : المرء مع رحله ، وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده .

وسابق سراة الأنصار في استضافة رسول الله r فكانت الجفان تأتيه منهم كل ليلة ، فما من ليلة إلا وعلى بابه الثلاث أو الأربع منها .
 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
هجرة علي ولحوقه برسول الله :
ومكث على بن أبي طالب t بمكة بعد النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ثلاثاً ، وأدى ودائع كانت عند رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لأهل مكة ، ثم خرج ماشياً على قدميه حتى لحق رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بقباء ، ونزل على كلثوم بن الهدم .


 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
هجرة أهل البيت :
ولما استقر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالمدينة أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ، فقدما بفاطمة وأم كلثوم بنتي النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وبأم المؤمنين سودة ، وأم أيمن ، وأسامة بن زيد . وخرج معهم عبدالله بن أبي بكر بعيال أبي بكر : أم رومان ، وأسماء ، وعائشة ، رضي الله عنهم وعنهن أجمعين – وذلك بعد ستة أشهر من هجرة رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
.

 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
هجرة صهيب :
وهاجر صهيب بعد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ولما أراد الهجرة حجزه المشركون ، فتخلى عن أمواله لهم – وكانت كثيرة – فخلوا سبيله ، فلما وصل المدينة ، وقص على النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
قصته قال : ربح البيع أبا يحيى ! وأبو يحيى كنية صهيب t

 
هجرة النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إلى المدينة
المستضعفون :
وحبس المشركون بعض المسلمين عن الهجرة ، وعذبوهم وفتنوهم عن دينهم . منهم الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص ، فكان رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يدعو على من حبسهم من لكفار قريش ، وهذا أصل القنوت ، وبعد حين قام بعض المسلمين بعمل بطولي جرئ ، أخرجهم بذلك من قيد الكفار ، فهاجروا إلى المدينة .



 
أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
مناخ المدينة :
ولما نزل المهاجرون بالمدينة أصابهم هم حزن ، لفراقهم أرضهم وديارهم التي نشأوا بها وترعرعوا فيها فأخذوا يذكرون تلك الأرض ويحنون إليها ، وزاد ذلك شدة أن المدينة كانت من أوبأ أرض الله ، فلما نزلوا بها أصابتهم حمى وأنواع من المرض ، فدعا النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ربه عز وجل وقال : " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها ، وبارك في صاعها ومدها ، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة " .

وأجاب الله دعاه
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فاستراح المسلمون من الأمراض ، وأحبوا المدينة .

أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
ولما استقر النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بالمدينة المنورة بدأ ينسق الأمور دينياً ودنيوياً بجانب استمراره في الدعوة إلى الله .

 
أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
المسجد النبوي :
وأول خطوة اتخذها في هذا السبيل هو بناء المسجد النبوي . واشترى لذلك الأرض التي بركت بها ناقته ، وكانت لغلامين يتيمين ، وكانت مائة ذراع في مائة ذراع تقريباً ، وفيها قبور المشركين ، وخرب ونخل وشجرة من غرقد فنبشت القبور ، وسويت الخرب ، وقطعت الشجرة والنخل ، وصفت في قبلة المسجد ، وجعل الأساس قريباً من ثلاثة أذرع ، وأقيمت الحيطان من اللبن والطين ، وجعلت عضادتا الباب من الحجارة . والسقف من الجريد ، والعمد من الجذوع ، وفرشت الأرض بالرمال والحصباء ، وجعلت له ثلاثة أبواب ، وكانت القبلة في الشمال إلى بيت المقدس . وكان الرسول
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ينقل الحجارة واللبن مع المهاجرين والأنصار ، ويرتجز ويرتجزون ، فيزيدهم ذلك نشاطاً .

وبنى بجانب المسجد حجرتين بالحجارة واللبن ، وسقفهما بالجريد والجذوع ، إحداهما لسودة بنت زمعة ، والثانية لعائشة – رضي الله عنها – بعد قدومها قريباً في شوال سنة 1هـ .
 
أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
الأذان :
وبدأ المسلمون يحضرون للصلوات الخمس في جماعة ، ويتحينون أوقاتها . فيتعجل بعضهم ويتأخر البعض ، فاستشار النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
والمسلمون في علامة يعرفون بها حضور الصلاة ، فأشار بعضهم برفع النار ، وبعضهم بالنفخ في البوق . وبعضهم بضرب الناقوس ، فقال عمر t : أولا تبعثون رجلاً ينادي ب" الصلاة جامعة " فقبل رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هذا الرأي وعمل به ، ثم أن عبدالله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري t رأى الأذان في المنام فجاء وأخبر النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقال : إنها لرؤيا حق ، وأمره أن يلقي على بلال حتى ينادي بها ، لأنه أندى صوتاً منه ، فأذن بلال ، وسمع صوته عمر بن الخطاب t فجاء يجرر رداءه وقال : وقال : والله لقد رأيت مثله . فتأكد بذلك الرؤيا ، وصار الأذان أحد شعار الإسلام منذ ذلك اليوم .

 
أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار :
كان من سجايا الأنصار وكرمهم أنهم كانوا يتنافسون في إنزال المهاجرين واستضافتهم في بيوتهم ، وكانوا كما قال الله تعالى عنهم : } وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ{ [59:9]
ثم زاد النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
هذا الحب والإيثار قوة بعقد المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين ، فجعل كل أنصاري ونزيله أخوين ، وكانوا تسعين رجلاً ، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار ، فآخى بينهم على المؤاساة ، وأنهم يتوارثون فيما بينهم بعد الموت ، دون ذوي الأرحام ، ثم نسخ التوارث وبقيت المؤاخاة ، وكانت قد عقدت في دار أنس بن مالك t وعنهم أجمعين .

وكان من حب الأنصار لإخوانهم المهاجرين أنهم عرضوا نخيلهم
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ليقسم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين ، فأبى فقالوا : إذن تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة فقبل ذلك .

وكان سعد بن الربيع أكثر الناس مالاً ، فقال لأخيه المهاجر عبد الرحمن بن عوف : اقسم مالي نصفين ، ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك ، فسمها لي ، أطلقها . فإذا انقضت عدتها فتزوجها . قال عبدالرحمن : بارك الله في أهلك ومالك . أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع ، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ، وما هي إلا أيام حتى اكتسب مالاً ، وتزوج امرأة من الأنصار .
 
أعمال رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في المدينة المنورة
تأسيس المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية :
كانت هذه المؤاخاة ربطاً بين قرد من المهاجرين وبين فرد من الأنصار ، وحيث إن المسلمين صاروا – بعد اجتماعهم بالمدينة – أمة مستقلة فقد كانوا في حاجة إلى تنظيم اجتماعي ، وإلى تعريف بالواجبات والحقوق الاجتماعية ، وإلى إبراز النقاط التي تجعلهم أمة واحدة مستقلة عن الآخرين .
وكانت في المدينة طائفتان أخريان سوى المسلمين ، تختلفان عنهم في العقيدة والدين ، والمصالح والحاجات ، والعواطف والميول . وهم المشركون واليهود ، فعقد النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فيما بين المسلمين ميثاقاً ، وفيما بينهم وبين المشركون وفيما بينهم وبين اليهود ميثاقاً آخر ، وكتب بذلك كتاباً قرر فيه :

1- أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس .
2- وأن أداء ديتهم وفداء أسيرهم بين المؤمنين يكون حسب العرف السابق . وأنهم ينصرون المؤمنين في الفداء والدية .
3- وأنهم يقومون ضد المفسد والباغي والظالم كيد واحدة ، ولو كان ولد أحدهم .
4- وأنه لا يقتل مؤمن مؤمناً بكافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن .
5- وأن ذمة الله واحدة ، فيجير عليهم أدناهم .
6- وأن من تبع المسلمين من اليهود فله النصر والأسوة .
7- وأن سلم المسلمين واحدة .
8- وأن من قتل مؤمناً قصداً يقتص منه ، إلا أن يرضى ولي المقتول ، ويجب على المؤمنين أن يقوموا ضد القاتل .
9- وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً أو يؤويه .
10- وأنهم إذا اختلفوا في شئ فإن مرده إلى الله ورسوله .
زيادة على هذا الميثاق بين النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
للمسلمين حق الأخوة الإسلامية في أوقات ومناسبات شتى ، وحضهم على التعاون والتناصر ، والتعاضد والتكاتف ، والمؤاساة وإسداء الخير . حتى سمت هذه الأخوة إلى أعلى قمة عرفها التاريخ .

وأما المشركون فكانوا على وشك الانهيار ، حيث أسلمت أغلبيتهم مع ساداتهم وكبرائهم ، فلم يكن في استطاعتهم الوقوف في وجه المسلمين ، فأخذ النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
عليهم :" أنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ، ولا يحول دونه على مؤمن " وبذلك انتهى ما كان يخشى منهم .

وأما اليهود فقد تم الاتفاق بينهم وبين النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
على الأمور الآتية :

1- أنهم أمة مع المؤمنين ، ولهم دينهم وللمسلمين دينهم ، وعليهم نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم.
2- وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وعلى من دهم يثرب ، كل يدافع عن جهته
3- وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم .
4- وأن المرء لا يؤخذ بإثم حليفه .
5- وأن النصر للمظلوم .
6- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين .
7- وأن يثرب حرام لأهل هذه الصحيفة .
8- وأن ما يكون بينهم من حدث أو اشتجار فإن مرده إلى الله ورسوله .
9- وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
10-وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم .
وبهذا الميثاق انتظم المسلمون والمشركون واليهود من سكان يثرب في كيان واحد ، وأصبحت المدينة وضواحيها دولة ذات استقلال وسيادة ، والكلمة النافذة فيها للمسلمين . ورئيسها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
.

ونشط رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وتبعه المسلمون في الدعوة إلى الله ، فكان يحضر مجالس المسلمين وغير المسلمين ، يتلو عليهم آيات الله ، ويدعوهم إلى الله ، ويزكي من آمن منهم بالله ، ويعلمهم الكتاب والحكمة .

 
استفزازات قريش
مكائد قريش :
وبينما كان النبي
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يرتب أمور المدينة وينظم جوانب الحياة فيها ، ويرجو أن يجد فيها هو والمسلمون مكاناً آمناً يعلمون فيه بدينهم بغير معارضة أو استفزاز إذ فوجئوا بمكائد قريش تريد القضاء عليهم .

فمنها أنهم كتبوا إلى مشركي يثرب يحرضونهم على قتال المسلمين وإخراجهم عن المدينة ، ويددونهم بقتل مقاتلتهم واستباحة نسائهم إن لم يفعلوا ذلك . فعلاً قام مشركوا يثرب لينفذوا ذلك . ولكن أتاهم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فوعظهم ونصحهم فكفوا عما أرادوا من القتال وتفرقوا .

ومنها أن سعد بن معاذ t رئيس الأوس ، ذهب إلى مكة معتمراً ، فطاف بالبيت ، ومعه أبو صفوان أمية بن خلف ، فلقيهما أبو جهل ، فلما عرف سعداً هدده وتوعده وقال : نطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة ، وأما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً ، وكان هذا إعلاناً عن صد المسلمين عن المسجد الحرام . وعن قتلهم إذا وجدوا في حدود قريش .

وكانت لقريش صلة بيهود يثرب ، وكانت اليهود – كما أثر في الإنجيل عن المسيح عليه السلام – حيات ، أولاد الأفاعي ، فكانوا يقومون بنبش الأحقاد والضغائن القديمة بين الأوس والخزرج ويحرشونهم ويحاولون إثارة القلق والاضطراب فيما بينهم .
وهكذا أحاط الخطر بالمسلمين في المدينة من الداخل والخارج ، ووصل الأمر إلى أن الصحابة – رضي الله عنهم – لم يكونوا يبيتون إلا ومعهم السلاح ، ولم يكونوا يصبحون إلا فيه ، وكانوا يحرسون رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
حتى نزل قوله تعالى : } وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ{ فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل .
 
استفزازات قريش
مشروعية القتال :
وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بقتال قريش ، ثم تطور هذا الإذن مع تغير الظروف حتى وصل إلى مرحلة الوجوب ، وجاوز قريشاً إلى غيرهم . ولا بأس أن نبين تلك المراحل بإيجاز قبل أن ندخل في ذكر الأحداث .
1-[FONT=&quot] [/FONT] المرحلة الأولى : اعتبار مشركي قريش محاربين ، لأنهم بدأوا بالعدوان ، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم ، ويصادروا أموالهم ، دون غيرهم من بقية مشركي العرب .
2-[FONT=&quot] [/FONT] قتال كل من تمالأ من مشركي العرب مع قريش ، واتحد معهم . وكذلك كل من تفرد بالاعتداء على المسلمين من غير قريش .
3-[FONT=&quot] [/FONT] قتال من خان أو تحيز للمشركين من اليهود الذين كان لهم عقد وميثاق مع رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
، ونبذ ميثاقهم إليهم على سواء .
4-[FONT=&quot] [/FONT] قتال من بادأ بعداوة المسلمين من أهل الكتاب ، كالنصارى ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
5-[FONT=&quot] [/FONT] الكف عمن دخل في الإسلام مشركاً كان أو يهودياً أو نصرانياً أو غير ذلك ، فلا يتعرض لنفسه وماله إلا بحق الإسلام وحسابه على الله .
 
السرايا والغزوات
السرايا والغزوات :
تقدم أن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
والمسلمين كانوا آخذين بالحيطة والحذر من البداية أمرهم ، وذلك بالحراسة والبيات مع السلاح ، فلما نزل الإذن بالقتال أخذ رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يرتب البعوث والدوريات لعسكرية . ويؤمر عليها أحداً من أصحابه . وهي المسماة بالسرية ، وربما خرج فيها بنفسه ، وهي المسماة بالغزوة ، وكان المقصود منها :
1-[FONT=&quot] [/FONT] استكشاف حركات العدو ، وتأمين أطراف المدينة ، حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة .
2-[FONT=&quot] [/FONT] الضغط على قريش بالتعرض لقوافلهم حتى يشعروا بالخطر على تجارتهم وأموالهم وأنفسهم ، فإما أن يفيقوا عن غيهم ، ويسالموا المسلمين ويتركوهم على حريتهم في نشر الإسلام والعمل به ، وهذا غاية ما كان يتمناه المسلمون – أو يختاروا طريق الحرب والقتال فيخسروا أولاً طريق تجارتهم ، لأنها كانت تمر بأطراف المدينة ، ويلقوا ثانياً جزاء شرهم وعدوانهم بإذن الله ونصره لعباده المؤمنين ، وهذا الذي وقعت الإشارة إلية في كلام الله سبحانه وتعالى مراراً .
3-[FONT=&quot] [/FONT] عقد مواثيق التحالف ، أو عدم الاعتداء ، مع قبائل أخرى .
4-[FONT=&quot] [/FONT] إبلاغ رسالة الله ، ونشر دعوة الإسلام قولاً وعملاً .
وأول سرية بعثها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
سرية تسمى بسيف البحر[1] بعثها في رمضان في السنة الأولى من الهجرة ، وأمر عليها عمه حمزة بن عبد المطلب ، وكان قوامها ثلاثين رجلاً من المهاجرين ، وقد واصلوا سيرهم حتى بلغوا إلى سيف البحر – أي ساحل البحر الأحمر – من ناحية العيص ، واعترضوا عيراً لقريش ، قادمة من الشام ، عليها أبو جهل ، في ثلاثمائة رجل ، فاصطف الفريقان ، وكاد يقع القتال ، لكن توسط مجدي بن عمرو الجهني ، فانصرف الفريقان .
كانت هذه السرية أول عمل عسكري في تاريخ الإسلام ، وكان لواؤها أبيض ، وهو أول لواء عقد في تاريخ الإسلام : وحمل اللواء أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي .
ثم تتابعت البعوث والسرايا فأرسل في شوال عبيدة بن الحارث في ستين رجلاً من المهاجرين إلى بطن رابغ ، فلقي أبا سفيان وهو في مائتي رجل ، فوقع الترامي دون القتال .
ثم أرسل في ذي القعدة سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلاً من المهاجرين إلى الخرار قريباً من رابغ فلم يلق كيداً .
ثم خرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
بنفسه إلى الأبواء أو ودان في صفر سنة 2هـ في سبعين رجلاً من المهاجرين . فلم يلق أحداً وعقد ميثاق الأمان والتناصر مع عمرو بن مخشى الضمري . وكانت أول غزوة خرج لها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
.
ثم خرج إلى بواط من ناحية رضوى ، في ربيع الأول سنة 2هـ في مائتين من المهاجرين ، فلم يلق أحداً .
وفي نفس الشهر أغار كرز بن جابر الفهري على مراعي المدينة وساق بعض المواشي ، فخرج
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في طلبه إلى سفوان من ناحية بدر ، في سبعين رجلاً من المهاجرين ، ولكن كرزا أفلت ونجح في الفرار ، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى .
ثم خرج في جمادى الأولى أو الآخرة سنة 2هـ إلى ذي العشيرة في مائة وخمسين ، أو في مائتين من المهاجرين ، يعرض عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام ، ولكنها فاتته قبل أيام . وعقد ميثاق عدم العدوان مع بني مدلج .
ثم بعث في شهر رجب سنة 2هـ عبدالله بن جحش الأسدي إلى نخلة ، بين مكة والطائف ، في اثني عشر رجلاً ، وأسروا اثنين ، وساقوا العير ، وغضب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
على ذلك ، ولم يرض به ، فأطلق الأسيرين وأدى دية المقتول .
وكان الحادث في آخر يوم من رجب ، فأثار المشركون ضجة بأن المسلمين انتهكوا حرمة الشهر الحرام . فأنزل الله :} يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ الله وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ { [ 2: 217]
وفي شعبان سنة 2هـ حول الله القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ، وكان ذلك مما يحبه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وينتظره ، وقد انكشف بذلك بعض المخادعين من المنافقين واليهود الذين في الإسلام زوراً . فارتدوا وتطهرت صفوف المسلمين منهم .
تلك هي التحركات العسكرية التي قام بها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
والمسلمون لحفظ أمن المدينة وأطرافها . ولإشعار قريش بسوء عاقبتها إن لم تكف عن شرها ، ولكنها ازدادت في العلو والاستكبار ، فلاقت جزاء أمرها في بدر ، وكان عاقبة أمرها خسراً .
 
غزوة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى :
وهي أول معركة فاصلة بين قريش والمسلمين ، وسببها أن رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
كان بالمرصاد للعير التي فاتته إلى الشام حينما خرج إلى ذي العشيرة . وأرسل لها رجلين إلى الحوراء من أرض الشام ليأتيا بخبرها ، فلما مرت بهما العير أسرعا إلى المدينة ، فندب لها رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
المسلمين ، ولم يعزم عليها الخروج ، فانتدب 313 رجلاً – وقيل 317 رجلاً – 82أو 83 أو 86 من المهاجرين و61من الأوس ، و170 من الخزرج . ولم يتخذ هؤلاء أهبتم الكاملة . فلم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً فقط .
وعقد رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
لواء أبيض دفعه لمصعب بن عمير ، وكان للمهاجرين علم يحمله
على بن أبي طالب ، وللأنصار علم يحمله سعد بن معاذ ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ثم أرسل مكانه من الروحاء أبا لبابة بن عبد المنذر .
وخرج رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
من المدينة يريد بدراً ن وهو موضع على بعد 155 كيلومتراً جنوب غربي المدينة تحيط به جبال شواهق من كل جانب ، وليس فيه إلا ثلاثة منافذ ، منفذ في الجنوب ، وهو العدوة القصوى ، ومنفذ في الشمال وهو العدوة الدنيا ، ومنفذ في الشرق قريباً من منفذ الشمال يدخل منه أهل المدينة ، وكان فيه المساكن والآبار والنخيل فكانت تنزل القوافل ، وتقيم فيه ساعات وأياماً . فكان من السهل جداً أن يسد المسلمون هذه المنافذ بعد ما تنزل العير في هذا المحيط ، فتضطر إلى الاستسلام ، ولكن من لوازم هذا التدبير أن لا يشعر أهل العير بخروج المسلمين إطلاقاً ، حتى ينزلوا ببدر على غزة ، ولذلك سلك رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
أول ما سلك طريقاً آخر غير طريق بدر ثم تأني في التقدم إلى جهة بدر .
أما العير فكان قوامها ألف بعير موقرة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ، وكان رئيسها أبا سفيان ، ومعه نحو أربعين رجلاً فقط ، وكان أبو سفيان في غاية التيقظ والحذر ، يسأل كان غاد ورائح عن تحركات المسلمين ، حتى علم بخروج المسلمين من المدينة ، وهو على بعد غير قليل من بدر ، فحول اتجاه العير إلى الغرب ليسلك طريق الساحل ، ويترك طريق بدر إطلاقاً ، واستأجر رجلاً يخبر أهل مكة بخروج المسلمين بأسرع ما يمكن ، فلما بلغهم النذير استعدوا سراعاً وأوعبوا في الخروج . فلم يتخلف من كبرائهم إلا أبو لهب . وحشدوا من حولهم من القبائل ولم يتخلف من بطون قريش إلا بنو عدي .
ولما وصل هذا الجيش إلى الجحفة بلغتهم رسالة أبي سفيان يخبرهم بنجاته ويطلب منهم العودة إلى مكة ، وهم الناس بالرجوع ولكن أبي ذلك أبو جهل استكباراً ونخوة ، فلم يرجع إلا بنو زهرة . أشار عليهم بذلك حليفهم ورئيسهم الأخنس بن شريق الثقفي ، وكانوا ثلاثمائة . أما البقية . وهم ألف ، فواصلوا سيرهم حتى نزلوا قريباً من العودة القصوى ، خارج بدر ، في ميدان فسيح ، وراء الجبال المحيطة ببدر .
أما رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقد علم بخروج أهل مكة ، وهو في الطريق ، فاستشار المسلمين ، فقام أبو بكر فتكلم وأحسن ، ثم قام عمر فتكلم وأحسن ، ثم قام المقداد فقال : والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى :} اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون َ{ ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ، فأشرق وجه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وسر بذلك .
ثم قال : أشيروا على أيها المسلمون ، فقام سعد بن معاذ رئيس الأنصار وقال : كأنك تعرض بنا يا رسول الله فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً . إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، وقال فيما قال : والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لا تبعناك . فسر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
ثم قال : سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين . والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم .
ثم تقدم إلى بدر فوصلها في نفس الليلة التي وصل فيها المشركون فنزل في داخل ميدان بدر قريباً من العدوة الدنيا ، فأشار عليه الحباب بن المنذر أن يتقدم فينزل على أقرب ماء من العدو حتى يصنع المسلمون حياضاً يجمعون فيها الماء لأنفسهم ، ويغورون الآبار فيبقى العدو ولا ماء له ، ففعل
وبنى المسلمون عريشاً يكون مقر قيادته
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وعينوا له حراساً من شباب الأنصار تحت قيادة سعد بن معاذ .
ثم عبأ رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
الجيش وتجول في ميدان القتال وهو يشير بيده ويقول : هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان ، وغداً إن شاء الله " . ثم بات يصلي إلى جذع شجرة ، وبات المسلمون مستريحين تغمرهم الثقة ، وكان الله قد أنزل المطر كما قال :} إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ { .
وفي الصباح – وهو صباح يوم الجمعة 17 من شهر رمضان سنة 2هـ تراآى الجمعان ، فدعا رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
:" اللهم هذه قريش ، قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم احنهم الغداة " . ثم عدل الصفوف ، وأمرهم أن لا يبدؤوا بالقتال حتى يأتيهم أمره . وقال : إذا اكثبوكم – أي اقتربوا منكم – فارموهم ، واستبقوا نبلكم ، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم . ثم رجع إلى العريش ، ومعه أبو بكر t فابتهل إلى الله – سبحانه تعالى – ودعاه ، وناشده حتى قال :" اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد أبداً . اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً " . وبالغ في التضرع والابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فرده عليه الصديق وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك .
أما المشركون فاستفتح منهم أبو جهل فقال : اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرفه فاحنه الغداة ، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم .
 
غزوة بدر الكبرى
المبارزة والقتال :
ثم تقدم ثلاثة من خيرة فرسان المشركين : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وبارزوا المسلمين ، فخرج ثلاثة من شباب الأنصار ، فقال المشركون : نريد بني عمنا ، فخرج عبيدة بن الحارث ، وحمزة ، وعلي ، فقتل حمزة شيبة وقتل علي الوليد واختلفت ضربتان بين عبيدة وعتبة وأثخن كل واحد منهما الآخر ، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه ، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله ، فمات بعد أربعة أو خمسة أيام بالصفراء راجعاً إلى المدينة .
واستاء المشركون بنتيجة المبارزة ، واستشاطوا غضباً ، فهجموا على صفوف المسلمين بعنف ، وشدوا عليهم شدة رجا واحد . والمسلمون ثابتون في أماكنهم يدافعون عن أنفسهم ، ويقولون : أحد . أحد .
وأغفى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
إغفاءة ، ثم رفع رأسه وقال : أبشر أبا بكر . أتاك نصر الله . هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النقع – أي على أطرافه الغبار – وكان الله قد أمد المسلمين يومئذ بألف من الملائكة مردفين .
ثم تقدم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
يثب في الدروع ويتلو قوله تعالى :} سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ { وأخذ حفنة من الحصباء ، ورمى بها وجوه المشركين ، وهو يقول : شاهت الوجوه . فما من مشرك إلا وأصاب عينية ومنخريه من تلك الحفنة ، وعن ذلك يقول الله تعالى :} وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ الله رَمَى { .
ثم أمر رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
المسلمين بالهجوم على المشركين ، وقال : شدوا وحرضهم على القتال . فشد المسلمون وهم على نشاطهم . وقد زادهم تحمساً وجود رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فيما بين أظهرهم يقاتل قدامهم ، فأخذوا يقلبون الصفوف ، ويقطعون الأعناق . ونصرهم الملائكة فكانوا يضربون فوق أعناق المشركين ، ويضربون منهم كل بنان . فكان يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ، وتندر يد الرجل لا يدرى من قطعها ، حتى نزلت الهزيمة بالمشركين فلاذوا بالفرار . وأخذ المسلمون يطاردونهم فيقتلون فريقاً ويأسرون فريقاً .
وكان إبليس قد حضر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم تأييداً للمشركين ، وتحريضاً لهم على قتال المسلمين ، فلما رأى الملائكة وما يفعلون نكص على عقبيه وفر إلى البحر الأحمر وألقى نفسه فيه
 
غزوة بدر الكبرى
مقتل أيي جهل :
وكان أبو جهل في عصابة جعلت سيوفها ورماحها حوله مثل السياج ، وكان في صفوف المسلمين حول عبد الرحمن بن عوف شابان من الأنصار لم يأمن عبدالرحمن مكانهما ، إذ قال له أحدهما سراً من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل قال : وما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فو الذي نفسه بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا .وقال الآخر : مثل ذلك . فلما تصدعت الصفوف رآه عبدالرحمن يتجول فأراهما فابتدراه بالسيف حتى قتلاه . ضرب أحدهما ساقه فطاحت رجله كما تطير النوى حين تدق ، وأثخنه الأخر حتى تركه وبه رمق ثم انصرفا إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وقال كل منها : فنظر إلى السيفين وقال : كلاكما قتله . وهما معاذ ومعوذ ابنا عفراء ، وقد استشهد معوذ في نفس الغزوة ، وبقى معاذ إلى زمن عثمان . وأعطاه رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
سلب أبي جهل .
وبعد انتهاء المعركة خرج الناس في طلبه ، فوجده عبدالله بن مسعود وبه رمق ، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه وقال : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وبماذا أخزاني ؟ هل فوق رجل قتلتموه ؟ وقال :فلو غير أكار قتلني . ثم قال : أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال الله ولرسوله . قال أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم ! وقطع عبدالله بم مسعود رأسه ثم جاء به إلى رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
فقال
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
: الله أكبر ، والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده . قال : هذا فرعون هذه الأمة .
 
غزوة بدر الكبرى
يوم الفرقان :
كانت هذه المعركة معركة بين الكفر والإيمان ، قاتل فيها الرجل عمه وأباه ، وابنه وأخاه ، وخاله وأدناه ، قتل فيها عمر بن الخطاب t خاله العاص بن هشام ، وواجه فيها أبو بكر ابنه عبد الرحمن، وأسر فيها المسلمون العباس ، وهو عم رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
وهكذا انقطعت فيها صلة القرابة ، وأعلى الله فيها كلمة الإيمان على كلمة الكفر ، وفرق بين الحق والباطل ، فسمى ذلك اليوم بيوم الفرقان ، وهو يوم بدر ، اليوم السابع عشر من شهر رمضان .
 
غزوة بدر الكبرى
قتلى الفريقين :
قتل في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً من المسلمين ، ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار ، ودفنوا في ساحة بدر ومقابرهم لا تزال معروفة .
أما المشركون فقتل منهم سبعون ، وأسر سبعون ، ومعظمهم كانوا من الصناديد ، وقد سحبت أربع وعشرين من صناديدهم وقذفت في قليب – بئر خبيث في بدر .
وأقام رسول الله
لنتعلم سيرته  صلى الله عليه وسلم من الولادة حتى الوفاة كاملة
في بدر ثلاثة أيام ، فلما استعد للرجوع جاء القليب وقام على شفته ، وناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ! ويا فلان بن فلان ! أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا وجدنا ماوعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ماوعدكم ربكم حقاً ؟
فقال له عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها . قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم . ولكن لا يجيبون .
 
الوسوم
الله الوفاة الولادة حتى سيرته صلى عليه كاملة لنتعلم من وسلم
عودة
أعلى