التواصل بين الأهل والروضة

  • تاريخ البدء

smile

شخصية هامة
لماذا التواصل مع الأهل مهمّ؟ يفتتح هذا المقال سلسلة من المقالات تتناول فيها الكاتبة العلاقة بين الأهل والروضة بمركباتها المختلفة، فتستعرض أولاّ أسباب أهمية هذا التواصل الذي يطمح إلى بناء شراكة حقيقية مع الأهل.


تتناول سلسلة المقالات التإلىة موضوعًا مهمًّا في حياة الطفل في الأطر قبل المدرسية ( والمدرسية لاحقًا) هو العلاقة المتبادلة بين هذه الأطر وبين الأهل. تقتصر مشاركة الأهل، في أغلب الأطر من حولنا على دعوتهم إلى حفلٍ أو ورشة عمل بمناسبة معيّنة كعيد الأم، أو مناسبة دينية وغيرها، أو دعوة بعض الأمهات ( وأحياناً قليلة الآباء) إلى المشاركة في نشاط عينّي مع الأطفال. وفي حين أنّ هذه المبادرات هي بدايات جيّدة لعلاقة إيجابية مع الأهل، لكنها، إذا اقتصرت على ما سبق، تُبقي الأهل خارج حياة الطفل في الروضة أو البستان. نحاول في المقالات التإلىة أن نتأمل هذه العلاقة، وأن نقترح مسارًا لتحويلها من مشاركة إلى شراكة، من خلال التطرق إلى المواضيع التالية:


تعليم الاطفال

* لماذا الأهل؟

* مفهوم الشراكة

* نحو شراكة حقيقية: مقوّمات وأساليب عمل

* الحوار وطرق اتصال ناجعة

* التعامل مع نماذج مختلفة من الأهل



لماذا الأهل؟


قبل الحديث عن علاقة الأهل بالروضة، ومع العاملات والعاملين فيها، وقبل أن نخوض في أشكال هذه العلاقة ومفاهيمها المختلفة، دعونا نتساءل: لماذا الأهل؟ ولماذا علينا ان نطمح ونسعى لبناء شراكة حقيقية معهم؟


تحضرني في هذا السياق تعابير وأقوال مختلفة ، أسمعها مراراً من المربّيات العاملات في الروضة، مثل: "لو يتركنا الأهل وشأننا..." أو "..فليربِّ الأهل بالبيت... ونحن نربي هنا" أو "كل والدة تريد أن نربي طفلها على هواها..." أقوال قد تدل على صعوبة في التواصل والتعامل مع الوالدين من جهة، وعلى عدم الوعي والإدراك بشكل كافٍ لأهمية تناول مسألة تنمية وتربية الطفل بشكل شمولي لا يتجزأ، من جهة اخرى.


أثبتت التجارب والدراسات المتعاقبة أن الوالدين هما الأكثر تأثيرا، من بين الناس، على حياة طفلهما. فمنذ لحظة تكوّن هذا الطفل كجنين، وعند ولادته، يبدأ تاثير الوالدين عليه بأشكال مختلفة: ابتداء من الصفات الوراثية التي يحملها الطفل، ثم التفاعلات المختلفة معه ومع حاجاته، إلى المشاعر، والأفكار والسلوكيات التي يسلكانها معه. من هنا، وانطلاقاً من كون الوالدين أساس في حياة الطفل، وقوة مؤثرة عليه، فإنّ لهما الحق أولا بالتواصل والتعاون والتساؤل مع الشخصيات الاخرى المؤثرة في حياة طفلهما، ولديهما الحق في أن يكونا حاضرَيْن ومشاركَيْن في كل مايحدث معه.


يصل الطفل إلى الروضة حاملاً في جعبته تجارب عاطفية، وحسية، وسلوكية مختلفة، ومن بيئات عائلية متنوعة، ليدخل في أجواء اجتماعية جديدة تفرز مزيداً من الخبرات.إنّ المربية التي تستقبله وترافقه، لا يمكن ان تبدأ معه من نقطة الصفر أو من حيث تخطط وتريد، دون أن تطّلع على هذه الخبرات أو تأخذها بعين الاعتبار. لا يعني هذا بالطبع أنّ تأثير المربية على الطفل هو تأثير محدود، ويقل أهمية عن التأثيرات الأخرى عليه، بل العكس. إنّ معرفة المربية للخبرات التي يمرّ بها الطفل في محيطه العائلي يمكّنها من البناء عليها وتنميتها في الروضة. فسواء كان الهدف من وجود الطفل في الروضة هو استمرار لرعاية الأب والأم، أو توفير فرص أخرى للتعلم والنمو، على كل الأطراف المشاركة والمؤثرة على الطفل، التعاون والالتزام بالتشارك الفعال والحقيقي من أجل تنميته وتنشئته بشكل صحي، شمولي، ومنسجم مع حاجاته ومراحل نموه المختلفة.


إنّ واجب المربية الانضمام إلى الأهل والعمل معهم، حيث لا يمكن بناء علاقة عميقة، حقيقية، وشاملة مع الطفل دون بناء علاقة شراكة حقيقية مع الأهل، حتى وإن لم يتوافق وينسجم هذا مع قيم المربية ورؤيتها المهنية . لا نعني هنا تفضيل طرف على طرف آخر، بل نؤكد على أهمية وضرورة الشراكة بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في حياة الطفل. هذه الشراكة التي تكمن أهميتها أولا في تفادي الثغرات والازدواجية في التعامل مع الطفل، الأمرالذي قد يُبلبله، ثمّ في المساهمة بتدعيم شعوره بالأمان وثقته بنفسه، ممّا يؤثّر تأثيرًا كبيرًا في نمو الطفل الصحي والعاطفي.


قد تتوافق جميع الأطراف وتصرح بأهمية التعاون والشراكة من أجل ضمان خدمات تساند نمو الطفل في المجالات المختلفة، لكن واقع التطبيق والممارسة ينبئنا بأنه ما زالت هناك صعوبات وتحديات كبيرة تواجهها الأطراف، وبشكل خاص العاملات والعاملين في رياض الاطفال.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
في الجزءالأول من هذه السلسلة من المقالات حول موضوع "التواصل بين الأهل وبين الروضة" (أنظر/ي المقالة السابقة بعنوان: لماذا الأهل؟) نوّهنا إلى حق الأهل في المشاركة في حياة الروضة، وإلى أهمية بناء شراكة حقيقية معهم. سنحاول في هذه المقالة أن نتمعن أكثر في مفهوم الشراكة، وفي المركبات الأساسية لها.

تعليم الاطفال


في الحديث عن الشراكة، تتداخل أحيانًا معانٍ وتعريفات عدّة، منها: "تعاون"، "تدخّل"، "تداخل"، "اشتراك الأهل"، "مشاركة الأهل"...وغيرها من التعريفات. هذا التّعدد في المعاني قد يحدث أحيانا بلبلة في فهم معنى الشراكة، ويخلق فجوة بين الاستخدام اللغوي للكلمة، وبين ما يُراد بها قصدًا وتطبيقًا. فعلى الرغم من تزايد أعداد العاملين مع الأطفال الذين يدركون ضرورة إشراك الأهل بشكل أكبر، ويسعون بدورهم إلى ذلك، إلا أن النزعة لدى غالبيتهم ما زالت محصورة في دعوة الأهل إلى الانضمام إليهم، والعمل بناء على شروطهم. عليه، تقتصر مشاركة الأهل في أغلب الحالات على إشراكهم في مناسبات احتفالية، او في برامج عابرة، او في النشاط ضمن لجان خدماتية، تقوم بتقديم المساعدات في مجال التضييفات، والزينة، وجمع الاموال. إنّ مبادرات كهذه وغيرها، هي مبادرات جيّدة وإيجابية من اجل بناء علاقة طيّبة مع الأهل ، لكنها تختزل مفهوم الشراكة الحقيقية المنشودة، وتضع الأهل في موضع فئة متلقية، مستجيبة لتوقعات المربيات، لا فئة مبادرة وندّية.

يرتكز مفهوم المشاركة بالأساس على الإيمان بأهمية وجود الآخر، وعلى الاعتراف بحقوقه، وبحاجاته و بقيمته المتساوية في العلاقة ،وعلى الإيمان بأهمية احترامه رغم اختلافه (في الخبرة، وفي المعرفة، وفي الثقافة، وفي المعتقدات، وغيرها). تنطلق المشاركة اذَا من الإصغاء للآخر، ومن احترامه وتقبله، وترتقي لتصل إلى مشاركته وتحقيق "الشراكة" معه[1]. هذا الأمر يتطلب من العاملين في الروضة درجة عالية من الوعي الذاتي، ومن النضج والتفهم، ومرونة في التعامل كي يتم تحويل العلاقة مع الأهل من علاقة شكلية إلى علاقة مشاركة حقيقية، تبادلية، مبنية على التشاور والمشورة. المشاركة تعني تبادل تجارب وخبرات مختلفة بشكل دائم ومستمر، مما يساهم في تعزيز عملية التعلم لدى كل الأطراف، وفي الشعور بالانتماء، ويدفع باتجاه المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصلحة الطفل الفُضلى ،وبتلبية احتياجاته ككل.[2]

من بين التعريفات التي وردت في الأدبيات المهنية لمصطلح "مشاركة الأهل" أنها:"العلاقة السلوكية المركّبة والمتشابكة بين الأهل وبين الروضة، وهي عملية متواصلة يستفيد منها كلا الطرفين في معرفة الجوانب المتعلقة بالطفل للعمل على تفعيل أفضل قدراته"[3] .إنّ فهم معنى المشاركة، ومعرفة المتطلبات من أجل تحقيقها، لا يسهّل بالضرورة ممارستها، إنّما تبقى عملية مركبة وشائكة، حيث أنها تستدعي ، إضافة إلى ما ذكر اعلاه، كلا الطرفين إلى التنازل عن معتقدات ومواقف تتعلق أساسًا بمفهوم السلطة والسيطرة.

لايسعنا التّحدّث عن الشراكة بين الأهل والمربية دون التّطرّق إلى مفهوم السّلطة، وما قد ينشأ من صراعات قوة حولها. فالمربية ،بحكم مكانتها المهنية، تعتبر "سلطة" مؤثرة على الأطفال وعلى الأهل على حد سواء، لكن يجب ألا ننسى أنّ الأهل أيضا هم سلطة مؤثرة بحكم مكانتهم الوالدية، وأنّ الوالدين في البيت هما سلطتان مختلفتان، لهما تاثير مشترك (ومختلف) على الطفل، وعلى المناخ العام من حوله. إنّ نجاح كل طرف في فهم واحترام سلطة الاخر، والانفتاح للتعلم منه، لا الرغبة في التسلط عليه ،أو الرغبة في تعليمه وجعله مشابها ومطابقا له، يساعد في بناء توجّه تشاركي بين الأهل والعاملين في الروضة. يتجلّى هذا التوجّه في العمل من أجل تحقيق المصلحة الطفل الفضلى، وفي دعم نموه في مناخ ايجابي يساهم ببناء ثقته بمن حوله وبنفسه، ويوطد العلاقة بين الطفل وذويه. إنّ علاقة مشاركة بين الأهل وبين المربية تستند إلى ما تقدّم، هي مؤشر على نضج المربية، ووجودها كسلطة مهنية ايجابية.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الوسوم
الاهل التواصل الروضة تعليم الاطفال
عودة
أعلى