الثورة الفرنسية واثارها

  • تاريخ البدء

املي بالله

نائبة المدير العام
الثورة الفرنسية واثارها

الثورة الفرنسية (بالفرنسية: Révolution française) التي اندلعت عام 1789 وامتدت حتى 1799، كانت فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا التي أثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع أوروبا. انهار خلالها النظام الملكي المطلق الذي كان قد حكم فرنسا لعدة قرون في غضون ثلاث سنوات. وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية وبروز الجماعات السياسيّة اليساريّة الراديكالية إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في تحديد مصير المجتمع. كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.

بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 وشهدت السنة الأولى من الثورة القسم في شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي خلال شهر أكتوبر مع اتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسيّة. تم إعلان إلغاء الملكية ثم إعلان الجمهورية الفرنسية الأولى (أي النظام الجمهوري) في سبتمبر 1792 وأعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي. كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور الأحداث، إذ ساهمت انتصارات الجيوش الفرنسي في إيطاليا والمناطق الفقيرة المنخفضة الدخل غرب نهر الراين في رفع شعبية النظام الجمهوري كبديل عن النظام الملكي الذي فشل في السيطرة على هذه المناطق التي شكلت تحديًا للحكومات الفرنسية السابقة لعدة قرون. رغم ذلك، فإن نوعًا من الديكتاتورية شاب الثورة في بدايتها، فقد قضى بين 16,000 إلى 40,000 مواطن فرنسي في الفترة الممتدة بين 1793 و1794 على يد "لجنة السلامة العامة" إثر سيطرة روبسيبر على السلطة. في عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. استمر عودة الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر، بعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية (1852-1870).

امتدت تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم، بنمو الجمهوريات والديمقراطيات الليبرالية وانتشار العلمانية وتطوير عدد من الأيدلوجيات المعاصرة.
لويس السادس عشر
اسبابها



يكاد يجمع المؤرخون أن تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أبرز سبب من أسباب الثورة. الأسباب بشكل أساسي هي اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز وأسعار المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. من القضايا الاقتصادية الأخرى كان إفلاس الدولة بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة، سيّما بعد مشاركة فرنسا في حرب الاستقلال الإمريكية، مع ارتفاع الدين العام الذي تراوح بين 1000-2000 مليون إلى جانب الأعباء الاجتماعية الناجمة عن الحرب وفقدان فرنسا ممتلكاتها الاستعمارية في أمريكا الشمالية وتزايد هيمنة بريطانيا التجارية. كما أن النظام المالي الفرنسي قد وصف بالبالي وغير الفعال وغير القادر على إدارة الديون الوطنية وتسديد أقساط القروض التي كفلتها الحكومة.

أمام هذه النوائب الاقتصادية كانت ينظر إلى الديوان الملكي في فرساي أنه منعزل وغير مبال بالطبقات الدنيا من الشعب. إلى جانب كون الملك لويس السادس عشر ملكًا مطلقًا ذو صلاحيات واسعة، وقيل عنه في كثير من الأحيان أنه غير حاسم ومعروف بتراجعه عن قراراته في حال واجه معارضة قوية، إلى جانب أنه لم يخفض النفقات الحكومية واستطاع البرلمان إحباط محاولات الكثير من القوانين الإصلاحية اللازمة. في غضون ذلك، كان معارضو حكم لويس السادس عشر يوزعون مناشير سريّة حملت في كثير من الأحيان معلومات مبالغ فيها تنتقد فيها الحكومة وإدارته وساهمت في إثارة الرأي العام ضد النظام الملكي.

العديد من العوامل الأخرى، يمكن النظر إليها أنها سبب في اندلاع الثورة، مثل الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري. أيضًا فإن الملكة ماري أنطوانيت يعتبرها البعض من أسباب الثورة، إذ نظر إليها الفرنسيون واتهموها - زورًا في أغلب الأحيان - بأنها جاسوسة النمسا ومبذرة وسبب اغتيال وزير المالية الذي كان محبوبًا من قبل الشعب.
ماري انطوانيت و اولادها الثلاثة
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
قبل الثورة

الازمة المالية في فرنسا

الأزمة المالية

ارتقى لويس السادس عشر العرش في وسط أزمة مالية؛ كانت الدولة تقترب من الإفلاس والنفقات فاقت الدخل. السبب الرئيس للأزمة المالية، هو حرب السنوات السبع، ومشاركة البلاد في حرب الاستقلال الأمريكية. في مايو 1776 استقال وزير المالية بعد فشله في تطبيق إصلاحات؛ وعين إثر ذلك الغير فرنسي جاك نيكر، مراقبًا للمالية العامة من قبل الدائنين؛ ولم يحز لقب وزير لكونه بروتستانتيًا. أدرك نيكر أن النظام الضريبي الفرنسي يعرض الطبقات الأكثر فقرًا لعبئ ثقيل، بينما طبقة النبلاء وطبقة رجال الدين معفاة من الضرائب. عارض نيكر زيادة الضرائب على عامة الشعب، واقترح فرض ضريبة على رجال الدين لاسيّما على العقارات التي يديرونها سواءً كانت كنائس أم أديرة أم غيرها من مؤسسات العمل الاجتماعي؛ الإنقاص من الامتيازات المالية للكنيسة الكاثوليكية التي كانت فرنسا تدعى «ابنتها البكر»،كان برأيه كافيًا لحل مشاكل البلاد المالية، إذ يقلل من العجز بقيمة 36 مليون ليفر. اقترح نيكر أيضًا وضع مزيد من القيود القانونية على الإنفاق العام في الجمعية الوطنية.

لم يقبل وزراء الملك اقتراح نيكر، فأقيل وعين تشارلز ألكسندر دي كالني مكانه، فاقترح قانون ضرائب جديد. جاء اقتراح قانون الضرائب الجديد يشمل ضرائب على الأراضي والعقارات ويشمل ذلك النبلاء ورجال الدين؛ غير أن معارضة شديدة واجهت الاقتراح في الجمعية الوطنية، ورغم المحاولات في إقناع الأعضاء إلا أن الجمعية فشلت في تأييد مقترحات الوزير، التي كان يدعمها الملك. ردّ الملك على رفض اقتراح القانون بدعوة الناخبين الفرنسيين لانتخاب جمعية وطنية جديدة، وكانت تلك المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات في البلاد منذ 1614؛ بين كان الملك يعيّن جميع الأعضاء طوال الفترة السابقة.




جلسة افتتاح الجمعية الوطنية في فرساي 1789


انتخاب الجمعية الوطنية

تمثل الجمعية الوطنية السلطة التشريعية في فرنسا، وتقسم إلى ثلاث فئات، حسب طبقات المجتمع: طبقة رجال الدين، وطبقة النبلاء، وطبقة عموم الشعب. نظام التصويت داخل الجمعية يلحظ أنه في حال اعترضت مجموعتين من المجموعات الثلاث على قانون ما، يعتبر لاغيًا. قبيل الانتخابات، طالب الكثير من الفرنسيين تعديل النظام الداخلي للجمعية؛ كما تمت المطالبة بمضاعفة أعداد ممثلي الطبقة الثالثة. غير أن الطبقات الأكثر ثراءً، اعترضت على أي تعديل في نظام التصويت، فحسب رأيها يجب أن يلحظ موقع خاص "لمن لديهم سيادة"؛ رغم هذه المعارضة مرر الملك اقتراح تعديل نظام التصويت في 27 ديسمبر، وترك قضية مضاعفة عدد ممثلي الطبقة الثالثة للأمين العام للجمعية.

أجريت انتخابات الجمعية الوطنية في ربيع 1789، وفق نظام الانتخاب الذي يحصر حق التصويت بالفرنسيين الذكور والذين تجاوزوا الخامسة والعشرين من العمر، شرط الإقامة في فرنسا ودفع الضرائب. كانت نسبة الإقبال قوية، وبلغ عدد المنتخبين في الجمعية 1201 عضو، 291 من النبلاء، 300 من رجال الدين، و610 من أعضاء الطبقة الثالثة. تم تجميع كافة مشاكل فرنسا المالية، ووضعها في جدول أعمال لتقوم الجمعية بمناقشتها، كما وضعت مقترحات جديدة مثل استحداث منصب لجباية الضرائب العامة، وتنوير المدن الفرنسية. تزامنًا عرفت الصحافة الفرنسية مرحلة من الازدهار والحرية بعد رفع الرقابة الحكومية المسبقة عن الصحافة، وهو ما ساهم في صدور مقالات وتقارير عن الوضع الاجتماعي والمطالبة بالعدالة، مثل كتيب "ما هي الطبقة الثالثة؟" الذي نشر في يناير 1789، وجاء مختصر جواب: "الطبقة الثالثة هي كل شيء لم يتم تمثيله في النظام السياسي القائم، أتريد أن تكون شيئًا؟". عقدت الجمعية اجتماعها الأول في قصر ساليس سابقًا في فرساي يوم 5 مايو 1789، وافتتحت بكلمة دامت ثلاث ساعات من قبل نيكر.



الجمعية الوطنية لعام 1789

في 10 يونيو 1789 انتقل آبي سيس إلى الطبقة الثالثة، وطالب بتحقيق رغباتها. وفي 17 يونيو، كان التصويت على ما اتفقت عليه الجمعية متجاوزة مطالب الطبقة الثالثة، غير أن ممثليها قد أعلنوا أنفسهم "البرلمان الفرنسي"، وأن "الجمعية ليست من الصفوة بل من الشعب"، ودعوا آخرين للانضمام إليهم، وصرحوا بأنهم سيقومون بإدارة شؤون البلاد مع الآخرين أو بدونهم. في محاولة لتطويق الموقف، أمر لويس السادس عشر بإغلاق المنطقة حيث تجمتع الجمعية، بحجة الإصلاحات الضرورية قبل إلقاء الخطاب الملكي في غضون يومين، غير أن الجمعية انتقلت لعقد اجتماعاتها في ملعب تنس قريب من القصر؛ وهناك أقسموا الولاء في 20 يونيو 1789، متفقين على عدم التراجع حتى منح فرنسا دستور. انضم لمندوبي الطبقة الثالثة الغالبية العظمى من ممثلي طبقة رجال الدين، كما فعل 47 عضوًا من طبقة النبلاء؛ وفي 27 يونيو بدأ الجيش الفرنسي يصل بأعداد كبيرة لنواحي باريس وفرساي؛ في حين تدفقت رسائل دعم للجمعية من باريس ومن المدن الفرنسية الأخرى.




قاعة الجمعية الوطنية التي كانت محركا للثورة


الجمعية التأسيسية (1789 - 91)
اقتحام الباستيل

تزامنًا مع التطورات في الجمعية الوطنية، نشر نيكر بيانات غير دقيقة حول ديون الحكومة، رافعًا عنها صفة السريّة وجاعلاً إياها متاحة للشعب، كانت ماري أنطوانيت تسعى مع الشقيق الأصغر للملك الكونت دي أرتواز، على خلع نيكر من منصبه بناءً على اقتراح مجلس مستشاري الملكة. خلافًا لرغبة الملكة، وبعد نشر البيانات المالية للدين العام، منح الملك نيكر صلاحية إعادة هيكلة وزارة المالية الفرنسية كلها. ما قام به الملك، كان خوفًا من انتفاضة الباريسيين في اليوم التالي لاطلاعهم على بيانات الدين العام؛ بكل الأحوال فإن حشد الجيش من المناطق إلى باريس، وإغلاق الجمعية الوطنية، والبيانات المالية، فضلاً عن كون بعض الجند الذين تمّ استقدامهم للعاصمة من المرتزقة الأجانب العاملين في الجيش الفرنسي، هذه الظروف مجتمعة أدت إلى انتشار الغوغاء والفوضى وعمليات سلب ونهب والشغب في باريس؛ كان بعض مرتكبيها من جند الجيش ذاته.

في 14 يوليو، قرر المتمردون السيطرة على مخزن كبير للأسلحة والذخيرة موجود داخل قلعة الباستيل، التي ينظر إليها كرمز للسلطة الملكية في البلاد. بعد عدة ساعات من القتال، سقط السجن في بعد ظهر ذلك اليوم. على الرغم من طلب وقف إطلاق النار من قبل الحكومة، إلا أن مجزرة قد وقعت بشكل متبادل بين كلا الطرفين خلال عملية الاقتحام، أيضًا فإن محافظ السجن ماركيز دي برنارد قتل، وقطع رأسه ووضع على رمح، وسار المتظاهرون به في شوارع المدينة.

لم يكن سجن الباستيل يحوي سوى سبعة سجناء فقط، أربعة مزورين، واثنين من النبلاء قيد التوقيف لضبطهما في سلوك غير أخلاقي، وأحد المتهمين بجريمة قتل، غير أنّ الباستيل كان رمزًا قويًا لكل شيء مكروه في النظام القديم. بعد العودة من الباستيل، اتجه المتظاهرون نحو فندق دي فيل، في مركز المدينة، وقام الغوغاء بذبح رئيس البلدية جاك دي فليسيه غدرًا. أعربت الحكومة عن قلقها إزاء أعمال العنف في باريس، استدعي الحرس الوطني إلى باريس، وغدا سيلفان بايلي رئيس الجمعية الوطنية، زار الملك باريس في 17 يوليو في محاولة لتهدئة الموقف. غير أن السلطة الفرنسية فشلت في ذلك، لقد تدهورت السلطة المدينة بسرعة مع أعمال العنف العشوائية، والسرقة، وامتدت من باريس لمختلف أنحاء البلاد، وكثير من طبقة النبلاء خوفًا على سلامتهم، فرّوا إلى البلدان المجاورة، وكثيرون من هؤلاء المهاجرين، موّلوا ما عرف لاحقًا بالثورة المضادة.

عند أواخر يوليو، كانت روح سيادة الشعب قد انتشرت وترسخت في جميع أنحاء فرنسا؛ في المناطق الفرنسية بدأ العديد من الفلاحين تشكيل ميليشيات غير نظامية وتسليح أنفسهم ضد الغوغاء وقطاع الطرق، كما هاجمت هذه الميلشيات قصور النبلاء كجزء من التمرد الزراعي العام على الإقطاع؛ يضاف إلى ذلك، انتشرت الشائعات بشكل كبير، وحدث ما يشبه جنون العظمة، تزامنًا مع الاضطرابات واسعة النطاق، والاضطرابات الأهلية، التي كانت كفيلة بتقويض وانهيار القانون والنظام العام.


العمل من أجل دستور

في 4 أغسطس 1789، ألغت الجمعية التأسيسية الوطنية الإقطاع رسميًا، كانت تلك المرة الأولى التي يفلح فيها ثورة فلاحية بتحقيق هدافها. ففي ما يعرف باسم مراسيم أغسطس، تم تجريف الحقوق الإقطاعية سواءً على العقارات أو الأراضي الزراعية؛ وبتطبيق هذه المراسيم، فقد النبلاء، ورجال الدين، والبلديات، والشركات الخاصة، كافة الامتيازات الذين تمتعوا بها سابقًا.

في 26 أغسطس 1789، نشرت الجمعية الوطنية إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي كان عبارة عن وثيقة حقوق أو مبادئ فوق دستورية ذات أثر قانوني، أصدرتها الجمعية الوطنية ليس فقط باعتبارها هيئة تشريعية، بل بوصفها هيئة تأسيسية لوضع دستور وعقد اجتماعي جديد. قررت الجمعية ألغاء مجلس الشيوخ الذين يعينهم ولي العهد، قلصت صلاحيات الملك، وسحب منه حق النقض، واستبدل بإمكانية تأخير تنفيذ القوانين دون أن يتمكن من رفضها أو نقضها. أخيرًا، قامت الجمعية بإعادة التقسيم الإداري للبلاد، بحيث ألغت التقسيم التاريخي للمحافظات الفرنسية، وأعادت رسم الخريطة الإدارية، فاستحدثت 83 محافظة، متساوية في المساحة وعدد السكان. وسط انشغال الجمعية في الشؤون الدستورية، كانت الأزمة المالية تتفاقم، وعدم معالجتها قد أفضى فعليًا إلى زيادة العجز؛ قررت الجمعية إزاء هذا الوضع، بمنح نيكر حق التصرف وإدارة المالية الفرنسية بشكل كامل، وبذلك غدا نيكر "ديكتاتور مالي".
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
مسيرات النساء إلى فرساي

انطلقت يوم 5 أكتوبر 1789 حشود من النساء نحو قصر فرساي، كانت بداية التجمع في وسط المدينة لمطالبة البلدية بمعالجة المطالب النسائية، والاستجابة للحالة الاقتصادية الصعبة التي يواجهنها، وخاصة نقص الخبز. كما طالبت المسيرات النسائية، بإيقاف «العراقيل الملكية» لمنع الجمعية الوطنية من أداء «شواغلها الإصلاحية»، وطالبت أخيرًا بانتقال الملك إلى باريس كدليل على حسن نواياه في القرب من الشعب، ومعالجة مشاكله وفقره المنتشر على نطاق واسع. عدم تحقيق مطالب النسوة المتظاهرات في ساحة البلدية في باريس، دفعهنّ للتوجه إلى قصر فرساي، يحملنّ مدافع وأسلحة خفيفة. قدّر عدد المتظاهرات بنحو من 7000 إمرأة، في حين قام 20.000 عنصر من الحرس الوطني بتأمين مقر السكن الملكي. حاولت النسوة اقتحام القصر، ما أسفر عن مقتل عدة حراس؛ قائد الحرس الوطني تمكن من إقناع الملك بأهمية الانتقال إلى باريس لتغدو مقر الإقامة الملكية؛ وهو ما تمّ فعلاً في 6 أكتوبر 1789، حين انتقل الملك والعائلة المالكة من قصر فرساي إلى باريس تحت حماية الحرس الوطني. ذلك لم يؤد لشيء، سوى ترسيخ شرعية الجمعية الوطنية.



الثورة والكنيسة

كانت الكنيسة الكاثوليكية أكبر مالك للأراضي في البلاد، 10% من الأراضي الفرنسية هي ملك شخصي للكنيسة الكاثوليكية. سوى ذلك، فقد كانت معفاة من الضرائب، ولها حق إدارة العشور، أي دفع المواطن الكاثوليكي 10% من دخله ليعاد توزيعه على الأكثر فقرًا ومن لا دخل لهم، وسلسلة امتيازات تشريفية أخرى. كانت مجموعة من الفرنسيين تثير ثروة الكنيسة حفظيتها، كتابات أقلية من المفكرين الفرنسيين خلال عصر التنوير أمثال فولتير وجدت صداها في الجماهير، "فتشويه" سمعة الكنيسة الكاثوليكية كان كافيًا لزعزعة استقرار النظام الملكي، وكما يقول المؤرخ جون مكمانرس "في المملكة الفرنسية خلال القرن التاسع عشر، كانت تحدث مشاكل وخلافات بين العرش والكنيسة، لكنهما في تحالف وثيق؛ انهيارهما في وقت واحد، هو البرهان النهائي على ترابطهما".

هذا الاستياء من الكنيسة، أضعف قوتها خلال افتتاح الجمعية الوطنية في مايو 1789، عندما تم إعلان الجمعية الوطنية كممثل للشعب في يونيو 1789، صوت أغلب رجال الدين مع ممثلي الطبقة الثالثة، غير أن ذلك لم يقلل من الاستياء والنقمة. في 4 أغسطس 1789 تم إلغاء سلطة الكنيسة في فرض العشور، وفي خطوة لحل الأزمة المالية أعلنت الجمعية في 2 نوفمبر 1789 أن جميع ممتلكات الكنيسة "هي تحت تصرف الأمة". مع طرح عملة جديدة في السوق، كان ذلك يعني فعليًا، تغطية قيمة ممتلكات الكنيسة المنقولة والغير منقولة، للعملة الجديدة. في ديسمبر، دخل القرار حيّز التنفيذ، بأن بدأت الجمعية الوطنية تبيع الأراضي والعقارات التابعة للكنيسة لمن يدفع «أسعارًا أعلى». وفي خريف 1789، ألغيت قوانين تشجيع الحركة الرهبانية، وفي 13 فبراير 1790 تم حلّ جميع الجماعات الدينية في البلاد؛ وسمح للرهبان والراهبات ترك الأديرة، غير أن نسبة قليلة منهم خرجت من الأديرة في نهاية المطاف.

في 12 يوليو 1790 أصدرت الجمعية، «نظام الحقوق المدنية لرجال الدين»، اعتبر بموجبه رجال الدين «موظفي حكومة»، وأنشأت الجمعية نظامًا جديدًا للكهنة والأساقفة والرعايا، كما حددت أجورهم. بموجب النظام الجديد، كان الأسقف ينتخب من قبل مؤمني الأبرشية، ما يشكل نفيًا لسلطة بابا روما على الكنيسة الكاثوليكية. في نوفمبر 1790، طلبت الجمعية الوطنية من جميع رجال الدين، قسم يمين الولاء للدستور المدني الفرنسي، ما خلق انقسام في أوساط رجال الدين، بين أداء اليمين المطلوبة، وبين أولئك الذين رفضوا وحافظوا على "وفائهم" للبابوية؛ في المحصلة 24% من رجال الدين أقسموا اليمين.

عزوف رجال الدين عن القسم، قد دفع إلى نقمة وسخط شعبيين، خرجت العديد من المطالبات "بنفيهم، ترحيلهم قسرًا، إعدام الخونة". البابا بيوس السادس، قبل مبدأ الدستور المدني للدولة، غير أنه رفض أن قانون ينظم علاقة الأساقفة والرعايا خلافًا للأعراف الكنسيّة، وعزل من الكنيسة من قبل بالنظام الأسقفي الجديد. المرحلة اللاحقة، هي «عهد إرهاب»، تزايدت المحاولات سواءً شعبية أم داخل الجمعية الوطنية، للقضاء على الدين، فذبح كهنة، ودمرت كنائس وأيقونات في جميع أنحاء فرنسا، كما منعت المهرجانات الدينية والأعياد، وأعلن البعض عن إعلان «ديانة العقل» لتكون الخطوة الراديكالية الأخيرة ضد الديانة. بكل الأحوال، لا يمكن تعميم ما حدث: لقد أدت هذه الأحداث إلى خبية أمل واسعة النطاق في الأوساط المؤمنة، وتم السعي لمكافحتها في جميع أنحاء فرنسا؛ كما اضطر رئيس لجنة السلامة العامة في الجمعية الوطنية التنديد بالحملة.

النظام المدني للأساقفة الذي اجترحته الجمعية الوطنية، أنهي عام 1801 بالاتفاق بين نابليون الأول والكنيسة، واستمرت بعد نابليون حتى ألغته الجمهورية الفرنسية الثالثة عن طريق الفصل بين الكنيسة والدولة في 11 ديسمبر 1905. أدى اضطهاد الكنيسة إلى ثورة مضادة معروفة باسم الثورة في فينديي، والذي يعتبر قمعها، أول إبادة جماعية في التاريخ الحديث.


تطرف التشريع

بدأ تمايز الكتل السياسية داخل الجمعية الوطنية؛ قاد الأرستقراطي جاك أنطوان دي ماري ما أصبح يعرف باسم الجناح اليميني، وكان يجلس المقاعد على الجانب الأيمن من الجمعية. أما الكتلة الثانية فهي الملكيين الديموقراطيين المتحالفة مع نيكر، وتميل إلى تنظيم فرنسا على غرار التنظيم الدستوري المتبع في بريطانيا، وشملت أيضًا الحزب الوطني الذي يمثل يسار الوسط أو وسط الجمعية. أما هنري ميرابو، وعدد من الشخصيات الأخرى كانت تمثل التيارات الأكثر راديكالية وتطرفًا، ونجحت هذه الكتلة المتطرفة في تمرير عدد من المشاريع التي اقترحتها، مع بعض التعديل لإرضاء الوسط. في 14 يوليو 1790، احتفلت الجمعية بالذكرى الأولى لسقوط الباستيل واعتبرت المناسبة «عيد الجمهورية»، أي مآل السلطة إلى الجماهير، وأكدت العمل على إنشاء الملكية الدستورية.

ألغت الجمعية جميع الرموز والشعارات التي كانت مرتبطة بطبقة النبلاء؛ أقرت أيضًا يمين القسم، وهو "الأخلاص للأمة، وللقانون، وللملك"؛ اللافت أنّ الملك والعائلة المالكة شاركت بنشاط في احتفالات الذكرى الأولى للثورة وسقوط الباستيل. كان مرسوم دعوة الجمعية الوطنية قد نصّ على كون فترة الناخبين لعام واحد فقط، وهو ما دعمه اليمين بحيث تجرى انتخابات جديدة، غير أن سائر الجمعية مددت ولايتها، معتبرة أنه لا انتخابات حتى وضعد ستور جديد.

في أواخر عام 1790 كان الجيش الفرنسي في حالة كبيرة من الفوضى؛ معظم الضباط كانوا من طبقة العسكريين النبلاء، الذين وجدوا صعوبة متزايدة في الحفاظ على القواعد والنظام داخل الصفوف الجند. في بعض الحالات، كان الجنود الوافدين من طبقات الشعب الدنيا، ينقلبون على الضباط ومهاجمتهم. في نانسي، تمكن الضابط من قمع واحدة من محاولات التمرد من هذا القبيل، إلا أنه اتهم بمعاداة الثورة نتيجة فعله. ذلك ما أدى إلى حالات عديدة من الهجرة النهائية، بانشقاق الضباط وانتقالهم إلى بلدان أخرى، ما ترك الجيش دون قيادات خبيرة. كما شهدت الفترة ذاتها، ظهور "النوادي" في الحياة السياسية الفرنسية، كان أشهرها نادي اليعاقبة، المؤلف من 152 عضوًا وتأسس في 10 أغسطس 1790، وتمكن من تحقيق شعبية كبيرة في البلاد، وتابعت الجماهير نقاشاتها السياسية. في الوقت نفسه، واصلت الجمعية العمل على وضع دستور جديد؛ بموجب المسودة، استحدثت هيئة قضائية مؤقتة، وفصل القضاء عن العرش، وألغت إمكانية الوراثة في أي منصب من المناصب باستثناء منصب الملك نفسه، وبدأت محاكمات لعديد من أنصار النظام. التشريع نصّ على إمكانية الملك اقتراح الحرب على السلطة التشريعية التي يعود لها وحدها قبول إعلان الحرب من رفضه؛ ألغت الجمعية الوطنية أيضًا جميع المنظمات والنقابات العماليّة والحرفيّة، فتحت بذلك الحق لأي شخص العمل بالمهنة التي يريد دون مراعاة الشروط الخاصة بذلك؛ كما تمّ تجريم المضاربة واعتبارها غير قانونية. في شتاء 1791، ناقشت الجمعية للمرة الأولى تشريعات ضد من هاجر من البلاد؛ كان النقاش حول سلامة حق حرية الأفراد في التنقل بين داخل وخارج البلاد، ورغم المعارضة المبدئية للقانون، إلا أنه في نهاية العام تمّ إقرار هذه الإجراءات الصارمة.


انتقال العائلة المالكة إلى فارين

كان استياء لويس السادس عشر من الثورة قد تزايد، حثّه شقيقه الكونت دي أرتواز وكذلك زوجته الملكة ماري أنطوانيت، دعم المهاجرين والوقوف بموقف أكثر ضد الثورة؛ رفض الملك أي محاولة للاستعانة بالقوى الأجنبية ضد الجمعية الوطنية. وفي نهاية المطاف، خوفًا على سلامته وكذلك سلامة أسرته قرر الهرب من باريس إلى حامية الفارين قرب الحدود النمساوية، بعد أن تأكد من ولاء الحاميات الحدودية. هربت العائلة في ليلة 20 يونيو 1791 من قصر التويلري في باريس وهي ترتدي زي الخدم، بينما كان الخدم يرتدون زي النبلاء. فشلت المحاولة، ففي مساء اليوم التالي، قبض على الملك والعائلة قرب فارين، وجلب هو عائلته إلى باريس تحت الحراسة وهو لا يزال يرتدي ثياب الخدم؛ ثم التقى مجموعة من ممثلي أعضاء الجمعية؛ في حين قامت حشود باستقبال الموكب الملكي صامتة.


إتمام الدستور

كانت معظم الجمعية تفضل نظام ملكي دستوري بدلاً من النظام الجمهوري؛ توصلت الكتل السياسية المختلفة إلى حل وسط يقوم على ترك لويس السادس عشر أكثر قليلاً من ملك صوري، ونصّ الدستور على أن يقسم الملك على الدستور وأن يمضي مرسومًا بعد تراجعه عن القسم؛ كما منحته مركز قيادة الجيوش الفرنسية؛ وحصنت شخصه من الطعن أو النقد. ومع ذلك، فإن بعض النواب أمثال جاك بيير بريسو، قال أنّ الملك في نظر الأمة قد فقد شرعيته منذ أن هرب إلى الفارين، ودعا جماهير الشعب للتوقيع على عريضة تؤيد القول بفقدانه الشرعية.

كان التوقيع على العريضة في ساحة البلدية وسط باريس، رافقتها خطابات حماسية ساخطة على الملك، ولم تلق دعوات البلدية "للحفاظ على النظام العام" أي استجابة. أخيرًا واجه الحرس الملكي بقيادة لافاييت الحشود، بغية فضّهم، فردت الحشود بوابل من الحجارة، فأطلق الجنود النار على الحشد ما أسفر عن مقتل 13 - 50 شخصًا. في أعقاب المذبحة، أغلقت السلطات العديد من الأندية الوطنية، والصحف الراديكالية، وهربت بعض الشخصيات "الثورية" إلى خارج البلاد في حين اضطرت شخصيات أخرى للتخفي والاختباء.

تزامنًا مع ذلك، نشأ تهديد للجمعية من الخارج، فشقيق الملك في قانون الإمبراطورية الرومانية المقدسة هو يوبولد الثاني ووليم الثاني ملك بروسيا. طالبت الجهات الأوروبية باعتبار لويس السادس عشر ملكًا للفرنسيين وحريته الشخصية الكاملة، وألمحت بغزو فرنسا نيابة عنه إذا رفضت السلطات الثورية ذلك. كان رد الفعل في فرنسا شرسًا، وأعرب الشعب الفرنسي أنه لا يحترم أي مقتضى أو علاقة من الملوك الأجانب. احتفل بتوقيع الملك الدستور الفرنسي في 30 سبتمبر 1791، "مع التصفيق الحار من أعضاء الجمعية وسائر الحضور"، واعتبر التوقيع بمثابة حفل التتويج الجديد.

الجمعية التشريعية (1791 - 92)
فشل النظام الملكي الدستوري

بموجب دستور 1791 فإن نظام الحكم كان ملكيًا دستوريًا؛ يتقاسم الملك بموجبه السلطة مع مجلس تشريعي منتخب، أما الحكومة فترك أمر اختيارها للملك. أول اجتماع للجمعية التشريعية في 1 أكتوبر 1791، وتحولت الجمعية إلى حالة من الفوضى في أقل من عام، وعلى حد وصف دائرة المعارف البريطانية فإنّ "الجمعية التشريعية فشلت تمامًا، وتركت ورائها خزينة فارغة، جيش وبحرية غير منضبطان، والناس في حالة من الخلاعة والشغب". كانت الجمعية تتألف من 165 عضوًا يمينيًا - ملكيًا دستوريًا - و330 عضوًا ليبراليًا جمهوريًا مع نادي اليعاقبة أي اليسار، و250 عضوًا غير منتسب لأي من الكتلتين. مع منح الملك حق نقض القوانين، رفض الملك تمرير مشاريع القوانين المتعلقة بمعاقبة المهاجرين ما أحدث أزمة، مع تتالي أمثال هذه الخلافات، تحولت الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة نظام حكم.


الأزمة الدستورية

في ليل 10 أغسطس 1792 هاجم متمردون وميليشيات شعبية، وبدعم من حامية باريس الثورية، قصر التويلري في باريس وذبحوا الحرس السويسري المختصّ بحماية الملك. وتحولت العائلة المالكة إلى سجناء. طالبت الجمعية التشريعية في غضون ذلك تعليق النظام الملكي مؤقتًا، رغم عدم حضور سوى ثلث النواب أغلبهم من نادي اليعاقبة وداعميه. أرسلت حامية باريس الثورية مجموعة من الميلشيات لتحرير السجناء، ما أدى إلى مقتل 1400 مواطن. في اليوم التالي، تم الاتفاق على القيام كتابة دستور جديد، عن طريق اختيار جمعية تأسيسية جديدة عن طريق الاقتراع الجماعي للذكور؛ وأقرت الجمعية التشريعية بالأمر يوم 2 سبتمبر فغدت بذلك حامية باريس هي حكومة فرنسا بحكم الأمر الواقع، ولم تقابل بكثير من المقاومة. في اليوم التالي قررت الحامية إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية، وفي اليوم التالي 22 سبتمبر 1792 اعتبر اليوم الأول في الجمهورية الجديدة، واعتبرت أيضًا بداية التقويم الجمهوري الفرنسي.


الحرب والثورة المضادة (1792 - 97)

كانت السياسة الراديكالية المتطرفة للثورة الفرنسية تقود حكمًا نحو صدام عسكري مع حلفاء النظام الملكي، لاسيّما النمسا وحلفائها؛ لاسيّما بعد التصريحات حول «تصدير الثورة» لجميع أنحاء أوروبا. بعض الآراء خارج فرنسا كانت تعرض الحرب من مبدأ أنها ستؤدي لجعل منظرّي الثورة أكثر تطرفًا في آرائهم؛ كما أن ليبرالي الأنظمة الملكية الأخرى في أوروبا كانت تتخوف من أن سحق النظام الجمهوري في فرنسا سيؤدي لتعزيز النظام الملكي في بلدانهم. توفي إمبراطور النمسا ليوبولد الثاني، شقيق ماري أنطوانيت ملكة فرنسا، في 1 مارس 1792؛ ومع تحضر الحكومة النمساوية لإعلان الحرب، أعلنت الجمهورية الفرنسية الحرب كخطوة استباقية، في 20 أبريل 1792، وبعد عدة أسابيع لاحقة انضمت بروسيا كحليفة للنمسا؛ تمكن الجيش الفرنسي من الانتصار على الجيش البروسي في معركة فالمي، وبذلك كانت بداية الحرب لمصلحة الجمهورية.

بعد معركة فالمي، حققت الجمهورية حديثة الولادة سلسلة انتصارات أخرى في بلجيكا وهولندا في خريف 1792؛ كما هزمت الجيوش الفرنسية النمسا في معركة جاميز في 6 نوفمبر، واحتلت في إثرها معظم أراضي هولندا؛ ما دفع بريطانيا والجمهورية الهولندية إعلان الحرب على فرنسا. بعد إعدام الملك في يناير 1793، انضمت إسبانيا ومعظم دول أوروبا الأخرى للحرب ضد فرنسا، وأخذت القوات الفرنسية تواجه الهزائم على جميع الجبهات تقريبًا، وطردوا من الأراضي التي احتلوها حديثًا في ربيع 1793. في الوقت نفسه، نشأت حركات تمرد وثورات في جنوب وجنوب غرب فرنسا ضد السلطة الفرنسية دعمًا للملكية، لكن الحلفاء فشلوا في الاستفادة من الانقسام الداخلي الفرنسي. وبحلول خريف 1793 تمكن النظام الجمهوري من هزيمة معظم الثورات الداخلية، وأوقف زحف الحلفاء إلى فرنسا نفسها.

استمرت الحرب سجالاً بين الطرفين حتى صيف 1794 حين تمكنت القوات الفرنسية من تحقيق انتصارات درامية، كما في معركة فيلروس التي هزم فيها الجيش الفرنسي جيش الحلفاء، الذي اضطر للانسحاب لما وراء نهر الراين؛ وفي بداية 1795 قررت هولندا الانسحاب من التحالف مقابل التوصل لاتفاق مع فرنسا؛ كما قامت بروسيا بالانسحاب، وتوصلت لاتفاق سلام مع الجمهورية الفرنسية في بازل في أبريل 1795، وآخر الدول كانت إسبانيا، أما النمسا وبريطانيا رفضا الاعتراف بالجمهورية أو قبول السلام معها واستمروا في حالة الحرب.

خلال مرحلة حرب الثورة الفرنسية، كتب النشيد الوطني الفرنسي لامارسييز، على أساس كونه في البداية أغنية حرب لجيوش الراين، كتبه ولجنه جوزيف كلود ليسلي في عام 1792،و اعتمد عام 1795 كنشيد للأمة.
مراحل الثورة الفرنسية

دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:

المرحلة الأولى (يوليو 1789 - اغسطس 1792)، فترة الملكية الدستورية: تميزت هذه المرحلة بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (اغسطس 1792 - يوليو 1794)، فترة بداية النظام الجمهوري وتصاعد التيار الثوري حيث تم إعلان إلغاء الملكية ثم إعدام الملك وإقامة نظام جمهوري متشدد.
المرحلة الثالثة، (يوليو 1794 – نوفمبر 1799)، فترة تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حدا للثورة وإقامة نظاما ديكتاتوريا توسعيا.

نتائج الثورة الفرنسية

النتائج السياسية: عوض النظام الجمهوري الملكية المطلقة، وأقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.

النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام القديم، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.

النتائج الاجتماعية: تم إلغاء الحقوق الفيودالية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى