موقف مررت به قصة قرأتها موضوع حادي عشر

smile

شخصية هامة
مذ كنت صغيراً و أنا أسمع الكبار يقولون : كما تيدن تُدان ، و منذ نعومة أظفاري علقت بذهني جملة ردّدها جدي لأبي قائلاً الجزاء من جنس العمل .

رددت هذه الجمل دون أن أعرف معناها العميق لأنني لم أكن على قدر كافٍ من الوعي ، و لكنني أدركت معناها العميق حين قرأت قصة قد لا تكون واقعية بأحداثها ، لكنها ابنة الحقيقة في فكرتها و توجيهاتها ، جاء في القصة :

في بقعة جميلة من الأرض ، حيث البساتين و الأشجار النضيرة ، كان هناك رجل يسكن فوق تلّة بجانب الوادي ، و يطل من الجانب الآخر على بحيرة نقية صافية ، ذات منظر جميل بديع و ساحر ، و الأزهار و الطيور و الفراشات تزيدها جمالاً ، إنه الحاكم ، و هو رجل عادل و ذو عقل راجح و لسان فصيح لا يخلو من حكمة ، يحل مشاكل معظم الناس بالحنكة و الذكاء ، يختلط مع الناس ، و يخرج في زي متنكّر فلا يعرفه أحد .

في أحد الأيام كان متنكراً بزي رجل طويل الذقن ، ثيابه متسخة و تحوي رقعاً كثيرة ملوّنة ، يتكئ على عصا بيده .
وقعت العصا منه عندما أراد اجتياز الشارع فأخذ يطلب المساعدة ، و في ذلك الوقت كانت مجموعة من الفتيات تمرّ قربه ، فصاح : يا شابات ! هل بينكن من تساعد هذا الرجل المسكين ؟؟

نظرت إحداهن إليه باشمئزاز قائلة : يا للقذارة !! يا له من رجل قذر !!
ردّت عليها إحدى صديقاتها و اسمها سميرة : ماذا قلت يا صديقتي ؟ أليس في قلبك مكان للعطف و الرحمة بهؤلاء المسنين ، إنه بحاجة للعطف و المساعدة .

سمع الرجل ما دار بين الصديقتين ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى هرعت سميرة نحوه و ناولته عصاه ، فأكمل الرجل طريقه و قد علقت بذهنه رقة تلك الفتاة و حنانها .

و مرت الأيام ، و خرج الحاكم ليتفقد الرعية متنكراً كعادته ، و ما أن لبث أن سمع صراخاً و رأى دخاناً يتصاعد من أحد المنازل ، فأدرك على الفور أن حريقاً قد شبّ و أن هناك من يحتاج للمساعدة ، فركض مسرعاً للمساعدة في إخماد النيران ، و ما إن اجتاز البوابة الرئيسية حتى شاهد طفلين في أحد زوايا البهو الفسيح فحملهما و خرج مسرعاً .

ازدادت ضراوة النيران ، فتمسك به أحد الطفلين صارخاً : عمّاه ! أرجوك ساعد أختي ، لقد احتجزتها النيران في مطبخ المنزل .
أسرع الرجل و التقط قطعة قماش وجدها أمامه ، بللها و عاد بسرعة إلى داخل المنزل ، اقتحم النيران و أنقذ الصبية بشجاعة فائقة .
نظر الرجل إلى الفتاة و راعه ما رآه على وجهها و يديها من حروق ، أمّا شعرها فلم يكد يبقى منه شيء ، فأسرع بها إلى أحد المشافي القريبة و طلب إحضار أمهر الأطباء متكفلاً بدفع تكاليف علاجها مهما بلغت .

لعدة أيام تلت الحادثة عاود الحاكم زيارة المشفى دون أن يعرف أحد حقيقته ، و كان قسم كبير من وجه الفتاة مغطى بالشاش ، و عيناها شبه مغلقتان لما لحق بهما من أذى .

و بعد مضي بعض الأيام تحسنت حالة الفتاة و أخذت تكشف وجهها شيئاً فشيئاً ، و دخل الحاكم غرفة الفتاة ليطمئن إلى حالها ، و كانت مفاجأة عقدت لسانه ، يا إلهي ! إنها سميرة !! إنها تلك الفتاة الحنونة التي قدّمت له المساعدة رغم حاله المزرية ، فهل سيتركها على ما هي فيه و هو القادر على فعل الكثير؟؟

مرّت الأيام و الفتاة لا تغادر عقل الحاكم ، لم يتوقف عن التفكير بحالها ، و أوصى بألا تخرج من المشفى إلا بعد استكمال العلاج و إن كانت بحاجة قلتنقل إلى بلاد أخرى ، و ترك في المشفى مبلغاً كبيراً لتلك الغاية .

بعد أشهر عادت سميرة أو كادت إلى ما كانت عليه حالها قبل الحريق و عادت إلى منزلها ، و ذات يوم فوجئت بشاب يرتدي حلة ملكية يطرق الباب و يسأل عن والدها ، دعته للدخول بأدب و استحياء ، و ما إن رفعت رأسها و نظرت إليه حتى تذكرته !!

يا إلهي !! إنه ذلك الشاب الشجاع الذي اقتحم النيران لينقذها ، إنه نفس الرجل الذي لم ينقطع عن زيارة المشفى للاطمئنان عنها .
دخل الرجل الوسيم ، و كانت دهشة الأب كبيرة عندما رأى الحاكم في منزله ، رحّب به بحرارة تليق بالحاكم ، و كانت دهشته الممزوجة بالفرحة أكبر عندما طلب الحاكم يد سميرة لتكون زوجة له ، و لم يتمالك نفسه عن سؤاله : مولاي ،

إنه لشرف كبير لي ، و لكن أتأذن لي أن أسألك عن سرّ اختيارك سميرة رغم أن هناك الكثير من الفتيات الساحرات الجمال ، الرفيعات النسب ، و نحن كما تعلم من أسرة فقيرة متواضعة ، و سميرة لم تشف نهائياً من آثار الحروق في وجهها و يديها .

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الحاكم و قال : أيها الرجل الطيب ، أطلب سميرة لما رأيته منها من رهافة و رقة و محبة لمساعدة المحتاجين ، لقد قدّمت المساعدة لي عندما كنت عجوزاً قذر الثياب ، فأحببت أن تشاركني حياتي الأخرى لتنال جزاء ما قدّمته من إحسان .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الوسوم
قرأتهااا((قصة قصة مررت موقف
عودة
أعلى