وما قدروا الله حق قدره

المنسي

الاعضاء

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



وما قدروا الله حق قدره


الحمد لله القائل في محكم التنزيل { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}([1]) ؛ أحمده سبحانه وأشكره على رحمته بنا مع قوته وقهره وبطشه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ملكه ولا في تدبيره يحكم مايشاء ويفعل ما يريد ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله تنالوا الرضوان الإلهي والمحبة الربانية وعدكم بذلك ربكم يوم أن قال : }بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{(2) .
معاشر المحبين لربهم سألني أخ كريم بعد خطبة الجمعة الماضية سؤالاً رأيت له أهمية بالغة كان ذلك السؤال هو لماذا يعصي المرء ربه ؟ سؤال بسيط في شكله وصياغته ؛ولكنه عظيم في مضمونه ؛ وذلك لكونه صدر من فكر سليم منطقي فإذا عُرف السبب لذلك تمت معالجته ؛ فالطبيب أيها الأحبة في الله لا يكون حاذقاً إذا ذهب يعالج العرض ولم يتعرف على سبب المرض ؛ ولذلك سيظل المريض يعاني من المرض حتى يوفقه الله إلى طبيب يعرف سبب الداء فيعالجه فيكون الشفاء على يديه بإذن الله ، وهنا أيضاً في قضية الذنوب والمعاصي ما هي إلا عرض ولكن ما هو أصل الداء ؟ ولا أكتمكم سراً أن الكثير من الإجابات طرأ على ذهني ، وأنا أنقل السؤال الآن إليكم ما هو سبب الذنوب ؟ لاشك أن هناك الكثير من الإجابات ولكن بتوفيق من الله وجدت إجابة في كتاب الله تشخص الداء بدقة متناهية ألا وهي قول الله تعالى : }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{(3) ؛ فضعف عظمة الله في قلب العبد هي التي تدفعه لارتكاب معصية العظيم سبحانه ؛ فقولوا للعاصي يا من عصيت الله من أنت ؟ ومن تكون إلى جوار الأرض بما فيها من جبال وأشجار وأنهار وغيرها ، من أنت إلى جوار السماء بأفلاكها ونجومها وما فيها ؟ فهل علمت أن الأرض والسموات أدركت عظمة ربها وأنها لا تقدر على عصيانه وغضبه واستمع للذي خلقك وصورك يخبرك عن ذلك بقوله : }ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{(4). قولوا لمن يتلذذ بغير طاعة الله كيف تبغي غير ما شرعه الله لك وكل من في السموات والأرض اسلموا لربهم ؟ كيف تشذ عنهم؟ استمع لعتاب ربك لك ولأمثالك إذ يقول : }أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{(5) . يامن يسكنون بين هذه الجبال الشاهقة قولوا لمن يعصي الله قف إلى جوار أحد هذه الجبال وتأمل كيف يكون حالك فيما لو سقطت صخرة عظيمة منها على رأسك ؟ ماذا تفعل بك ؟ فمن أنت إلى جوار هذا الجبل العظيم ؟ هذا الجبل انهد واندك من عظمة الجبار واستمع لذلك في كتاب ربك إذ يقول سبحانه }وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ{(6). هذا الجبل يندك من عظمة الله ،هذا الجبل بصخاره الصماء يقف خاشعاً متصدعاً أمام كلمات الله }لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{7) فهل قطعت لحم في جسدك الضعيف المسكين تكون أشد قوة وصلابة من تلك الجبال؟ أم أنها ضعفت فيها عظمت الله ولم تقدر الله حق قدره ؟ ، قولوا لمن عصى الله أين أنت من النار العظيمة المتأججة التي أوقدت لحرق نبي الله إبراهيم فما ملكت يوم أن أمرها ربها بقوله }يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ{(8) إلا أن أطاعت ربها وخالقها فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم ،
 
قولوا له أين أنت من البحر الأجاج الذي ما تمالك يوم أن أمره ربه أن يكون طرقاً يبساً لموسى ومن معه إلا أن أطاع أمر ربه ومولاه ؟ أين أنت من القمر الذي يوم أن أمره ربه أن ينشق آية لرسولنا r فما تمالك إلا أن ينشق كما أمره ربه ؟ أين أنت من عصى موسى التي يوم أن يأمرها ربها تتحول إلى حية تسعى ويوم يأمرها ثانية تعود عصى جماد لا حياة فيها ؟ قولوا للعاصي أين أنت من حوت يونس بن متى الذي ابتلعه يوم أن أمره الله أن يبتلعه ، ثم أخرجه يوم أن أمره الله أن يخرجه ؟ قولوا له أين أنت من خلق الله كله فكل ما في هذا الكون في حالة عبودية دائمة لله واستمع لربك يخبرك عن ذلك بقوله : }تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا{(9) ؛ وبقوله جل في علاه : }أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ{(10). هذا الكون كله حيوانه وجماده ونباته في عبودية لله أترضى أن تكون أنت وحيداً فريداً طريداً مع العاصين ؟ قولوا للعاصي عصى قبلك قوم نوح فما كانت نهايتهم ؟ عصى قبلك قوم عاد فما كانت نهايتهم ؟ عصى قبلك قوم لوط فما كانت نهايتهم ؟ عصى قبلك فرعون فما كانت نهايته ؟عصى قبلك قارون فما كانت نهايته ؟ فمن أنت إلى جوار هذه الأعداد من البشر العاصين الذين أتموا بإبليس في معصيتهم لربهم ؟ من أعطاك الأمان بأن لا يصيبك ما أصابهم ؟ دعك من وعود إبليس فقد أخبرك ربك بقوله }يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا{(11). هل تعلم أنه غداً سيتنصل من وعوده تلك لك أستمع لربك الرحيم ينبئك عن ذلك بقوله : }وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{(12).أرأيت متى يتخلى عنك بعد أن يقع الفأس في الرأس ولا يمكنك التراجع والعودة ؟ فما رأيك إني اقترح عليك أن تعود الآن إلى ربك من هذا المكان وفي هذا الشهر وهذا ربك فاتح لك بابه لتلجه وتكون في زمرة التائبين الذين يحبهم الله }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{(13).هاهو يناديك بنداء ملؤه المحبة فيقول }قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{(14) . فهل تعود أم تكون ممن قال الله فيهم : }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{(3).

فاتقوا الله عباد الله واقدروا الله حق قدره ، فربكم غفور رحيم ودود شديد العقاب سبحانه أخبر عن ذلك بقوله : }نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ{(14) . أيها الأحبة في الله لقد أشار الحبيب المصطفى إلى أن العبد يوم يرتكب الذنب لا يكون مستحضراً لعظمة الله في قلبه بقوله : ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))(15). ولكن مما يتميز به العبد الذي عظم قدر الله في قلبه أن وإن عصى الله في حالة ضعف وغفلة إلا أنه يعود ويتوب إلى ربه أخبر بذلك الرؤوف الرحيم بقوله :} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{(16) .أيها الأحبة في الله فلنعظم الله في قلوبنا وقلوب زوجاتنا وأبنائنا ؛ من خلال التفكر في مخلوقات الله ، من خلال التفكر في نعم الله ، من خلال التفكر في حال الأمم التي من قبلنا وما حصل لها ،فإنها بإذن الله هي الدرع الحصين من الذنوب والمعاصي ؛ ولا ينظر أحدنا إلى صغر الذنب ولكن لينظر إلى عظم من عصى أيقظني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحفظنا من أن نكون ممن هم على ذنوبهم مصرين.

 
وما قدروا الله حق قدره
 
الوسوم
الله حق قدره قدروا وما
عودة
أعلى