الملامح العامة لمنهج أهل السنة والجماعة

خالدالطيب

شخصية هامة
الملامح العامة لمنهج أهل السنة والجماعة

إن الحمد لله, نحمده و نستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.. أما بعد..
لا يشك عاقل أننا في زمن انتشرت فيه فتن الشهوات والشبهات أكثر من ذي قبل ، وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أنه سيصيب آخر هذه الأمة بلاء وأمور منكرة و " وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ... " [ مسلم 1844 ]
ومع كثرة هذه الفتن واختلاط الأوراق تاه الكثيرون ، وضلت بهم الطريق ، فصاروا لا يميزون بين الموصل منها وغيره " ومن سنة البشر في حياتهم ، أن الطرق لا يمكن أن تسلك إلا بعلامات للاهتداء ، وإشارات للمسير ، توضح المراحل ، وتدفع المخاطر ، وتسهل اجتياز العقبات ، وتُيَسر قطع الفلوات " (1)
وبما أن الكثير من شباب أهل السنة والجماعة لا يعرفون الأصول والملامح العامة لمنهج أهل السنة والجماعة ، فإننا سنحاول بيانها وتجليتها في هذه السلسة من المقالات ، لعلها تكون عونا للسائرين على المنهج القويم ، سائلين المولى تبارك وتعالى التوفيق والسداد .

الأصل الأول
منهج التلقي عند أهل السنة والجماعة : القرآن والسنة
فأهل السنة والجماعة يعظمون القرآن والسنة ، " وينهلون من هذا المنهل العذب عقائدهم ، وعباداتهم ، ومعاملاتهم ، وسلوكهم وأخلاقهم ، فكل ما وافق الكتاب والسنة قبلوه وأثبتوه وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائنا من كان .
وهذا بخلاف أهل البدع والضلالة الذين أعرضوا هم هذين المصدرين ، سواء كانوا من الصوفية الذين أخذوا دينهم عن طريق الرؤى والأحلام والمكاشفات ، والذوق والوجد ، أو من الرافضة الذين أخذوه فيما يزعمون عن أئمتهم الذين ادعوا لهم العصمة ... أو من أهل الكلام الذين ألّهوا العقل وجعلوه حاكما على نصوص الوحي .
فأهل السنة والجماعة أغناهم الله بالكتاب والسنة عن ضلالات أهل الأرض (2) ، فهم يعرضون كل كلام على كلام الله جل وعلا وعلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن وافقهما قبلوه وأخذوا به ، وإن خالفهما ردوه وضربوا به عرض الحائط .
قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " [ الحجرات 1 ]
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .
وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم . (3)
وقال الشوكاني : " ومعنى الآية: لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به " . (4)
وقال الشنقيطي : " وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه الله.(5)
وقال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " [ النساء 59 ]
ففي الآية أمر بطاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء يشرط عدم مخالفتهم أمر الله و لا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن تنازع الناس واختلفوا في مسألة ما " فقد بين الواجب فيما تنازعوا بقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرســول وذلك بأن يعرض على كتاب الله، وسنة رسوله وما فيهما من القواعد العامة، والسيرة المطردة، فمـا كان موافقا لهما علم أنه صــالح لنا، ووجب الأخذ به، وما كان منافرا علم أنه غير صالح ووجب تركه وبذلك يزول التنازع وتجتمع الكلمة .." (6)
وفي الآية " يبين الله- سبحانه- شرط الإيمان وحد الإسلام في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة وقاعدة الحكم، ومصدر السلطان.. وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا، من جزئيات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال مما تختلف فيه العقول والآراء و الأفهام.. ليكون هنالك الميزان الثابت، الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام! إن « الحاكمية » لله وحده في حياة البشر- ما جل منها وما دق، وما كبر منها وما صغر- والله قد سن شريعة أودعها قرآنه. وأرسل بها رسولاً يبينها للناس. ولا ينطق عن الهوى. فسنته- صلى الله عليه وسلم- من ثمَ شريعة من شريعة الله.
والله واجب الطاعة ، ومن خصائص ألوهيته أن يسن الشريعة. فشريعته واجبة التنفيذ. وعلى الذين آمنوا أن يطيعوا الله- ابتداء- وأن يطيعوا الرسول- بما له من هذه الصفة. صفة الرسالة من الله- فطاعته إذن من طاعة الله، الذي أرسله بهذه الشريعة، وببيانها للناس في سنته.. وسنته وقضاؤه- على هذا- جزء من الشريعة واجب النفاذ.. والإيمان يتعلق- وجوداً وعدماً- بهذه الطاعة وهذا التنفيذ- بنص القرآن: " إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (7)
أخرج أحمد في مسنده ( 17174 ) عن المقدام بن معدي كرب الكندي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُــمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ .."
قال الشوكاني " والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام.(8)
قال الأوزاعي : القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن .
ويقول ابن القيم : " والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
الثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له.
الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه ، ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي - صلى الله عليه وسلم -: تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله " (9)
بل " كل الأقوال والأعمال توزن بأقواله وأعماله صلى الله عليه وسلم ، وكل الأحوال والسير توزن بسيرته وحاله ، فما وافقهما فهو الحق والخير والهدى ، وهو الذي يقبل من كائن من كان ، وما خالفهما فهو الباطل والشر والضلال ، وهو الذي يرد على صاحبه كائنا من كان ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أنه صلى الله عليه وسلم قال :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ " .
فـ" مخالفة السنة النبوية والهدي المحمدي وما كان عليه رسول صلى الله عليه وسلم في تنفيذ شرع الهت وتطبيق أحكامه وتمثيل الإسلام تمثيلا عمليا ، تلك المخالفة هي سبب كل بلاء لحق بالمسلمين حتى اليوم بحكم صريح هذه الآية (10) ، وقد ذكر المفسرون في تفسير الفتنة أشياء على وجه التمثيل لا على وجه الحصر والتحديد ، فذكروا الكفر والقتل ، والاستدراج بالنعم ، وقسوة القلب عن معرفة المعروف والمنكر ، والطّبع على القلب حتى لا يفقه شيئا ، وكل هذا قد أصاب المسلمين يسبب مخالفتهم " (11)

 
الوسوم
منتديات. شبكة. العربية. العامة
عودة
أعلى