يا ليت قومي يعلمون 2

المنسي

الاعضاء
الوقفة الرابعة : رفيقة الدرب

ولعل أحدهم حين خرج من قبره أن يلقى زوجته فيقول لها:
كم كنتُ أرتكب الحرام رداً لجميل وفائك وعظيم صبرك
وكم كنتُ أتساهل في الموبيقات من أجل سواد عينيك،
لـقـد كنت أسافر السفر المحرم والسياحة السيئة بسبب حبي لكِ
ومن أجل كلمة ثناء طيبه من لسانك العذب الرقيق،
وكنتُ أُدخل أجهزة الفساد إلى منزلي من أجل ما تشتكين من
فراغ قاتل على حد زعمك،لم أكن مقتنعاً بالكثير مما كنت
أفعله بل كنت أعرف أنه الطريق الخطأ ولكنني في سكرة
الهوى وحب الدنيا نسيت كل شيء،
لقد كانت عقوبة ذلك ناراً لا تطاق وجحيماً لا يحتمل
لقد كنت أستمع من كتاب الله إلى هذه الآيات
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

ولم أكن والله لأرد كلام ربي،ولكن سلطان الهوى حجب عني
تلك المخاطر حتى كنت أقول كيف تكون هذه الوردة الجميلة
عدواً يستوجب الحذر ،
الآن عرفت ذلك ولكن لم تعد تنفع المعرفة الآن ندمت ولكن
لات حين مندم،لقد كنت أسمع كلام الله،لكنه سماع أذن
لا سماع قلب،كنت أسمع قوله تعالى
{ فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ
* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }.


الوقفة الخامسة: ذبول وردة
هذه فتاة ماتت في عمر الورود كانت ترى الحياة مرحاً وسعادة،
كانت ترى أن أعظم السعادة هو أن تكون محط أنظار الناس
وسبب إعجابهم فلذلك سعت إلى التميز في كل شيء ،
في ملابسها في مشيتها،
سعت إلى جديد الموضات حلالاً كانت أو حرام،
تأخذها من أي وسيلة إعلامية،من المجلة أو التلفاز أو المحطة الفضائية،
المهم هو التميز مهما كانت الوسيلة،فمرة تشبهت بالكافرات،
ومرة تشبهت بالفاسقات،ومرة تشبهت بالممثلات والمغنيات،
ومن أجل هذا التميز وتلك الجاذبية نزلت إلى الأسواق ومجامع
الناس وقد ليست العباءة الضيقة لتتمتع على حد ظنها بالنظرات الجائعة،
ومن أجل هذا التميز خرجت في الحفلات بثياب تخرج أكثر جسدها،
وما سترته من جسدها فهو ضيق يجسّم عورتاها؛

يا ترى ما عساها أن تقول لو خرجت من قبرها وتكلمت :
يا أمي لقد رأيت عذاب الله تعالى في ذلك القبر الموحش،

رأيت عذاب الله حين أغريت الشباب ورأيت حين كنت أسوة سيئة
للفتيات وقدوة سيئة لأختي الصغيرة في دخول هذه الطرق،
أماه إذا كان هذا ما أصابني بسبب إقتداء أختي بي،
فما ظنك بعذاب الله لمن كانت السبب الأول في انتشاره
وما الظن بعذاب الله تعالى لمن يصنع هذه العباءات أو يبيعها،


أماه لقد كنت أبدي مفاتن جسدي بطرق متعددة فمرة بالنقاب
الواسع الذي يبدي عينين كحيلتين ويظهر أهداباً كسهام مريّشة حادة،
أغرسها في قلوب الرجال لتصيبها في مقتل ومرة أدع العنان
لعباءتي لتسفر عن نحرٍ أبيض و جيِد فضي،كوجهي في الضحى
فتطير لذلك عقول وتضطرب أفئدة،أو أظهر قواماً كغصن البان
حتى أطرب لتأوهات المفتونين،
ومرات ومرات كنت أغش الحفلات وقد خلعت جلباب الحياء
فأنا كاسية عارية إذا رآني الرائي فلا يخالني إلا في حفلة غربية ماجنه ،
أبديت فيها عضداً كجمّارة نخلة فتية وأظهرت ساقاً وجزءاً
من فخذ وظهر،فعلت كل ذلك حتى أبدو متميزة في مظهري،

أتدرين يا أماه كيف آلت بي الحال في قبري لقد سالت تلك الأعين

النجل مع سهامها المريّشة على خد متعفن مجعّد أسود،
وصار ذلك النحر الفضي قطعة جلد أسود تتدلا أطرافه على
عظام نخرة لتلامس قلباً طالما امتلأ بالهوى القاتل والغرور
بالدنيا الفانية وطول الأمل الكاذب،


لا أدري يا أماه كيف كنت أرى الدنيا طويلة طويلة،وأنا أرى الناس
يموتون كل يوم ممن حولنا من الجيران والأقارب والأصدقاء،
لا يفرق ملك الموت بين صغير وكبير وغني وفقير وملك وحقير،
لله يا أماه كم كانت تلك المواعظ ترق أذني وتشاهدها عيني وتحسها
يدي ومع ذلك لا أجد لها في نفسي أثرا إن السبب هو غلبة الهوى
وحب الدنيا من الشهرة والتميز الكاذب والمفاخرة
الجوفاء وحينئذ فقط عرفت معنى قول الله تعالى
{ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى
سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ }


أماه إن ما أفعله هي منافسة ومسابقة ولكنها مسابقة لتحصيل
نبات أخضر بهيج ولكنه بعد برهة يأول سريعاً إلى زوال،
والسباق الحقيقي الثابت النافع إنما هو لتحصيل مغفرة الله تعالى وجناته
{ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي
الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ

اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }


{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ

وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ

اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.




 
الوسوم
2 قومي ليت يا يعلمون
عودة
أعلى